وأمّا القسم الرابع : وهو ما كان الحكم فيه متعلّقاً بما هو متعلّق بنفس الطبيعة وصرف الوجود ، فيستحيل تحقّقه في التكاليف التحريمية ، ويظهر وجهها ممّا ذكرناه(1) من استحالة تعلّق الحرمة بصرف وجود المتعلّق ، بل لابدّ من لحاظه سارياً أو مجموعاً .
نعم يعقل ذلك في التكليف الوجوبي ، بأن يكون وجود الموضوع في الجملة موجباً لحدوث المصلحة في الفعل المتعلّق به ، من غير فرق بين تعدّد وجوده في الخارج ووحدته ، إلاّ من جهة التوسعة في مقام الامتثال وضيقه ، وإلاّ فالوجوب يتقوّم بصرف الوجود ، من دون دخل لكثرة الأفراد وقلّتها فيه أصلا ، وهذا كوجوب الوضوء بالماء ، فإنّه متقوّم بوجود الماء في الخارج مقدار ما يكفي للوضوء ، من غير فرق بين كثرته وقلّته ، إلاّ من جهة التوسعة والتضييق في مقام الامتثال .
وحينئذ فإن شكّ في أصل وجود الموضوع فلا ريب في أنّه مورد للبراءة عقلا ونقلا ، وإن شكّ في انطباقه على موجود خارجي مع العلم بوجوده ولو في ضمن فرد آخر ، كما إذا علم وجود الماء في الجملة معيّناً أو غير معيّن ، وشكّ في ــــــــــــــــــــــــــــ (1) في ص75 .
ــ[81]ــ
انطباقه على مائع خارجي ، فالحكم فيه هو الاشتغال ، ولزوم إحراز الامتثال يقيناً .
هذا كلّه في حكم كلّي المسألة ، وأمّا في خصوص المثال فلا يمكن الرجوع فيه إلى البراءة ولو مع الشكّ في أصل وجود الماء في الخارج ، وذلك من جهة العلم الإجمالي بوجوب الطهارة على المكلّف ، المردّدة بين المائية والترابية ، فإنّه مانع عن إجراء البراءة من وجوب الوضوء ، إذ لا يثبت به فقدان الماء الذي هو موضوع لوجوب التيمّم ، فلابدّ من الفحص وإحراز أنّه واجد أو فاقد ، ومع عدمه لا يجوز الاكتفاء بالتيمّم في امتثال الأمر بالصلاة المشروطة بالطهارة .
ومنه يعلم أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ العلاّمة (قدّس سرّه)(1) ـ من كون وجوب الفحص من جهة النصّ(2) وعلى خلاف القاعدة ـ ليس على ما ينبغي ، بل لولا النصّ في المقام لحكمنا بوجوبه حتّى يحصل اليأس أو يبلغ إلى مرتبة العسر والحرج ، فالنصّ هو الذي أوجب الترخيص في ترك الفحص في المقدار الزائد على الحدّ الشرعي ، ولو كان هناك رجاء الوجدان ولم يكن فيه عسر أصلا . ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رسالة الصلاة في المشكوك : 226 ، 227 . (2) الوسائل 3 : 341 / أبواب التيمّم ب1 ح2 .
|