اشتراط كون المجيز جائز التصرف حين العقد - بيع العين المرهونة 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4783


الأمر الثالث : أنه لا يشترط في المجيز أن يكون جائز التصرف حين البيع وكونه كذلك يتصوّر على وجوه :

أحدها : أن لا يكون المجيز مالكاً للمال حال العقد ومن أجل ذلك لم يكن تصرّفه حال العقد جائزاً ، فعدمه مستند إلى عدم المقتضي للجواز .

وثانيها : أن لا يكون المجيز نافذ التصرف في المال لفقد شرط من شروط نفوذ تصرّفاته كما إذا كان مجنوناً أو صغيراً أو سفيهاً ثمّ صار عاقلا أو بالغاً أو رشيداً حال الاجازة للبيع ، فعدم صحة تصرّفاته من جهة عدم شرطها .

وثالثها : أن لا يجوز له التصرف في المال حين العقد لأجل مانع كتعلّق حقّ الغير به كما إذا كانت العين مرهونة ثمّ أخرجها من الرهن حين الاجازة ، فعدم الجواز مستند إلى وجود المانع عنه .

فأمّا الصورة الأُولى : فعدم الملك حين العقد تارةً من جهة عدم الملك واقعاً وظاهراً كما إذا باع مال الغير ثمّ ملكه . وأُخرى من جهة عدم الملك ظاهراً مع كونه

ــ[8]ــ

مالكاً له بحسب الواقع كما إذا باع مال أبيه بظنّ حياته ثمّ انكشف موت الأب وأنه كان ملكه واقعاً . وثالثة من جهة عدم الملك تخيّلا واعتقاداً مع كونه ملكه واقعاً كما إذا اعتقد أنّ المال ملك شخص آخر فباعه ثم انكشف أنه ملكه ، وسيأتي تفصيل الكلام في هذه المسألة بجميع صورها عن قريب إن شاء الله تعالى .

وأمّا الصورة الثانية : أعني ما إذا استند عدم جواز التصرفات حال العقد إلى فقد شرط من شرائط الجواز كما إذا كان مجنوناً أو سفيهاً أو صبياً ونحوها ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى العمومات والاطلاقات صحّة المعاملة الصادرة عن المجنون إذا تمشّى منه قصد المعاملة والسفيه والصبي وغيرها ، وعدم اشتراط صحتها بكون البائع المالك جائز التصرف في المال ، غاية الأمر أنها تتوقّف على إجازة الولي كغيرها من المعاملات الفضولية ، أو على إجازة نفسه فيما إذا بلغ أو صار رشيداً بعد المعاملة ، وذلك لأنّ المعاملة حينئذ تامّة الأجزاء والشرائط ولا قصور فيها إلاّ من ناحية الاستناد من أجل أنّ استناد المعاملة إلى المالك المجنون أو السفيه كلا استناد عند الشارع ولا اعتبار له عنده ، فلابدّ في صحّتها من استنادها إليه على وجه معتبر  ، فإذا حصل الاستناد باجازة الولي أو باجازة نفسه بعد البلوغ والرشد فلا مانع من أن تشملها العمومات نحو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) .

نعم لو كان قصور تلك المعاملات من جهة الانشاء لا الاستناد بأن التزمنا بعدم اعتبار إنشاء الصبي أو السفيه أو المجنون وأنه كلا انشاء عند الشارع ولو أجازه الولي أيضاً ، فلا محالة تبطل المعاملة في هذه الصورة لعدم اعتبار إنشاء البايعين في مثل الصبي والمجنون والسفيه ، إلاّ أنّا ذكرنا أنّ إنشاء الصبي باجازة الولي ممّا لا مانع منه ، وعليه فالقصور مستند إلى عدم استناد صحيح وهو يحصل بالاجازة المتأخّرة

ــ[9]ــ

كما هو ظاهر ، والذي يوضّح ذلك ما ورد(1)، في صحّة نكاح الصغيرين من أنّ الزوجة إذا بلغت فأجازت النكاح صحّ وترث من زوجها لا محالة .

وأمّا الصورة الثالثة : وهي ما إذا استند عدم جواز التصرّف حين العقد إلى وجود مانع نظير حقّ الرهانة ونحوه ، وفي هذا الفرض تارةً يكون البائع هو المرتهن  ، فلا إشكال في صحته إذا أجاز المالك لأنّ بيع المرتهن بنفسه إسقاط لحقّه . وأُخرى يكون البائع أجنبياً فيحتاج إلى إجازة المرتهن وإجازة المالك معاً كما سيأتي ، وإنّما الكلام فيما إذا كان البائع هو الراهن ثمّ أدّى دَينه وفكّ الرهن فإنه قد يقال ببطلان البيع ويستدلّ له : بأنّ العقد مع تماميته من جميع الجهات واستناده إلى المالك لم يمضه الشارع حين المعاملة ، والمفروض أنه لم يحصل الاستناد ثانياً ، كما أنّ الشارع لم يمضه مرّة أُخرى ، فلا محالة يقع باطلا لأنّ العقد حين وقوعه ممّا لم يمضه الشارع مع تحقّق الاستناد فيه ، فكيف يصحّ بعد ذلك مع أنه لم يرد عليه إمضاء آخر  .

ومنه يظهر أنّ المقام لا يشبه المعاملات الفضولية أبداً ، لأنّ عدم صحّة الفضولي قبل إجازة المالك إنّما هو مستند إلى فقدان الاستناد فإذا حصلت الاجازة فيتمّ استناد العقد إلى المالك فلا مانع من صحته بوجه ، وأمّا في المقام ونظائره ممّا يحصل العقد من نفس مَن ينبغي أن يسند إليه ومع ذلك لا يمضيه الشارع لتعلّق حقّ شخص آخر بالعين كما في نكاح بنت أُخت الزوجة أو بنت أخيها ، فلا مجال للصحّة فيه أبداً ، لأنه حين العقد لم يتعلّق به الامضاء مع تحقّق الاستناد وبعد ذلك أيضاً لم يتعلّق به إمضاء آخر فلا محالة يقع باطلا ، هذا .

ولا يخفى أنّ عدم شمول العمومات لمثل بيع المرهونة أو نكاح بنت أُخت

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 26 : 219 / أبواب ميراث الأزواج ب11 ح1 وغيره .

ــ[10]ــ

الزوجة إنّما هو من جهة ما دلّ على اعتبار رضا المرتهن أو الزوجة أو غيرهما ولولاه لما كان من شمول العمومات لها مانع أبداً ، فهذا الدليل كالمخصّص والمقيّد لتلك العمومات ، فإذن لابدّ من ملاحظة مقدار دلالة ذلك الدليل وأنه دلّ على اعتبار رضا المرتهن أو الزوجة أو غيرهما إلى أي مقدار ، ولا إشكال في أنه دلّ على خروجها عن عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ونحوه في حال عدم رضا من يعتبر إجازته ورضاه ، فإذا لحقه الرضا ممّن يعتبر إجازته أو سقط حقّه فلا محالة يتمّ العقد فيشمله العمومات .

وبالجملة : أنّ هذا الدليل ليس من قبيل المخصّص الفردي الذي يخرج الفرد عن تحت العمومات الشاملة له حتّى نحتاج في دخوله تحتها إلى دليل ، بل هو مخصّص زماني للفرد في بعض الحالات وهو حال عدم الرضا ، فإذا ارتفع فالعمومات تشمله في سائر الحالات من الابتداء ولا نحتاج في شمولها له إلى دليل آخر عليه ، وهذه من صغريات الكبرى المعروفة وهي أنّ المتعيّن عند دوران الأمر بين التقييد والتخصيص هو التقييد ، لأنه المقدار المتيقّن في البين ، وفي المقام الأمر يدور بين تخصيص العمومات بهذا الفرد من البيع حتّى يقع فاسداً وبين تقييد العمومات بحالة عدم كون الملك طلقاً لأجل الرهانة وعدم رضا من له الحقّ ، فإذا ارتفعت الحالة المانعة عن شمولها فلا مانع من شمول الاطلاقات والعمومات بوجه ولعلّه ظاهر فالبيع في المقام وإن لم تشمله العمومات بحسب الحدوث إلاّ أنّها تشمله بحسب البقاء بعد ارتفاع الحالة المانعة كما لا يخفى .

والذي يدلّ على ذلك ما ورد(1) في صحة نكاح العبد فيما إذا أجازه سيده معلّلا بأنه لم يعص الله وإنّما عصى سيده فإذا أجاز جاز ، فإنه يدلّ على أنّ العقد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 114 / أبواب نكاح العبيد والاماء ب24 ح1 ، 2 .

ــ[11]ــ

المتوقّف على إجازة الغير إنّما يقع صحيحاً فيما إذا أجازه الغير ، وبيع المرهونة في المقام من هذا القبيل فإنه يحتاج إلى إجازة المرتهن ما دام حقّ الرهانة باقياً أو إلى إجازته وإجازة المالك معاً فيما إذا باعها الأجنبي مثلا ، وأمّا بعد سقوط حقّ الرهانة فتشمله العمومات ، وعليه فلا وجه لما استدلّ به على بطلان بيع العين المرهونة بوجه  . ومنه يتّضح صحّة نكاح بنت أُخت الزوجة أو أخيها فيما إذا رضيت به زوجته .

بقي الكلام في أمرين ثانيهما عمدتهما ، الأول : أنّ المعاملة بعد ما خرجت العين عن الرهانة وفكّت عن حقّ المرتهن وصارت طلقاً هل تحتاج إلى إجازة المالك أو لا ؟ والثاني في أنّ الاجازة على تقدير لزومها في المقام يجري فيها نزاع الكشف والنقل أو أنّها ناقلة في المقام وإن قلنا بالكشف في غيره .

أمّا المقام الأول : فالظاهر أنه لا حاجة إلى إجازة المالك بعد صيرورة الملك طلقاً بفكّ المال عن الرهانة ، لأنّ المعاملة مستندة إلى المالك على الفرض وإنّما كان المانع من صحّتها حقّ المرتهن وقد سقط حقّه .

وأمّا الثاني فالاجازة على تقدير لزومها في المقام تتمحّض في الناقلية دون الكشف وفاقاً للمحقّق الثاني ومن تبعه حيث إنه مع إصراره على الكشف في الاجازة(1) التزم بالنقل في المقام ، والوجه في ذلك أنّ نزاع الكشف والنقل إنّما يجري فيما إذا كان العقد تامّاً من جميع الجهات وكان متوقّفاً على الاستناد إلى المالك فقط فعند حصول الاستناد إليه بالاجازة يمكننا الالتزام بأنّ هذا الاستناد الفعلي تعلّق بالعقد المتقدّم ، فتكون الاجازة من الآن متعلّقة بالملكية من حال العقد وهو ممّا لا ضير فيه كما تقدّم سابقاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع المقاصد 4 : 74 .

ــ[12]ــ

وأمّا إذا كانت صحة العقد متوقّفة على أمر آخر مضافاً إلى توقّفها على الاجازة ففي مثله لا يمكن الالتزام بأنّ الاجازة تكشف عن الملكية من حال العقد كيف وهي تتوقّف على أمر آخر حسب الفرض . نعم لا مانع من الالتزام بالكشف في المقدار الممكن وهو زمان حصول ذلك الأمر الآخر ، مثلا إذا عقد الفضولي بيع الصرف يوم السبت وقبضه يوم الأحد وأجازه المالك يوم الاثنين فالاجازة لا معنى لأن تكون كاشفة عن الملكية يوم السبت ، لأنّها تتوقّف على القبض وهو مفقود في ذلك اليوم ، نعم لا مانع من الالتزام بالكشف عن الملكية يوم الأحد لحصول القبض والاقباض حينئذ ، فالعقد تام والاستناد قد حصل يوم الاثنين وتعلّق بذلك العقد الواقع سابقاً فتؤثّر في الملكية في زمان يمكن فيه الملك كما عرفت وفي المقام لمّا كانت صحّة العقد الواقع على العين المرهونة متوقّفة على فكّ الرهانة أو إجازة المرتهن والمفروض أنّ الاجازة منتفية والفكّ إنّما حصل بعد الفقد بزمان أوجبت الاجازة المتأخّرة انتقال الملك من حين الانفكاك والطلاقة دون حين العقد والمعاملة ، وهذا هو معنى النقل الذي نلتزم به في المقام في مقابل الكشف عن الملكية من حين العقد ، هذا كلّه فيما إذا كان عدم جواز التصرف حال العقد مستنداً إلى فقدان الشرط أو وجود المانع عنه .

وأمّا فيما إذا كان مستنداً إلى عدم المقتضي وهو الملك فقد قسّمه شيخنا الأنصاري إلى أقسام : لأنه تارة يبيع لنفسه ثمّ يملكه بسبب اختياري كالاشتراء أو غير اختياري كالارث . وأُخرى يبيعه للغير ثمّ يملكه . وثالثة يبيعه بتخيّل أنه ملك الغير أو بعنوان كونه للغير ظاهراً ثمّ ينكشف أنه ملكه .

والكلام فعلا يقع في :




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net