مدح من لا يستحقّ المدح 

الكتاب : مصباح الفقاهة في المعاملات - المكاسب المحرمة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8710


ــ[647]ــ

مدح من لا يستحقّ المدح

قوله : الحادية والعشرون : مدح من لا يستحقّ المدح أو يستحقّ الذمّ(1).

أقول : حكى المصنّف أنّ العلاّمة(2) عدّ مدح من لا يستحقّ المدح أو يستحقّ الذمّ في عداد المكاسب المحرّمة ، ثمّ وجّه كلامه بوجوه : الأول : حكم العقل بقبح ذلك . الثاني : قوله تعالى : (وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)(3). الثالث  : ما رواه الصدوق عن النبي (صلّى الله عليه وآله) : « من عظم صاحب دنياً وأحبّه لطمع دنياه سخط الله عليه ، وكان في درجة مع قارون في التابوت الأسفل من النار  »(4). الرابع : ما في حديث المناهي من قوله (صلّى الله عليه وآله) : « من مدح سلطاناً جائراً أو تحفّف أو تضعضع له طمعاً فيه كان قرينه في النار »(5).

ولكن الظاهر أنّ الوجوه المذكورة لا تدلّ على مقصود المصنّف . أمّا العقل فإنّه لا يحكم بقبح مدح من لا يستحقّ المدح بعنوانه الأوّلي ما لم ينطبق عليه عنوان آخر ممّا يستقلّ العقل بقبحه ، كتقوية الظالم ، وإهانة المظلوم ونحوهما .

وأمّا الآية فهي تدلّ على حرمة الركون إلى الظالم والميل إليه ، فلا ربط لها

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 2 : 51 .

(2) التذكرة 12 : 144 ، التحرير 2 : 260 .

(3) هود 11 : 113 .

(4) راجع الوسائل 17 : 181 / أبواب ما يكتسب به ب42 ح14 ، وعقاب الأعمال : 331 . وهي مجهولة بموسى بن عمران النخعي النوفلي ، وعمّه الحسين بن يزيد ، ومبشّر ] في المصدر : ميسرة  [  ، وأبي عائشة ، ويزيد بن عمر وغيرهم .

(5) وهي مجهولة بشعيب بن واقد . راجع الوسائل 17 : 183 / أبواب ما يكتسب به ب43 ح1 . والوافي 5 : 1073 / 8 . أقول : الحفف بالحاء المهملة : الضيق وقلّة المعيشة . والحفوف  : الاعتناء بالشيء ومدحه . التضعضع : الخضوع .

ــ[648]ــ

بالمقام . وسيأتي الاستدلال بها على حرمة معونة الظالمين .

وأمّا النبوي الذي رواه الصدوق فإنّه يدلّ على حرمة تعظيم صاحب المال وإجلاله طمعاً في ماله ، فهو بعيد عمّا نحن فيه .

وأمّا حديث المناهي ففيه أولا : أنّه ضعيف السند . وثانياً : أنّه دالّ على حرمة مدح السلطان الجائر ، وحرمة تعظيمه طمعاً في ماله ، أو تحصيلا لرضاه .

وعلى الجملة : إنّ الوجوه التي ذكرها المصنّف لا تدلّ على حرمة مدح من لا يستحقّ المدح في نفسه ، فإنّ النسبة بينه وبين العناوين المحرّمة المذكورة هي العموم من وجه ، وعليه فلا وجه لجعل العنوان المذكور من المكاسب المحرّمة كما صنعه العلاّمة وتبعه غيره .

ثمّ إنّ مدح من لا يستحقّ المدح قد يكون بالجملة الخبرية ، وقد يكون بالجملة الإنشائية . أمّا الأول فهو كذب محرّم ، إلاّ إذا قامت قرينة على إرادة المبالغة  . وأمّا الثاني فلا محذور فيه ما لم ينطبق عليه شيء من العناوين المحرّمة المذكورة ، أو كان المدح لمن وجبت البراءة منه ، كالمبدع في الدين ، وقد تقدّم ذلك في مبحث الغيبة ومبحث حرمة سبّ المؤمن(1).

ولا يخفى أنّ حرمة مدح من لا يستحقّ المدح على وجه الإطلاق أو فيما انطبق عليه عنوان محرّم إنّما هي فيما إذا لم يلتجئ إلى المدح لدفع خوف أو ضرر بدني أو مالي أو عرضي ، وإلاّ فلا شبهة في الجواز . ويدلّ عليه قولهم (عليهم السلام) في عدّة روايات : إنّ « شرّ الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتّقاء شرّهم »(2).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص542 ، 435 .

(2) راجع الكافي 2 : 326 / 2 ، 4 . والوافي 2 : 196 وصيّة النبي (صلّى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) .

وفي سنن البيهقي 10 : 245 : « إنّ شرّ الناس منزلة يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتّقاء فحشه » .

ــ[649]ــ

وكذلك تدلّ عليه أخبار التقيّة ، فإنّها تدلّ على جوازها في كل ضرورة وخوف .

حرمة معونة الظالمين

قوله : الثانية والعشرون : معونة الظالمين في ظلمهم حرام بالأدلّة الأربعة
وهو من الكبائر(1).

أقول : ما هو حكم معونة الظالمين ؟ وما هو حكم أعوان الظلمة ؟ وما هو حكم إعانتهم في غير جهة الظلم من الاُمور السائغة ، كالبناية والنجارة والخياطة ونحوها ؟

أمّا معونة الظالمين في ظلمهم فالظاهر أنّها غير جائزة بلا خلاف بين المسلمين قاطبة ، بل بين عقلاء العالم ، بل التزم جمع كثير من الخاصّة والعامّة(2)بحرمة الإعانة على مطلق الحرام ، وحرمة مقدّماته .

ويدلّ على حرمتها العقل ، والإجماع المستند إلى الوجوه المذكورة في المسألة وقوله تعالى : (وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)(3) فإنّ الركون المحرّم هو الميل إليهم ، فيدلّ على حرمة إعانتهم بطريق الأولوية . أو المراد من الركون المحرّم هو الدخول معهم في ظلمهم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 2 : 53 .

(2) قد تقدّم ذلك في ص282 . وفي سنن البيهقي 10 : 234 نهى عن الإعانة على ظلم .

(3) هود 11 : 113 .

ــ[650]ــ

وأمّا الاستدلال على حرمتها بقوله تعالى : (وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(1) كما في المستند(2) وغيره فقد تقدّم جوابه في البحث عن حكم الإعانة على الإثم(3)، وقلنا : إنّ التعاون غير الإعانة ، فإنّ الأول من باب الإفعال ، والثاني من باب التفاعل ، فحرمة أحدهما لا تسري إلى الآخر .

وتدلّ على حرمة معونة الظالمين أيضاً الروايات المستفيضة ، بل المتواترة(4).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 2 .

(2) المستند 14 : 152 .

(3) في ص283 .

(4) ففي الكافي 5 : 106 / 5 ، والوافي 17 : 154 / 5 ، والوسائل 17 : 179 / أبواب ما يكتسب به ب42 ح5 عن أبي بصير قال : « سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أعمالهم ؟ فقال لي : ياأبا محمّد لا ، ولا مدّة بقلم ، إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله » وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم .

وفي البابين المذكورين من الوافي والوسائل : 180 / 9 ، التهذيب 6 : 329 / 913 عن ابن بنت الوليد « من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع حشره الله يوم القيامة خنزيراً » وهي مجهولة بابن بنت الوليد .

وفي الباب المتقدّم من الوسائل : 177 / 1 ، 16 : 260 / أبواب الأمر والنهي ب38 ح3 عن الكافي ] 8 : 16 / 2 [ عن أبي حمزة عن السجّاد (عليه السلام) قال : « إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ، ومجاورة الفاسقين ، احذروا فتنتهم ، وتباعدوا عن ساحتهم » وهي صحيحة . وغير ذلك من الروايات الكثيرة المذكورة في المصادر المتقدّمة ، وفي المستدرك 13 : 122/ أبواب ما يكتسب به ب35، والوسائل 17:185/ أبواب ما يكتسب به ب44 ، 45 .

والوسائل 16 : 55 / أبواب جهاد النفس ب80 ح1 ، 2 ، والوافي 5 : 969 / 17 ، 19 والكافي 2 : 333 / 16 ، 18 ] في الوسائل والكافي : من عذر ظالماً ... [ عن طلحة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم » وهي ضعيفة بطلحة ومحمد بن سنان . وفي رواية ابن سنان عنه (عليه السلام) : « من أعان ظالماً بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه » وهي مجهولة بأبي نهشل .

ــ[651]ــ

وأمّا دخول الإنسان في أعوان الظلمة فلا شبهة أيضاً في حرمته ، ويدلّ عليها جميع ما دلّ على حرمة معونة الظالمين في ظلمهم ، وغير ذلك من الأخبار الناهية عن الدخول في حزبهم وتسويد الاسم في ديوانهم . وقد أشرنا إلى مصادرها في الهامش  .

حرمة إعانة الظالمين في غير جهة ظلمهم

وأمّا إعانة الظالمين في غير جهة ظلمهم بالاُمور السائغة ، كالبناية والخبازة ونحوهما فلا بأس بها ، سواء أكان ذلك مع الاُجرة أم بدونها ، بشرط أن لا يعدّ بذلك من أعوان الظلمة عرفاً ، وإلاّ كانت محرّمة كما عرفت .

وقد يستدلّ على حرمتها بروايات :

منها : رواية محمد بن عذافر عن أبيه(1) الظاهرة في حرمة المعاملة مع الظلمة  .

وفيه أولا : أنّ الرواية ضعيفة السند . وثانياً : أنّ قوله (عليه السلام) : «  ياعذافر نبّئت أنّك تعامل أبا أيّوب والربيع ، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة » ظاهر في أنّ عذافر كان يدأب على المعاملة مع الظلمة ، بحيث ألحقه بأعوانهم ، وعليه فمورد الرواية أجنبي عن المقام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي ضعيفة بسهل . راجع الكافي 5 : 105 / 1 ، والوافي 17 : 151 / 1 ، والوسائل 17 : 178 / أبواب ما يكتسب به ب42 ح3 .

ــ[652]ــ

ومنها : رواية ابن أبي يعفور(1) الظاهرة في ردع السائل عن إعانة الظالمين في الجهات السائغة .

وفيه : أنّ الظاهر من قول السائل : « ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة فيدعى إلى البناء » إلخ ، أنّ الرجل منهم تصيبه الشدّة فيلتجئ إلى الظالمين ، ويتدرّج به الأمر حتّى يكون من أعوان الظلمة ، بحيث يكون ارتزاقه من قبلهم ، ولذلك طبّق الإمام (عليه السلام) عليهم قوله : « إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتّى يحكم الله بين العباد » . فهذه الرواية أيضاً خارجة عن مورد الكلام ، على أنّها ضعيفة السند .

ومع الإغضاء عن ذلك فقوله (عليه السلام) : « ما أحبّ أنّي عقدت لهم عقدة » إلخ لو لم يكن ظاهراً في الكراهة فلا ظهور له في الحرمة ، فتكون الرواية مجملة .

ومنها : رواية العيّاشي الدالّة على أنّ السعي في حوائج الظالمين عديل الكفر والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحقّ بها النار(2).

وفيه أولا : أنّها ضعيفة السند . وثانياً : أنّ الظاهر من إضافة الحوائج إلى الظالمين ولو بمناسبة الحكم والموضوع كون السعي في حوائجهم المتعلّقة بالظلم .

ومن هنا ظهر الجواب عن رواية السكوني عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) «  قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين أعوان الظلمة ، ومن لاق لهم دواة أو ربط كيساً أو مدّ لهم مدّة قلم فاحشروهم معهم »(3). وكذلك ظهر الجواب عن رواية أبي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي مجهولة ببشير . راجع المصادر المتقدّمة في الحاشية السابقة .

(2) وهي مرسلة . راجع الوسائل 17 : 191 / أبواب ما يكتسب به ب45 ح12 ، تفسير العياشي 1 : 238 / 110 .

(3) وهي موثّقة بالسكوني . راجع الوسائل 17 : 180 / أبواب ما يكتسب به ب42 ح11 .

ــ[653]ــ

حمزة عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : « إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين » وقد تقدّمت هذه الرواية في الحاشية .

ومنها : رواية الشيخ عن ابن أبي عمير عن يونس بن يعقوب قال « قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : لا تعنهم على بناء مسجد »(1).

وفيه : أنّ إعانتهم على بناء المسجد لهم نحو من تعظيم شوكتهم ، فيكون كمسجد ضرار الذي ذكره الله في الكتاب(2) وتبعد الرواية عمّا نحن بصدده  .

ومنها : رواية صفوان الظاهرة في ردعه عن إكراء الجمال من هارون الرشيد(3).

وفيه أولا : أنّها ضعيفة السند . وثانياً : أنّ الرواية أدلّ على الجواز ، فإنّ الإمام (عليه السلام) إنّما ردعه عن محبّة بقائهم ، ويدلّ على هذا من الرواية قوله (عليه السلام) : « أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك ؟ قلت : نعم ، قال : من أحبّ بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان وروده إلى النار » .

ومع الإغضاء عن جميع ذلك ، وتسليم دلالة الروايات المذكورة على الحرمة فالسيرة القطعية قائمة على جواز إعانة الظالمين بالاُمور المباحة في غير جهة ظلمهم فتكون هذه السيرة قرينة لحمل الروايات على غير هذه الصورة .

والحاصل : أنّ المحرّم من العمل للظلمة قسمان ، الأول : إعانتهم على الظلم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) طريقه إلى ابن أبي عمير ثلاثة طرق حسنات في المشيخة ] من التهذيب 10 : 79 [ والفهرست ] 142 / 617 [ . راجع الباب المتقدّم في الوسائل ح8 ، والتهذيب 6 : 338 / 941 ، والوافي 17 : 160 / 17 .

(2) وهو قوله تعالى في سورة التوبة 9 : 107 : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً) .

(3) وهي مجهولة بمحمد بن إسماعيل الرازي . راجع الباب المتقدّم من الوسائل ح17 .

ــ[654]ــ

والثاني : صيرورة الإنسان من أعوانهم ، بحيث يعدّ في العرف من المنسوبين إليهم بأن يقال : هذا كاتب الظالم ، وهذا معماره ، وذاك خازنه . وقد عرفت حرمة كلا القسمين بالأدلّة المتقدّمة ، وأمّا غير ذلك فلا دليل على حرمته .

ثمّ إنّ المراد من الظالم المبحوث عن حكم إعانته ليس هو مطلق العاصي الظالم لنفسه ، بل المراد به هو الظالم للغير ، كما هو ظاهر جملة من الروايات التي تقدّم بعضها ، بل هو صريح جملة اُخرى منها ، وعليه فمورد الحرمة يختصّ بالثاني .

على أنّه قد تقدّم في البحث عن حكم الإعانة على الإثم(1) أنّه لا دليل على حرمتها على وجه الإطلاق ما لم يكن في البين تسبيب ، وقلنا في المبحث المذكور : إنّ الإعانة على الظلم حرام للأدلّة الخاصّة ، فلا ربط لها بمطلق الإعانة على الإثم .
ــــــــــــــــ

(1) في ص283 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net