الكلام فيما إذا باع الفضولي ملك نفسه وملك غيره 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4796


الكلام فيما إذا باع الفضولي ملك نفسه وملك غيره

والكلام في ذلك يقع تارةً في صورة الردّ واُخرى في صورة الاجازة ، وعلى كلا التقديرين تارةً نلتزم بصحة الفضولي واُخرى نلتزم ببطلانه ، وتفصيل ذلك يظهر من التكلّم في جهات :

الجهة الاُولى : في صحة البيع الواقع على ملك نفسه وبطلانه ، والظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في صحة البيع بالاضافة إلى ملك نفسه سواء قلنا بصحة الفضولي أو ببطلانه ، وعلى الأول أجازه المالك أم لم يجزه ، وذلك لأنّ الانشاء وإن كان واحداً إلاّ أنّ المنشأ في الحقيقة متعدّد ، ولا مانع من انحلال الانشاء الواحد إلى اُمور متعدّدة كما في العامّ الاستغراقي وإن كان بينه وبين المقام فرق .

ويدلّ على ما ذكرناه الأخبار الواردة في المقام من أنّ البيع بالنسبة إلى ما يملك واجب .

الجهة الثانية : فيما ذكره بعضهم في المقام من أنّ صحة البيع فيما يملكه إنّما هو فيما إذا لم يتولّد من عدم الاجازة مانع شرعي كلزوم الربا وبيع الآبق من دون ضميمة ، وقد مثّلوا له بما إذا باع درهماً وديناراً بدرهمين ودينارين أو بثلاثة دراهم أو دنانير وكان الدرهم للغير ، فإنه لو أجاز ذلك الغير يصحّ البيع وإن كان له في مقابلة درهمه درهم وقدر من الدينار ، وللبائع في مقابل ديناره درهم ودينار بل أزيد ، لأنّ المدار على ما وقع عليه المعاملة وهو المجموع بالمجموع ، وأمّا لو لم يجز فيكون البيع باطلا لأنه من الأول كأنه وقع العقد على الدينار في مقابلة درهم ودينار بل أزيد فيكون من الربا ، هذا .

ولا يخفى عليك أنّ الربا يلزم على تقدير الاجازة أيضاً ، لأنّ المدار إنّما هو

ــ[118]ــ

على معاملة نفسه ، والمفروض أنه في بيع نفسه قد أخذ درهماً وديناراً في مقابلة دينار واحد وهو من الربا المحرّم ، ولا ربط له ببيع الدرهم أيضاً بما وقع في مقابله لأنه بيع لمالك الدرهم لا له كما هو ظاهر .

ومثّلوا للثاني بما إذا باع الفضولي عبده الآبق وضمّ إليه مال الغير فإنه يبطل البيع بالنسبة إليه أيضاً لاستلزامه بيع الآبق بلا ضميمة .

ولا يخفى أنّ صحّة بيع الآبق بالضميمة ليست مستندة إلى تقسيط الثمن بالاضافة إلى الضميمة حتّى لا تخلو يد المشتري من المثمن فيما إذا أبق العبد ، بل إنّما هو أمر تعبّدي ولذا لا نتعدّى منه إلى صحة إجازة الآبق مع الضميمة ، ومورد التعبّد هو أن تكون الضميمة من مال مالك العبد لا من مال غيره .

الجهة الثالثة : في الخيار وأنّ المشتري هل يمكنه فسخ المعاملة في صورة ردّ الغير أم لا ؟

أمّا في صورة علمه بالحال وأنّ المبيع مشترك بين البائع وغيره وأنه يبيعه على وجه الفضولي فلا يثبت له الخيار أبداً لعلمه بالحال . وأمّا فيما إذا كان جاهلا فالظاهر أنّ المشتري يتمكّن من الفسخ لتبعّض الصفقة عليه ، ويسمّى هذا الخيار بخيار تبعّض الصفقة ، والسرّ في ذلك أنّ المنشأ وإن كان في الواقع متعدّداً إلاّ أنّ البائع لمّا باعهما في إنشاء واحد وكان شراء أحدهما عند العرف مربوطاً ومنضمّاً إلى شراء الآخر فكأنه اشترط بالاشتراط الضمني الارتكازي أنّ وفاءه بشراء ذاك الجزء منوط بشراء الجزء الآخر ، وبما أنّ الشرط لم يحصل للمشتري فله ردّ الجزء الآخر أيضاً لهذا الاشتراط ، وقد عرفت سابقاً أنّ الخيار في المعاملات ليس على نحو التعليق في العقود وإنّما هو من باب تعليق الالتزام بالمعاملة على شيء آخر فلا تغفل هذا .

وربما يقال : إنّ البائع أيضاً يتمكّن من الفسخ في صورة جهله بالحال ، وهذا

ــ[119]ــ

إنّما يتصوّر فيما إذا باع مال نفسه ومال غيره من المشتري باعتقاد أنه ماله وكان بيع أحدهما مربوطاً ببيع الآخر عند المتفاهم العرفي ثمّ ظهر أنّ الجزء الآخر للغير ، فإنه في حكم الاشتراط وكأنّه علّق التزامه ببيع أحدهما على بيع الآخر ، فيثبت له الخيار
وأمّا في غير هذه الصورة أعني ما إذا لم يكن بيع أحد الشيئين مربوطاً ومنوطاً ببيع الشيء الآخر بحسب المتفاهم العرفي فلا يثبت الخيار للبائع أبداً ، إذ البيوع متعدّدة ولا ربط لأحدها بالآخر .

فالمتحصّل : أنّ الخيار إنّما يثبت فيما إذا اشترط في ضمن العقد أو فيما إذا كان بيع أحدهما منوطاً ببيع الآخر بحسب الفهم العرفي ، وأمّا مجرد قصد البائع ذلك من دون أن يذكره في ضمن المعاملة أو يكون أحدهما منوطاً ومربوطاً بالآخر عرفاً فهو لا يفيد في ثبوت الخيار ، والثاني أعني كون أحدهما مربوطاً ومنوطاً بالآخر عرفاً قليل بالاضافة إلى البائع ، وهذا بخلاف المشتري حيث إنه كثير الاتّفاق بالاضافة إلى المشتري في المعاملة الواحدة .

الجهة الرابعة : في تقسيط الثمن على كلا تقديري الردّ والاجازة ، غاية الأمر أنّ التقسيط في صورة الاجازة بين البائع والمالك وفي صورة الردّ بين البائع والمشتري ، وقد ذكروا في طريق ذلك أنّ كل واحد من المبيعين يقوّم منفرداً ثمّ يقوّمان مجتمعين وتلاحظ نسبة كل من القيمتين إلى قيمة المجموع ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة ، وهذا الذي ذكروه إنّما يتمّ فيما إذا لم تكن للهيئة الحاصلة منهما خصوصية توجب زيادة القيمة كما في مصراعي الباب ، وأمّا في أمثال ذلك فلا وجه لما ذكروه ، مثلا إذا قوّم كلا مصراعي الباب بثلاثين ديناراً وقوّم كل واحد منهما بعشرة دنانير فعلى ما ذكروه يرجع المشتري إلى البائع بثلث الثمن ويبقى للبائع ثلثاه وهو ممّا لا موجب له ، بل يمكن العكس بأن نقول البائع إنّما يأخذ بقيمة ماله من المصراعين وقيمته عشرة دنانير فيدفع ثلثي الثمن إلى المشتري ، هذا .

ــ[120]ــ

ولأجل ذلك ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ ما ذكروه لا يستقيم فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة هذا ، وفي بعض الموارد يوجب اجتماع العوض والمعوّض وهذا كما إذا كانت الهيئة الاجتماعية موجبة لنقصان القيمة كما مثّلوا بالأمة واُمّها فإنّ كل واحدة منهما بوحدتها لها قيمة وباجتماعهما قيمة اُخرى تنقص عن تلك القيمة ، فمثلا تسوى الأمة خمسين ديناراً بوحدتها واُمّها تسوى بثلاثين كذلك وأمّا هما معاً فتشتريان بخمسين أو أقل ، لعدم جواز الانتفاع بالاُمّ مع الدخول بالبنت ، وحينئذ إذا ظهرت البنت للغير ولوحظت قيمتها بالاضافة إلى قيمتهما مجتمعين كانت خمسين بخمسين أي نسبة الشيء إلى مماثله فيستردّ المشتري تمام الثمن المسمّى وتكون الجارية له ، وهو ما ذكرناه من اجتماع العوض والمعوّض ، هذا .

ولا يخفى أنّ ما ذكرناه في المقام إنّما يتمّ على تقدير تقسيط الثمن للأوصاف كوصف الاجتماع ، وأمّا بناء على أنّ الثمن لا يتقسّط عليها وإنّما هي دواع لبذل الثمن على نفس المال والعين ، فلا قيمة لوصف الاجتماع حينئذ بل لابدّ من ملاحظة قيمة كل واحد من الجزأين منفرداً والجمع بين القيمتين وملاحظة نسبة كل منهما إلى مجموع القيمتين ثمّ الأخذ من الثمن بتلك النسبة ولعلّه ظاهر .

ثم إنّ للسيد (قدّس سرّه) كلاماً في حاشيته(2) وقد ذكر فيه أنّ الهيئة الاجتماعية قد لا تكون موجبة لشيء من الزيادة والنقيصة ، وقد تكون موجبة للزيادة في الطرفين بالسوية ، وقد تكون موجبة لها فيهما بالاختلاف بأن تكون قيمة أحدهما مع الانضمام خمسة ولا معه أربعة وقيمة الآخر معه ستّة ولا معه أربعة ، وقد تكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 516 .

(2) حاشية المكاسب (اليزدي) : 189 .

 
 

ــ[121]ــ

موجبة للزيادة في أحدهما والنقيصة في الآخر .

إذا عرفت ذلك تعرف أنّ الأولى في كيفية التقسيط أن يقوّم كل منهما منفرداً لكن بملاحظة حال الانضمام لا في حال الانفراد ثمّ يؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين ، إذ لو قوّم كل منهما منفرداً لا في حال الانضمام يلزم الضرر على أحدهما في صور الاختلاف ، مثلا إذا كان أحدهما تزيد قيمته بالانضمام والآخر تنقص قيمته به يلزم على طريقة المصنّف (قدّس سرّه) فيما إذا قوّم أحدهما منفرداً باثنين ومنضمّاً بأربعة والآخر منفرداً بأربعة ومنضمّاً باثنين أن يكون لمالك الأول ثلث الثمن ولمالك الثاني ثلثاه مع أنّ قيمة مال الأول في حال الانضمام ضعف قيمة مال الثاني في تلك الحال ، فينبغي أن يكون للأول الثلثان وللثاني الثلث وهكذا في سائر صور الاختلاف ، وأمّا على ما ذكرناه فلا يلزم نقص في مورد من الموارد انتهى كلامه (قدّس سرّه) .

وقد حمل كلام العلاّمة والشهيدين (من تقويم أحدهما بعد تقويم المجموع) على ما ذكره هو (قدّس سرّه) من تقويم كل واحد منهما منفرداً لكن بوصف الانضمام . وما أفاده (قدّس سرّه) متين جدّاً ، هذا كلّه في القيمي .

وأمّا المثلي فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ الحصّة فيه إن كانت مشاعة قسّط الثمن على نفس المبيع فيقابل كل من حصّتي البائع والأجنبي بما يخصّه وإن كانت حصّة كل منهما معيّنة كان الحكم كما في القيمي من ملاحظة قيمتي الحصّتين وتقسيط الثمن على المجموع .

ولكنّا لم نفهم ما أراده (قدّس سرّه) من هذا الكلام ، فإنّ ما ذكره من ملاحظة القيمتين في صورة الافراز ، إن كان من جهة اختلاف الحصتين في القيمة من حيث

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 520 .

ــ[122]ــ

الجودة والرداءة فهو متين إلاّ أنه لا يظهر من عبارته . وإن كان من جهة اختلاف قيم الأشياء باختلاف مقدارها قلّة وكثرة فهو لا يختص بفرض الافراز بل يجري في فرض الاشاعة أيضاً فإنّ كمية من الطعام إذا بيعت بقيمة فنصف تلك الكمّية قد تباع بأقل من نصف القيمة أو أكثر حسب اختلاف الرغبات . فالصحيح أنّ المثلي حكمه حكم القيمي مطلقاً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net