أدلّة بطلان البيع ومناقشتها - تعميم المنع للاجارة والهبة والعارية والوديعة 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5041


الكلام في عدم صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر

قد اشترطوا في من ينتقل إليه العبد المسلم الإسلام فلا يجوز بيعه من الكافر بوجه ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون العبد ثمناً في المعاملة أو مثمناً . والدليل على ذلك تسالم الفقهاء من أصحابنا وإجماعهم على عدم جواز نقله إلى الكافر .

وقد استدلّ على ذلك أيضاً بما ورد(2) من أنّ العبد إذا أسلم يباع على مالكه إذا كان كافراً ، وأنّ الكافر لا يمكن أن يتسلّط على المسلم ، بتقريب أنّ هذه الأخبار الواردة في بيع العبد المسلم على مولاه إنّما دلّت على أنّ الشارع لا يرضى ببقاء ملك الكافر على المسلم ، ويستفاد من ذلك عرفاً أنّ إحداث الملك أيضاً ممّا لا يرضى به الشارع ، وذلك لأنّ المولى إذا أمر عبده باخراج شخص من منزله فيستفيد العبد من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 249 / أبواب ما يكتسب به ب71 ح2 .

(2) الوسائل 17 : 380 / أبواب عقد البيع وشروطه ب28 ح1 .

ــ[195]ــ

ذلك أنّ المولى لا يرضى بدخول هذا الشخص في منزله من الابتداء ، وبما أنّ الشارع أمر بازالة العلقة المالكية بحسب البقاء فمنه نستفيد أنّ إحداث تلك العلقة أيضاً غير مرضية عنده لا محالة . وقد قاسوا ذلك بما ورد من وجوب إزالة النجس عن المساجد حيث إنّ العرف يستفيد منه أنّ إدخال النجس إلى المسجد حرام وإلاّ فلم يكن وجه للمنع عن ابقائه ، هذا .

وقد أجاب عن ذلك شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) بأنّ الأمر وإن كان كما ذكر وأنّ المنع عن إبقاء العلقة أو الشيء الآخر يدلّ على المنع من إحداثها أيضاً ، إلاّ أنه إنّما يفيد في المقام فيما إذا كان الأمر ببيع العبد المسلم على مولاه الكافر حكماً وضعياً والنهي عن إبقائه نهياً وضعياً ، وحينئذ كنّا نستفيد منه أنّ إحداث تلك العلقة أيضاً غير صحيح بحسب الوضع ، ولكن الأمر والنهي في الابقاء تكليفيان فقط ولا يشمّ منهما رائحة الوضع أبداً ، وعليه فنتعدّى إلى الحدوث بحسب الحكم التكليفي ونحكم بحرمة إيجاد العلقة بين العبد المسلم الكافر فقط من دون أن يكون البيع فاسداً فلذا لا يستفاد من ذلك عدم انتقال العبد المسلم إلى الكافر فيما إذا بيع منه سهواً أو نسياناً أو عصياناً ، هذا .

ثم إنّ شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) ذكر في المقام أنّ النهي عن إبقاء العلقة الملكية يستدعي بطلان ملك الكافر للعبد المسلم بحسب البقاء ، فمنه يستفاد حكم الحدوث وأنه لا ينتقل إلى الكافر بحسب الحدوث أيضاً ، هذا .

ولا يخفى عليك أنه بعد بيان شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وتقريبه عدم دلالة الأدلّة على أزيد من النهي عن إبقاء العلقة المالكية تكليفاً لا يبقى مجال لما ذهب إليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 582 .

(2) منية الطالب 2 : 244 ـ 245 .

ــ[196]ــ

شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) في المقام ولم نفهم مرامه (قدّس الله نفسه) بعد هذا البيان الذي لا قصور فيه بوجه وملخّصه : أنّ النهي عن البقاء تكليفي محض وليس بوضعي أبداً ، وبما أنّ الحدوث مانع للبقاء فلا محالة يكون أصل حدوث العلقة الملكية مبغوضاً تكليفياً للشارع فقط ولا يستفاد منه بطلان المعاملة وعدم انتقال العبد المسلم إليه  .

وقد استدلّ على عدم صحة بيع العبد المسلم من الكافر أيضاً بما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) حيث أمر ببيع العبد الذي أسلم من المسلمين فقال اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، بتقريب أنّ بيعه لو كان صحيحاً من غير المسلمين أيضاً فلم يكن وجه لتقييده (عليه السلام) الحكم بالمسلمين .

والجواب عن ذلك : ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ الغرض من ذلك إنّما كان تخليص المسلم من الكافر فلو رخّص في بيعه من الكافرين أيضاً لكان ذلك نقضاً للغرض ، وبالجملة أنّ الغرض هو إزالة ملك الكافر وهذا لا يحصل إلاّ ببيعه من المسلمين فقط ، فهذه الرواية لا تدلّ على المطلوب أيضاً .

وبعبارة اُخرى : أنّ الشارع قد حرّم بيع العبد المسلم من الكافر وأوجب إزالة ملكه عنه ، وغرض أمير المؤمنين (عليه السلام) العمل بذلك الوجوب ، وهذا لا يحصل إلاّ ببيعه من المسلمين لأنّ بيعه من الكافر حرام ومعه كيف يمكن للأمير (عليه السلام) أن يرخّص في بيعه من الكفّار ، فالتخصيص بالمسلمين من أجل أنّ بيعه من الكافر حرام لا أنّ الكافر لا يملك المسلم على تقدير بيعه أيضاً .

وأمّا الاستدلال على عدم تملّك الكافر للعبد المسلم بقوله تعالى (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم مصدره آنفاً .

ــ[197]ــ

لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا)(1) فمع أنّ عنوان السبيل لا يصدق على مجرد إنشاء البيع والملكية الاعتبارية من دون استيلاء خارجي ، ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) أنّ باب المناقشة في الاستدلال بها واسع .

أمّا أوّلا : فلأنّ الظاهر من الآية أنّ علّة الحكم فيها إنّما هي علوّ مرتبة الإسلام وخساسة الكفر ، فالكفر والإيمان تمام الموضوع في نفي السبيل ولسانها آب عن التخصيص خصوصاً بملاحظة تصديرها بـ (لَنْ) وعليه فلابدّ من حملها على معنى لا يتحقّق فيه التخصيص ، إذ لو حملناها على إرادة الملك للزم تخصيصها بموارد شتّى مع أنّ لسانها آب عن ذلك جدّاً وذلك لكثرة الموارد التي جاز بيع العبد المسلم من الكافر وتملّك الكافر له ولو آناً ما فمنها ما إذا كان العبد ممّن ينعتق على الكافر كما إذا كان ولده أو أباه ، ومنها ما إذا مات الكافر وانتقلت تركته إلى وارثه الكافر ومن جملتها العبد المسلم وغير ذلك من الموارد.

وأمّا ثانياً(3): فلأنّ صدر الآية وهو قوله (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)قرينة على أنّ المراد عدم جعل السبيل للكافرين على المؤمنين في الآخرة لا في غيرها ، ولو كان المراد نفي السبيل في هذه النشأة لم يرتبط صدر الآية بذيلها ويشهد لذلك أيضاً ما نشاهده بالعيان من تسلّط الكفّار على المسلمين في الخارج في جميع الأزمنة بحسب التكوين ، فلا محالة تحمل الآية على إرادة نفي جعل السبيل في الآخرة  .

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الآية على تقدير ظهورها في الملكية أيضاً لابدّ من رفع اليد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 141 .

(2) المكاسب 3 : 584 .

(3) ] وقد أدمجه في المكاسب 3 : 584 في الجواب الأوّل [ .

ــ[198]ــ

عنه لما ورد في تفسيرها من الأخبار وقد فسّرتها بنفي الحجّة للكفّار على المؤمنين وقد ورد عن أبي الحسن (عليه السلام)(1) أنه ردّ من توهّم أنّ الحسين (عليه السلام) لم يقتل بيد الملعون يزيد بن معاوية عليهما اللعنة والعذاب مستدلاًّ بقوله تعالى : (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا) وقال (عليه السلام) ليس المراد بالسبيل هو تسلّط الكفّار على المسلمين لأنه أمر قد وقع على من هو أشرف من الحسين (عليه السلام) وهو أمير المؤمنين والحسن (عليهما السلام) حيث قتلهما الكفّار بل قد قتل كثير من الأنبياء العظام بأيدي الكافرين كما أخبر به سبحانه في كتابه(2)، وإنّما المراد بالسبيل هو الحجّة لأنه تعالى لم يجعل للكافرين حجّة على المسلمين ، وعليه فمعنى السبيل هو الحجّة لا الملكية ، ودعوى أنّ الحجّة تعمّ الملكية أيضاً وتشمل الاستيلاء لا تخلو عن تكلّف ، هذا .

ولا يخفى أنه وردت روايات كثيرة في أنّ تفسير الآيات بشيء في أخبار التفسير إنّما هو بمعنى أنّ المعنى المفسّر به مصداق من مصاديق معنى الآية لا أنّ معناها منحصر بما ورد التفسير به في الأخبار ، وعلّل ذلك بأنّ القرآن يجري كما يجري الشمس والقمر وليست آياته مختصّة بمورد خاص وإلاّ للزم انتفاؤه بانتفاء موردها لأنّها حينئذ قضايا في وقائع قد انقضت ، وقد نقلت هذه الأخبار في مقدّمة تفسير البرهان فراجع(3) وعليه فلا ينافي تفسير السبيل بالحجّة شمول السبيل للملكية أيضاً لعدم انحصار معناه في الحجّية كما لا يخفى ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 203 / ب46 ح5 ، البحار 44 : 271 الحديث  4 .

(2) البقرة 2 : 91 ، آل عمران 3 : 21 .

(3) تفسير البرهان (المقدّمة) : 4 ـ 5 .

ــ[199]ــ

ثمّ أورد عليه بقوله : وثالثة : بأنّ معنى الآية على تقدير كونه هو الملكية متعارض بقوله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) وغيره من أدلّة البيع لأنّها تقتضي صحة بيع الكافر وشرائه للعبد المسلم والآية تقتضي بطلانهما ، فلا محالة تسقط الآية عن الاستدلال بها على عدم الجواز ، هذا .

ولا يخفى عليك أنّ الآية إنّما تعارض أدلّة البيع بنحو العموم من وجه فيتعارضان في بيع العبد المسلم وبعد تساقطهما عن الاعتبار فلابدّ من المراجعة إلى ما يقتضيه الأصل في موارد المعارضة ومقتضى الأصل في المعاملات هو الفساد فيحتاج صحة بيع العبد المسلم بعد ذلك إلى دليل آخر يدلّ على صحته وهو مفقود .

نعم يمكن أن يقال إنّ الآية تعارض (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) تعارض الاطلاق مع العام ، وحينئذ فلا إشكال في تقدّم العام عليه فيتمّ كلام الشيخ حينئذ ولا يحتاج إلى دليل الصحة في بيع العبد المسلم من الكافر لكفاية عموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)  .

وأورد عليه رابعاً : بأنّ مقتضى استصحاب الصحة فيما إذا كان المشتري مسبوقاً بالإسلام صحة بيع العبد المسلم من الكافر ، لأنّ بيعه منه حين كونه مسلماً كان صحيحاً والآن كما كان ، وكذا فيما إذا كان العبد كافراً ثمّ أسلم فإنّ بيعه حال كونه كافراً من الكافر صحيح فنستصحب الصحة إلى زمان إسلامه ، وإذا أثبتنا صحة بيع العبد المسلم في مورد فنثبت صحته في غيره من الموارد بعدم القول بالفصل  ، ثم ذكر (قدّس سرّه) أنّ استصحاب الصحة لا يعارضه أصالة الفساد في غير هذه الموارد لتقدّمه عليها ، هذا .

ولكن الاستدلال من أوّله إلى آخره لم يكن مترقّباً منه (قدّس سرّه) وذلك أمّا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة 5 : 1 .

ــ[200]ــ

أوّلا : فلأنّه مبني على صحة الاستصحاب التعليقي ، وذلك لأنّ الاستصحاب في المقام تعليقي لعدم وجود بيع في الخارج وإنّما نقول لو كان العبد المسلم بيع للكافر قبل ارتداده لكان صحيحاً أو لو بيع العبد الكافر قبل إسلامه من الكافر لكان جائزاً وقد عرفت أنّ الاستصحاب التعليقي لا أساس له ، هذا مضافاً إلى أنّ الاستصحاب في الأحكام الكلّية غير جار من رأسه ، هذا كلّه أوّلا .

وأمّا ثانياً : فلأنّ عدم القول بالفصل في الأحكام الظاهرية لا معنى له ، وإنّما يدعى ذلك فيما إذا ورد دليل وأثبت الحكم الواقعي في مورد وحينئذ يمكن التعدّي منه إلى سائر الموارد بعدم القول بالفصل ، وأمّا الأحكام الظاهرية فلا معنى لعدم القول بالفصل فيها لأنّها تابعة لتحقّق موضوعاتها ، والملازمة بين الموردين من حيث الحكم الواقعي لا يستتبع اتّحادهما من حيث الحكم الظاهري أيضاً ، مثلا إذا علمنا باتّحاد ماءين من حيث الطهارة والنجاسة بحسب الواقع وكان أحدهما مستصحب الطهارة والآخر مستصحب النجاسة حكمنا في كل منهما بما يقتضيه الاستصحاب الجاري فيه لا محالة فنقول بطهارة أحدهما ونجاسة الآخر ظاهراً وإن علمنا إجمالا بمخالفة أحد الحكمين للواقع .

وأمّا ثالثاً : فلأنّ أصالة الصحة إذا جرت في مورد جرى فيه استصحاب الفساد أيضاً ، حُكم بتقدّم أصالة الصحة على استصحاب الفساد وإلاّ لم يبق لها مورد أصلا لمكان وجود استصحاب الفساد في جميع موارد أصالة الصحة ، وأمّا إذا جرى استصحاب الصحة في مورد وجرى استصحاب الفساد في مورد آخر وأمكن التعدّي من كل من الموردين إلى المورد الآخر بعدم القول بالفصل ، فلا وجه لحكومة أحدهما على الآخر بل يتعارضان ويتساقطان ، فما نحن فيه ليس من صغريات تقدّم أصالة الصحة على استصحاب الفساد بل من موارد تعارض الاستصحابين .

وأمّا رابعاً : فلأنّ استصحاب الصحة من أساسه غير جار لعدم بقاء

 
 

ــ[201]ــ

موضوعه  ، إذ الإسلام والكفر من الحالات المقوّمة بنظر العرف فالموضوع غير باق حتّى يجري استصحاب الصحة في المقام ، فالمتحصّل من جميع ذلك أنّ بيع العبد المسلم من الكافر لا دليل على فساده إلاّ التسالم والاجماع على تقدير تماميته . وأمّا الاستدلال بقوله « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه »(1) ففيه : أنه إنّما يدلّ على أنّ الإسلام يعلو على غيره لوضوح برهانه واستقامة طريقه ، لا أنّ المسلمين يعلون على غيرهم ، على أنه ضعيف السند .

ثمّ إنّ هذا كلّه في البيع ، وهل الاجارة أو الهبة أو العارية أو الوديعة وغيرها من المعاملات في حكم البيع ، وعلى تقدير عدم صحته فهل يحكم بعدم صحة تلك المعاملات أيضاً أو لا ؟

أمّا الهبة فالظاهر أنها بحكم البيع فإذا منعنا عن البيع من أجل أنه سبيل للكافر على المسلم فالهبة أيضاً توجب سلطنة الكافر عليه فيكون حكمها حكمه في البطلان .

وأمّا الاجارة ولواحقها فلابدّ من ملاحظة أنّ أيّها يوجب سلطنة الكافر على المسلم وأيّها لا توجبها ، أمّا الاجارة فان استلزمت سلطة الكافر عليه كما في خدّام الحكومة وغيرها حيث إنّهم يتحرّكون بأمر من يخدمونه ، فلابدّ من الحكم بعدم صحتها لأنّها توجب السبيل للكافر على المسلم ، وأمّا إذا كانت بنحو الخياطة للغير الذي هو من قبيل تقبّل العمل في ذمّته كالدين من دون أن يكون الخيّاط تحت سلطة الكافر أو غيره من المستأجرين فلا ينبغي الإشكال في صحتها ، وهذا من دون فرق بين العبد المسلم وغير العبد لأنّ سبيل الكافر على المسلم غير صحيح ، ومن أجل ذلك لا مانع من الاستدانة من الكفّار لأنّها توجب اشتغال ذمّة المسلم للكافر من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 26 : 14 / أبواب موانع الارث ب1 ح11 .

ــ[202]ــ

دون استلزامها سلطنة الكافر عليه .

وأمّا العارية أو الوديعة فالظاهر أنّهما لا توجبان سلطنة الكافر عليه ويعبّر عن العارية بتمليك الانتفاع كما يعبّر عن الاجارة بتمليك المنفعة ، وتمليك الانتفاع لا يوجب سلطة الكافر عليه ، والوديعة ليست إلاّ جعل الكافر محافظاً له وهو لا يوجب السبيل ، وأمّا جعل العبد المسلم متعلّقاً لحقّ الرهانة بجعله رهناً ووثيقة للدَين بحيث يجوز للكافر بيعه عند عدم وصول ماله إليه فهو أيضاً لا يوجب السبيل ولا مانع منه بوجه ، هذا كلّه بناء على تمامية دلالة الآية على حرمة البيع وفساده ولكنّك عرفت أنّ الآية لا دلالة فيها على بطلان بيع العبد المسلم ولا على عدم جواز سلطنة الكافر عليه  ، وإنّما هي تنفي السبيل في المستقبل ، لأنّ (لَنْ) لنفي المستقبل وأنّ الكافر لا يتسلّط على المسلم يوم القيامة ، وعليه فلا إشكال في صحة شيء من المعاملات المذكورة أبداً .

ثم إنه يقع الكلام بعد ذلك في تعيين الكافر وأنه عبارة عمّن حكم بنجاسته وإن انتحل الإسلام كالنواصب والغلاة ، أو أنه يختص بمن أنكر الاُلوهية والنبوّة فقط ولا يشمل من انتحل الإسلام ، بعد التسالم ظاهراً على عدم شموله للعامّة بوجه فلذا يجوز بيع العبد المسلم من السنّي بلا خلاف .

وكذا الكلام في المسلم فهل المراد منه هو من اعترف بالأئمّة الاثنى عشر ، أو المراد به مطلق من اعترف بالوحدانية والنبوّة وإن لم يكن معتقداً بالأئمّة (عليهم السلام) ؟

ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ الظاهر من الكافر كل من حكم بنجاسته ولو انتحل الإسلام كالنواصب والغلاة والمرتدّ ، واستشهد بما حكي عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 3 : 590 ، راجع الهامش أيضاً .

ــ[203]ــ

الحنفيّة من أنّهم استدلّوا بالآية المباركة (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ) الخ(1) على بينونة الزوجة عن زوجها بالارتداد ، فيكون الارتداد أيضاً من أحد أسباب الكفر المانع عن جواز بيع العبد المسلم منه ، هذا .

ولا يخفى أنّ الحنفية لا موقع لكلامهم ولا لأنفسهم حتّى يستشهد بكلامهم في استنباط الأحكام الشرعية . ثم إنّ استدلالهم ممّا لا وجه له ، لأنّ المرتدّ وإن حكمنا ببينونة زوجته عنه إلاّ أنه لأجل الأخبار(2) وغيرها من أدلّته وليس الوجه فيه منحصراً بالآية .

ثمّ إنّ الممنوع عن بيع العبد المسلم منه إنّما هو الكافر لا من حكم بنجاسته والكفر يجتمع مع الطهارة أيضاً وهذا كما إذا قلنا بطهارة أهل الكتاب فإنّهم محكومون بالكفر مع الحكم بطهارتهم فبيع العبد المسلم منهم غير صحيح ، كما أنه لا ينبغي الإشكال في جواز بيعه من النواصب والغلاة مع الحكم بنجاسة النواصب قطعاً والغلاة على كلام فيه وذلك لعدم صدق الكافر عليهم ، إذ الكافر المذكور في الآيات القرآنية هو من أنكر التوحيد أو الاُلوهية أو الرسالة أو غيرهما من ضروريات الدين ، والناصب غير منكر للتوحيد والرسالة وإن كان أنجس من الكلب وأخبث من اليهودي والنصراني كما في الأخبار(3) إلاّ أنّ النجاسة حكم والكفر مطلب آخر ، وعليه فلا وجه لجعل المناط في عدم جواز بيع العبد هو النجاسة بل الميزان هو الكفر سواء حكم عليه بالنجاسة كالنواصب أو بالطهارة كما في أهل الكتاب على القول بطهارتهم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 141 .

(2) الوسائل 22 : 168 / أبواب أقسام الطلاق ب30 .

(3) الوسائل 1 : 219 / أبواب الماء المضاف ب11 ح4 ، 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net