صور إقباض الكلّي - لو باع ثمرة أشجار واستثنى منها ثمرات 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثاني : البيع-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4205


ثمّ إنّه تعرّض شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في المقام : إلى أنّ الكلّي إنّما يبقى على وصف الكلّية ما دام لم يقبضه المشتري وأمّا إذا قبضه فإن أقبضه البائع إليه منفرداً عمّا عداه فهو يختصّ بالمشتري لا محالة ، وأمّا إذا أقبضه البائع مجموع الصبرة فإن كان ذلك من جهة توكيل المشتري في تعيين حقّه وقبضه منها وابقاء الأصواع الاُخر عنده أمانةً ، أو كان من جهة إبقاء الصبرة بأجمعها أمانة عند المشتري ، فهذا القبض كلا قبض ولا يترتّب عليه أثر ، فإذا تلفت الصبرة مثلا فهو من باب تلف المبيع قبل قبضه .

وأمّا إذا كان إقباض الصبرة بأجمعها للمشتري من جهة إيفاء حقّه في صاع منها وإبقاء الباقي عنده أمانة ، بأن كان دفعها إليه بعنوان إقباض مملوكه وتعيينه له في ضمن المجموع ، فيكفي ذلك في حصول القبض لا محالة ، وعليه فإذا فرضنا أنّ الصبرة تلفت بأجمعها أو تلف نصفها فهو يحسب على كلّ واحد من البائع والمشتري ، وذلك لأنّه بقبضه المملوك في ضمن الصبرة قد اشترك مع البائع في الصبرة على نحو الاشاعة ، وحينئذ فلا يمكن حساب التالف على البائع دون المشتري لأنّه ترجيح بلا مرجّح ، هذا .

ولا يخفى أنّ في المقام أمرين : أحدهما كفاية إقباض الصبرة في قبض المشتري

ــ[410]ــ

للمبيع بحيث لو تلف بعد ذلك لما انطبقت عليه قاعدة : كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ، لأنّ ذلك يكفي في حصول القبض وهذا ظاهر . وثانيهما : أنّ المبيع الكلّي هل ينقلب من الكلّية إلى التشخّص والجزئية باقباض الكلّي إلى المشتري بأن أقبضه الصبرة بأجمعها فهل يكفي ذلك في تعيين المبيع وتشخّصه أو لا ؟ والظاهر أنّ المبيع لا يتشخّص باقباض الكلّي وجميع الصبرة إلى المشتري ، لأنّ البائع الذي بيده التعيين والتشخيص لم يشخّصه ، ولم يحدث التعيين والتشخّص من شخص آخر فبماذا يصير المبيع الكلّي متشخّصاً ومتعيّناً ، وعليه فإذا تلفت الصبرة بأجمعها فقد تلف الكلّي الذي أقبضه البائع للمشتري ، وبما أنّه تلف بعد القبض فيتلف المبيع على المشتري ، وأمّا إذا تلف نصفها وبقي نصفها الآخر فلا وجه لاشتراك التالف والباقي بينهما بل لمّا كان المبيع كلّياً وقابلا للصدق على الباقي فله أن يقول إنّ المملوك لم يتلف بعد ويأخذه من المقدار الباقي والتالف محسوب على البائع فقط ، ولا يمكنه دعوى أنّ المبيع تلف بتلف نصف الصبرة ، لأنّ الفرض أنّ المبيع لم يتشخّص بعد وهو باق على كلّيته كما كان وهو ينطبق على الباقي ويصدق عليه ، فلا محالة يتمكّن المشتري من إخراج مملوكه من الباقي .

وأمّا دعوى حصول الشركة بين البائع والمشتري فتندفع بأنّ انقلاب المملوك الكلّي وتبدّله إلى الكسر المشاع يحتاج إلى معاملة جديدة ومراضاة منهما ولا يكفي فيه مجرد إقباض الصبرة إلى المشتري ، اللهمّ إلاّ أن يكونا بذلك قاصدين لتبديل الكلّية إلى الاشاعة وهو أمر آخر يحتاج إلى قرينة ، وكيف كان فلا وجه لما أفاده شيخنا الأنصاري في المقام ، هذا .

ثمّ إنّه قد عرفت أنّ الصاع في بيع صاع من صبرة محمول على الكلّي في المعيّن دون الاشاعة ، ولكن يظهر من المشهور خلاف ذلك فيما إذا باع ثمرة أشجار واستثنى منها أرطالا حيث ذكروا أنّه إذا خاست الثمرة وتلفت من عند نفسها فيسقط من

ــ[411]ــ

الأرطال المستثناة بحسابها ، وهذا إنّما ينطبق على الاشاعة دون الكلّي في المعيّن لأنّ لازمه حينئذ عدم حساب التالف على المالك ، وعليه فيقع الإشكال في الفارق بينه وبين بيع الصاع من صبرة ، لأنّ حال الأرطال المستثناة في المثال بعينها حال الصاع في بيع الصاع من صبرة فلماذا التزموا في الاستثناء بالاشاعة وفي البيع بالكلّي في المعيّن ، وقد ذكروا في وجه الفرق وجوهاً :

منها : أنّ الفارق بين البيع والاستثناء النصّ وهو صحيحة الأطنان(1)الواردة في خصوص القصب ، ولولاه لما التزمنا بالكلّي في البيع أيضاً ، لأنّ ظاهر لفظ الصاع ونحوه كالرطل هو الاشاعة دون الكلّي .

وقد أورد عليه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) باُمور :

الأول : أنّ النصّ إن جاز التعدّي من مورده وهو بيع القصب إلى غيره كبيع الحنطة مثلا فلا مانع من أن نتعدّى منه إلى الاستثناء أيضاً ، وإن لم يجز التعدّي من مورده فلابدّ من الاقتصار على خصوص بيع القصب وحمل الصاع على الكلّي فيه دون بيع سائر الأشياء كبيع صاع من الحنطة والمشهور لا يلتزم بذلك ، هذا .

ويمكن المناقشة في ذلك بأنّ التعدّي من مورده إلى بيع غير القصب إنّما هو للقطع بعدم الفرق بين بيع طنّ من القصب وبيع صاع من الحنطة مثلا ، وهذا بخلاف التعدّي منه إلى الاستثناء لعدم القطع بالتسوية .

الثاني : ما أفاده في آخر كلامه من أنّ ظاهر لفظ الصاع مثلا إذا كان الاشاعة والكسر فلماذا جاز للمشتري التصرّف في الأثمار بما شاء من دون الاستجازة والاستئذان من البائع مع أنّهما شريكان في الثمرة حينئذ ولا يجوز التصرف لأحد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي صحيحة بريد المروية في الوسائل 17 : 365 / أبواب عقد البيع وشروطه ب19 ح1  .

ــ[412]ــ

الشريكين في المال المشترك إلاّ برضاهما .

الثالث : أنّ اللازم من الاشاعة أن يحسب التالف عليهما مطلقاً سواء كان التلف مستنداً إلى المشتري أم كان مستنداً إلى آفة سماوية غايته أنّ المشتري ضامن لحصّة البائع من التالف في صورة الاستناد فلماذا لم يحسبوا التالف عليهما عند استناد التلف إلى المشتري حيث أوجبوا إخراج تمام الأرطال حينئذ من الباقي وخصّوا ذلك بما إذا كان التلف مستنداً إلى الآفات السماوية وغير الاختيارية ، هذا .

ويرد على الفرق بالنصّ إيراد رابع : وهو أنّ اللازم حينئذ عدم تبعية العقود للقصود ، لأنّ ظاهر لفظ الصاع والطنّ حينئذ هو الكسر المشاع وهو المقصود للمتبايعين عند التلفّظ بلفظ الصاع والطنّ فلا وجه لحمله على الكلّي في البيع بالنصّ لأنّ مرجعه إلى أنّ العقد غير تابع للقصد في هذا المورد بالنصّ وهو كما ترى .

ومنها : أنّ الفارق بين المسألتين هو الإجماع ولولا الإجماع على حمل الأرطال على الاشاعة في الاستثناء لحملناها على الكلّي حتّى في الاستثناء أيضاً  .

وفيه : كما ذكره شيخنا الأنصاري أنّ الإجماع لا يمكن الاعتماد عليه في المقام لعدم كشفه عن قول المعصوم (عليه السلام) لاحتمال أنّ استنادهم إلى النصّ أو غيره من الأدلّة ومعه لا يبقى للاعتماد عليه مجال ، هذا مضافاً إلى الايرادين الأخيرين اللذين أوردناهما على الوجه الأول وهما أنّ لازم الفرق بالإجماع والحمل على الاشاعة أن لا يجوز للمشتري التصرف في الأثمار إلاّ بإذن شريكه وهو ممّا لم يلتزم به المشهور ، كما أنّ لازم ذلك أن يحسب التالف عليهما والباقي لهما من دون اختصاص ذلك بصورة تلف الثمرة بنفسها ، بل يعمّ ما إذا أتلفها المشتري أيضاً مع أنّهم التزموا في صورة الاتلاف بلزوم إعطاء الأرطال من الباقي وعدم احتساب التالف من البائع .

ومنها : أنّ الوجه في الفرق بين المسألتين لزوم القبض في البيع ، إذ لولاه لا

ــ[413]ــ

يكون البيع لازماً بل ينفسخ حينئذ (فاللزوم في مقابل الانفساخ لا في مقابل الخيار) وعليه فإذا فرضنا أنّ الصبرة تلفت ولم يبق منها إلاّ بمقدار صاع فيجب على البائع بمقتضى لزوم القبض إقباض الصاع الباقي إلى المشتري ، إذ لو لم يقبضه إليه لا يكون البيع ثابتاً بنحو الاستمرار ، لأنّ المبيع لم يصل إليه فلا يمكنه حساب التالف عليه وإلاّ لا يصدق عليه الإقباض فتنفسخ المعاملة ، وهذا بخلاف مسألة الاستثناء إذ لا يجب على المشتري إقباض الأرطال للمالك ، فإذا تلفت الأثمار وبقي منها بمقدار الأرطال فلا يتعيّن عليه دفعها للمالك كما في البيع إذ لا يبطل بيع الأثمار بذلك حينئذ دون بيع الصاع من صبرة ، وهذا هو الفارق بين المسألتين بعد اشتراكهما في أنّ الصاع ونظائره ظاهر في الكلّي دون الحصّة المشاعة ، هذا .

ولا يخفى أنّ مسألة لزوم القبض وعدم ثبوت البيع بدونه وإن كانت صحيحة إلاّ أنّها أجنبية عن المقام ولا ربط لها بما هو محل الكلام ، إذ الكلام في أنّ الأرطال المستثناة لماذا حملت على الاشاعة في المسألة مع أنّ حالها حال الصاع في البيع وقد حملوه على الكلّي هناك ، وهذا أيّ ربط له بمسألة لزوم القبض وعدم ثبوت البيع بدونه  ، هذا .

مضافاً إلى أنّ إيجاب القبض في المقدار الباقي متفرّع على حمل الصاع على الكلّي وكيف يمكن إثبات حمله على الكلّي بلزوم القبض في الباقي ، هذا مع أنّ القبض كما يجب في البيع يجب في الأرطال أيضاً لأنّها حينئذ أمانة عند المشتري وقد اُمرنا بردّ الأمانات إلى أهلها ، فيأتي فيه ما ذكره المستدلّ في القبض في البيع ، وكيف كان فلم نفهم محصّل هذا البيان كما لم يفهمه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أيضاً .

ومنها : أنّ الأثمار لمّا كانت تحت يد البائع وهي ملك للمشتري وقد استثنى منها أرطالا لنفسه فهي ملك له ، فبما أنّهما في قبضه وتحت يده صار شريكاً مع المشتري ، وهذا نظير ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) فيما إذا كانت الصبرة

ــ[414]ــ

بأجمعها تحت يد المشتري من أنّه يصير بذلك شريكاً مع البائع وبعد ما حصلت الشركة بينهما فالتالف عليهما لا محالة وإن كان لفظ الصاع ظاهراً في الكلّي أيضاً في كلتا المسألتين ، هذا .

ولا يخفى أنّ حصول الشركة بقبض الجميع غير مسلّم كما عرفت ، ومع الإغماض عن ذلك والبناء على حصول الشركة بقبض المجموع أيضاً لا يمكننا المساعدة عليه في المقام ، لأنّ ذلك إنّما هو فيما إذا أقبضه المشتري فيقال حينئذ إنّ المشتري قد أقبضه مجموع الأثمار التي فرضنا بعضها ملكاً للبائع فيحصل بذلك الشركة بينهما ، وأمّا إذا لم يقبضها المشتري بل كانت في يده من الابتداء فهذا كيف يوجب الاشتراك مع فرض أنّ الرطل كلّي في حدّ نفسه ، هذا مضافاً إلى أنّ ذلك أخصّ من المدّعى فلنفرض الكلام فيما إذا كانت الأثمار بيد المشتري برضا البائع أو بالغصب ، أو فرضناها في يد ثالث وتلفت الأثمار حينئذ فإنّهم يلتزمون بالإشاعة في الأرطال مع أنّ الأثمار ليست تحت يد البائع حتّى يقال إنّ الشركة حصلت بقبضه ولعلّه ظاهر .

ومنها : أنّ مقايسة الأرطال في المقام بالصاع في بيع صاع من الصبرة في غير محلّها ، بل الذي ينبغي أن يقاس إلى الصاع إنّما هو المستثنى منه أعني المبيع الذي هو ما عدى الأرطال ، وذلك لأنّ ما يملكه المشتري في مسألة الاستثناء هو ما عدا الأرطال ، كما أنّ ما يملكه في بيع صاع من الصبرة هو الصاع ، فالمقايسة في المقام لابدّ وأن تكون بين الصاع وما عدى الأرطال ، وعليه فيرتفع الإشكال عن المسألة لأنّ ما عدى الأرطال أمر كلّي في المعيّن وليس أمراً خاصّاً ، والبيع إنّما وقع على هذا العنوان الكلّي وبما أنّ المالك أقبضه إلى المشتري في ضمن المجموع منه ومن الأرطال المستثناة فصار ملك المشتري أعني ما عدى الأرطال أمراً خارجياً ، وبه تحصل الشركة والاشاعة بين ملكه وملك البائع فإذا تلف منها شيء فيحسب عليهما لا

ــ[415]ــ

محالة ، هذا .

وفيه أوّلا : أنّ إقباض الكلّي في ضمن المجموع منه ومن مال البائع لا يوجب انقلاب استحقاق الكلّية إلى استحقاق الاشاعة كما مرّ تفصيله في الردّ على شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في مسألة قبض الكلّي .

وثانياً : أنّ المبيع أعني ما عدى الأرطال ليس كلّياً في المعيّن بل هو عبارة عن مجموع الأثمار الخارجية ، فدعوى أنّه كلّي خلاف المتبادر والمتعارف العرفي .

وثالثاً : أنّ ذلك لا يدفع الإشكال ، إذ لنا أن نسأله عن أنّه لماذا جاز للمشتري أن يتصرف في الأثمار بلا استئذان من المالك مع أنّها مال مشترك حينئذ والقاعدة تقتضي عدم جواز تصرّف الشريك في مال الشركة إلاّ بإذن شريكه ولماذا لا يحسب التالف عليهما فيما إذا كان إتلاف بعض الأثمار مستنداً إلى المشتري حيث ذكر المشهور أنّ حصّة المالك حينئذ لابدّ من أن تخرج من الباقي مع أنّ الشركة تقتضي الشراكة في التالف والباقي على حسابهما وإن ضمن المتلف قيمة ما أتلفه وكيف كان فهذا الوجه أيضاً لا يدفع الإيراد .

ومنها : ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) في مقام الفرق بين المسألتين على تقديري الحمل على الكلّي والاشاعة في الأرطال فله في المقام جوابان :

أحدهما : ما ذكره على تقدير الكلّية في الأرطال قبل التلف وملخّصه : أنّ المتبادر من الكلّي المستثنى هو الكلّي والأرطال غير المعيّنة فيما يسلّم للمشتري من الثمرة لا الأرطال الكلّية في مطلق الثمرة الموجودة حال البيع ، هذا .

ولا يخفى أنّ هذا الاستدلال بظاهره غير تامّ بل ينتج خلاف مقصود المستدلّ  ، وذلك لأنّا إذا فرضنا أنّ ما سلّم للمشتري من الأثمار هو نصف الاثمار الموجودة حال البيع فالمالك يستحقّ منه تسعة أرطال مثلا كما كان يستحقّها فيما إذا سلّم للمشتري جميع الأثمار الموجودة حال البيع ، فلم ينقص من المستثنى شيء وإنّما

ــ[416]ــ

النقص ورد على المشتري فقط ، وهذا خلاف المقصود لأنّ الفقهاء ذكروا أنّ التالف يحسب عليهما ، ولعلّ في البين سقط شيء من الكلمات ، وكيف كان فهذا لا يدفع الإيراد .

وثانيهما : ما أجاب به على تقدير الاشاعة في الأرطال قبل التلف وملخّصه أنّ المستثنى كما يكون ظاهراً في الكلّي كذلك المستثنى منه أيضاً ظاهر في كونه كلّياً وعليه فكلّ واحد منهما مالك لعنوان كلّي ، والموجود بينهما لا يمكن احتسابه بأجمعه من أحدهما لأنّه ترجيح بلا مرجّح ، فلا محالة يكون بينهما بالنسبة ويشتركان فيه وفي التالف لا محالة ، هذا .

وفيه : أنّه مضافاً إلى أنّ الكلّية في المستثنى لا تستلزم الكلّية في المستثنى منه أبداً وإلاّ لزم في المقام أن لا ينتقل إلى المشتري شيء من الخصوصيات ، كما أنّها خارجة عن ملك البائع فتبقى بلا مالك ، وعلى تقدير احتسابها من المشتري يكون نقلا بلا ناقل ولا سبب ، وكيف كان فلا مانع من أن يكون المستثنى أمراً كلّياً منتزعاً من الخصوصيات الواقعة في المستثنى منه كما إذا قال بع جميع كتبي إلاّ واحداً منها فإنّه كلّي مع أنّ المستثنى منه أمر معيّن خارجي لا كلّية فيه بوجه .

يرد عليه : أنّ هذين الوجهين لا يدفعان الإيرادين الأخيرين ، إذ يبقى لنا سؤال الوجه في جواز تصرّف المشتري في الأثمار من دون استئذان من المالك وأنّه لماذا لا يحسب التالف عليهما فيما إذا استند التلف إلى المشتري حيث التزموا بأنّ التالف إنّما يحسب منهما فيما إذا كان التلف غير مستند إلى المشتري ، وكيف كان فلم نر فيما ذكروه من الأجوبة في المقام ما يدفع الايرادات بأجمعها ويجمع بين كون الأرطال على نحو الكسر ، وجواز تصرّف المشتري في الأثمار من دون الاستئذان من المالك ، وعدم احتساب التالف من المالك على تقدير إتلاف المشتري وإخراج حقّه من الباقي ، وهذه الاُمور الثلاثة هي التي لابدّ من تصحيحها وقد عرفت أنّها

ــ[417]ــ

بحالها ولم يذكر في المقام وجه صالح للجواب عن الاُمور الثلاثة .

فالذي يمكننا أن نقول ولعلّه المراد من كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) أيضاً على تقدير إضافة كلمة أو كلمتين على ما أفاده في المقام : هو أنّ الأرطال كسر كلّي على نحو القضية الخارجية دون الحقيقية ، وبذلك ترتفع الإشكالات عن المسألة وتوضيحه : أنّ الكسر كالنصف والثلث والربع ونحوها من الكسور الواقعة في شيء من المعاملات كالبيع والوصية ونحوهما يمكن أن يستعمل على نحوين : أحدهما الكسر المشاع كما هو الظاهر المتبادر منه وهذا مثل ما إذا قال بعتك ثلث هذا المال بكذا أو نصفه أو ربعه وأراد منه الاشاعة فإنّ المشتري حينئذ يصير شريكاً مع المالك في المال ، فما تلف منه يحسب عليهما كما أنّ الموجود لهما ، وثانيهما الكسر الكلّي دون المشاع ولو بواسطة نصب القرينة على إرادة الكلّية منه بناءً على أنّ ظهوره في نفسه في الاشاعة وهذا كما إذا أوصى لزيد بثلث ماله وأراد منه الكلّي دون الاشاعة والاشتراك فإنّ الموصى له حينئذ يملك ثلث المال بنحو الكلّي في المعيّن ، واختيار التعيين بيد الوارث حينئذ فله أن يعيّن له ما شاء ، ولا يكون الموصى له شريكاً مع الورثة في المال حتّى أنّه إذا تلفت التركة ولم يبق منها إلاّ مقدار ثلثها فيجب عليهم أن يعطوه إلى الموصى له لأنّه ملكه .

ثمّ إنّ الكسر الكلّي تارة يلاحظ على نحو القضية الحقيقية واُخرى على نحو القضية الخارجية ، والأول كما إذا أوصى له بثلث ماله أي ما يوجد في الخارج ويصدق عليه أنّه ماله فثلثه للموصى له فالكلّي في ذلك على نحو القضية الحقيقية فإذا فرضنا أنّ نصف مال الموصي قد أخذته الحكومة أو تلف فللموصى له ثلث جميع المال ممّا بقي في أيديهم لا ثلث ما وصل إليهم حتّى أنّ الباقي إذا كان بمقدار ثلث جميع أمواله فهو للموصى له حينئذ ، والثاني كما إذا أوصى له بثلث ماله على نحو الكلّي والقضية الخارجية بأن أراد من المال الأموال المعيّنة خارجاً فأوصى بثلث

ــ[418]ــ

تلك الأموال الخارجية لزيد ، ومن ذلك ما إذا أوصى له بثلث ما سلّم للوارث وحينئذ فالثلث وإن كان كلّياً لا محالة إلاّ أنّه كلّي في الأموال المعيّنة أو فيما يسلّم للورثة ، وعليه فإذا فرضنا أنّ نصف أموال الموصي تلف أو أخذته الحكومة ولم يسلّم للورثة إلاّ نصفها فالموصى له إنّما يستحقّ ثلث هذا الذي سلّم لا ثلث جميع الأموال ، نعم لو سلّم لهم جميع أموال الموصي فالموصى له يستحقّ ثلث جميع ما سلّم  ، هذا .

ثمّ إنّه ربما يراد الكسر من الشيء ولكن لا يستعمل فيه شيء من ألفاظ الكسور كالنصف والثلث بل يستعمل فيه لفظ آخر ويجعل ذلك مرآة إلى الكسر ومشيراً إليه كما إذا أوصى أو باع منّاً من الحنطة وأراد به ثلثها لأنّ نسبة المنّ إليها نسبة الواحد إلى الثلاث مثلا ، وعلى هذا الفرض فالكسر المستعمل في الوصية أو البيع ونحوهما لا يوجب الشركة مع الورثة أو المالك ، ولكن ينقص بنقص المال الذي يسلّم للورثة ويتمكّن الورثة من التصرف في التركة من دون حاجة إلى الاستئذان من الموصى له ، كما أنّهم إذا أتلفوا مقداراً من التركة فلا يحسب على الموصى له بل يتعيّن حقّه في الباقي .

أمّا الدعوى الاُولى فلأنّ المفروض أنّ الكسر كلّي لا على نحو الاشاعة . وأمّا الثانية فلأنّه كسر كلّي فيما يسلّم للوارث لا فيما يصدق عليه أنّه مال الموصي فيختلف باختلاف ما سلّم للوارث ، فإذا اُخذ نصف ماله فهو في الواقع يخرج من الوارث والموصى له . وأمّا الثالثة فلأنّ التركة مالهم وليسوا شركاء مع الموصى له حتّى يحتاجوا إلى إذنه ، وأمّا الرابعة فلأنّهم إذا أتلفوا منها مقداراً فإنّما أتلفوا ملكهم وهو لا يضرّ بملك الموصى له ، فإذا أكل الوارث شيئاً ممّا تركه الميّت من الطعام فلا محالة مال الموصى له يتعيّن في الباقي لأنّ التعيين بيد الوارث فإذا أتلف مقداراً منها فمعناه أنّه لا يعيّن ذلك للموصى له وإنّما يعيّن ماله فيما بقى منها ، إذا عرفت ذلك في الوصية

ــ[419]ــ

فندّعي مثله في استثناء الأرطال في المقام .

فنقول : إنّها اُخذت على نحو الاشارة إلى الكسر الواقعي كالعُشر ونحوه والكسر كلّي حسب المتفاهم العرفي في نظائره التي جرت عليها عادتهم ، وهذا الكسر الكلّي اُخذ على نحو القضية الخارجية فيما يسلّم للمشتري حسب السيرة العقلائية المتحقّقة في البيع واستثناء شيء منه ، وعليه فتندفع جميع الإيرادات المتقدّمة .

أمّا أنّ البائع لا يصير شريكاً مع المشتري فلفرض أنّ المبيع كسر كلّي لا مشاع . وأمّا أنّ التالف يحسب عليهما فلأنّ الأثمار إذا سلّمت بتمامها فللبائع منها ستّة أرطال مثلا ونفرض أنّ نسبتها إليها نسبة العشر فيستحقّ البائع من المشتري عشر الأثمار الواقعة في البستان ، فإذا فرضنا أنّ ما سلّم للمشتري نصف الأثمار لا تمامها فعشر ذلك النصف للبائع فالتالف عليهما لا محالة ، وأمّا أنّه يجوز للمشتري أن يتصرف فيها بلا حاجة إلى إذن البائع فلأنّه ليس شريكاً معه وإنّما يستحقّ أرطالا كلّية أي كسراً كلّياً على الفرض ، وأمّا أنّه إذا أتلف مقداراً منها فتتعيّن حصّة البائع في المقدار الباقي فلأنّ التعيين بيد المشتري حينئذ وله أن يعيّن العشر من هذا الطرف أو من الطرف الآخر ، فإذا أكل ما في أحد الطرفين أو أتلفها بغير الأكل فمعناه أنّه لا يعيّن ذلك للبائع ولابدّ من أن يعيّنه في المقدار الباقي ، وهذا الذي ذكرناه هو المتفاهم بين الناس من مثل الوصية بالثلث والاستثناء من المبيع بل عليه المدار عند العقلاء فإذا لم يسلّم جميع التركة للورثة أو جميع الأثمار للمشتري فلا يلزمون الورثة أو المشتري بدفع ثلث جميع التركة أو ثلث جميع الثمرة الذي ربما يستغرق ما سلّم للمشتري أو الورثة كما إذا لم يسلّم لهما أزيد من ثلث التركة أو الثمرة ، فاجباره على إعطائه للموصى له أو البائع كما ترى ، فما ذكرناه في الوصية قطعيّ وفي البيع والاستثناء أيضاً كذلك حسب المتعارف بينهم .

ــ[420]ــ

ولعلّ ما ذكرناه في المقام هو المراد من عبارة شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) حيث قال : المتبادر من الكلّي المستثنى هو الكلّي الشائع فيما يسلم للمشتري لا مطلق الموجود وقت البيع(1) فلو كانت العبارة : الكسر الكلّي فيما يسلّم للمشتري لكان عين ما أشرنا إليه آنفاً . فالمتحصّل من جميع ذلك : أنّ المستثنى إنّما هو كسر غير مشاع لا أنّه هو الأرطال بنفسها بل هي بما أنّها مرآة إلى الكسر الكلّي . ثمّ لا يخفى أنّ الكسر إنّما يضاف إلى مجموع الأثمار فيقال إنّ عُشر الأثمار للمالك ، هذا كلّه فيما ذكرناه آنفاً من تصوير المستثنى في المقام .

ويمكن تصوير المطلب بنحو آخر وهو أن يقال : إنّ المستثنى هو الكسر الكلّي ولكن لا بالاضافة إلى مجموع الثمرة بل بالاضافة إلى كل حصّة حصّة ، فمثلا إنّ العشر المستثنى لا يضاف إلى مجموع الثمرة بأن يكون المالك مالكاً لعشر مجموعها بل المستثنى هو العشر في كلّ عشرة عشرة بأن يكون البائع مالكاً في كلّ عشرة لواحد منها وهذا وإن كان في النتيجة مشتركاً مع الوجه السابق كما هو ظاهر إلاّ أنّ بينهما فرقاً آخر كما سيظهر عن قريب إن شاء الله تعالى ، وبهذا أيضاً يندفع محذور أنّ التالف كيف يحسب عليهما ، والوجه في الإندفاع أنّ الثمرة حينئذ إن كانت عشرين رطلا مثلا فللبائع من كلّ عشرة أرطال رطل فإذا تلفت عشرة أرطال فقد تلف من البائع رطل ومن المشتري تسعة أرطال ، ومعنى هذا ورود النقص على كليهما ويبقى للبائع رطل من الأرطال العشرة الموجودة ، هذا .

ولكن الفرق بينه وبين الوجه السابق يظهر في أنّ هذا الوجه الأخير وإن أوجب اندفاع الإشكال في احتساب التلف عليهما إلاّ أنّه مورد للإشكال من الجهتين المتقدّمتين : إحداهما أنّ البائع إذا ملك عُشراً في كلّ عشرة فكيف يسوغ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 4 : 266 .

 
 

ــ[421]ــ

للمشتري أن يتصرف في مجموع العشرة مع العلم بأنّ أحدها لغيره ، وثانيتهما : أنّ مقتضى كون المالك مستحقّاً للواحد في كلّ عشرة وفرضنا أنّ بعض العشرات أتلفه المشتري بأكله ونحوه فلماذا يحتسب حقّ المالك في الباقي ، مثلا إذا أتلف نصفها فلماذا يوجبون إخراج حقّ المالك من الباقي لأنّه يستلزم حينئذ أن يكون مالكاً للاثنين في كلّ عشرة من العشرات الباقية ، إذ الفرض أنّ نصف تلك العشرات تلف من جهة المشتري فيصير حقّه الثابت في التالف محسوباً من العشرات الباقية .

وهذان الإشكالان لا يردان على الوجه الأول ويمكن الجواب عنهما بأنّ ذلك من جهة الاشتراط في العقد بحسب الارتكاز العقلائي حيث إنّهم يرون التولية في تبديل حقّ المالك وتعويضه بشيء آخر بيد المشتري ، فله أن يتصرف في حصّة المالك في هذه العشرة ويعوّض عنها من العشرة الثانية كما ثبت ذلك في الخمس والزكاة بالنصّ(1) حيث ورد أنّ المالك له تبديل الخمس والزكاة بالدرهم أو الدينار ، بل ذهب بعضهم إلى جواز تبديلهما بكلّ شيء أراد المالك ، وعليه فيندفع الإيرادان عن الوجه الثاني ، هذا ما تحصّل لنا في هذه المسألة .
ـــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 167 / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب14 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net