معنى الافتراق المسقط للخيار - ما يحصل به الافتراق 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4789


واُخرى يقع الكلام في معنى الافتراق الموجب لسقوط الخيار ، وهذا هو المقصود بالبحث في المقام فنقول : إنّ الأقوال في المسألة ثلاثة على ما يظهر من كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1).

الأول : أنّ المعتبر في الافتراق الموجب لسقوط الخيار هو حصول الافتراق ولو بأدنى مراتبه كالتفرّق بشعرة أو بشبر ونحوهما لصدق التفرّق عليه عقلا ، وهو موضوع الحكم بسقوط الخيار . وهذا هو الذي اختاره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وذكر أنّ المتبايعين إذا كانا جالسين في سفينتين وفرضناهما سائرتين فحصل الافتراق بينهما بأدنى مراتبه فهو يوجب سقوط الخيار .

الثاني : ما ذهب إليه بعضهم تبعاً لتمثيل كثير من الأصحاب من أنّ الافتراق المسقط للخيار هو ما يكون بمقدار خطوة ، فالافتراق بمقدار أقل لا يوجب سقوط الخيار . وهذا القول لم يعرف له دليل ، إذ لم يرد تحديد الافتراق بمقدار الخطوة في شيء من الأخبار ، ومعه لا يمكن الالتزام به لوضوح أنه كالتحديد في السفر الموجب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 66 فما بعدها .

ــ[119]ــ

للقصر بأربعة فراسخ ذاهباً وجائياً ، والتحديد في الكر والتحديد في الزكاة أعني مقدار النصاب يتوقف على دليل لا محالة وهو مفقود في المقام .

الثالث : ما ذكره بعضهم من أنّ الافتراق إنما يوجب سقوط الخيار فيما إذا صدق عليه الافتراق عرفاً ، وهو إنّما يتحقّق فيما إذا تفرّق عن الآخر بقصد الاعراض عن المجلس ، وأمّا مجرد الافتراق ولو بقصد أمر آخر بخطوة أو أكثر فضلا عن الافتراق بمقدار شبر أو شعرة فلا يصدق عليه الافتراق عرفاً .

وهذا الوجه هو الصحيح ، وذلك لأنّ المراد بالافتراق في الروايات ليس هو الافتراق في مقابل الاتّصال ، لأنّ المتبايعين لا يكونان متّصلين متلاصقين حال المعاملة بحسب العادة والغالب ، إذ لا أقل من أن يكون بينهما فاصل بمقدار شبر أو أكثر ، فالافتراق الدقّي العقلي حاصل من الابتداء ولا معنى للافتراق بعد ذلك لأنّه من تحصيل الحاصل المحال(1) بل المراد بالتفرّق افتراق أحدهما عن مكان المعاملة عرفاً ، لما عرفت من أنّ الافتراق العقلي حاصل بنفسه والافتراق عرفاً إنما يصدق فيما إذا تفرّق أحدهما عن الآخر بقصد الاعراض عن المجلس ، وأمّا الافتراق بخطوة أو بشبر بل بخطوتين أو أكثر فهو وإن كان افتراقاً حقيقة إلاّ أنّ العرف لا يراه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ولا يخفى أنّ عدم إمكان إرادة الافتراق العقلي لا يقتضي إرادة الافتراق العرفي لعدم انحصار الأمر بهما ، لصحة إرادة الافتراق العقلي عمّا بينهما من البعد حال المعاملة ، فإذا فرضنا بُعدهما حال المعاملة بشبر فالافتراق عن هذا المقدار ولو بابرة يوجب سقوط الخيار ومع هذا لا تصل النوبة إلى إرادة المعنى العرفي هذا ، مضافاً إلى أنه (دام ظلّه) إنّما اعتبر الافتراق عن مكان المعاملة والافتراق عن مكانها عقلا أمر ممكن ، ومعه لا وجه لحمله على المعنى العرفي مع وضوح أنّ تطبيق المفاهيم على مصاديقها بيد العقل  ، ولا مجال للنظر العرفي في التطبيقات بعد وضوح مفهوم الافتراق .

ــ[120]ــ

افتراقاً ، فلذا لو قام أحدهما عن مجلس البيع لأجل شرب الماء ونحوه فلا يصدق عليه الافتراق عرفاً ، فما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ الافتراق العقلي يكفي في سقوط الخيار ولو كان بمقدار إبرة فهو وإن كان متيناً إلاّ أنّه إنما يتم فيما إذا اُريد بالافتراق الافتراق عقلا ودقّة ، وقد عرفت أنّ المراد منه هو الافتراق العرفي  ، ولا معنى لارادة الافتراق العقلي لأنه من قبيل تحصيل الحاصل المحال ، فعليه فالخيار إنّما يسقط فيما إذا حصل الافتراق بينهما عرفاً .

إلاّ أنه ورد في المقام رواية وقد دلّت على أنّ التفرقة خطىً توجب سقوط الخيار ، وهي ما عن أبي جعفر (عليه السلام) من أنه (عليه السلام) قال : فلمّا استوجبتها قمت فمشيت خطاً ليجب البيع(1) ومنها يظهر أنّ التفرقة بمقدار خطىً كافية في سقوط الخيار ، ولولا هذه الرواية لما قلنا بكفاية الخطى في سقوط الخيار ما لم يصدق عليه الافتراق بحسب النظر العرفي وذلك ظاهر .

ثمّ إنّ الافتراق سواء كان أمراً وجودياً أو أمراً عدمياً تارةً يحصل بافتراق كل واحد من المتبايعين عن الآخر كما إذا افترق كل واحد منهما عن الآخر ومشى إلى طرف ، واُخرى يحصل الافتراق بينهما بفعل أحدهما كما إذا كان أحدهما جالساً والآخر تباعد عنه ومشى ، وفي هذه الصورة أيضاً تارة يكون سكون الجالس مع الالتفات إلى مشي الآخر وتحركه ، واُخرى يكون بلا التفاته ولا إرادته ، وكيف كان فالافتراق أمر إذا اتّصف به أحدهما فلا محالة يتّصف به الآخر ، فإذا صدق أنّ زيداً افترق عن عمرو فيصدق أنّ عمراً أيضاً افترق عن زيد نظير الاتّصال والانفصال والقرب والبعد ، فلا يعقل أن يتّصف بها أحدهما دون الآخر ، فلا معنى لأن يقال إنّ زيداً متّصل بعمرو ولكنّ عمراً غير متّصل بزيد ، أو أنه متفرّق عن رفيقه وهو غير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 8 / أبواب الخيار ب2 ح2 (مع اختلاف يسير) .

 
 

ــ[121]ــ

متفرّق عن زيد .

نعم ، تارة يكون اتّصاف أحدهما بهذه الصفة اختيارياً له كما إذا كان ملتفتاً إلى مشي الآخر ولم يمش معه ، واُخرى يتّصف بها بلا إرادته ولا اختياره كما إذا كان غافلا عن حركة الآخر وغير ملتفت إليها ، أو كان مكرهاً على عدم الحركة كما إذا أوعده بالقتل على تقدير حركته ، وعلى أي حال يتّصف بالافتراق فلا معنى لاتّصاف أحدهما بالافتراق دون الآخر .

فما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) من أنّ ذات الافتراق من المتحرّك واتّصافها بكونها افتراقاً من الساكن ، ممّا لم نفهم له معنى محصّلا ، لما عرفت من أنّ الافتراق نظير غيره من الاتّصال والاقتران نسبته إليهما على حدّ سواء ، فكما أنّ المتحرك أوجد الافتراق بحركته واتّصف به فكذلك الجالس بسكونه قد أوجد الافتراق فاتّصف به ، فما معنى أنّ ذات الافتراق من أحدهما ووصف الافتراق من الساكن . نعم هناك كلام في أنه إذا تحرك أحدهما وتفرّق عن الآخر بلا التفات الساكن وإرادته هل يسقط خيارهما معاً ، أو يسقط خيار المتحرك لتفرّقه باختياره ولا يسقط خيار الساكن لعدم اختياره ، أو أنّه لا يسقط شيء من الخيارين ؟ وربما يقال إنّ خيار الساكن لا وجه لسقوطه لعدم اختياره من جهة أنّ أحدهما إذا اُكره على التفرّق وترك التخاير لا يسقط خياره ، إلاّ أنّه أمر آخر لا ربط له باتّصاف المتبايعين بالافتراق .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 67 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net