بيع الفضولي للمالك مع سبق نهيه عنه - بيع الفضولي لنفسه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الاول : البيع-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6160


بيع الفضولي للمالك مع سبق نهيه عنه

المسألة الثانية : فيما إذا نهاه المالك عن بيع ماله سابقاً ومع ذلك باعه الفضولي وهل هي كسابقتها في الصحّة أو أنّها باطلة لسبق النهي ؟ المشهور المعروف أنّها كالصورة السابقة صحيحة ولا أثر لسبق المنع من المالك بوجه ، وذهب بعضهم إلى بطلانها لأجل المنع المتقدّم وعلى هذا حمل العلاّمة (قدّس سرّه)(2) ما ورد من النبوي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حاشية المكاسب (اليزدي) : 140 .

(2) التذكرة 2 : 588 ، السطر 18 .

ــ[416]ــ

(صلّى الله عليه وآله) « أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر »(1) وذكر أنّ ذلك إنّما هو فيما إذا نكح بعد منع مولاه وكراهته ، ولكن لا نحتاج إلى هذا الحمل لامكان ورودها فيما إذا تصرّف العبد في زوجته قبل إذن السيّد ، فإنّ فعله ذلك يوجب كونه عاهراً كما هو ظاهر ، هذا .

والصحيح أن يقال إنّ الكلام في المقام يقع من جهتين : الجهة الاُولى في بيان المقتضي لصحّتها أعني شمول العمومات والأدلّة الخاصّة المجوّزة . والجهة الثانية : في بيان المانع وعدمه وهو النهي الدالّ على الكراهة حال العقد وبعده آناً ما ، بناءً على أنّها تكفي في تحقّق الردّ .

أمّا الكلام في الجهة الاُولى فملخّصه : أنّه لا ريب في شمول العمومات والاطلاقات للمقام ، لأنّه لا مانع من شمولها إلاّ عدم استناد المعاملة إلى المالك وبالاجازة يتحقّق الاستناد . وأمّا الأدلّة الخاصّة التي استدلّ بها الشيخ (قدّس سرّه) فرواية عروة البارقي أجنبية عن مسألتنا ، لأنّ بيعه لم يكن مع سبق نهي النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وصحيحة محمّد بن قيس أيضاً موردها عدم إذن المالك لا نهيه ، ولذا قال : وليدتي باعها ابني بغير إذني ، وعدم الاذن وإن كان لا ينافي النهي إلاّ أنّه ظاهر في صورة انتفاء النهي ، ولذا لا يمكن الاستدلال بها من جهة ترك الاستفصال ، وأمّا روايات المضاربة فقد عرفت أنّها أجنبية عن بيع الفضولي ، وأمّا روايات بيع مال اليتيم فلا ربط لها بالمقام لعدم سبق المنع من الولي هناك .

نعم لا مانع من التمسّك بما دلّ على جواز نكاح العبد بدون إذن سيّده لأنّه لم يعص الله وإنّما عصى سيّده ، فإذا أجاز جاز ، فإنّ عصيان السيّد يصدق مع نهيه وإن كان مورد الرواية هو عدم الإذن ، ولكن عموم العلّة كاف في المطلب ، فإنّ العلّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن البيهقي 7 : 127 .

ــ[417]ــ

تعمّم كما تضيّق . وكيف كان فالعمومات وهذه الرواية كافية في الصحّة .

وأمّا الجهة الثانية : فأصل مسألة أنّ الردّ مانع عن لحوق الاجازة محلّ منع لأنّه لا دليل عليه سوى استحسانات لفّقها الشيخ (قدّس سرّه) والإجماع المنقول وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى . مع أنّه لو سلّمنا حجّية الإجماع المنقول فالمتيقّن من مورده صورة إنشاء الردّ لا مجرّد الكراهة الباطنية كما في المقام .

وأمّا ما ذكره الشيخ تأييداً لكفاية الكراهة الباطنية في صدق الردّ ـ من حكم بعضهم بأنّه إذا حلف الموكّل على نفي الإذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد ـ فقد حمله المحقّق النائيني(1) على المعاملة الخيارية في زمان الخيار ، فإنّه بانكار الوكالة ينفسخ العقد ، لأنّه لا يعتبر في إعمال الخيار زائداً على إظهار الكراهة لفظ مخصوص ، ولكن الظاهر أنّ هذا الحمل غير وجيه .

فنقول : إنّ الحلف على عدم التوكيل يتصوّر على وجهين : الأوّل أن يريد به ردّ الشراء ، فيكون الحلف إنشاء للردّ وبه يبطل العقد ، والثاني أن يريد به نفي الوكالة فقط حتّى لا يتنجّز الشراء في حقّه ، وهذا لا يقتضي ردّ الشراء بل يبقى معلّقاً على إجازته ، والمتيقّن من مورد كلامهم هو الأوّل ، فيكون خارجاً عن محلّ الكلام ولا يصحّ للتأييد ، لأنّ الكلام في حصول الردّ بمجرّد الكراهة الباطنية ، والمتيقّن من مورد كلامهم هو الكراهة المبرزة التي يتحقّق بها إنشاء الردّ بلا إشكال .

فالمتحصّل : أنّ النهي السابق لا يمنع عن اجازة البيع بوجه .

بيع الفضولي لنفسه

المسألة الثالثة : فيما لو باعه الفضولي لنفسه ، والكلام في ذلك أيضاً يقع من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 32 .

ــ[418]ــ

جهتين : إحداهما جهة المقتضي . وثانيهما : جهة المانع .

أمّا الجهة الاُولى : فمقتضى العمومات صحّة البيع في المقام لشمول (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) وغيرها من العمومات له .

وأمّا الأدلّة الخاصّة فلا مانع من التمسّك بترك الاستفصال في صحيحة محمّد ابن قيس ، بل ظاهرها بيع الوليدة لنفسه كما استظهره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2).

وأمّا الأخبار الواردة في صحّة نكاح العبد من دون إذن السيّد فلا وجه للاستدلال بها في المقام ، لأنّ الفضولي وإن كان طرفاً للمعاملة حسب الفرض ويتوقّف صحّتها على إجازة الغير مثل النكاح الصادر من العبد في الأخبار ، إلاّ أنّ البيع في المقام يرجع إلى غير من هو له ، لأنّه لابدّ وأن يرجع إلى المالك لا إلى الفضولي الذي باعه لنفسه ، وهذا بخلاف النكاح في العبد فإنّه راجع إليه حقيقة وليس راجعاً إلى غير من هو له ، ومعه لا يمكن التعدّي منها إلى المقام .

وأمّا الجهة الثانية : فقد ذكر في المنع عن صحّة البيع اُمور إلاّ أنّ عمدتها أمران كلاهما مبني على أن يكون عنوان البيع متقوّماً بدخول الثمن في كيس من خرج من كيسه المثمن :

أحدهما : أنّ الفضولي إذا قصد بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة المعاوضة ، لتقوّمها بدخول كلّ من العوضين في ملك مالك الآخر .

ثانيهما : أنّه على تقدير الاغماض عن الايراد السابق كيف يجيزها المالك فإنّه إن أراد الاجازة على نحو أوقعه الفضولي بأن يكون البيع راجعاً إلى الفضولي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 1 .

(2) المكاسب 3 : 376 .

ــ[419]ــ

فهذا أمر لا يقبل الاجازة لعدم صحّة بيع مال الغير لنفسه ، إذ لا معنى للمبادلة حينئذ لأنّه لم يخرج المثمن من كيسه ليدخل الثمن فيه .

وإن أراد الاجازة على أن يكون البيع راجعاً إليه لا إلى الفضولي فهذا ممّا لم ينشئه الفضولي ليجيزه المالك مثلا ، فإنّه إنّما أنشأ البيع لنفسه لا للمالك كما هو ظاهر هذا .

أمّا الجواب عن الإشكال الأوّل : فهو أنّ البيع عبارة عن تبديل مال بمال في جهة الاضافة ، وليس إمضاء الشارع لذلك مأخوذاً في حقيقته . وعليه فإن اُريد بالإشكال أنّ الغاصب البائع لنفسه لا يقصد إمضاء الشارع فذلك لا يضرّ بقصد حقيقة البيع ، لما عرفت من خروج إمضاء الشارع عن حقيقته ، وإن اُريد به عدم قصد التبديل المذكور فهو ممنوع ، لأنّ الغاصب ـ كما ذكر الشيخ (قدّس سرّه)(1)ـ يبني على أنّه مالك للمبيع وأنّ المبيع مضاف إليه بالاضافة الملكية ، وبعد هذا البناء يقصد التبديل في هذه الاضافة الذي هو حقيقة البيع ، وإن كان هذا البناء لغواً لا يجعله مالكاً في نظر الشارع ، فلا يرد عليه ما أورده بعضهم(2) من أنّه كيف تكون المعاوضة المبنية على أمر غير حقيقي حقيقية وهل يزيد الفرع على الأصل ، لما عرفت من أنّ البيع هو التبديل في الاضافة ، والغاصب بعد بنائه على أنّه طرف الاضافة يقصد التبديل المذكور حقيقة .

ثمّ إنّ هذا الإشكال يختصّ بالغاصب العالم بالحال ، وأمّا إذا فرضناه جاهلا أو فرضنا الفضولي ناسياً ومشتبهاً وتخيّل أنّه ملك لنفسه وباعه فلا يجري الإشكال لأنّهم قاصدون للمعاملة حقيقة وليس ذلك مجرد صورة البيع كما هو ظاهر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 378 .

(2) هو المحقّق الايرواني في حاشيته على المكاسب 2 : 239 .

ــ[420]ــ

وكيف كان ، فهذا الإشكال أخصّ من المدّعى لاختصاصه بالغاصب العالم دون غيره من الفضوليين ، إذ لا مانع من قصد الانشاء حقيقة في مثل الغاصب الناسي أو المعتقد أنّه مال لنفسه فباعه ثمّ انكشف أنّه ملك للغير كما في البيوع الفاسدة التي لا يعلم بفسادها . مضافاً إلى أنّه مردود بما عرفت .

وأمّا الجواب عن الإشكال الثاني : فيعلم ممّا ذكرناه ، فإنّ البيع المنشأ من الغاصب بعد ما كانت حقيقته مجرّد التبديل في جهة الاضافة تكون الاجازة متعلّقة بنفس المنشأ لا بشيء آخر ، نعم الغاصب بان على مالكية المثمن وقاصد لتملّك الثمن ولكن هذا البناء بعد خروجه عن حقيقة البيع غير قادح .

وهذا الذي ذكرناه في البائع الفضولي يجري فيما إذا كان الفضولي هو المشتري  ، لأنّه وإن أضاف الملكية إلى نفسه حيث قال تملّكت بكذا أو ملكت أو قبلت ، إلاّ أنّ التملّك لمّا كان في مقابل العوض ولم يكن تملّكاً مطلقاً لأنّه يصير هبة حينئذ ومفروض البحث أنّه معاملة وبيع حقيقي فلذا يقول تملّكت بكذا أي بعوض كذا ، كان التملّك والقبول من المشتري قبولا لأصل المبادلة الصادرة عن الموجب والمالك إنّما يجيز ذلك يعني يرضى بأصل القبول ، وأمّا إضافة التملّك والقبول إلى نفسه فقد عرفت أنّها خارجة عن حقيقة المعاوضة وأمر زائد عليها ، وبما أنّها غير مطابقة للواقع فيقع لغواً لا محالة .

وبالجملة : أنّ المناط إنّما هو المعنى دون اللفظ ، والمفروض أنّ المشتري قد قصد القبول في مقابل العوض ، وهذا قبول لأصل المبادلة فتتعلّق به الاجازة فتقع الزيادات لغواً ، وكيف كان فالجواب في المشتري الفضولي هو الجواب في الفضولي البائع بعينه ، ومعه لا مجال لتطويل الكلام كما أطاله شيخنا الأنصاري(1) في المقام

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 379 .

 
 

ــ[421]ــ

واستشكل في المشتري الفضولي بأنّه أنشأ تملّك المبيع لنفسه بمال الغير ، فلا مورد لاجازة المالك على وجه ينتقل المبيع إليه ، فلابدّ من التزام كون الاجازة نقلا مستأنفاً غير ما أنشأ الفضولي الغاصب ، ثمّ أجاب عن ذلك بأنّ المشتري وإن أنشأ تملّك المبيع بالمال إلاّ أنّه لا على نحو الاطلاق بل مقيّداً بأنّه مالك للثمن وقد قبله بما أنّه مالك ، وحيث إنّ الثابت للشيء من حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية فالمسند إليه التملّك في الحقيقة هو المالك دون غيره ، والاجازة إنّما تتعلّق بذلك القبول  ، وذلك لأنّ الجواب في المشتري الفضولي هو الجواب في البائع الفضولي ولا خصوصية في المشتري بوجه .

مضافاً إلى أنّه لا يمكن المساعدة على ما أفاده في الجواب ، لأنّ المشتري لم ينشئ في المقام أمرين أحدهما تملّك كلّي المالك وثانيهما إضافته إلى نفسه حتّى يقال إنّ الاضافة ملغاة والاجازة تتعلّق بتملّك المالك مثلا ، وإنّما أنشأ تملّكاً خاصّاً وتملّك حصّة خاصّة وهو تملّك نفسه ، فلا يبقى حينئذ لما أفاده مجال ، وكيف تتعلّق به الاجازة . وبالجملة فلا محيص عمّا ذكرناه في مقام الجواب ، هذا كلّه في المشتري الفضولي .

ولنرجع إلى ما كنّا فيه من كيفية تعلّق الاجازة ببيع الفضولي لنفسه وقد عرفت الجواب فيه بما لا مزيد عليه .

وقد أجاب المحقّق القمّي (قدّس سرّه)(1) عن الإشكال في تعلّق الاجازة ببيع الفضولي لنفسه بما ملخّصه : أنّ الاجازة في الفضولي بمعنى تبديل رضى الغاصب وبيعه لنفسه برضى المالك ووقوع البيع عنه ، وبالجملة إنّه عقد جديد .

وفيه : أنّه إن أراد بذلك أنّ الاجازة بمنزلة الايجاب المتأخّر عن القبول فإذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الشتات 2 : 319 .

ــ[422]ــ

صدرت من المالك وانضمّت إلى قبول المشتري فلا محالة تتمّ المعاملة فتصير بيعاً صحيحاً ، فهو ممّا لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، إذ بعد الفراغ عن صحّة تقديم القبول على الايجاب وتسليم ذلك في محلّه ، أنّ القبول إنّما تعلّق على إيجاب البائع الفضولي حسب الفرض لا على إيجاب المالك المتأخّر عنه ، فما تعلّق عليه القبول ليس بايجاب والايجاب لم يتعلّق عليه القبول ، فإن ألغى الخصوصية في البائع الفضولي وقال القبول إنّما تعلّق بأصل المبادلة فهو يرجع إلى ما ذكرناه في الجواب من أنّ المعاملة تتقوّم بالمبادلة والخصوصيات اُمور زائدة عليها ، ولأجل عدم مطابقتها للواقع لا محالة تقع لغواً ، فلا يحتاج إلى الاطالة بهذا المنوال ، وإن أراد أنّ الاجازة المتأخّرة بمنزلة الايجاب والقبول كليهما لولاية المالك على المشتري أو وكالته عنه في خصوص القبول ، وله أن يوجب البيع من قبل نفسه ويقبله ولاية أو وكالة عن المشتري ، فهو أمر غير موافق للعقل والشرع ولا دليل على ولاية المالك على المشتري أو وكالته بوجه .

وأمّا ما أجاب به كاشف الغطاء (قدّس سرّه)(1) من أنّ الاجازة موجبة لصيرورة الثمن ملكاً للفضولي فهو يمكن أن يقرّر على وجهين :

أحدهما : أن يقال إنّه لا دليل على اشتراط كون المثمن ملكاً للبائع في انتقال الثمن إليه ، بل يكفي أن يكون مأذوناً في بيع ملك الآخر لنفسه ، فإذا كان الاذن كافياً في انتقال الثمن إليه فالاجازة أيضاً مثله .

وثانيهما : أنّ الاجازة من المالك تتضمّن انتقال المثمن إلى البائع قبل المعاملة ، وبعد صيرورته مالكاً للمبيع فقد باعه من المشتري فلا محالة يملك الثمن هذا  .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح القواعد (مخطوط) : 60 .

ــ[423]ــ

والظاهر أنّ شيئاً من الوجهين لا يتمّ ولا يمكن الاعتماد عليه كما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1).

أمّا الوجه الأوّل : فلما ذكرناه في محلّه من أنّ مقتضى المبادلة عرفاً أن يكون الثمن قائماً مقام المثمن في كونه ملكاً للبائع ، والمثمن في مقام الثمن في كونه ملكاً للمشتري ، وإلاّ فلا معنى للمبادلة ، بل يكون البيع هبتان والمشتري يهب ماله للبائع والبائع للمشتري ، فاشتراط كون المثمن ملكاً للبائع في دخول الثمن في ملكه ممّا لا غبار عليه وإلاّ فتخرج عن محلّ الكلام ويصير هبة ، والكلام في البيع والمبادلة .

وأمّا الوجه الثاني : فلأنّ تملّك البائع للمثمن قبل المعاملة يتوقف على مبرَز وهو الاعتبار النفساني وعلى مبرز له خارجاً ، والمفروض أنّ البائع إنّما أنشأ الايجاب بالبناء على أنّه مالك كما في الغاصب مثلا ، ومن المعلوم أنّ البناء ليس من أحد المملّكات ، ولم يبرز تملّكه للمال بشيء خارجاً فكيف صار مالكاً للمبيع حينئذ  ، بل لو أذن له في ذلك سابقاً كما إذا قال : تملّك بمالي لنفسك ولكنّه لم يبرز تمليكه له خارجاً وإنّما بنى على كونه مالكاً واعتقد بذلك في نفسه ، لا يصير مالكاً له أيضاً ، فكيف بالاجازة المتأخّرة كما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

وتوضيح ما ذكرناه : أنّ تملّك الغاصب الفضولي للمال قبل المعاملة يتصوّر على وجهين :

أحدهما : أن يكون بانياً على تملّك المبيع فيبيعه لنفسه ثمّ يجيزه المالك . وفي هذه الصورة يرد إشكال الشيخ (قدّس سرّه) من أنّ إجازة البناء على التملّك لا توجب تأثير البناء في التملّك ، كما أنّ الإذن كذلك .

ثانيهما : أن يقصد إنشاء تملّك المبيع فضولة بقوله « بعت » مضافاً إلى إنشاء

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 384 .

ــ[424]ــ

البيع لنفسه ، بأن يقصد بقوله « بعت » إنشاء أمرين مترتّبين : أحدهما تملّك المبيع فضولة وثانيهما البيع لنفسه مترتّباً على ذلك . وفي هذه الصورة يصحّ البيع للبائع باجازة المالك للتملّك الفضولي بلا حاجة إلى إجازة البيع ، لأنّه بإجازة التملّك يصير البائع مالكاً فيكون البيع بيع مال نفسه لا مال الغير ، وهكذا الحال في الاذن ، وكأنّ الشيخ غفل عن هذه الصورة فأورد ذلك الإشكال .

بقي في المقام إشكال آخر

وهو مختصّ بما إذا كان الأصيل عالماً بالحال وأنّ طرفه فضولي يبيع لنفسه ومع ذلك اشتراه منه ودفع إليه الثمن ، فقد حكم الأصحاب بأنّ المالك لو ردّ البيع فليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن ، وهذاكاشف عن أنّ الغاصب ملك الثمن بمجرد تسليط الأصيل إيّاه ، فلا يبقى مورد للحوق الاجازة ، فلو أجاز وصحّ يكون بيعاً بلا ثمن ، وهو مناف لحقيقة البيع فلابدّ وأن يكون باطلا .

وقد أجاب عنه الشيخ (قدّس سرّه)(1) بثلاثة وجوه :

الأوّل : أنّا لا نسلّم ما حكم به الأصحاب من أنّه ليس للمشتري استرداد الثمن مع ردّ المالك .

الثاني : أنّه لم يسلّط البائع على ماله بوجه الاطلاق ، سواء أجازه المالك أم ردّه ، وإنّما سلّطه عليه على تقدير ردّ المالك ، وأمّا في صورة الاجازة فإنّما أعطاه للمالك في مقابل المبيع ، وعليه إذا أجازه المالك يتملّك الثمن لا محالة .

الثالث : أنّ الإشكال بعد الإغماض عن الجوابين المتقدّمين إنّما يتمّ بناءً على القول بالنقل ، وأمّا على الكشف فلا ، لأنّها تكشف حينئذ عن أنّ الثمن ملك للمالك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 388 .

ــ[425]ــ

من أوّل الأمر فيكون تسليطه أي المشتري للبائع على ملك المالك لغواً .

نقول : الجوابان الأوّلان صحيحان ، وأمّا الثالث فهو مبني على القول بالكشف بمعنى عدم تأثير الاجازة أصلا ، وهو لا يمكن الالتزام به ، وأمّا على الكشف بالمعنى الذي يمكن الالتزام به ـ وهو الكشف الحكمي أو اشتراط الاجازة بنحو الشرط المتأخّر أو اشتراط وصف التعقّب ـ فلا يصحّ الجواب ، لأنّه حينئذ لا ينتقل المال إلى المجيز قبل الاجازة ، فيكون تسليط المشتري الأصيل للغاصب على الثمن تسليطاً على ماله لا مال الغير .

ثمّ إنّ هذا الإشكال إنّما يرد بناءً على جواز البيع من طرف الأصيل . إذ بناءً على لزومه ليس للأصيل تمليك الثمن بالتسليط أو بغيره .

ثمّ إنّ صحّة بيع الفضولي لنفسه تارةً يراد بها وقوع البيع للمالك إذا أجاز وتارةً وقوعه للفضولي بعد ما ملك ، والكلام هنا إنّما هو في الأوّل دون الثاني .

وقد اشتبه الأمر على صاحب الرياض(1) فرأى الإجماع على البطلان في كلمات العلاّمة وحسب أنّ ذلك في القسم الأوّل فادّعى أنّ بيع الفضولي لنفسه باطل بالإجماع والنصوص ، غافلا عن أنّ ذلك إنّما هو في الصحّة بالمعنى الثاني لذهاب المشهور إلى صحّتها للمالك مع الاجازة ، هذا كلّه في بيع الفضولي لنفسه .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رياض المسائل 8 : 221 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net