الاستدلال على البطلان بلزوم نقض الغرض من البيع - هل القدرة على التسليم شرط أو العجز مانع ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4654


ــ[326]ــ

وقد أجاب عنه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) بأنّه إن اُريد منه الوجوب المطلق فالملازمة ممنوعة لأنّه لا مانع من أن يكون العقد صحيحاً ولا يكون التسليم واجباً لعذر ، وإن اُريد منه مطلق الوجوب ولو بنحو الوجوب المشروط بالتمكّن فنسلّم الملازمة فنقول إنّه يجب التسليم عند القدرة عليه ، وفي تعبير الشيخ (قدّس سرّه) بالوجوب المطلق مسامحة ظاهرة ، بداهة عدم تعقّل الوجوب المطلق في نفسه لكون التكليف مشروطاً بالقدرة من دون أن يشكّ فيه أحد لاستحالة التكليف بما لا يطاق ، فلا معنى لجعل الوجوب المطلق طرف الاحتمال ، وكان له (قدّس سرّه) أن يعبّر بهذا التعبير بأن يقول إن اُريد منه الوجوب الفعلي منعنا الملازمة الخ .

ثمّ ذكر (قدّس سرّه) أنّه قد يعترض بأصالة عدم تقيّد الوجوب ثمّ يدفع بمعارضته بأصالة عدم تقيّد البيع بهذا الشرط ، ثمّ قال وفي الاعتراض والمعارضة نظر واضح ، ولكنّه كان الأولى أن لا يذكر الاعتراض ولا المعارضة لأنّه لا يرجع إلى محصّل ، لأنّ مقتضى الأصل في ناحية الوجوب عند الشكّ في تقيّده التقييد بداهة أنّه لو كان في المقام إطلاق نتمسّك به ولا تصل النوبة إلى الأصل ، وإلاّ فالمرجع هو أصل البراءة عن التكليف لرجوعه إلى الشكّ في التكليف الزائد عند فقد القيد ، مع أنّه لا شكّ لنا في كون التكليف مشروطاً بالقدرة لما هو الواضح عند الكلّ من استحالة التكليف بما لا يطاق ، وكذا لا محصّل لمقالة المعارضة أيضاً بداهة أنّه عند عدم وجود الاطلاق في باب المعاملات فالأصل هو الفساد كما ذكرناه في موطنه دون الصحّة وهو نتيجة التقييد .

ومن الاُمور المستدلّ بها في المقام أنّ الغرض من البيع انتفاع كلّ من المتبايعين بما يصير إليه ولا يتمّ هذا إلاّ بالتسليم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 185 .

ــ[327]ــ

وقد أجاب عنه الشيخ (قدّس سرّه) بوجهين ونعم ما أجاب : أحدهما منع توقّف مطلق الانتفاع على التسليم لجواز عتق العبد الآبق في الكفّارة . وثانيهما : أنّ الغرض منه الانتفاع بعد التسليم وهو حاصل . ويضاف إلى ما ذكره (قدّس سرّه) أنّ تخلّف الغرض لا يكون موجباً لعدم صحّة العقد كما هو الواضح .

وممّا استدلّ به أيضاً في المقام : أنّ بذل الثمن على غير المقدور سفهي فيصير ممنوعاً . وقد أجاب عنه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بأنّ بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل حصوله لا يكون سفهياً بل ربما يعدّ تركه اعتذاراً بعدم العلم بحصول العوض سفهياً . ويضاف إلى ما ذكره (قدّس سرّه) ما ذكرناه مراراً وحقّقناه مفصّلا من أنّه لا دليل على بطلان البيع السفهائي وإنّما الدليل على بطلان بيع السفيه فافهم وتأمّل جيّداً ، وقد ذكرنا في أوّل البحث أنّ الميرزا (قدّس سرّه)(1) قد استدلّ على اعتبار القدرة على التسليم والتسلّم في صحّة العقد بوجه آخر وحاصله  : أنّ المبيع الذي لا يكون البائع قادراً على تسليمه ولا المشتري على تسلّمه لا يعدّ في العرف مالا ويسقط عن المالية ، ثمّ أورد على نفسه أنّ لازم ذلك أن يقال بانفساخ البيع في صورة طروّ عدم القدرة على التسليم والتسلّم لأنّه يكون من قبيل التلف قبل القبض فيدخل تحت قاعدة « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » مع أنّ الفقهاء لا يلتزمون بذلك بل يقولون بالخيار لتعذّر التسليم ، ثمّ أجاب عنه بأنّ تلك القاعدة تختصّ بالتلف الحقيقي ولا تعمّ التلف الحكمي وذكر أنّه فرق بين المقام وبين هذا المورد بداهة أنّه لو لم يكن التسليم ولا التسلّم من الأوّل مقدوراً فهذا المال لا يعدّ في العرف مالا ، بخلافه ما لو طرأ عليه العجز أو كان المنتقل إليه قادراً على تسلّمه دون المنتقل عنه فالمالية موجودة ويتدارك نقصها بالخيار .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم في الصفحة 322 .

ــ[328]ــ

وبعبارة اُخرى : أنّا لا نقول بالتلف بل نقول بعدم المالية عند عدم القدرة على التسليم والتسلّم ، فهذا المناط أي مناط المالية موجود في الصورة الثانية أي في صورة طروّ عدم القدرة .

ولكن الذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّه لا ملازمة بين عدم القدرة على التسليم والتسلّم وبين خروج الشيء عن المالية وعدم إمكان الانتفاع به ، لأنّ الشيء قد لا يمكن فيه التسلّم من المشتري ولا التسليم من البائع ومع ذلك يمكن الانتفاع منه بالعتق ونحوه ويعتبره العقلاء مالا من الأوّل كالعبد الآبق والجارية الآبقة  ، بداهة أنّه وإن لم يتمكّن البائع ولا المشتري عن تسليمه وتسلّمه إلاّ أنّه يمكن الانتفاع به في العتق ، ولا إشكال في كونه مالا عند العرف أيضاً ، وليس مثل العبد الآبق إلاّ مثل العبد المريض الذي يحتمل فيه الصحّة والموت من حيث كونه معيباً فيباع بهذا الوصف .

واُخرى يكون الشيء من الاُمور التي لا يمكن الانتفاع بها إلاّ مع التسليم والتسلّم ولا يقدر البائع ولا المشتري على تسليمه وتسلّمه ولا شخص آخر من الناس ، فإن لم يحتمل رجوعه أيضاً كما إذا شرد الغزال الوحشي أو طار الطير الوحشي بعد اصطيادهما فإذن لا يصحّ بيعه لكونه في نظر العرف بمنزلة التلف ولا يرون فيه المالية ولا الملكية ، فلو لم تعتبر المالية في المبيع يكون بيعه باطلا أيضاً لأنّ مثل هذا المال يعدّ في العرف تالفاً خارجاً عن الملك ، وأمّا إن كان مرجوّ الحصول والرجوع اطمئناناً أو علماً فحينئذ لا مانع من بيعه ولا إشكال في صحّته لكونه مالا وماليته محفوظة عند العرف ، وإن كان ممّا يحتمل الرجوع والقدرة على تسليمه وتسلّمه ويحتمل عدم ذلك فحينئذ لا يمكن الحكم بصحّة بيعه ، ولا يمكن التمسّك بعمومات أدلّة البيع لأنّه من الشبهة المصداقية . نعم لو وقع العقد وحصلت القدرة بعده فنحكم بصحّته بداهة أنّ الاطمئنان والعلم لم يكن لهما موضوعية في صحّة العقد

ــ[329]ــ

بل كانا طريقاً محضاً ، وفي المقام أيضاً إذا حصلت القدرة نستكشف كونه مالا وماليته محفوظة حين العقد أيضاً .

وثالثة يكون الشيء ممّا لا يقدر البائع والمشتري فقط على تسليمه وتسلّمه ولكنّه كان الثالث قادراً عليه كما إذا كانت الدار مغصوبة وقد غصبها مقتدر ولكنّه يقدر على أخذها منه شخص آخر دون البائع والمشتري ، فحينئذ أيضاً لا مانع من جواز البيع وصحّته لأنّه مال في نظر العرف بلا إشكال .

فتحصّل من جميع ما ذكرناه : عدم صحّة البيع في الصورة الاُولى من القسم الثاني ولو لم نعتبر المالية في المبيع أيضاً كما لا نعتبره ، وفي هذه الصورة إذا طرأ العجز بعد البيع نحكم بانفساخ المعاملة لصدق التلف عرفاً فتشمله قاعدة « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » وأمّا في باقي الصور فالبيع محكوم بالصحّة ، هذا كلّه بحسب القاعدة .

ولكنّه قد وردت في بيع العبد الآبق والجارية الآبقة روايات على عدم صحّة البيع عند عدم القدرة على تسليمه وتسلّمه بلا ضميمة ، ويستفاد من العلّة المذكورة في ذيل بعض تلك الروايات اشتراط القدرة على التسليم أو التسلّم ولو في بعض المبيع وهي عبارة عن قوله (عليه السلام) في ذيل موثّقة سماعة « فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه »(1) الخبر ، ولا يخفى أنّ مفاد هذا الكلام جواز بيع غير المقدور على تسليمه وتسلّمه مع الضميمة في غير العبد الآبق كالدابة الشاردة إذا ضمّ إليها شيء آخر مقدور ، ولكنّه لم يلتزم به المشهور في غير العبد الآبق .

ثمّ إنّه قد ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) أنّ الظاهر من كلمات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 353 / أبواب عقد البيع وشروطه ب11 ح2 وفيه « فيما اشترى منه » .

(2) المكاسب 4 : 186 .

ــ[330]ــ

الأصحاب (رضوان الله عليهم) كون القدرة شرطاً ، وقد صرّح بذلك في الغنية(1) بعد ما حكم بعدم صحّة بيع ما لا يمكن التسليم فيه قال فينتفي المشروط بانتفاء شرطه ، ومع ذلك قد استظهر في الجواهر(2) من هذه العبارة كون عدم القدرة مانعاً لا شرطاً واستشهد على ما ذهب إليه بمسألة بيع الضالّ والضالّة حيث حكم بعض منهم العلاّمة (قدّس سرّه)(3) بصحّة بيعه ، لأنّ الأصل عدم المانع عند العقد ، ثمّ قال (قدّس سرّه) وتظهر الثمرة بينهما في موارد الشكّ بداهة أنّه لو قلنا بكون القدرة شرطاً فلابدّ من إحرازها عند العقد ، وإن قلنا بكونها مانعاً فيصحّ التمسّك بأصالة عدم المانع .

وقد أورد على هذا الشيخ (قدّس سرّه) أوّلا : بأنّ القول بالمانعية يخالف ظواهر كلمات الأصحاب . وثانياً : أنّه لا معنى لأن يكون عدم القدرة والعجز مانعاً ، لأنّ عدم القدرة والعجز أمر عدمي فلا يصلح لأن يكون مانعاً ، لأنّ المانع أمر وجودي فما معنى قولنا إنّ صحّة العقد يعتبر فيه عدم عدم القدرة أو عدم العجز ، فلا وجه للدوران بين الشرطية والمانعية في المقام ، نعم فرض الشرطية أو المانعية يصحّ في مثل العدالة أو الفسق بأن يقال إنّ العدالة شرط في إمام الجماعة أو الفسق مانع وأيضاً لهذا النزاع وجه في اللباس المشكوك لو شكّ في لباس هل هو مأخوذ من المأكول أو من غيره بأن يقال : إنّ المأكولية شرط أو لبس غير المأكول مانع وملخّصه  : أنّ هذا النزاع إنّما هو في موارد أمرين وجوديين لا فيما إذا كان أحد الشيئين وجودياً والآخر عدمياً .

وثالثاً : أنّه لا ثمرة بينهما أصلا ، بداهة أنّه لو كان الشخص مسبوقاً بالحالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغنية : 211 .

(2) الجواهر 22 : 385 .

(3) التذكرة 10 : 49 .

ــ[331]ــ

السابقة من القدرة وعدمها يكون المورد من موارد جريان الاستصحاب سواء قلنا بأنّ القدرة شرط أو أنّ العجز وعدم القدرة مانع ، وأمّا مسألة الضالّ والضالّة فلا ربط لهما بالمقام فإنّ اختلاف الأصحاب فيهما من جهة اختلافهم في تحقّق الغرر وعدمه كما سيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى .

وفيما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) ما لا يخفى ، أمّا ما ذكره من مقالة تسالم الفقهاء على كون القدرة شرطاً ، ففيه : أنّه مضافاً إلى عدم كون كلامهم حجّة أنّهم لا يذكرون هذه الكلمات إلاّ من باب التعبير من دون ملاحظة المعاني المصطلحة للشرط والمانع أصلا وإنّما يريدون بهما مجرد دخل الشيء في الحكم بل يعبّرون بمثل هذه الكلمات في موارد عديدة من غير تحقيق وتفكّر في أطرافها ، فلابدّ من النظر إلى دليل المسألة ، والمستفاد من النبوي الذي نهى النبي فيه عن بيع الغرر على فرض تماميته كون العجز مانعاً ، فإنّ النهي فيه إرشاد إلى المانعية وقد اُخرج البيع الغرري عن تحت عمومات الباب بالتخصيص .

وأمّا ما ذكره في جوابه الثاني فهو متين فيما إذا كان التقابل بين الشيئين تقابل الايجاب والسلب لا في مثل الموارد التي يكون التقابل بالعدم والملكة ، بداهة أنّه لا مانع من أن يكون المانع في هذه الموارد أمراً عدمياً ، وضروري أنّه لا نعني بالمانع في هذه الموارد إلاّ أن يكون عدمه مأخوذاً في الموضوع ، والمقام أيضاً كذلك حيث إنّه يعتبر في صحّة البيع أن لا يكون غررياً وغير مقدور على تسليم المبيع فيه ، وليس المقام إلاّ مثل قولنا إنّ العمى مانع عن صحّة الجماعة ويعتبر أن لا يكون الإمام أعمى ، ومن هنا يظهر أنّ ما قد يتراءى من كلام بعض من عدم إمكان تأثير المعدوم في الموجود ليس كما ينبغي ، لأنّ مرادنا بالمانع ليس هو معناه المصطلح بل المراد منه كما ذكرنا ما يكون عدمه مأخوذاً في موضوع الحكم .

وأمّا جوابه الثالث فهو تامّ لكن لا لما ذكره من الرجوع إلى الاستصحاب

ــ[332]ــ

على كلا الفرضين لأنّا نفرض الكلام فيما إذا كان الشخص جاهلا بالحالة السابقة أو مسبوقاً بحالتين وشكّ في التقدّم والتأخّر ، بل الوجه في إنكار الثمرة أنّه كما لابدّ من إحراز الشرط لابدّ من إحراز عدم المانع أيضاً ، فلا ثمرة بين القولين إلاّ على القول بقاعدة المقتضي والمانع بأن يقال إنّ العقد مقتضي الصحّة وعدم القدرة مانع فالأصل عدمه ، ولكنّه قد ذكرنا في موطنه أنّه لا أصل لهذه القاعدة ، بل يمكن أن يقال إنّه لا شكّ لنا أصلا بناءً على ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في معنى الغرر من احتمال الخطر ، بداهة أنّا في موارد الشكّ نحتمل الخطر فالمانع محرز فلا يصحّ العقد .

وبالجملة : أنّ الثمرة المذكورة بين القولين مردودة لأنّه كما يعتبر إحراز الشرط يعتبر إحراز عدم المانع أيضاً . وبعبارة اُخرى أنّ المناط في القدرة والعجز ليس وجودهما الواقعي بل وجودهما الاحرازي ، فلابدّ من إحرازهما سواء قلنا بكون القدرة شرطاً أو العجز وعدم القدرة مانعاً ، فعليه إذا كان عدم القدرة مسبوقاً بالحالة السابقة نستصحب ونحرز عدمها ونحكم ببطلان العقد ، ولكن هذا مبني على ما ذهب إليه الشيخ (قدّس سرّه) وقوّاه الميرزا (قدّس سرّه) واخترناه من أنّه لا يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي ، بل المعتبر في جريانه عدم اللغوية من جريانه ، خلافاً لصاحب الكفاية حيث اعتبر في جريانه أن يكون حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي  ، بداهة أنّه بناءً على ما ذهب إليه لا يجري الاستصحاب المذكور لعدم كون القدرة وعدمها الواقعي حكماً ولا موضوعاً لحكم شرعي ، لعدم ترتّب الأثر على وجودها الواقعي بل على وجودها الاحرازي .

وتفصيل الكلام في المقام : أنّ الشكّ في القدرة على التسليم وعدمها تارة يكون من جهة الشبهة الحكمية المفهومية واُخرى من جهة الشبهة الموضوعية ، فإن كان بالوجه الأوّل كما إذا لم نعلم أنّ المراد من القدرة على التسليم القدرة العقلية بأن

ــ[333]ــ

لا يكون التسليم متعذّراً أو أنّ المراد منها العرفية بأن لا يكون متعسّراً ، فحينئذ لا فرق بين القول بشرطية القدرة أو أنّ عدم القدرة أو العجز مانع من كون العقد صحيحاً من جهة التمسّك بعمومات أدلّة صحّة البيع ، لما حقّق في موطنه من أنّه لا يرفع اليد عن عموم العام وإطلاق المطلق إذا كان دليل المخصّص أو المقيّد مجملا إلاّ بالمقدار المتيقّن .

وإن كانت الشبهة موضوعية بأن يشكّ في وجود القدرة وعدمها ، فحينئذ إن قلنا إنّ الدليل على اعتبار القدرة هو نهي النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر فظاهره مانعية احتمال الخطر ـ بناء على كون المراد من الغرر احتمال الخطر ـ لا شرطية القدرة ولا مانعية العجز . فحينئذ أيضاً لا فرق بينهما في بطلان العقد وذلك لوجود هذا الاحتمال وجداناً وخروج المورد من موارد الشبهة رأساً . وتوهّم أنّه لو كانت القدرة مسبوقة بالحالة السابقة نستصحب ونثبت القدرة فعلا فيحكم بصحّة العقد في غاية السقوط ، لأنّ الموجب لبطلان العقد وعدم صحّته هو احتمال الخطر فهو موجود وجداناً ، وليست القدرة موضوعاً للحكم بل الموضوع هو عدم احتمال الخطر كما هو المستفاد من النبوي (صلّى الله عليه وآله) وبديهي أنّ استصحاب القدرة لا يثبت عدم احتمال الخطر إلاّ على القول بالأصل المثبت وهو كما ترى ، نعم لو قامت البيّنة على القدرة فعلا تثبت لوازمها تعبّداً .

وأمّا إذا كان دليل الاعتبار قوله (صلّى الله عليه وآله) « لا تبع ما ليس عندك  »(1) وفسّرنا « ما ليس عندك » بعدم السلطنة والقدرة لا عدم الملك ، فحينئذ إن كانت القدرة مسبوقة بالحالة السابقة نستصحب فنحكم بصحّة البيع ، وكذا نستصحب عدم القدرة أو العجز ونحكم ببطلان العقد إذا كان عدم القدرة أو العجز

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 47 / أبواب أحكام العقود ب7 ح2 (مع اختلاف يسير) .

ــ[334]ــ

مسبوقاً بالحالة السابقة بلا فرق بين شرطية القدرة أو مانعية العجز ، وأمّا إذا كان كلّ منهما مسبوقاً بالحالة السابقة ولكنّه قد اشتبه المتقدّم والمتأخر فيتعارض الاستصحابان ويرجع إلى الأصل الآخر الموجود في المقام وهو عبارة عن أصالة الفساد في المعاملة وعدم انتقال الثمن من ملك مالكه إلى البائع وأصالة عدم انتقال المثمن من ملك صاحبه إلى المشتري .

وأمّا إن لم يكن لهما حالة سابقة أصلا فقد ذكرنا في موطنه أنّه يترتّب الأثر في موارد دوران الأمر بين شرطية أحد الضدّين ومانعية الضدّ الآخر كالعدالة والفسق إذا شككنا في كون العدالة شرطاً أو الفسق مانعاً ولم يكن لواحد منهما حالة سابقة  ، فحينئذ لو قلنا بكون العدالة شرطاً في الجماعة نستصحب عدمها باستصحاب العدم الأزلي فيترتّب عليه عدم جواز الصلاة خلفه ، وإن قلنا بكون الفسق مانعاً فنستصحب عدمه ويترتّب عليه جواز الصلاة خلفه أو قبول شهادته مثلا ، إلاّ أنّه لا ثمرة بينهما في مثل المقام الذي يكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، وذلك لجريان استصحاب عدم القدرة الأزلي على كل تقدير ويترتّب عليه بطلان العقد سواء قلنا بكون القدرة شرطاً أو العجز وعدم القدرة مانعاً ، نعم لو قلنا إنّ العجز أمر بسيط وجودي منتزع من عدم القدرة تكون الثمرة موجودة ، لأنّه بناء على كون ذلك الأمر البسيط مانعاً فنستصحب عدمه باستصحاب العدم الأزلي فنثبت عدم العجز فيصحّ العقد ، كما لا يبعد أن يكون العمى من هذا القبيل أي أمراً بسيطاً لا من قبيل العدم والملكة ، فالعمى ليس عدم البصر في مورد من شأنه البصر بل العمى عنوان بسيط منتزع من عدم البصر ، إلاّ أنّ الأمر في المقام ليس كذلك ، لعدم كون هذا العنوان أي عنوان العجز مأخوذاً في لسان دليل بل المأخوذ في الأدلّة عنوان عدمي وهو عبارة عن قوله (صلّى الله عليه وآله) « ما ليس عندك » بناءً على أن يكون هو المدرك في المقام  ، فالمانع أمر عدمي والاستصحاب الأزلي يقتضي تحقّقه ويحكم بفساد العقد  ،

ــ[335]ــ

فلا فرق بين المسلكين من حيث نتيجة الأصل العملي على جميع التقادير .

ثمّ إنّ هذا الشرط أي القدرة على التسليم إنّما يعتبر بالنسبة إلى من ينتسب إليه العقد ويصير العقد عقداً له ولا اعتبار لقدرة الأجنبي وعدم قدرته ، كما أنّ نهي النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر موقوف على تحقّق موضوعه خارجاً بأن يكون الغرر فعلياً لا شأنياً .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net