حفظ كتب الضلال 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7943


حفظ كتب الضلال

قوله : السابعة : حفظ كتب الضلال حرام في الجملة بلا خلاف(3).

أقول : قال الشيخ في غنائم المبسوط : إذا وجد في المغنم كتب نظر فيها ـ  إلى أن قال ـ : وإن كانت كتباً لا يحلّ إمساكه كالكفر والزندقة وما أشبه ذلك لا يجوز بيعه . ثم حكم بوجوب تمزيقها وإتلافها ، وحكم بكون التوراة والإنجيل من هذا القبيل ، لوقوع التحريف فيهما(4). ونحوه العلاّمة في غنائم التذكرة(5).

ثم إنّ المراد بكتب الضلال كل ما وضع لغرض الإضلال وإغواء الناس وأوجب الضلالة والغواية في الاعتقادات أو الفروع ، فيشمل كتب الفحش والهجو والسخرية ، وكتب القصص والحكايات والجرائد المشتملة على الضلالة

ــــــــــــــ
(3) المكاسب 1 : 233 .

(4) المبسوط 2 : 30 .

(5) التذكرة 9 : 127 .

ــ[395]ــ

وبعض كتب الحكمة والعرفان والسحر والكهانة ونحوها ممّا يوجب الإضلال .

وقد استدلّ على حرمة الحفظ بوجوه :

الأول : حكم العقل بوجوب قلع مادّة الفساد .

وفيه : أنّ مدرك حكمه إن كان هو حسن العدل وقبح الظلم ، بدعوى أنّ قلع مادّة الفساد حسن ، وحفظها ظلم وهتك للشارع ، فيرد عليه أنه لا دليل على وجوب دفع الظلم في جميع الموارد ، وإلاّ لوجب على الله وعلى الأنبياء والأوصياء الممانعة عن الظلم تكويناً ، مع أنه تعالى هو الذي أقدر الإنسان على فعل الخير والشرّ ، وهداه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً .

وإن كان مدرك حكمه وجوب الإطاعة وحرمة المعصية لأمره تعالى بقلع مادّة الفساد ، فلا دليل على ذلك إلاّ في موارد خاصّة ، كما في كسر الأصنام والصلبان وسائر هياكل العبادة . وأمّا التمسّك برواية تحف العقول في استفادة كلّية الحكم فسيأتي الكلام فيه .

نعم إذا كان الفساد موجباً لوهن الحقّ وسدّ بابه ، وإحياء الباطل وتشييد كلمته ، وجب دفعه ، لأهميّة حفظ الشريعة المقدّسة . ولكنّه أيضاً وجوب شرعي في مورد خاص ، فلا يرتبط بحكم العقل بقلع مادّة الفساد .

الوجه الثاني : قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(1). فقد قيل(2) في تفسير الآية : أن يشتري كتاباً فيه لهو الحديث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لقمان 31 : 6 .

(2) في تفسير التبيان 8 : 271 : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) : أي يستبدل لهو الحديث ، قيل في معناه قولان ، أحدهما : أن يشتري كتاباً فيه لهو الحديث . الثاني : أنه يشتري لهو الحديث عن الحديث .

ــ[396]ــ

فتشمل حفظ كتب الضلال أيضاً .

وفيه أولا : أنّ المذموم في ظاهر الآية هو اشتراء لهو الحديث للإضلال ، ومن الواضح أنّ هذا المعنى أجنبي عن حفظ كتب الضلال ، لعدم العلم بترتّب الغاية المحرّمة عليه ، غاية الأمر احتمال ترتّب الإضلال على الحفظ .

وثانياً : أنّا إذا سلّمنا ذلك فالمستفاد من الآية حرمة اشتراء كتب الضلال ، ولا دلالة فيها على حرمة إبقائها وحفظها بعد الشراء ، كما أنّ التصوير حرام وأمّا اقتناؤه فليس بحرام ، والزنا حرام وتربية أولاد الزنا ليس بحرام ، وقد تقدّم ذلك في البحث عن جواز اقتناء الصور المحرّمة(1).

وثالثاً : أنه قيل(2): إنّ الآية قد نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة ، فإنه كان يشتري كتباً فيها أحاديث الفرس من حديث رستم واسفنديار ، وكان يلهي الناس بذلك ، ويظرف به ليصدّهم عن سماع القرآن وتدبّر ما فيه ، نظير الجرائد المعروفة في هذا الزمان ، فإنّها مشتملة على الاُمور اللاهية التي تصدّ الناس عن الحقّ  .

ورابعاً : ما ذكره المحقّق الإيرواني من : أنّ المراد من الاشتراء هو التعاطي وهو كناية عن التحدّث به ، وهذا داخل في الإضلال عن سبيل الله بسبب التحدّث بلهو الحديث ، ولا إشكال في حرمة الإضلال ، وذلك غير ما نحن فيه من إعدام ما يوجب الإضلال(3).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص364 .

(2) راجع الموضع المزبور من التبيان .

(3) حاشية المكاسب (الإيرواني) 1 : 152 .

ــ[397]ــ

الوجه الثالث : قوله تعالى : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)(1).

وفيه : أنّ قول الزور قد فسّر بالكذب(2) وسيأتي في مبحث حرمة الغناء(3)تفسير قول الزور بالغناء في جملة من الروايات ، ولا منافاة بين التفسيرين  ، فإنّ كلا منهما لبيان المصداق ، وقد ذكرنا في مبحث التفسير(4) أنّ القرآن لا يختص بطائفة ولا بمصداق ، وإلاّ لنفد بنفاد تلك الطائفة وانعدام ذلك المصداق ، بل القرآن يجري مجرى الشمس والقمر ، كما في عدّة من الروايات ، وقد ذكرنا جملة منها في مقدّمات التفسير ، وجمعها في مرآة الأنوار المعروف بمقدّمة تفسير البرهان(5)، وكيف كان فالآية غريبة عمّا نحن فيه .

لا يقال : إنّ الآية تدلّ على إعدام كتب الضلال ، لكونها من أظهر مصاديق الكذب ، بل هي كذب على الله ورسوله .

فإنه يقال : غاية ما يستفاد من الآية وجوب الاجتناب عن التكلّم بالكذب وأمّا إعدامه فلا ، وإلاّ لوجب إعدام جميع ما فيه كذب ، كأكثر التواريخ ونحوها ، ولم يلتزم به أحد من المحصّلين فضلا عن الفقهاء .

الوجه الرابع : أنّ جملة من فقرات رواية تحف العقول تدلّ على حرمة حفظ كتب الضلال ، منها : قوله (عليه السلام) : « إنّما حرّم الله الصناعة التي يجيء منها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحج 22 : 30 .

(2) في تفسير التبيان 7 : 312 : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) يعني الكذب ، وروى أصحابنا أنه يدخل فيه الغناء وسائر الأقوال الملهية .

(3) في ص470 ، الهامش (4) .

(4) البيان في تفسير القرآن : 22 .

(5) مرآة الأنوار : 5 .

ــ[398]ــ

الفساد محضاً » بدعوى أنّ مفهوم الحصر يقتضي حرمة الصناعة المحرّمة بجميع منافعها ، ومنها الحفظ .

وفيه : أنّ حرمة الصناعة لا تلازم حرمة إبقاء المصنوع كما تقدّم في مبحث إبقاء الصور المحرّمة . فغاية ما تدل عليه الرواية أنّ تأليف كتب الضلال أو استنساخها من المحرّمات ، لصدق الصناعة عليهما ، ولا تدلّ على حرمة الإبقاء .

ومنها : قوله (عليه السلام) : « وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ـ إلى قوله (عليه السلام) : ـ وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات كلّها » .

وفيه : أنّ صدق التقلّب على الحفظ ممنوع ، خصوصاً إذا كان غرض الحافظ عدم وقوع كتب الضلال في أيدي الناس لتوجب إضلالهم .

ومنها : قوله (عليه السلام) : « أو يقوى به الكفر والشرك في جميع وجوه المعاصي ، أو باب يوهن به الحق ، فهو حرام محرّم بيعه وشراؤه وإمساكه » .

وفيه : أنّ الكبرى وإن كانت مسلّمة ، ولكن للمناقشة في الصغرى مجالا واسعاً ، لمنع كون الحفظ تقوية للكفر وإهانة للحق كما هو واضح ، إلاّ أن يكون بهذا الداعي .

ويضاف إلى جميع ما ذكرناه من الأجوبة أنّها ضعيفة السند ، وغير منجبرة بشيء كما تقدّم ، فلا تصلح أن تكون مستنداً لشيء من الأحكام الشرعية .

الوجه الخامس : حسنة عبدالملك بن أعين التي تقدّمت في مبحث التنجيم(1) حيث سأل عن ابتلائه بالنجوم « فقال لي : تقضي ؟ قلت : نعم ، قال : احرق كتبك » .

وفيه : أنّ مقتضى التفصيل فيها القاطع للشركة هو جواز الحفظ مع عدم الحكم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص390 .

ــ[399]ــ

الوجه السادس : الإجماع . وفيه أولا : أنّا لا نسلّم تحقّقه على المطلوب ، ولذا قال في الحدائق(1) ما حاصله : أنه لا دليل على حرمة حفظ كتب الضلال . وأمّا الوجوه التي أقاموها على حرمته فهي تخمينية اعتبارية لا يجوز الاعتماد عليها في الأحكام الشرعية .

وثانياً : لو سلّمنا تحقّقه على المطلوب فليس إجماعاً تعبّدياً ، لاحتمال استناده إلى الوجوه المذكورة في المسألة . ولو سلّمنا جميع ذلك فالمتيقّن من الإجماع ما يترتّب عليه الإضلال خارجاً ، ولا ريب أنّ حرمة إضلال الناس عن الحقّ من الضروريات بين المسلمين ، فلا يحتاج في إثباتها إلى الإجماع .

ثم لو سلّمنا حرمة حفظ كتب الضلال فإنّه لا بأس بحفظها لردّها ، أو إظهار ما فيها من العقائد الخرافية والقصص المضحكة والأحكام الواهية .

وممّا ذكرناه ظهر حكم المعاملة عليها وضعاً وتكليفاً ، وكذلك ظهر حكم كتب المخالفين المدوّنة في الفقه والعقائد والأخبار وغيرها .
ــــــــــــــ

(1) الحدائق 18 : 141 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net