حكم ما لو باع من شخص آخر صاعاً كلّياً آخر وقد تلف المبيع 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4133


ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) ذكر فرعاً آخر في المقام : وهو أنّه إذا باع صاعاً من صبرة ثمّ باع صاعاً كلّياً آخر من شخص آخر ثمّ تلفت الصبرة ولم يبق منها إلاّ صاع واحد فالظاهر أنّ الصاع الباقي للمشتري الأوّل ، لأنّ الصاع الكلّي الذي باعه ثانياً سار في ما عدا الصاع من الصبرة ، والمفروض أنّ ما عدا الصاع تلف قبل قبضه ، واللازم حينئذ الحكم بانفساخ البيع الثاني ، والوجه في ذلك أنّ الصاع الأول خرج من ملك البائع وصار للمشتري ، وعليه فيكون سريان الصاع الثاني الذي باعه ثانياً مختصّاً في مال البائع الذي هو ما عدا الصاع من الصبرة وحيث إنّ ما عدا الصاع من الصبرة تلف قبل قبضه فلا محالة يحكم ببطلان المعاملة الثانية حينئذ ، هذا .

ولا يخفى عليك أنّا ذكرنا في تصوير بيع الكلّي في المعيّن أنّ المملوك للمشتري والذي وقع عليه البيع إنّما هو صرف الوجود في الأفراد المخصوصة وهو أمر لا تعيّن له بوجه حتّى في علم الله تعالى ، ومن الواضح أنّ تطبيق ذلك على فرد من الأفراد المخصوصة لا يكشف عن أنّ البيع وقع على ذلك الفرد وأنّ المملوك هو ذاك بل المملوك هو الجامع بين الأفراد المخصوصة على نحو صرف الوجود غاية ما هناك أنّ الفرد الخارجي مطابق للمملوك لا أنّه عينه ، وهذا الذي ذكرناه لا يختصّ بالاُمور الاعتبارية بل هو جار في الأوصاف الحقيقية والاُمور الواقعية أيضاً ، فلذا ذكرنا في تصوير العلم الاجمالي أنّ متعلّقه إنّما هو عنوان أحد الاناءين كالعلم بنجاسة أحدهما وهذا ربما لا يكون له تعيّن في صقع من الأصقاع حتّى في علم الله تعالى كما إذا فرضنا كليهما متنجّساً حيث إنّه لا تعيّن للمعلوم بالاجمال في الواقع أيضاً ، فإذا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 260 .

ــ[405]ــ

قامت البيّنة بعد ذلك على أنّ أحد الاناءين نجس وبذلك انحلّ علمنا الاجمالي فلا يكون هذا كاشفاً عن أنّ المعلوم بالاجمال كان هو ذلك الفرد الذي حكمنا بنجاسته بالبيّنة ، بأن يقال إنّ هذا الفرد بجميع خصوصياته ومشخّصاته كان متعلّقاً للعلم وكان معلوماً لنا بالاجمال لأنّه خلاف الوجدان بالبداهة ، نعم ذاك الفرد المحكوم بالنجاسة حينئذ مطابق لذلك العنوان الذي تعلّق به العلم الاجمالي .

وكذا الحال في القدرة فإذا فرضنا أحداً يقدر على أكل أحد الرغيفين فقط لا على أكل كليهما وتلف أحدهما بعد ذلك أو اختار أحدهما فهل يمكن الحكم بأنّ ذلك يكشف عن أنّ مقدور الأكل لهذا الرجل هو هذا الفرد دون الآخر مع أنّهما بالاضافة إلى قدرته على حدّ سواء وهو كما كان قادراً على أكل هذا الرغيف كان قادراً على أكل الرغيف الآخر أيضاً ، فلذا لو قايسنا حاله بالاضافة إلى كلّ واحد واحد منهما لقلنا بقدرته على هذا وحده وذاك وحده .

وكيف كان ، فلا يمكننا الحكم بأنّ اختيار هذا الفرد كاشف عن أنّ متعلّق قدرته هو هذا الفرد بل متعلّق القدرة هو عنوان أحدهما وهذا الفرد مطابق لذلك العنوان لا أنّه متعلّق لقدرته ، هذا في الاُمور الحقيقية والأوصاف الواقعية ، وكذلك الحال في الاُمور الاعتبارية كالملكية ونحوها ، فالملكية القائمة في صقع النفس متعلّقها عنوان جامع بين الأفراد المخصوصة وهو ممّا لا تعيّن له في شيء من الأوعية ، فإذا اختار أحد تلك الأفراد خارجاً فهو لا يكشف عن أنّ المملوك هو هذا الفرد وأنّ البيع وقع عليه ، بل المملوك وما وقع عليه المعاملة هو العنوان الجامع بين الأفراد وهذا الفرد الخارجي مطابقه لا أنّه عينه بل هو بنفسه ممّا لا تعيّن له بوجه ، وعليه فإذا باع صاعاً كلّياً بعد المعاملة الاُولى فقد باع صاعاً جامعاً بين هذه الأفراد المخصوصة ، ومتعلّق البيع حينئذ هو متعلّق البيع الأوّل لأنّ المبيع في كلّ واحد من البيعين هو الجامع بين الأفراد المعبّر عنه بالصاع وليس الكلّي كالفرد الخارجي غير

ــ[406]ــ

قابل للبيع مرتين أو أكثر ، إذ الكلّي يقبل البيع مرتين أو أكثر نظير بيع الكلّي في الذمّة إذا باع منّاً من الحنطة في ذمّته ثمّ باع منّاً منها من آخر وهكذا فإنّ المبيع في جميع ذلك شيء واحد وهو المنّ الكلّي من الحنطة ، وهذا لا يختصّ بالبيع والاُمور الاعتبارية بل يجري في الاُمور الواقعية أيضاً كما أشرنا إليه ، مثلا إذا علمنا بأنّ أحد هذه المائعات بول ثمّ علمنا بأنّ أحدها خمر فإنّ متعلّق العلم في كليهما عنوان أحدها  ، وكيف كان فمتعلّق البيع الأول والثاني هو الكلّي ولا تميّز لأحد المبيعين عن الآخر .

وعليه فلا يمكننا المساعدة لما أفاده شيخنا الأنصاري في المقام من أنّ الصاع الباقي يتعيّن للمشتري الأول دون الثاني ، وذلك لأنّ المبيع في كل واحد من البيعين هو الكلّي والأفراد لم يقع عليها البيع حتّى يقال إنّ الفرد الباقي للمشتري الأول ولا تميّز للمبيع في البيع الأول حتّى يختصّ للمشتري الأوّل دون الثاني ، وليس في المقام فرق بينهما إلاّ من حيث الزمان ، والتقدّم والتأخّر في الزمان لا يوجب تعيين المشتري الأول كما هو ظاهر ، إذ لو فرضنا أنّه باع صاعين منها معاً مع تلف الصبرة إلاّ بمقدار صاع واحد يأتي فيه ما ذكره (قدّس سرّه) حرفاً بحرف ، وما أفاده (قدّس سرّه) مبني على التعيّن في المبيع بالبيع الأول وقد عرفت خلافه .

وبعد ذلك يقع الكلام في أنّ البائع يجب عليه أن يدفع الصاع الباقي للمشتري الأول حتّى يكون ذلك موجباً للتلف في البيع الثاني وانفساخ المعاملة أو أنّه يتخيّر بين دفعه إلى الأول أو الثاني أو أنّه لا هذا ولا ذاك بل لابدّ من تنصيفه وإعطاء نصفه لأحدهما ونصفه الآخر للآخر وبطلان البيع في كليهما في نصفي المبيع .

ربما يقال : إنّ البائع قبل تلف الصبرة كان مخيّراً في أن يدفع الفرد الباقي إلى المشتري الأوّل وأن لا يدفعه إليه وهذا التخيير لم يحدث ما يزيله . ويدفعه : أنّ ذلك إنّما هو قبل التلف من جهة وجود الأفراد والصيعان وكان الاختيار في التعيين بيده

ــ[407]ــ

وكان متمكّناً من أن يدفع هذا الفرد الباقي إليه أو أن يدفع إليه فرداً آخر ، وبعد عروض التلف يرتفع هذا التمكّن إذ لم يبق في البين إلاّ صاع واحد فلا موضوع للتخيير ، ونسبة البيعين إليه على حدّ سواء فلا موجب لترجيح أحدهما على الآخر فيدور الأمر حينئذ بين الحكم بالانفساخ في كلا البيعين والالتزام به مشكل ، وبين أن يدفع نصفه إلى أحدهما ونصفه الآخر للآخر ، وهذا هو الصحيح والسرّ في ذلك ما ذكرناه مراراً من أنّ البيع الواحد ينحلّ إلى بيوع متعدّدة حسب تعدّد أفراد المبيع وأجزائه ، وهو وإن باع صاعاً واحداً بدينار إلاّ أنّه ينحلّ إلى بيع نصف الصاع بنصف دينار ونصفه الآخر بنصف الآخر منه في كلا البيعين ، فيدفع نصفه إلى أحدهما ونصفه الآخر إلى الآخر ويبطل البيع لكلّ واحد منهما في نصف المبيع وحينئذ إذا كان المبيع ممّا يتعلّق فيه الغرض العقلائي بالهيئة الاجتماعية فيثبت للمشتري خيار تبعّض الصفقة ، لأنّ الاجتماع حينئذ كوصف الصحّة من الاُمور المشروطة في البيع بحسب الارتكاز العقلائي ، وأمّا إذا كان ممّا لا يتعلّق فيه الغرض العقلائي بالهيئة الاجتماعية كما في مثل الحبوبات والأدهان فلا يثبت للمشتري الخيار  .

وكيف كان ، فما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وقوّاه شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) من اختصاص الصاع للمشتري الأول وبطلان البيع في الثاني ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، والوجه في ذلك ما مرّ آنفاً من أنّ المبيع في البيع الأول غير متميّز لأنّه ليس إلاّ صاعاً كلّياً وأمّا الخصوصيات فهي بأجمعها للمالك ، كما أنّ المبيع في البيع الثاني أيضاً لا تميّز له ، والاختيار في التعيين بيد البائع فإذا تلفت الصبرة وبقي منها صاع واحد فلا وجه لتخصيصه بالمشتري الأول لأنّه ترجيح بلا مرجّح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 2 : 388 .

ــ[408]ــ

كما لا وجه لتخيّر البائع في دفعه إلى الأول أو الثاني لأنّ تخيّره قبل تلف الأجزاء إنّما هو من جهة إمكان تطبيق مملوك المشتري على كلّ واحد من الأفراد ، وبعد ما فرضنا أنّ الأفراد تلفت ولم يبق منها إلاّ فرد واحد فما معنى تخيّره في تطبيق المملوك على الأفراد ، إذ لا منطبق عليه غير ذاك الصاع ، وعليه فيدور الأمر بين الالتزام بانفساخ كلا البيعين كما التزمنا به في غيره من الموارد مثلا إذا باع مال نفسه في زمان وباعه وكيله من شخص آخر في ذلك الزمان ، أو أنّها عقدت على نفسها من أحد وعقد وكيلها من شخص آخر فإنّ المعاملة والزواج محكومان بالبطلان لعدم الترجيح بلا مرجّح ، وبين الالتزام بالتنصيف وأنّ النصف منهما للمشتري الأول والنصف الآخر للآخر .

والأخير هو الصحيح ، وتوضيحه أنّ الوجه في الالتزام بالبطلان في كل واحد من البيعين في غير المقام إنّما هو وجود المزاحم في كلّ كسر يمكن أن يتصوّر في المال مثلا إذا عقد على ماله بنفسه من مشتر وعقد عليه وكيله من مشتر آخر فكلّ واحد من نصف المال أو ثلثه أو ربعه أو خمسه مملوك لشخصين ، لأنّ المفروض أنّهما باعاه بأجمعه لشخصين ففي كل كسر يمكن أن يتصوّر في المال ، فرض كونه من أحدهما معارض ومزاحم بفرض كونه من الآخر ولأجل ذلك التزمنا فيه بالبطلان .

وأمّا في المقام فحيث إنّ المبيع في كلّ واحد من البيعين أمر كلّي ولا ربط له بالخصوصيات والتشخّصات وأنّ بيع شيء ينحلّ إلى بيعين أو أكثر بحسب نصفيه وغيرهما من الأجزاء ، فلا مانع من أن يكون كلّ واحد من النصفين مملوكاً لكلّ واحد من المشتريين ، ولا يكون فرض كون هذا النصف مملوكاً لأحدهما مزاحماً لفرض كونه مملوكاً للآخر وذلك لتمكّن البائع من تطبيق الكلّي في نصف الصاع في كلّ واحد من البيعين ، ولم يتلف من المبيعين إلاّ نصفهما وأمّا نصفاهما الآخران فهما باقيان ، ومع عدم التلف في النصفين لا وجه للالتزام بالبطلان فيهما ، نعم لمّا كان

ــ[409]ــ

نصفاهما الآخران تالفين بحسب الفرض فنلتزم بالبطلان في نصفي الصاعين المبيعين فالنصف من كل واحد منهما مملوك لهما ولم يحدث في المقام شيء يزيل ملكية المشتري الأول أو الثاني في نصفي الصاعين ، فلا وجه لرفع اليد عن الملكية في النصفين أبداً ، نعم النصفان الآخران خارجان عن ملكهما بالتلف ، وأمّا النصفان الباقيان فبما أنّ البائع يمكنه تطبيق الكلّي عليهما لأنّهما نصفا المبيعين لم يكن وجه لخروجهما عن ملكهما كما هو ظاهر . ثمّ إنّ الاختيار في التعيين في النصفين بيد البائع أيضاً وهو أمر واضح لا سترة عليه ، هذا ما عندنا في هذا المقام .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net