نجاسة الغُلاة - نجاسة النّواصب والخوارج 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 29288


ــ[67]ــ

   [ 199  ]مسألة 2 : لا إشكال في نجاسة الغُلاة ((1)) (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الزّنا قد قورن في بعض الروايات بالجنب والزّاني (2) مع أنهما ممن لا إشكال في طهارته كما هو ظاهر .

   ومنها : موثقة زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لا خير في ولد الزّنا ولا في بشره ، ولا في شعره ، ولا في لحمه ، ولا في دمه ولا في شيء منه يعني ولد الزّنا» (3) .

   ومنها : حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إليَّ من ولد الزّنا ...» (4) وعدم دلالتهما على نجاسة ولد الزّنا أظهر من أن يخفى ، فان كون لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية خيراً من ولد الزّنا لا يقتضي نجاسته وإنما هو من جهة خباثته وتأثيرها في لبنها كما أن نفي الخير عنه لا يلازم النجاسة .

   فالصحيح أن ولد الزّنا مسلم ومحكوم بطهارته لقاعدة الطهارة كما ذهب إليه المشهور ، من غير فرق في ذلك بين أن يكون الولد من مسلمين وبين أن يكون من مسلم وغير مسلم .

   (1) الغُلاة على طوائف : فمنهم من يعتقد الربوبيّة لأمير المؤمنين أو أحد الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) فيعتقد بأ نّه الرب الجليل وأنه الإله المجسّم الذي نزل إلى الأرض ، وهذه النسـبة لو صحّت وثبت اعتقـادهم بذلك فلا إشكال في نجاسـتهم وكفرهم لأ نّه إنكار لاُلوهيته سبحانه ، لبداهة أنه لا فرق في إنكارها بين دعوى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل خصـوص من يعتقد الربوبية لأمير المؤمنين (عليه السلام) أو لأحد من بقية الأئمة الأطهار (عليهم السلام) .

(2) كما في روايتي حمزة بن أحمد ومحمد بن علي بن جعفر المرويتين في الوسائل 1 : 219 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 1 ، 2 .

(3) ثواب الأعمال 313 ح 9 وعنه في البحار 5 : 285 ح 6 .

(4) الوسائل 21 : 462 / أبواب أحكام الأولاد ب 75 ح 2 .

ــ[68]ــ

ثبوتها لزيد أو للأصنام وبين دعوى ثبوتها لأمير المؤمنين (عليه السلام) لاشتراكهما في انكار اُلوهيته تعالى وهو من أحد الأسباب الموجبة للكفر .

   ومنهم من ينسب إليه الاعتراف باُلوهيته سبحانه إلاّ أ نّه يعتقد أنّ الاُمور الراجعة إلى التشريع والتكوين كلها بيد أمير المؤمنين أو أحدهم (عليهم السلام) ، فيرى أ نّه المحيي والمميت وأ نّه الخالق والرازق وأ نّه الذي أيّد الأنبياء السالفين سرّاً وأيّد النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جهراً . واعتقادهم هذا وإن كان باطلاً واقعاً وعلى خلاف الواقع حقاً ، حيث إنّ الكتاب العزيز يدل على أن الاُمور الراجعة إلى التكوين والتشريع كلّها بيد الله سبحانه ، إلاّ أ نّه ليس مما له موضوعية في الحكم بكفر الملتزم به . نعم ، الاعتقاد بذلك عقيدة التفويض لأنّ معناه أنّ الله سبحانه كبعض السلاطين والملوك قد عزل نفسه عما يرجع إلى تدبير مملكته وفوّض الاُمور الراجعة إليها إلى أحد وزرائه ، وهذا كثيراً ما يتراءى في الأشعار المنظومة بالعربية أو الفارسية ، حيث ترى أن الشاعر يسند إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بعضاً من هذه الاُمور .

   وعليه فهذا الاعتقاد إنكار للضروري ، فانّ الاُمور الراجعة إلى التكوين والتشريع مختصّة بذات الواجب تعالى ، فيبتني كفر هذه الطائفة على ما قدّمناه من أن إنكار الضروري هل يستتبع الكفر مطلقاً أو أنه إنما يوجب الكفر فيما إذا رجع إلى تكذيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما إذا كان عالماً بأن ما ينكره ثبت بالضرورة من الدين ؟ فنحكم بكفرهم على الأوّل وأمّا على الثاني فنفصّل بين من اعتقد بذلك لشبهة حصلت له بسبب ما ورد في بعض الأدعية وغيرها مما ظاهره أنهم (عليهم السلام) مفوضون في تلك الاُمور من غير أن يعلم باختصاصها لله سبحانه ، وبين من اعتقد بذلك مع العلم بأنّ ما يعتقده مما ثبت خلافه بالضرورة من الدين بالحكم بكفره في الصورة الثانية دون الاُولى .

   ومنهم من لا يعتقد بربوبية أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا بتفويض الاُمور إليه وإنما يعتقد أنه (عليه السلام) وغيره من الأئمة الطاهرين ولاة الأمر وأنهم عاملون لله سبحانه وأنهم أكرم المخلوقين عنده فينسب إليهم الرزق والخلق ونحوهما ، لا بمعنى إسنادها إليهم (عليهم السلام) حقيقة لأنه يعتقد أن العامل فيها حقيقة هو الله ، بل

ــ[69]ــ

والخوارج ((1)) (1) والنّواصب (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كإسناد الموت إلى ملك الموت والمطر إلى ملك المطر والاحياء إلى عيسى (عليه السلام) كما ورد في الكتاب العزيز : (واُحي الموتى باذن الله )(2) وغيرها مما هو من إسناد فعل من أفعال الله سبحانه إلى العاملين له بضرب من الاسناد . ومثل هذا الاعتقاد غير مستتبع للكفر ولا هو إنكار للضروري ، فعدّ هذا القسم من أقسام الغلوّ نظير ما نقل عن الصدوق (قدس سره) عن شيخه ابن الوليد : أن نفي السهو عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أول درجة الغلو (3) . والغلو بهذا المعنى الأخير مما لا محذور فيه بل لا مناص عن الالتزام به في الجملة .

   (1) إن اُريد بالخوارج الطائفة المعروفة (خذلهم الله) وهم المعتقدون بكفر أمير المؤمنين (عليه السلام) والمتقربون إلى الله ببغضه ومخالفته ومحاربته فلا إشكال في كفرهم ونجاستهم ، لأ نّه مرتبة عالية من النصب الذي هو بمعنى نصب العداوة لأمير المؤمنين وأولاده المعصومين (عليهم السلام) فحكمهم حكم النصّاب ، ويأتي أن الناصب محكوم بكفره ونجاسته .

   وإن اُريد منهم مَن خرج على إمام عصره من غير نصب العداوة له ولا استحلال لمحاربته بل يعتقد إمامته ويحبه ، إلاّ أنه لغلبة شقوته ومشتهيات نفسه من الجاه والمقام ارتكب ما يراه مبغوضاً لله سبحانه فخرج على إمام عصره ، فهو وإن كان في الحقيقة أشد من الكفر والالحاد إلاّ أنه غير مستتبع للنجاسة المصطلحة ، لأ نّه لم ينكر الاُلوهية ولا النبوة ولا المعاد ولا أنكر أمراً ثبت من الدين بالضرورة .

   (2) وهم الفرقة الملعونة التي تنصب العداوة وتظهر البغضاء لأهل البيت (عليهم السلام) كمعاوية ويزيد (لعنهما الله) ولا شبهة في نجاستهم وكفرهم ، وهذا لا للأخبار الواردة في كفر المخالفين كما تأتي جملة منها عن قريب ، لأنّ الكفر فيها إنما هو في مقابل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على الأحوط لزوماً إذا لم يكونوا من النصّاب .

(2) آل عمران 3 : 49 .

(3) الفقيه 1 : 235 .

ــ[70]ــ

الايمان ولم يرد منه ما يقابل الاسلام ، بل لما رواه ابن أبي يعفور في الموثق عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «واياك أن تغتسل من غسالة الحمام ، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم فان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وإن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه»(1) حيث إن ظاهرها إرادة النجاسة الظاهرية الطارئة على أعضاء الناصب لنصبه وكفره ، وهذا من غير فرق بين خروجه على الامام (عليه السلام) وعدمه ، لأنّ مجرّد نصب العداوة وإعلانها على أئمة الهدى (عليهم السلام) كاف في الحكم بكفره ونجاسته وقد كان جملة من المقاتلين مع الحسين (عليه السلام) من النصّاب وإنما أقدموا على محاربته من أجل نصبهم العداوة لأمير المؤمنين وأولاده .

   ثم إن كون الناصب أنجس من الكلب لعله من جهة أن الناصب نجس من جهتين وهما جهتا ظاهره وباطنه ، لأن الناصب محكوم بالنجاسة الظاهرية لنصبه كما أنه نجس من حيث باطنه وروحه ، وهذا بخلاف الكلب لأن النجاسة فيه من ناحية ظاهره فحسب .

   ودعوى : أن الحكم بنجاسة الناصب بعيد لكثرة النصب في دولة بني اُمية ومساورة الأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم مع النّصاب ، حيث كانوا يدخلون بيوتهم كما أنهم كانوا يدخلون على الأئمة (عليهم السلام) ومع ذلك لم يرد شيء من رواياتنا ما يدل على لزوم التجنب عن مساورتهم ولا أن الأئمة اجتنبوا عنهم بأنفسهم ، فهذا كاشف قطعي عن عدم نجاسة الناصب لأ نّه لولا ذلك لأشاروا (عليهم السلام) بذلك وبيّنوا نجاسة الناصب ولو لأصحابهم ، وقد عرفت أ نّه لا عين ولا أثر منه في شيء من رواياتنا .

   مدفوعة : بما نبّه عليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) وحاصله : أنّ انتشار أغلب الأحكام إنما كان في عصر الصادقين (عليهما السلام) فمن الجائز أن يكون كفر النواصب أيضاً منتشراً في عصرهما (عليهما السلام) ، فمخالطة أصحاب الأئمة معهم في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المروية في الوسائل 1 : 220 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net