2 ـ لزوم ردّ المقبوض بالعقد الفاسد 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4684


ــ[249]ــ

الأمر الثاني من أحكام المقبوض بالعقد الفاسد

ذكر الشيخ (قدّس سرّه)(1) أنّ ردّ المقبوض بالعقد الفاسد إلى مالكه واجب فوراً ، لأنّ الامساك آناً ما تصرّف في مال الغير فلا يجوز لقوله (عجّل الله فرجه) لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلاّ باذنه(2) ولو نوقش في كون الامساك من مصاديق التصرف يكفي عموم قوله (عليه السلام) « لا يحلّ مال امرئ مسلم لأخيه إلاّ عن طيب نفسه »(3) فإنّه يدلّ على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة بالمال ومنها الامساك ، ثمّ اختار أنّ مؤونة الردّ واجبة على القابض من باب المقدّمة للردّ الواجب عليه إلاّ إذا كانت كثيرة موجبة للضرر ، وأمّا دعوى أنّ الاذن قد حصل من المالك فمدفوع بأنّ المالك إنّما ملّكه بالعوض والمفروض أنّ الشارع لم يمضه والتسليط إنّما يكون متفرّعاً على وقوع التمليك الخارجي وهو منتف فلا إذن للقابض  ، هذا .

ولابدّ من التكلّم في جهات :

الاُولى : في حرمة التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد وجوازه . قد عرفت أنّ الشيخ ذهب إلى الحرمة ، ولكن السيّد(4) استشكل في الحرمة في صورة علم الدافع بالفساد ، وذلك لوجود الاذن الضمني في التصرف ، فإنّ المالك في ضمن تمليكه قد أذن للقابض في التصرف ، قال ودعوى أنّ الاذن مقيّد بالملكية وهي غير حاصلة فيكون الاذن أيضاً غير حاصل ، مدفوعة بأنّ القيد إنّما هو الملكية في اعتبار

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 199 .

(2) ورد مضمونه في الوسائل 25 : 386 / كتاب الغصب ب1 ح4 .

(3) ورد مضمونه في الوسائل 5 : 120 / أبواب مكان المصلّي ب3 ح1 .

(4) حاشية المكاسب (اليزدي) : 95 .

ــ[250]ــ

البائع وهي حاصلة ، إذ المفروض أنّه أنشأها . فيكون الاذن أيضاً حاصلا . نعم لو كان مقيّداً بالملكية الشرعية صحّ دعوى عدم حصوله . فإن قلت لم يصدر من البائع إلاّ التمليك وقد صار لغواً بحكم الشارع ، فأين الاذن ، قلت : هذا التمليك له حيثيتان  : حيثية الاذن وحيثية التمليك ، ولما كان التمليك محتاجاً شرعاً إلى صيغة مخصوصة والمفروض عدمها فهو غير مؤثّر من هذه الحيثية ، وأمّا الاذن فهو غير مشروط شرعاً بصيغة خاصّة فيكون مؤثّراً في جواز التصرف .

ونقول : الظاهر حرمة التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد حتّى في صورة العلم ، وذلك لأنّ المستثنى في قوله (عليه السلام) لا يجوز لأحد التصرف في مال غيره إلاّ باذنه إنّما هو إذن المالك في التصرف في ملكه لا في أملاك الناس ، وفي المقام إنّما أذن الدافع للقابض في التصرف في ملك نفسه ـ أي القابض ـ ولو تشريعاً ، فلا يكون داخلا في المستثنى ، بل يبقى تحت المستثنى منه ويحرم ، نعم لو فرض إذن الدافع في التصرف مع عدم البناء على ملكية القابض دخل في المستثنى وكان حلالا ولكنّه خارج عمّا نحن فيه ويكون عارية صحيحة .

وبالجملة : يعتبر في جواز التصرف أحد أمرين : إمّا ملكية المتصرف للمال فيكون تصرفه خارجاً عن مورد الرواية من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وإمّا إذن المالك في التصرف بعنوان أنّه مالك ، وكلا الأمرين مفقود في المقام .

الجهة الثانية : أنّ حرمة التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد لا تختصّ بالعقود المعاوضية التي يضمن بها ، بل تشمل العقود غير المعاوضية أيضاً كالهبة المجانية التي لا يضمن بها ، لعدم الملازمة بين عدم الضمان وجواز التصرف ، فإنّ عدم الضمان فيها من جهة كون القبض مبنيّاً على عدم الضمان ، وجواز التصرف مبني على طيب نفس المالك وإذنه في التصرف في ماله ، والمفروض عدم تحقّقهما كما عرفته في الجهة الاُولى ، بل لو كان الاذن أيضاً متحقّقاً ولم يكن ممضى شرعاً لم يترتّب عليه

ــ[251]ــ

جواز التصرف ، ولهذا لا يجوز التصرف في العارية الفاسدة أيضاً مع أنّ المالك راض بالتصرف في ملكه .

الجهة الثالثة : في وجوب الردّ وحرمة الامساك وعدمه ، فنقول : إنّ الامساك له معنيان : فتارةً يكون بمعنى منع المالك عن التصرف في ماله فهو من أوضح أفراد الغصب بلا كلام ، وتارةً يكون بمعنى بقائه عنده من دون مزاحمة المالك ومنعه عن أخذ ماله والتصرف فيه ، فهو ليس بتصرف في مال الغير ، فاذن لا يحرم الامساك بهذا المعنى ولا يجب ردّه إلى المالك ، غاية الأمر لابدّ من التخلية بين المال والمالك ، وأن لا يزاحم سلطنته ولا يمنعه من التصرف في ماله .

فتحصّل : أنّه لا دليل على حرمة مطلق امساك المقبوض بالعقد الفاسد ووجوب ردّه فضلا عن كونه فورياً وإن استدلّ الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه)(1)لوجوب الردّ وحرمة الامساك أوّلا : بقوله (عجّل الله فرجه) « لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلاّ باذنه » . وثانياً : ـ على فرض المناقشة في صدق التصرف على الامساك ـ بعموم قوله (عليه السلام) « لا يحلّ مال امرئ مسلم لأخيه إلاّ عن طيب نفسه » ولكن قد عرفت عدم صدق التصرف في مال الغير على مجرد إمساكه بمعنى بقاء المال عنده ، فإنّ ذلك نظير مسّ مال الغير والنظر إليه ، فلا يتمّ الاستدلال بالرواية الاُولى ، كما لا يتمّ الاستدلال بالرواية الثانية ، لأنّ إسناد الحلّية أو الحرمة إلى المال وغيره من الأعيان يكون باعتبار الفعل المناسب لها باختلاف الموارد لا باعتبار جميع الأفعال ، ففي قوله سبحانه (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)(2) يكون المقدّر النكاح لا النظر واللمس وسائر الأفعال ، وفي قوله سبحانه (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 199 .

(2) النساء 4 : 23 .

ــ[252]ــ

وَالدَّمُ)(1) يراد حرمة الأكل لا سائر الاستعمالات ، والمناسب في المقام تقدير الأكل بالمعنى الذي بيّناه في قوله تعالى : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)(2) أو جميع التصرفات والانتفاعات لا مطلق الأفعال الشامل للنظر واللمس ونحوهما حتّى يحتاج في إخراجها إلى دعوى التخصيص بالسيرة أو غيرها ، هذا .

وقد يستدلّ على وجوب ردّ المقبوض بالعقد الفاسد فوراً وحرمة إمساكه بالنبوي المعروف « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه »(3) وذكروا في تقريب الاستدلال به وجهين :

الأوّل : ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(4) من أنّ قاعدة « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » وإن كانت دالّة على الحكم الوضعي بالدلالة المطابقية ويثبت الضمان على القابض ، إلاّ أنّها تدلّ بالالتزام على الحكم التكليفي وهو وجوب الردّ
لأنّه لا أثر للضمان إلاّ وجوب ردّ العين ما دامت باقية وردّ المثل أو القيمة لو كانت تالفة ، فأثر الضمان وكونه على العهدة هو لزوم الردّ فيجب بمقتضى القاعدة .

وفيه : أنّ أثر استقرار الضمان لا ينحصر في وجوب الردّ ، إذ يكفي من حيث الأثر لزوم التخلية بين المالك والمال وعدم مزاحمته .

الثاني : ما ذكره المحقّق الايرواني (قدّس سرّه)(5) من أنّ قوله (صلّى الله عليه وآله) « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » شامل للحكم الوضعي والتكليفي أي عليها الضمان والردّ ، فيدلّ بالمطابقة على كلا الحكمين الوضعي والتكليفي لامكان استعمال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 3 .

(2) النساء 4 : 29 .

(3) المستدرك 14 : 8 / كتاب الوديعة ب1 ح12 .

(4) منية الطالب 1 : 274 .

(5) حاشية المكاسب (الايرواني) 2 : 124 .

ــ[253]ــ

لفظ « على » فيما يعمّهما .

وفيه : أنّه مردود بأمرين : الأوّل أنّه يلزم أن يجمع بين التقدير وعدمه ، لأنّ إرادة الحكم الوضعي من لفظ « على اليد » تقتضي عدم التقدير لصحّة إسناده إلى الموضوع الخارجي المراد من كلمة « ما » الموصولة ، وإرادة الحكم التكليفي تقتضي تقدير فعل كالردّ مثلا لعدم صحة إسناده إلى نفس الموضوع الخارجي ، وحيث إن الجمع بين التقدير وعدمه محال فلا يمكن الجمع بين إرادة الحكمين .

الثاني: أنه لو كان المراد الحكم التكليفي تصير العبارة من قبيل توضيح الواضحات ، لأن وجوب الشيء لا يغيّى بنفسه وإلاّ يكون المعنى هكذا : على اليد ردّ ما أخذت حتى تردّه ، وهو توضيح للواضح ويكون لغواً ، نظير أن يقال : يجب عليك الصلاة إلى أن تصلّي ، فانه من اللغو كما هو ظاهر ، فالغاية المذكورة في الحديث حيث إنّها لا تناسب الحكم التكليفي ، فالمتعيّن إرادة الحكم الوضعي فقط فلا دلالة في الحديث على وجوب الردّ لا مطابقة ولا بالالتزام ، مع ما فيه من ضعف السند . فتحصّل أنه لا دليل على وجوب ردّ المقبوض بالعقد الفاسد أصلا .

الجهة الرابعة : أنّ مؤونة الردّ على تقدير وجوبه على المالك أو القابض ، فقد فصّل شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) في المقام تفصيلا وهو أنّ الردّ لو كان مقتضياً لمؤونة في طبعه فهو على القابض، لأن الحكم الذي جعل ضررياً في طبعه غير مرفوع بحديث لا ضرر ، وهذا بخلاف ما إذا كان الردّ محتاجاً إلى مؤونة أكثر ممّا يقتضيه طبع ردّ مال الغير ، فانه بما أنه ضرر عرضي فيرفع بحديث لا ضرر .

وفيه : أن حكومة لا ضرر إنما تنقطع بالنسبة إلى مورد يكون بطبعه مقتضياً للضرر بحيث يكون جميع أفراده أو غالبها ضررياً ، وهذا بخلاف ما إذا كان بعض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 1 : 276.

ــ[254]ــ

الأفراد ضررياً دون البعض ، فحينئذ لا مانع من حكومة لا ضرر ورفع الحكم عن هذا المورد كما في المقام، لأن ردّ المقبوض بالعقد الفاسد لا يكون ضررياً بطبعه لعدم توقّفه في غالب أفراده على صرف المؤونة كما في ردّ الكتاب أو الخاتم ونحوهما فليس وجوب الردّ من الأحكام المبتنية على الضرر حتى لا يرتفع بحديث لا ضرر فلو تحقق في فرد ضرر ولو بأدنى مراتب القلّة فحديث لا ضرر يصير حاكماً عليه فيرفعه ، فلا فرق بين الضرر القليل والكثير في المرفوعية . فالصحيح أنّ مؤونة الردّ على المالك مطلقاً .

الجهة الخامسة : أنّ ما ذكرناه من عدم وجوب الردّ وكفاية التخلية بين المالك وماله إنما هو فيما إذا كان في بلد المعاوضة لا مطلقاً وتفصيل ذلك: أن المال والمالك لو كانا في بلد المعاوضة لا يجب على القابض إلاّ التخلية بينهما ، وهكذا إذا انتقلا معاً إلى بلد آخر كما إذا سافر المالك والقابض مع المال إلى بلد واحد ، وأمّا لو خرجا عن بلد العقد وذهب كل منهما إلى مكان فلو طالب المالك استرداد ماله في غير بلد البيع فانّ للمشتري أن يمتنع، لأنه لابدّ من ردّ سلطنة المالك على ماله في بلد المعاملة، وأمّا لو خرج المالك فليس له المطالبة بردّ المال إلى غير بلد العقد كما هو واضح، نعم لو كان المالك في بلد المعاوضة وقد أخرج القابض المال إلى بلد آخر ففي هذه الصورة يجب على القابض ردّ المال إلى المالك ويصرف مؤونته من كيسه وإلاّ يكون ضرراً على المالك.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net