مناقشات كاشف الغطاء (قدس سره) حول إفادة المعاطاة الملك 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4772


مناقشة كلام كاشف الغطاء (قدّس سرّه)

بقي هناك شيء وهو أنّه هل يمكن الالتزام بافادة المعاطاة الملك بمجرد استبعادات كاشف الغطاء(1) مع قطع النظر عن الوجوه المتقدّمة الدالّة على المطلوب أو أنّها استبعادات محضة لا تثبت المطلوب ولا يمكن الالتزام بمجردها بإفادة المعاطاة الملك ، فيقع الكلام في أنّه هل يمكن الالتزام بافادة المعاطاة الملك من جهة ما أفاده كاشف الغطاء من أنّ القول بافادة المعاطاة إباحة التصرفات يستلزم تأسيس قواعد جديدة ، أو لا يمكن الالتزام بها بمجرد استبعاداته (قدّس سرّه) .

من تلك القواعد التي ذكر (قدّس سرّه) أنّه يلزم تأسيسها بناءً على القول بأنّ المعاطاة تفيد الإباحة لزوم أن لا يقع ما قصد ووقوع ما لم يقصد مع أنّ العقود تابعة للقصود ، وذلك لأنّ مقصود المتبائعين في المعاطاة إنّما هو الملك ، فإذا قلنا بأنّها تفيد حلّية التصرّفات دون الملك فيلزم المحذور من وقوع ما لم يقصد وعدم وقوع المقصود .

وقد أجاب عنه شيخنا الأنصاري (رحمه الله)(2) بالحلّ والنقض .

أمّا الحلّ : فهو أنّ تبعية العقود للقصود إنّما هي في العقود الصحيحة الممضاة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح القواعد : 50 .

(2) المكاسب 3 : 46 ـ 48 .

ــ[83]ــ

شرعاً ، وذلك لأنّ معنى الصحّة هو ترتّب الأثر المقصود ، فلا يعقل الحكم بالصحّة مع عدم ترتّب الأثر المقصود .

وأمّا المعاطاة فهي عند القائل بالاباحة ليست من العقود الصحيحة ليكون الحكم بصحّتها مع عدم ترتّب الأثر المقصود عليها مستحيلا ، بل هي معاملة فعلية لم يدلّ على صحّتها دليل ، وإنّما حكم فيها بالاباحة بدليل خاصّ دلّ عليها .

وأمّا النقض ، فقد أورد عليه بنقوض خمسة :

الأوّل : بالبيع الفاسد ، فإنّ المشهور ذهبوا إلى أنّه يوجب الضمان بالمثل أو القيمة الواقعية فيما إذا كان يضمن بصحيحه ، مع أنّ مقصود المتبائعين الضمان بالمسمّى لا البدل الواقعي أعني المثل أو القيمة ، فلزم هناك أن يقع ما لم يقصد وعدم وقوع ما قصد ، فهذا ليس أمراً غريباً لوقوعه في الشريعة ، ثمّ أفاد أنّ الضمان بالمثل أو القيمة ليس مستنداً إلى قاعدة اليد في المقام وإنّما الوجه فيه هو إقدامهما على الضمان  .

الثاني : الشرط الفاسد ، فإنّ المشهور أنّه لا يوجب فساد المعاملة ، فالواقع هي المعاملة المجرّدة عن الشرط مع أنّ المقصود هو المعاملة المقرونة بالشرط .

الثالث : بيع ما يُملك وما لا يُملك وبيع ما يَملك وما لا يَملك كبيع الخنزير مع الشاة وبيع دار نفسه مع دار غيره بلا إذن منه ، فإنّهم حكموا بصحّة البيع فيما يُملك أو فيما يَملكه دون ما لا يملك بالفتح أو الضمّ ، مع أنّ مقصودهما بيع أحدهما منضمّاً إلى الآخر لا بيع أحدهما وحده كما لا يخفى ، فوقع ما لم يقصد ولم يقع ما هو المقصود في المعاملة .

الرابع : بيع الغاصب لنفسه ، فإنّه إذا أمضاه المالك يقع البيع له دون الغاصب فمقصود الغاصب وهو بيعه لنفسه لم يقع ووقع ما لم يقصده وهو وقوعه للمالك .

الخامس : النكاح الانقطاعي ، فإنّ الزوجين إذا نسيا ذكر الأجل في العقد ينقلب دائميّاً مع أنّ المقصود هو الزوجية الانقطاعية فما قصد لم يقع ووقع ما لم يقصده

ــ[84]ــ

المتعاملان وهو الزوجية الدائمية ، هذا ما أفاده (قدّس سرّه) في المقام .

أقول : أمّا الحلّ فالأنسب الأولى أن يقال تتميماً لكلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) إنّ القائل بالاباحة في المعاطاة إن أراد بها الاباحة إلى الأبد ورأى عدم شمول شيء من الأدلّة المتقدّمة الدالّة على الملك للمعاطاة ، فما أفاده (قدّس سرّه) في الحلّ في غاية الوجاهة والمتانة حينئذ ، لأنّ الاباحة حينئذ إباحة شرعية مستندة إلى أدلّتها لا مالكية مستندة إلى صحّة العقد ، فالمعاطاة معاملة فاسدة ، وإنّما أباح الشارع للمتعاطيين التصرف ، فهي إباحة شرعية .

وأمّا إذا كان القائل بالاباحة ملتزماً بشمول أدلّة البيع للمعاطاة ، نظير (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(1) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) أو عموم « الناس مسلّطون على أموالهم  »(3)وقال بأنّ الاباحة ثابتة إلى زمان طروء أحد الملزمات فيثبت الملك قبله آناً ما فحينئذ لا وجه لدعوى أنّ الشارع لم يمض ما قصده المتعاملان ، بل قد أمضى ما قصداه غاية الأمر لا متصلا بزمان البيع بل على نحو الانفصال ، وللشارع أن يتصرّف فيما يوقعه المكلّفون بهذه الكيفية من التصرفات ، وعليه فالمعاطاة تفيد الملك على نحو الانفصال فلم يتخلّف المقصود عن العقد .

لا يقال : إنّ ما قصداه هو الملكية المتّصلة بالعقد وما أمضاه الشارع هو الملكية المنفصلة عنه وهو غير ما قصده المتعاملان فتخلّف العقد عن القصد .

فإنّه يقال : معنى لزوم أن يكون العقد تابعاً لقصد المتبائعين أنّه بعد إمضائه وصحّته لابدّ أن يكون على نحو ما قصده المتعاملان ، والمقام كذلك فإنّ المعاطاة قبل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة : 2 : 275 .

(2) المائدة 5 : 1 .

(3) عوالي اللآلي 3 : 208 ح49 ، بحار الأنوار 2 : 272 .

ــ[85]ــ

طروء أحد الملزمات آناً ما تصير ممضاة وهي مفيدة للملك المقصود في ذلك الحين وعدم إفادة الملك قبله إنّما هو لأجل فسادها وعدم إمضائها فلا يضرّ بقاعدة تبعية العقود للقصود ، وهو نظير اشتراط القبض في الهبة والصرف والسلم فإنّهما قد قصدا الملكية من حين البيع والهبة مع أنّ الملكية إنّما تحصل بعد حصول القبض فيها ، ولا يقال حينئذ إنّها من باب تخلّف العقود عن القصود ، ولعلّه ظاهر إذ هي قبل تحقّق القبض فاسدة كفساد المعاطاة قبل عروض أحد الملزمات أي لم يمضها الشارع قبله نعم بين المعاطاة وبين الهبة والصرف فرق وهو أنّ التصرف فيهما قبل حصول الملكية حرام بخلافه في المعاطاة فإنّه جائز فيها قبل عروض أحد الملزمات كما تقدّم سابقاً . هذا كلّه فيما يرجع إلى الحلّ .

وأمّا النقوض فلا يرد شيء منها على كاشف الغطاء (قدّس سرّه) .

أمّا النقض بالضمان في البيوع الفاسدة فلما سيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى(1) من أنّه من جهة قاعدة على اليد ما أخذت الخ وذكر الإقدام تتميم للاستدلال بالقاعدة لا أنّه بنفسه يقتضي الضمان بالمثل أو القيمة ، وذلك لأنّ اليد إنّما يقتضي الضمان فيما إذا كان الأخذ مبنيّاً على الضمان كما في البيع والغصب ونحوهما لا في مطلق الأخذ وإن كان مجانياً كما في الوديعة والهبة ونحوهما ، وحينئذ فالدليل على الضمان بالبدل الواقعي هو اليد والاقدام على الضمان ذكر لبيان أنّها لم تكن مجّانية . وبالجملة الشارع لم يمض العقد فيها حسب الفرض فهي فاسدة والضمان من جهة على اليد ، لا أنّ الشارع أمضى خلاف ما قصده المتعاملان .

وأمّا النقض الثاني ومسألة الشرط الفاسد فلأنّ الشرط إذا كان شرطاً لأصل البيع بأن يكون أصل العقد معلّقاً عليه كما إذا قال : بعتك هذا المال بشرط أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة 235 فما بعدها .

ــ[86]ــ

تكذب وإلاّ فلا أبيعه أصلا ، فهذا البيع باطل سواء كان الشرط في حدّ نفسه فاسداً أو لا ، لأنّ التعليق في العقود والايقاعات يوجب البطلان ، فلا يلزم تخلّف العقد عن القصد على هذا التقدير ، إذ لا عقد ممضى حتّى يتخلّف أو لا يتخلّف .

وأمّا إذا كان الشرط الفاسد شرطاً للوفاء بالعقد والبقاء على الالتزام به لا لأصل العقد فكذا لا يلزم التخلّف ، وذلك لأنّ العقد المقصود حينئذ مطلق وقد وقع مطلقاً ، فلم يتخلّف العقد عن القصد .

ولا فرق بين الشرط الصحيح والفاسد من هذه الجهة ، فالشرط مطلقاً سواء كان صحيحاً أم فاسداً إن كان شرطاً للعقد بأن كان العقد معلّقاً عليه ، كان العقد باطلا للتعليق ، وإن كان شرطاً للوفاء والالتزام بالعقد كان العقد مطلقاً وقد اُمضي كذلك ، نعم يجب الوفاء بالشرط الصحيح لقوله (صلّى الله عليه وآله) « المؤمنون عند شروطهم »(1) ولا يجب في الشرط الفاسد لما ورد من أنّ « شرط الله أسبق من شرطكم »(2) فيخصّص به عموم « المؤمنون عند شروطهم » ويختصّ بما لم يخالف الكتاب والسنّة ، وفي كلا الشرطين الصحيح والفاسد يثبت الخيار عند تخلّفه على المختار كما سيأتي وإن كان في ثبوت الخيار مع تخلّف الشرط الفاسد خلاف .

وأمّا النقض الثالث فهو مندفع بما سيصرّح به هو (قدّس سرّه) من أنّه ليس معاملة واحدة في الحقيقة بل هو بيعان قد أبرزهما بمبرز واحد وأنشأهما بانشاء فارد  ، ومعناه أبيعك الخنزير وأبيعك الشاة أو أبيعك داري وأبيعك دار غيري والشارع قد أمضى أحدهما ولم يمض الآخر ، لا أنّه أمضى المعاملة على خلاف ما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 276 / أبواب المهور ب20 ح4 .

(2) نفس المصدر ح6 وفيه « شرط الله قبل شرطكم » .

ــ[87]ــ

قصده المتعاملان ، لما عرفت من أنّ عدم الامضاء وفساد المعاملة ليس من باب التخلّف، فهناك بيعان أحدهما ممضى شرعاً دون الآخر غاية الأمر أنّه ضمّ أحدهما إلى الآخر ، وهذا أيضاً ليس من موارد تخلّف العقود عن القصود كما هو في غاية الظهور .

وأمّا النقض الرابع فهو أيضاً يندفع بما أفاده هو (قدّس سرّه) في محلّه على ما سيأتي من أنّ حقيقة البيع ليست إلاّ التبديل بين المالين ولا نظر في المعاملة إلى خصوص البائع أو المشتري أبداً ، فهل رأيت أن يسأل البقّال الذي تريد أن تشتري منه شيئا أنّه لمن تشتريه ، بل هو يأخذ الفلوس ويعطي الجبن فقط .

وهذا بخلاف باب النكاح فانّ النظر فيه إلى خصوص الزوج والزوجة فلو تزوّج امرأة وحكم الشارع بأنّها صارت امرأة لرجل آخر فهو من باب التخلّف لا محالة ، وعليه فالغاصب في الحقيقة إنّما بدّل المغصوب بمال آخر وقد أمضاه الشارع بعد إجازة المالك على نحو ما قصده المتعاملان ، وأمّا صيرورته ملكاً للمالك أو الغاصب فهو أمر آخر ، والغاصب وإن قصد كونه لنفسه إلاّ أنّه قصد فضولي وأمر على حدة خارج عن المعاملة ، فلا يكون هناك تخلّف في البين أصلا .

وأمّا النقض الخامس فهو على قسمين : فربما يبني في نفسه قبل العقد أن يتزوّجها بالزوجية الانقطاعية ثمّ لمّا يأتي في مقام العقد ينسى ما بنى عليه فيقصد الدوام ويعقدها من دون أن يذكر الأجل ، وفي هذه الصورة لا معنى للانقلاب ، بل هو من الأوّل عقد نكاح دائمي ، لأنّ الفرض أنّه بنى في مقام العقد على الدوام لأجل نسيان ما بنى عليه سابقاً . وبالجملة لا يكون في مقام العقد من دون ذكر الأجل بانياً في نفسه على الانقطاع، ولا إشكال في وقوعه صحيحاً وعليه يحمل الأخبار الواردة

ــ[88]ــ

في المقام ، ولكنّه ليس راجعاً إلى تخلّف العقود عن القصود ، بل الشارع أمضاه على نحو ما قصده المنشئ حسب الفرض ، وذلك نظير ما لو بنيت على أن تشتري جبناً من السوق فلمّا جئت إلى السوق فاشتريت منه لبناً لأجل نسيان ما قصدته سابقاً فهل يحتمل أن يكون هذا البيع باطلا أو من باب تخلّف العقود عن القصود .

واُخرى مع بنائه وقصده حين العقد على الانقطاع يبرزه بمبرز لا يطابق قصده، فلا يذكر الأجل في صيغة النكاح نظير سبق اللسان ، وفي هذه الصورة لا نقول بانقلابه إلى الدوام بل هو باطل ، نعم لو قلنا بصحّته وانقلابه إلى الدوام لزم أن يتخلّف العقد عن القصد ، لأنّ المفروض أنّه قصد الانقطاع ومع كونه قاصداً له لو حكم الشارع بصحّته وانقلابه إلى الدوام لزم المحذور المتقدّم ، إلاّ أنّا لا نقول بالانقلاب في مثله والأخبار أيضاً لا تقتضي الانقلاب في هذه الصورة لحملها على الصورة الاُولى كما تقدّم .

فتحصّل : أنّ شيئاً من النقوض لا يرد على كلام بعض الأساطين (قدّس سرّه) كما عرفت ، والصحيح في الجواب ما قدّمناه تتميماً لكلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في الحلّ .

ومن جملة استبعادات كاشف الغطاء (قدّس سرّه)(1) أنّ لازم إفادة المعاطاة الاباحة أن يكون ارادة التصرف مملّكاً ، وصرّح في ذيل كلامه بمحذورية كون التصرف مملّكاً للجانب الآخر ، وكلاهما يرجع إلى معنى واحد .

والجواب عنه : ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) من أنّه لا استبعاد في كون التصرّف مملّكاً فيما إذا كان ذلك مقتضى الجمع بين الأدلّة الثلاثة : أعني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح القواعد : 50.

(2) المكاسب 3 : 48.

ــ[89]ــ

استصحاب عدم الملك إلى زمان التصرّف ، والأدلّة القائمة على إباحة التصرّفات فيما أخذ بالمعاطاة ، والأدلّة الدالّة على أنّه لا وطي إلاّ في ملك أو لا عتق إلاّ في ملك فمقتضى الجمع بينها الالتزام بدخول المال في ملك المتصرف بآن قبل التصرف ، ولا بعد في ذلك أصلا، بل ونظير ذلك واقع في الشريعة المقدّسة فيما إذا وهب جاريته بالهبة الجائزة أو باعها بالخيار ثمّ وقع عليها ، فانّ مقتضى الجمع بين الأدلّة حينئذ أن يكون المتصرف مالكاً للجارية قبل الوطي بآن .

ومن ذلك يظهر اندفاع سائر استبعاداته في المقام ممّا يرجع إلى ذلك ، وهذا بناءً على ما يظهر من كلمات شيخنا الأنصاري من أنّ الملك لم يستند إلى المعاطاة وأمّا بناءً على ما ذكرنا من أنّ حصول الملك مستند إلى المعاطاة لكن بعد طروء أحد الملزمات من جهة توهّم قيام الإجماع على عدم الملك من أوّل الأمر فاندفاع هذه الاستبعادات ظاهر ، لأنّ المملّك حينئذ هو العقد المعاطاتي بشرط عروض أحد الملزمات ، لا التلف أو إرادته .

ومن جملة ما استبعد به (قدّس سرّه) كون المعاطاة مفيدة للاباحة أنّ الأخماس والزكوات والاستطاعة والديون والنفقات وحقّ المقاسمة والشفعة والمواريث والربا والوصايا تتعلّق بما في اليد مع العلم ببقاء مقابله وعدم التصرف فيه ، ولازمه تعلّق تلك الحقوق بما هو ليس بملك مع أنّها إنّما تتعلّق بالملك .

وفي كلام شيخنا الأنصاري(1) في مقام الجواب تشويش ظاهر ، والذي ينبغي أن يقال : إنّ جملة ممّا استبعده لا يشترط فيها الملكية بوجه وتعلّقها غير مقيّد بالملك ، فعدّه (قدّس سرّه) ممّا يشترط في تعلّقه أن يكون المال ملكاً غير صحيح وهذا كالنفقات فانّ نفقة العيال والأطفال لا يشترط أن تكون ممّا يملكه الزوج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 48.

ــ[90]ــ

والوالد ، بل مجرّد إباحة التصرف لهما في مال كاف في صرفه في نفقاتهما ، لأنّه نحو من التصرف في المال وقد فرضنا التصرفات مباحة . وكذا أداء الديون لعدم اشتراط كونه من الملك بل لو جاز له التصرف في مال أمكنه أن يؤدّي دَينه منه ، فلذا يجوز أداؤه من أموال الامام (عليه السلام) مع أنّ ماله لا يدخل تحت الملك بل المستحقّ يجوز له التصرف فيه فقط . وكذلك الأمر في الحج فانّ وجوبه وحصول الاستطاعة لا يتوقّف على الملك فلذا إذا أباح له أحد مالا بمقدار يكفي له ذهاباً وإياباً فيصدق عليه أنّه ممّن استطاع إليه السبيل فيجب عليه الحجّ .

وأمّا الوجه في عدم جواز إعطاء الزكاة لمن عنده مال مأخوذ بالمعاطاة فهو من جهة جواز تصرفه فيما بيده من الأموال التي حصّلها بالمعاطاة ، ولا يشترط في عدم الاستحقاق للزكاة أن يكون مالكاً لمؤونة سنته ، بل لو كانت مؤونته مباحة له أيضاً لا يجوز له الأخذ منها ، وهذا نظير أولاد التجار والأغنياء والسلاطين فانّ أولادهم مع وجود أبيهم لا يملكون شيئاً من الأموال ومع ذلك لا يجوز لهم الأخذ منها  ، من جهة أنّ أباهم قد أباح لهم الصرف في مؤونة سنتهم .

وأمّا الوجه في تعلّق الأخماس والزكوات به مع أنّه غير مملوك له ، فلابدّ في توضيح الحال فيه أن نصوّره أوّلا ونبيّن حكمه بعد ذلك، وتصويره كما إذا باع ماله بألف دينار بالمعاطاة مع أنّه يسوى بخمسمائة دينار واقعاً ، وحينئذ فنصف ذلك الألف رأس ماله ونصفه الآخر من الأرباح التي تتعلّق بها الأخماس فيما إذا زادت عن مؤونة سنته ، وهذا هو مراد كاشف الغطاء بالنقض ، وأنّه مع فرض عدم كونه مالكاً للربح المفروض فكيف يتعلّق به الخمس ، وليس مراده (قدّس سرّه) ما إذ اشترى بالمعاطاة شيئاً ثمّ باعه واشترى بثمنه شيئاً آخر وهكذا إلى آخر السنة فهناك رأى أنّ منافعه أكثر من مؤونة سنته ، وعليه فلا يرد عليه ما ذكره بعض

ــ[91]ــ

مشايخنا المحقّقين(1) من أنّه حينئذ يصير مالكاً للمنافع ببيعه وشرائه لأنّهما من التصرفات المملّكة حسب الفرض ولا مانع من أن يتعلّق بها الخمس لأنّها مملوكة له  ، وقد عرفت أنّ مراده (قدّس سرّه) ماذا ولا يرد عليه ذلك الاشكال أبداً .

وبعد ذلك نقول : أجاب عنه شيخنا الأنصاري(2) بأنّه لا مانع من الالتزام بعدم تعلّق الأخماس به لأنّه ليس ملكه ، وإن دفع ذلك بأنّ السيرة جرت على إخراج الأخماس ممّا اُخذ بالمعاطاة ويعدّون تاركه من الفسّاق وممّن لا يؤدّي حقوقه  ، فنقول : إنّه رجوع إلى السيرة في معاملتهم مع المأخوذ بالمعاطاة معاملة الأملاك ، فكونه ملكاً لأجل السيرة حينئذ لا من جهة ذلك الاستبعاد ، هذا كلّه في الخمس  .

وكذا الحال في الزكاة وتفصيل الكلام فيها : أنّ المأخوذ بالمعاطاة ربما لا يكون بمقدار النصاب كما إذا اشترى إبلين وبضمّهما إلى ما عنده من الابل صارا بمقدار النصاب ، كما إذا كان عنده أيضاً ثلاثة من النوق فصار مجموعهما خمسة، واُخرى يكون المأخوذ بها بمقدار النصاب كما إذا اشترى خمسة نوق ، ففي الصورة الاُولى لا نلتزم بوجوب دفع الزكاة عليه لأنّه غير مالك لما اشتراه بالمعاطاة كي يكون مالكاً للنصاب ، ولو دفع بقيام السيرة على وجوب إخراجها قلنا إنّه رجوع إلى السيرة لا إلى الاستبعاد ، ولا تتعلّق الزكاة بماله أيضاً لأنّه غير بالغ حدّ النصاب .

وأمّا في الصورة الثانية ، فإن كان البائع مكلّفاً باخراج الزكاة فلا إشكال في تعلّق الزكاة بالمال ، لكن هناك بحث في أنّ المكلّف بالاخراج هو المالك أو المعطى له  ، وأمّا إذا لم يكن البائع مكلّفاً باخراج الزكاة كما إذا كان صغيراً أو مجنوناً وقد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (الاصفهانى) 1 : 121.

(2) المكاسب 3 : 48.

ــ[92]ــ

باعها وليّهما فإن لم يقم دليل على وجوب الزكاة فيه فلا نقول به وإن قام فهو المرجع .

وأمّا حقّ الشفعة الذي استبعد ثبوته فيما إذا باع أحد الشريكين حصّته بالمعاطاة ، لعدم تبدّل في المالك وإنّما اُبيح التصرف بالمعاطاة ، وهكذا يستبعد ثبوته للمعطى له فيما إذا باع الشريك للآخر حصّته من شخص آخر مع عدم كون المعطى له مالكاً ولا شريكاً ، فالجواب عنه أنّه إذا قام دليل من سيرة أو غيرها على ثبوت حقّ الشفعة في المعاطاة فهو المرجع تبدّل المالك أو لم يتبدّل ، وإن لم يقم دليل فلا نقول به .

وأمّا حقّ المقاسمة المراد بها حقّ التقسيم ، فإنّ لكلّ شريك إفراز ماله عن مال صاحبه إذا كان مشاعاً وإذا امتنع يجبر على الافراز ، ففيه أنّ حقّ التقسيم غير متوقّف على الملك ، بل يثبت بإباحة التصرف أيضاً ، فإنّ التقسيم من جملة التصرفات .

وأمّا الربا الذي استبعد ثبوته في المعاطاة من جهة أنّ إباحة التصرف في الزيادة لم يقل أحد بأنّها توجب الفساد كما إذا أباح أحد لآخر التصرف في منّ من الحنطة وأباح الآخر له التصرف في منّين منها ، فإنّه لا بأس به وإنّما المفسد تمليك الزيادة والمفروض أنّ المعاطاة لا تفيد الملك ، فالجواب عنه أنّ الفساد في المقام ليس من ناحية إباحة التصرف في الزيادة وأنّها ربا ، بل من ناحية أنّ المعاملة فاقدة لشرط من شروط صحّة البيع غير اللفظ ، وهو عدم الزيادة في العوضين الربويين . فإنّ الكلام في المعاطاة الجامعة لجميع ما يعتبر في صحّة البيع إلاّ اللفظ ، لا الفاسدة من سائر الجهات ككون أحد المتعاطيين صغيراً أو مجنوناً .

وأمّا الغني فهو عبارة عن القدرة على إمرار المعاش بأي نحو كان ولو باعالة الغير إيّاه .

وبما ذكرناه يظهر الجواب عن سائر ما ذكره في المقام .

ــ[93]ــ

ومن جملة استبعاداته بناءً على إفادة المعاطاة الاباحة أنّ نماء المبيع الحاصل قبل التصرف إن جعلنا حدوثه مملّكاً له دون العين فبعيد ، أو معها فكذلك وكلاهما مناف لظاهر الأكثر ، وشمول الإذن له ـ أي النماء ـ خفي ، انتهى .

نقول : إن ثبت دليل من سيرة أو غيرها على انتقال الفرع أو مع أصله إلى ملك المعطى له بحدوث النماء فنلتزم به ، ويكون حدوث النماء كالتصرف والتلف من موجبات حصول الملك ، وإن لم يقم دليل على ذلك فإن قام على تبعية النماء للأصل في جواز التصرف التزمنا به وإلاّ فلا يجوز للمعطى له التصرف في النماء .

هذا كلّه بناءً على ما يظهر من كلام شيخنا الأنصاري من عدم استناد الملك إلى المعاطاة أصلا ، وأمّا بناءً على ما ذكرنا من إفادتها الملك بعد التلف أو التصرف مثلا ، فاندفاع كثير ممّا ذكره بعض الأساطين في غاية الوضوح ، وعليه فلا مانع من الالتزام بملكية النماء وأصله من أوّل حدوثه ، إذ لابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن في الخروج عن أدلّة إمضاء البيع ، وهو صورة عدم حدوث النماء ، وأمّا صورة حدوثه فتبقى تحت العام .

وأمّا ما ذكره من أنّ المبيع بالمعاطاة إذا غصبه غاصب فحقّ المطالبة راجع إلى المالك أو المشتري وكلاهما عجيب ، فمندفعة بأنّ حقّ المطالبة حقّ لكليهما قبل التلف  ، وكلّ واحد منهما يصحّ له مطالبة الغاصب بالمال ، أمّا المالك فلأنّه غصب ملكه ، وأمّا المشتري فلأنّه غصب شيئاً يحلّ له التصرفات فيه ومنها أخذه من الغاصب كما هو واضح . وأمّا بعد التلف فيضمن الغاصب للمعطى له فقط ، لدخول العين في ملكه قبل التلف آناً ما ، إذ لا فرق في ذلك بين كون التلف في يد المعطى له أو يد غيره .

فالمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّه لولا الأدلّة المتقدّمة الدالّة على إفادة المعاطاة للملك وكونها بيعاً لم يمكن الالتزام بكونها مفيدةً للملك بمجرد تلك

ــ[94]ــ

الاستبعادات فلا تغفل .

هذا تمام الكلام في أنّ المعاطاة مفيدة للملك أو لا ، ويقع الكلام بعد ذلك في اللزوم وعدمه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net