عدول واستدراك - الأخبار الواردة في النهي عمّا ليس عنده وما لا يملكه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4445


عدول واستدراك

قد ذكرنا أنّ مقتضى العمومات والاطلاقات صحّة البيع في من باع شيئاً ثمّ ملكه فأجاز كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وجماعة ، وخالفهم في ذلك الشيخ أسد الله التستري وتابعوه فذهبوا إلى البطلان ، واستدلّ عليه التستري بأنه غير قاصد للمعاوضة الحقيقية بل إنّما تكلّم بلفظ البيع مجازاً أو غلطاً .

وقد أُجيب عن هذا الإشكال في بيع الغاصب لنفسه بوجهين وذكرنا أنّ الوجه الثاني من الوجهين المذكورين هناك يأتي في المقام دون الوجه الأول .

ولكن الانصاف أنّ هذا الإشكال في المقام ممّا لا مدفع له أبداً وأنّ شيئاً من الوجهين لا يأتي في المقام ، وتوضيح ذلك : أنّ الغاصب إنّما قصد المعاوضة الحقيقية من أجل ما طبقه على نفسه غلطاً وادّعاء بأنه المالك للمال ، وقد قصد خروج المال من ملكه إلى ملك المشتري ودخول الثمن من ملكه إلى نفسه ، فهذه معاوضة حقيقية غاية الأمر أنه غلط في تطبيق المالك على نفسه نظير ما ادّعاه السكاكي في المجازات من أنها مستعملة في معانيها الحقيقية غاية الأمر ادّعاء وبناء ، ومن الواضح أنّ الفضولي في المقام لا يدّعي الملك أبداً ، فهذا الجواب غير جار فيما نحن فيه بوجه .

وأمّا الجواب الثاني فهو أيضاً كالسابق لا يجري فيما نحن فيه ، وذلك لأنّ البيع لنفسه على قسمين :

ــ[19]ــ

فتارةً يبيع الوارث فعلا ما سيملكه بعد موت مورّثه على نحو الواجب المشروط بأن يكون الانشاء فعلياً والمنشأ أمراً استقبالياً ، وفي مثل ذلك لا إشكال في أنه قصد المعاوضة الحقيقية في ظرف الموت إلاّ أنه باطل من أجل التعليق حيث إنه باعه معلّقاً على تقدير الموت والملك ، وهذا داخل تحت معقد إجماعهم على أنّ التعليق مبطل في العقود وإن قلنا بعدم بطلانه فيما إذا علّقه على ملكه فعلا كما إذا قال : بعتك إن كان ملكي لأنه تعليق على ما يتوقّف عليه صحّة العقد فعلا وهذا بخلاف التعليق على الملكية المتأخّرة .

وأُخرى يبيع المال فعلا قبل موت المورّث أو قبل اشترائه على أن يكون الثمن راجعاً إليه وإن كان المثمن للغير ، وفي مثل ذلك كيف تتحقّق المعاوضة الحقيقية من الفضولي لأنه هبتان مجّانيتان وليس من المعاملة والمعاوضة في شيء . وأمّا ما ذكرناه سابقاً من أنّ المعاملة غير متقوّمة إلاّ بالمبادلة ، فيندفع بأنّ المبادلة لا تتحقّق في مفروض الكلام كيف والمثمن ليس ملكاً لمن يرجع إليه الثمن فكيف تتحقّق المعاوضة حتّى نقول إنّ البيع متحقّق وقصد البائع رجوع الثمن إليه لغو ، نعم إنّما يصحّ ذلك فيما إذا كان البائع قاصداً لدخول الثمن في ملك المالك لا في ملك نفسه واتّفق أنه صار مالكاً للمال بعد المبادلة أو صار المالك شخصاً آخر كالوارث بعد موت المورّث ، وفي مثله يقال إنّ خصوصية المالكين ملغاة بعد تحقّق المبادلة والمعاوضة ، وذلك لأنّ المبادلة قد تحقّقت بالبيع حيث إنّه قصد رجوع الثمن إلى من خرج منه المثمن غاية الأمر أنّ المالك انطبق على شخص آخر ، وهذا لا يضرّ بالمعاملة نظير ما إذا باعه باعتقاد أنه ملكه أو بادّعاء أنه ملكه كما في الغاصب ثمّ ظهر أنه للغير فيتوقّف على إجازته لا أنه يبطل لعدم تحقّق المبادلة ، بل نظير ذلك في الفقه أيضاً متحقّق كما إذا وقف داراً على طبيعي العالم ثمّ صار الواقف عالماً فإنه يتصرّف في الدار وليس ذلك من الوقف على النفس في شيء .

ــ[20]ــ

فالمتحصّل : أنّ هذا الإيراد ممّا لا جواب له أبداً .

الوجه الثالث من وجوه المنع : أنّ الاجازة على الأصح عندنا وعند التستري كاشفة عن الملكية حال العقد ، ولازمه أن يكون المال ملكاً للمشتري الأصيل من حين المعاملة مع أنّ الفرض عدم كون البائع مالكاً للمبيع حين العقد وإنّما ملكه بعد المعاملة بزمان ، وعليه فيلزم خروج المال عن ملكه قبل الدخول فيه وهو مستحيل  ، لأنّ الخروج فرع الدخول وما لم يدخل في ملكه كيف يعقل خروجه عنه وهذا يكشف عن أنّ المعاملة باطلة .

وقد أجاب عن ذلك شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) بأنّ الكشف إنّما هو في مقابل النقل لا بمعنى الكشف عن الملكية حال العقد ، وهذا إنّما يتحقّق في المورد القابل وهو يختلف باختلاف المقامات ، ففيما إذا كان العقد مستجمعاً للشرائط والقيود ولم يكن هناك شيء يتوقّف عليه صحّة العقد إلاّ الاجازة فهي تكشف عن الملكية من حين العقد لقابلية المورد للملك حينئذ ، وأمّا إذا لم يكن تامّاً بحسب الأجزاء أو الشروط فتحقّقت بعد العقد بيوم فتكشف عن الملكية في اليوم القابل لا محالة كما في المقام حيث إنّ البائع لم يكن مالكاً للمال حال العقد حتّى تكشف الاجازة عن الملكية حال العقد وإنّما صار ملكه بعد العقد بزمان ، فالاجازة إنّما تكشف عن الملكية في اليوم القابل كما هو ظاهر ، فالخروج عن ملكه إنّما يتحقّق بعد الدخول في ملكه فلا يرد عليه المحذور المتقدّم بوجه .

ثمّ ذكر أنّ المقام لا يقاس بما تقدّم من أنّ المالك إذا خصّ الاجازة بزمان متأخّر عن العقد بأن أجاز العقد من حين الاجازة أو غيره دون وقت العقد والمعاملة  ، تبطل الاجازة لا محالة لمخالفتها العقد الواقع من الفضولي والأصيل حيث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 438 .

  
 

ــ[21]ــ

إنّهما عقدا على أن يكون الملك من حين العقد لا من زمان الاجازة أو غيرها ، فما وقع لم تتعلّق به الاجازة وما تعلّقت الاجازة به لم يقع في الخارج حسب الفرض وذلك لأنّ البطلان في تلك المسألة من جهة أنّ المورد كان قابلا للملكية من أوّل الأمر ومع ذلك لم يجزها المجيز من زمان القابل وأجازها في غيره من الأزمنة كزمان الاجازة ونحوه من دون أن يكون للاجازة من أوّل الأمر مانع عقلي أو شرعي .

وهذا بخلاف المقام لأنه إنّما خصّ الاجازة بزمان آخر دون زمان العقد من أجل المحذور السابق أعني عدم كونه ملكه ، فلا محالة تكشف عن الملكية من ذلك الزمان لا من حين العقد للمانع المذكور .

وبعد ذلك ذكر (قدّس سرّه) أنّ البطلان في المسألة إمّا يكون من أجل فقد المقتضي أو من جهة وجود المانع ، والمقتضي للصحّة في المقام موجود وهو العمومات والاطلاقات ، والمانع عن تأثيره مفقود لما عرفت من أنّ الاجازة تكشف عن الملكية في المورد القابل لا من حين العقد حتّى يقال إنه يستلزم الخروج عن ملكه قبل الدخول وهو يمنع عن شمول العمومات له ، هذا ملخّص ما أفاده (قدّس سرّه) في المقام .

ولا يخفى أنّ المانع عن صحّة المعاملة في المسألة المتقدّمة وهي ما إذا خصّ الاجازة بزمان متأخّر عن العقد مع قابلية المورد للملكية حال العقد بعينه متحقّق في المقام ، فإنّ الوجه في بطلانها في المسألة المتقدّمة إنّما هو عدم مطابقة الاجازة لما أوقعه الفضولي ، فكان الواقع غير المجاز والمجاز غير الواقع سابقاً ، وهذا بعينه جار في المقام كما هو ظاهر ، لأنّ الأصيل إنّما اشتراه على أن يكون ملكه من زمان العقد والاجازة من المالك إنّما تعلّقت بالملكية من حين الارث أو الشراء لعدم صحّتها قبلهما  ، لاستلزامه الخروج قبل الدخول فالواقع غير المجاز والمجاز غير الواقع حسب الفرض ، فالصحيح أنّ هذه المناقشة كالمناقشة المتقدّمة غير قابلة للجواب .

ــ[22]ــ

ثمّ إنّه ربما يستدلّ على البطلان ـ والمستدلّ شيخنا الأُستاذ (قدّس سرّه)(1)تأييداً لما ذكره التستري (قدّس سرّه) ـ بأنّ الردّ على ما ذكرناه سابقاً يرفع العقد الصادر عن الفضولي ويلغيه عن قابلية لحوق الاجازة لعموم « الناس مسلّطون على أموالهم »(2)، كما ذكرنا أنّ الرد يتحقّق بالفعل والقول ولا يختصّ بالثاني فقط ، فلذا قلنا إنّ الأمة المزوّجة فضولا إذا زوّجها سيّدها من شخص آخر يكون ذلك ردّاً للعقد الفضولي السابق ، وعليه فبما أنّ المالك الأول الذي وقع العقد على ملكه فضولا باعه من الفضولي فهو قد ألغى العقد الواقع عن التأثير فلا تصحّحه الاجازة المتأخّرة  ، فلا محالة تقع المعاملة باطلة ، هذا .

وفيه : أنّا لو سلّمنا أنّ الرد يلغي العقد السابق عن قابلية الاجازة فإنّما نلتزم بذلك في ردّ المالك للعقد الواقع على ملكه ، وأمّا أنّ هذا الردّ يمنع عن الاجازة في ملك شخص آخر فلا ، لأنّ الحديث إنّما دلّ على أنّ « الناس مسلّطون على أموالهم » لا على أموال غيرهم ، فردّ المالك الأول في المسألة كيف يلغي إجازة المالك الثاني للعقد الواقع على ملكه ، لأنّ الكلام في إجازة الفضولي بعد الملك لا إجازة المالك الأول فلا تغفل ، هذا أوّلا .

وثانياً : أنّ الدليل أخصّ من المدّعى ، لأنّ الردّ لو تحقّق بالفعل فإنّما يتحقّق بمثل البيع والهبة ونحوهما ، وأمّا انتقال الملك من مورّثه إليه فهذا كيف يكون ردّاً من المورّث للعقد الصادر عن الوارث ، والكلام في مطلق صيرورة الفضولي مالكاً للمال  ، كان الانتقال بالبيع أو كان بالارث ، وما أفاده لا يتم في الارث أبداً . والعجب أنه (قدّس سرّه) التزم في صورة الارث بأنّ الاجازة من الوارث تكشف عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 117 .

(2) عوالي اللآلي 3 : 208 ح49 ، بحار الأنوار 2 : 272 .

ــ[23]ــ

الملكية من حال العقد في حياة المورّث بدعوى أنّ الوارث هو المورّث في قيامه مقامه في الأموال فكأنّ العقد قد صدر من المورّث بنفسه ، وهذا كما ترى ممّا لا يمكن الالتزام به .

الوجه الرابع : أنّ صحّة البيع في من باع شيئاً ثمّ ملكه فأجاز يستلزم اجتماع المالكين على ملك واحد ، وذلك لأنّ الاجازة تكشف عن ملكية المشتري الأصيل للمال حين المعاملة ، والمفروض أنّ المال في ذلك الوقت ملك للمالك الأول فلذا صحّ انتقاله منه إلى البائع بالبيع والارث ، وصحّت إجازته للعقد وإلاّ لم يكن شراؤه من المالك أو انتقاله إليه صحيحاً ، ولم تكن إجازة البائع نافذة لعدم انتقال المال إليه ولازم ذلك أن يكون الملك الواحد مملوكاً للمالكين المشتري والمالك الأول .

بل يمكن أن يقال : إنّ ملك المشتري للمال حال العقد يستلزم عدم كون المالك الأول مالكاً له حينئذ (لاستحالة كونه ملكاً لهما) وذلك يوجب عدم انتقاله إلى البائع بنقل المالك الأول ، لأنّ المفروض أنه ليس مالكاً للمال وكيف ينتقل المال منه إلى البائع ، وهذا يستلزم عدم صحّة إجازة البائع للبيع الواقع سابقاً ، وذلك يستلزم عدم ملك المشتري للمال حال العقد ، وما يلزم من وجوده عدمه محال ، فملك المشتري للمال مستحيل والمعاملة باطلة ، هذا .

ولا يخفى أنّ الإشكال المزبور يبتني على الكشف من حين المعاملة ، وقد عرفت أنّ الاجازة إنّما تكشف عن الملكية من حين قابلية المورد ، وعليه فلا يلزم شيء من الايرادين في المقام ، لأنّ المفروض أنّ المشتري إنّما ملكه بعد صيرورة البائع مالكاً للمال بالإرث أو البيع لا من الابتداء حتّى يقال إنه يستلزم اجتماع المالكين على ملك واحد أو يلزم من ملك المشتري عدمه .

نعم يبقى إشكال عام وارد في جميع المعاملات الفضولية بناء على الكشف من حين المعاملة أو من حين قابلية المورد كما فيما نحن فيه : وهو أنّ الاجازة تكشف عن

ــ[24]ــ

ملكية المشتري للمال من حين العقد أو من حين قابلية المورد ، ولازم ذلك أن لا يكون المال ملكاً للمجيز حال الاجازة ، ومعه كيف تؤثّر إجازته في تملّك المشتري من حين العقد أو من حين قابلية المورد ، ولازم صحّة إجازته أن يكون المال ملك المجيز والمشتري في حال الاجازة .

وقد أجاب عن ذلك الشيخ أسد الله التستري(1) بأنّ المالكية الصورية الحاصلة بالاستصحاب للمجيز كافية في صحّة الاجازة وإن لم يكن مالكاً واقعياً لأنّ الاجازة رفع لليد وإسقاط للحقّ وفيه يكفي الملك الصوري ، وهذا بخلاف العقد الثاني في المقام حيث إنه يحتاج إلى الملك الواقعي لأنه عقد وصحّة العقد تتوقّف على الملك واقعاً .

وقد أورد عليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) بايرادات متينة وملخّصها : أنّ الملك الصوري الاستصحابي لا يكفي في الاجازة فلذا لو فرضنا أنّ الفضولي باع مال أحد من زيد وقبل إجازة المالك باعه وكيل المالك من شخص آخر ولم يعلم به المالك ثمّ أجاز المالك البيع الفضولي باستصحاب ملكه وبعد ذلك ظهر أنه لم يكن مالكاً للمال حال الاجازة لأنّ الوكيل باعه من شخص آخر ، فلا يمكن الالتزام بصحّة الاجازة حينئذ مع أنّ الملك الصوري متحقّق في المثال ، ومنه يظهر أنّ الاجازة متوقّفة على الملك الواقعي ولا يكفي فيها الملك الاستصحابي ، نعم يكفي ذلك في ظرف الشكّ فقط لا بعد انكشاف الخلاف كما هو ظاهر .

ثمّ إنّه لم يعلم الفرق بين الاجازة والعقد الثاني حيث إنّ الاجازة ليست رفعاً لليد وإسقاطاً للحقّ ، بل هي ممّا تصحّح الاستناد وكأنّه باع ماله حين الاجازة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقابس الأنوار : 134 .

(2) المكاسب 3 : 442 .

ــ[25]ــ

ومن الظاهر أنّ البيع يتوقّف على الملك الواقعي ولا يكفي فيه الملك بالاستصحاب لأنّه من الشرائط الواقعية لا العلمية حتّى يقال إنّه يكفي فيه الاستصحاب ، هذا ولو سلّمنا أنّ الاجازة إسقاط للحقّ أيضاً لا يمكن المساعدة على كفاية الملك الظاهري
إذ لا يعقل إسقاط الحقّ مع انتفاء الحقّ قبل الاسقاط كما هو المفروض بناء على القول بالكشف حيث إنّ الاجازة تكشف عن ملكية المشتري من حين المعاملة فالمجيز غير مالك حال الاجازة .

ثمّ ذكر (قدّس سرّه) أنّ هذا الإشكال في المعاملات الفضولية إنّما يبتني على الكشف الحقيقي ، وأمّا بناء على ما سلكناه من الكشف الحكمي فلا يجتمع المالكان على مال واحد ، لأنّ المشتري إنّما ينزل منزلة المالك في ترتّب الآثار فقط ، لا أنه يكشف عن الملك الحقيقي ليرد الإشكال وأنّ المال الواحد كيف يجتمع فيه مالكان بل المشتري مالك تنزيلي أو مجازي فيرتفع الإشكال عن الفضولي بحذافيره ، كما أنه لا يأتي على ما ذكرناه في معنى الكشف حيث إنّ زمان الاعتبارين متعدّد . هذا ما أفاده شيخنا الأنصاري في المقام وظاهره الالتزام بالإشكال على القول بالكشف الحقيقي .

وأمّا شيخنا الأُستاذ (قدّس سرّه)(1) فقد ذكر أنه لا مانع من اجتماع المالكين على ملك واحد ، لأنّ المستحيل إنّما هو اجتماع المالكين العرضيين ، وأمّا إذا كان أحدهما في طول الآخر فلا ، وقد وقع نظير ذلك في الشريعة المقدّسة حيث إنّ ظاهر المشهور والعمومات والاطلاقات أنّ العبد يملك ماله كما إذا وجد شيئاً باللقطة أو حاز شيئاً من المباحات فإنّه ملك العبد حينئذ مع أنّ الملك والعبد كلاهما مملوكان لسيّده ، بل وهذا متحقّق في المالكية الحقيقية والواجدية الواقعية حيث إنه تعالى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 119 .

ــ[26]ــ

مالك للملاّك وأملاكهم وأموالهم ، وعليه فلا مانع في المقام من الالتزام باجتماع مالكين طوليين على مال واحد ، هذا .

ولا يخفى أنّ ما أفاده (قدّس سرّه) في العبد متين ، لأنّ السيد مالك للعبد وبتبعه يملك ملك العبد أيضاً ، وأمّا في المقام فلا نتصوّر له معنى صحيحاً ، لأنّ المالك لا يملك المشتري ليملك ما ملكه بتبعه ليكون ملك أحدهما في طول ملك الآخر ، وليس في المقام إلاّ تبعية المعلول لعلّته حيث إنّ ملك المشتري معلول لاجازة المالك وبيعه ، إلاّ أنّ كل واحد منهما مالك للمال بالاستقلال .

والصحيح أن يقال : إنه بناء على الكشف الحقيقي لا مانع من الالتزام بكفاية الاجازة عن من يخرج عن المالكية بنفس الاجازة ، أي الاجازة معتبرة عن من هو المالك لولا الاجازة ، بأن تكون الاجازة فعلا بيعاً للمال من السابق ، وهذا أمر ممكن في حدّ نفسه ، نعم يحتاج إلى دليل في مقام الوقوع فإنّا ذكرنا سابقاً أنه لا مانع من بيع المالك فعلا شيئاً من أملاكه منذ اسبوع بأن يكون البيع فعلياً والملكية من السابق فيما إذا وافقه دليل شرعي ، فيكون بيع المالك الذي يخرج عن كونه مالكاً بنفس البيع صحيحاً وممكناً في حدّ نفسه ، فيتملّك المشتري المال من قبل اسبوع ولا بأس بالالتزام بذلك ، نعم لابدّ من تتبّع الأدلّة ليرى أنّها توافق هذا الممكن أم لا .

الوجه الخامس : أنّ الاجازة كما عرفت تكشف عن الملكية من حين المعاملة وأنّ المشتري مالك له من الابتداء ، وحينئذ فبيع المالك للمال من البائع الفضولي معاملة فضولية قد وقعت على ملك المشتري فتتوقّف صحّتها على إجازته لأنه كالبيع الصادر من شخص أجنبي حيث إنّ صحّته تتوقّف على إجازة المالك الواقعي وهو المشتري ، وعليه يلزم أن تتوقّف إجازة كل من البائع الفضولي بعد صيرورته مالكاً والمشتري على إجازة الآخر ، أمّا إجازة المشتري فلأنّها تتوقّف على ملكه للمال وهو يتوقّف على إجازة المالك للبيع حتّى يملكه المشتري

ــ[27]ــ

والمفروض أنّ شراء البائع الفضولي وإجازته يتوقّف على إجازة المشتري لأنه ملكه  ، فيتوقّف شراء البائع الفضولي وإجازته على إجازة المشتري وإجازة المشتري تتوقّف على شراء الفضولي وإجازته ، وهذا من الأعاجيب ، بل لازم ذلك اجتماع العوض والمعوّض في ملك المشتري ، لأنه إذا اشتراه بعشرين ديناراً من الفضولي فأجازه بعد ملكه فتكشف الاجازة عن ملك المشتري من الابتداء ، وبعد ذلك إذا باعه المالك الأول من الفضولي بعشرين ديناراً مثلا فقد وقع ذلك على ملك المشتري فضولا فيرجع الثمن إلى المشتري لأنه المالك بحسب الفرض ، فيملك المشتري العين والثمن في البيع الثاني ، فتقع المعاملة الأُولى للمشتري بلا ثمن ، بل إذا باعه المالك الأول من الفضولي بثلاثين ديناراً مثلا يربح المشتري تلك الزيادة مضافاً إلى ملكه للثمن والمثمن ، نعم لو باعه بأقل ممّا اشتراه به المشتري من الفضولي كثمانية عشر ديناراً يقع المثمن في مقابل دينارين في المثال .

وأجاب شيخنا الأنصاري(1) عن ذلك : بأنّ هذا الإشكال كسابقه مبنيّ على الكشف من حين المعاملة ، وقد عرفت أنّ الصحيح هو الكشف من الزمان القابل وهو يختلف باختلاف الموارد ، ثمّ ذكر أنّ منشأ هذه الإشكالات شيء واحد وقد نبّه عليه في الإيضاح وجامع المقاصد وما جمعه التستري يرجع إليه .

الوجه السادس : أنّ الردّ الفعلي كاف في بطلان العقد الفضولي ، والمالك ببيعه المال قد ردّ العقد فلا يبقى هناك مورد للاجازة من البائع بعد ذلك .

وهذا الإشكال قد تقدّم سابقاً وعرفت أنّ الفعل لا يكون ردّاً مانعاً عن إجازة المالك الآخر، وإنّما يمنع عن إجازة الرادّ فقط وأمّا إجازة الآخربعد انتقال المال إليه فلا. مضافاً إلى أنّ البيع لايكون ردّاً مبطلا للعقد السابق بل إنّما هو معدم لموضوع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 443 .

ــ[28]ــ

الاجازة بالنسبة إلى ملك البائع ، فلا مانع من صحّة الاجازة ممّن انتقل إليه الموضوع بالبيع والارث أبداً فراجع .

الوجه السابع : الأخبار الواردة في النهي عمّا ليس عنده وما لا يملكه ، وهي على طوائف ثلاث :

إحداها : ما ورد في المنع عن بيع الكلّي وظاهرة في النهي عنه كصحيحة معاوية بن عمّار قال : « سألت أبا عبد (الله (عليه السلام)) يجيئني الرجل فيطلب بيع الحرير وليس عندي منه شيء » الخ(1) حيث إنّها ظاهرة في عدم خصوصية المبيع بل إنّما يشتري منه الحرير على وجه كلّي .

وثانيتها : ظاهرة في المنع عن بيع الأعيان الخارجية فيما إذا لم يملكها كروايتي ابني الحجّاج يحيى وخالد(2) حيث إنّهما واردتان في بيع الثوب الشخصي أو الدابة المعيّنة .

وثالثتها : مطلقة بالنسبة إلى الكلّي والشخصي وشاملة لهما معاً كقوله (صلّى الله عليه وآله) : « لا تبع ما ليس عندك »(3).

ولا يبعد أن تكون صحيحتا ابن مسلم ومنصور بن حازم(4) المشتملتان على لفظ المتاع من قبيل الطائفة الثانية ، إذ المراد بالمتاع الذي يرجع إليه ضمير «  يشتريه  » لا يصحّ أن يكون معنى كلّياً ، لأنّ الكلّي والنكرة غير المعيّنة غير قابل للاشتراء . وكيف كان فهذه الأخبار ممّا لا إشكال في سندها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 50 / أبواب أحكام العقود ب8 ح7 .

(2) الوسائل 18 : 52 / أبواب أحكام العقود ب8 ح13 ، والصفحة 50 ح4 من نفس الباب .

(3) الوسائل 18 : 47 / أبواب أحكام العقود ب7 ح2 ، 5 .

(4) الوسائل 18 : 50 / أبواب أحكام العقود ب8 ح6 ، 8 .

ــ[29]ــ

وأمّا دلالتها ، فالطائفة الأُولى الواردة في المنع عن بيع الكلّي لابدّ من أن تحمل على الكراهة أو التقية لصراحة غير واحد من الأخبار والروايات(1) في جواز بيع الكلّي ، وبها نرفع اليد عن ظهورها بحملها على الكراهة أو التقية ، لأنّ العامّة(2) قائلون بفساده فلذا نقض عليهم الإمام (عليه السلام) في بعض الأخبار(3)ببيع السلم حيث إنّهم يجوّزونه مع عدم كون المال عنده .

وأمّا المطلقات والعمومات أعني الطائفة الثالثة فلا وجه لرفع اليد عنها وحملها على الكراهة أو التقية ، بل غاية ما هناك نقيّدها بخصوص بيع الأعيان الشخصية لأجل ما ورد في صحة بيع الكلّي من الروايات والأخبار ويبقى عمومها وإطلاقها بالنسبة إلى بيع الأعيان الخارجية على حاله ومقتضاها كمقتضى الطائفة الثانية عدم جواز بيع العين الشخصية قبل تملّكها ، وبعد ما أثبتنا في محلّه من أنّ النهي في المعاملات ظاهر في الارشاد إلى الفساد فلا يبقى للإشكال في دلالتها على بطلان البيع قبل الملك مجال .

والإنصاف أنه لا ينبغي الترديد في دلالتها ولا في سندها على بطلان البيع في المقام . نعم يبقى هناك شيء وهو أنّ الأخبار تقتضي بطلان البيع في الصورة المذكورة على نحو الاطلاق ، أو أنّ البطلان يختصّ بما إذا لم يجزه المالك بعد تملّكه ؟ وبعبارة أُخرى : بطلان البيع إنّما هو فيما إذا كان على نحو التنجيز ، وأمّا معلّقاً على إجازة المالك فلا .

ولكن الصحيح أنّ الأخبار في النهي عن بيع ما ليس عندك مطلقة تشمل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منها ما ورد في الوسائل 18 : 46 / أبواب أحكام العقود ب7 ح1 وغيره .

(2) المغني 4 : 297 .

(3) الوسائل 18 : 46 / أبواب أحكام العقود ب7 ح1 و3 .

ــ[30]ــ

صورتي التعليق والتنجيز وإجازة المالك وعدمها ، وعليه فلابدّ من الالتزام بفساد البيع قبل الشراء ، بل مقتضى هذه الأخبار أنّ المعاملة غير لازمة باللزوم المعاملي من أحد الطرفين أبداً ، وكأنّ المعاملة لم تكن ، ويدلّ على ذلك قوله « ولا تواجبها » الخ وقوله « أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك » .

وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ مقتضى الروايات المتقدّمة اشتراط الملك في صحّة البيع والمعاملات ، ويؤكّد ذلك ويؤيّده : ما ورد(1) في تزويج العبد من دون إذن سيّده ثمّ أعتقه سيّده وسئل الإمام عن حكم تزويجه فقال (عليه السلام) علم السيّد أنّك تزوّجت ، فأجاب نعم قد علم وسكت ، فقال (عليه السلام) ذلك إقرار منه أنت على نكاحك ، حيث لم يكتف (عليه السلام) في صحّة النكاح باجازة الزوج بعد ما صار حرّاً ، بل سأله عن إجازة السيّد حال العقد ، لأنه نظير من باع شيئاً ثمّ ملكه فأجاز  ، والإمام (عليه السلام) حكم بلزوم إجازة المالك قبل ملك البائع له .

فإن قلت : إنّ لازم اشتراط الملك في صحّة المعاملات بطلان البيع الفضولي رأساً .

قلت : قد تقدّم أنّ المعاملة إنّما تتحقّق باجازة المالك في الفضولي ، وقبلها لا عقد ولا بيع ، وحين الاستناد تشمله العمومات لوجود الملك كما هو المفروض وهذه الأخبار إنّما دلّت على بطلان المعاملة للمخاطب والعاقد غير المالك ، وأمّا بطلانها بالاضافة إلى غيره فيما إذا كان مالكاً فلا ، فلا دلالة فيها على بطلان المعاملة بالاضافة إلى المالك في الفضولي ، بخلاف العاقد في المقام حيث إنه مشمول للنهي في الأخبار فلا تقع المعاملة بالاضافة إليه صحيحة كما هو ظاهر .

كما أنّ هذه الأخبار لا تشمل بيع الغاصب ولو لنفسه ، لأنّها إنّما تمنع عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 118 / أبواب نكاح العبيد والاماء ب26 ح3 وغيره .

ــ[31]ــ

صحّته بالاضافة إلى غير المالك ، والغاصب يبيعه بعنوان أنه مالك ، فالشرط حاصل في الغاصب ولو ادّعاء فلا وجه لبطلان المعاملة فيه .

فالمتحصّل : أنّ بيع ما هو خارج عن ملك البائع باطل لأجل الروايات المتقدّمة ، وإطلاقها يشمل كلتا حالتي الاجازة بعد الملك وعدمها ، هذا كلّه فيما إذا باعه على نحو التنجيز .

وأمّا إذا باعه معلّقاً على اشترائه المال بعد ذلك ، أو باعه منجّزاً ولكن علّق اللزوم على إجازته بعد الاشتراء فهل تشمله الأخبار المتقدّمة وتكون المعاملة باطلة أو لا ؟ ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ المتيقّن من الأخبار هو صورة التنجيز دون ما إذا علّقه على شرائه أو على إجازته ، فلا مانع من الالتزام بالصحّة فيهما ، كما أنّ ما استدلّ به العلاّمة (قدّس سرّه) على بطلان بيع ما ليس عنده من كونه غررياً وعدم قدرة البائع على تسليمه إنّما يجري في صورة التنجيز لأنه غرري ولا يقدر على تسليم المبيع ، هذا .

ولا يخفى أنّ صورة التنجيز وإن كانت متيقّنة إلاّ أنّ كونها كذلك لا يمنع عن التمسّك باطلاق الروايات ، وهو يقتضي الحكم بالفساد والبطلان مطلقاً سواء باعه على نحو التنجيز أم على نحو تعليق البيع بالشراء أو تعليق اللزوم بالاجازة بعد اشترائه ولعلّه ظاهر ، وعليه فهذه الأخبار تقتضي اشتراط الملك في صحّة المعاملة مطلقاً وكذا في صحّة الاشتراء ، وما تقدّم من دليلي العلاّمة وإن كانا لا يجريان في صورة التعليق إلاّ أنّ البطلان ليس مستنداً إليهما بل إلى ما ذكرناه ، هذا كلّه فيما إذا باعه لنفسه .

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 454 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net