6 ـ ردّ الثمن إلى الوكيل أو الولي 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4609


الأمر السادس

لا إشكال في أنه إذا اشترط في بيع الخيار ردّ الثمن إلى نفس المشتري فلا يجوز ردّه إلى من يقوم مقامه من الولي أو الوكيل أو الحاكم ، ولا يثبت به شرط الفسخ الذي هو ردّ الثمن إلى نفس المشتري ، فإذا فرضنا أنّ المشتري غائب أو مجنون أو ميت فلا محالة يسقط خيار البائع بمعنى أنه لا يتمكّن من الفسخ لعدم قدرته على شرطه وهو ردّ الثمن إلى نفس المشتري حسب الاشتراط ، كما أنه إذا اشترط ردّه إلى الأعم منه وممّن يقوم مقامه أو من الأجنبي يجوز ردّه إليه وإلى من يقوم مقامه بل إلى الأجنبي ، ويتمكن بذلك من الفسخ لحصول شرطه ، والوجه في ذلك : أنّ هذا الخيار جعلي ويتبع جعل المتعاقدين واشتراطهما كما هو ظاهر ولا كلام فيه .

وإنما الإشكال فيما إذا أطلقا ولم يشترطا ردّه إلى نفس المشتري ولا إلى الأعم منه وممّن يقوم مقامه ، فهل يحصل الشرط حينئذ بردّه إلى الولي أو الوكيل أو الحاكم عند عدم التمكّن من ردّه إلى نفسه ، أو أنّ الشرط لا يحصل بذلك بل لابدّ فيه من ردّه

ــ[242]ــ

إلى نفس المشتري ، نقل شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) حصوله بردّ الثمن إلى الحاكم عن المحقّق القمّي (قدّس سرّه) في أجوبة مسائله كما نقل عدمه عن السيد صاحب المناهل في كتابه ، ونقل أيضاً عن صاحب الحدائق كلاماً واستغربه ، وهو كذلك ، وذلك لأنه (قدّس سرّه) بعد ما نقل أنّ المشهور عدم اعتبار حضور الطرف في فسخ ذي الخيار وعدم اعتبار الاشهاد على فسخه ، ذكر أنّ ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري في فسخ البائع بعد دفع الثمن إليه أي إلى المشتري ، ثم ذكر أنّ ما ذهب إليه الأصحاب من جواز الفسخ مع عدم حضور المشتري وجعل الثمن أمانة إلى أن يجيء المشتري وإن كان ظاهرهم الاتّفاق عليه ، إلاّ أنه بعيد عن مساق الأخبار المذكورة ، هذا .

والوجه في الاستغراب أنّ في المقام مسألتين :

إحداهما : أنه هل يشترط في نفوذ الفسخ في مقام الثبوت حضور الطرف الآخر أو الاشهاد على فسخه بحيث لولا أحدهما لما يكون الفسخ نافذاً حتى عند الفاسخ العالم بفسخه ، أو لا يشترط في نفوذه أحدهما وإن كان يلزم في مقام الترافع والاثبات إثبات مدّعي الفسخ فسخه ببيّنة أو بحلف ، إذ مقتضى الأصل عدمه إلاّ أنه في مقام الثبوت غير مشروط بأحد الأمرين بحيث لولا أحدهما لما نفذ فسخه حتى عند نفس الفاسخ ؟ وهذه المسألة هي التي تعرّض إليها الأصحاب وذكروا أنّ حضور الطرف لا يشترط في فسخ ذي الخيار في مقابل العامة(2) حيث ذهبوا إلى الاشتراط .

وثانيتهما : أنه هل يشترط في التمكن من الفسخ في بيع الخيار ردّ الثمن إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 142 .

(2) بدائع الصنائع 5 : 273 ، تحفة الفقهاء 2 : 79 ، المبسوط 13 : 44 .

ــ[243]ــ

نفس المشتري أو لا ؟ ومن الظاهر أنّ اشتراط الحضور في الفسخ على تقدير القول به لا يلازم اشتراط حضوره في الردّ أي في ردّ الثمن ، لأنّ أحدهما غير الآخر والأخبار لو دلّت فإنما تدل على اعتبار الحضور في الفسخ وأين هذا من اشتراطه في ردّ الثمن ، وهذه المسألة كما ذكرها شيخنا الأنصاري(1) غير منقّحة في كلامهم ، بل ذكر (قدّس سرّه) أنه لم يجد فيما رآه من تعرّض لحكم ردّ الثمن مع غيبة المشتري في هذا الخيار ولم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن أمانة عند البائع حتى يحضر المشتري ومع هذا الوصف كيف يصح دعوى الاتّفاق من الأصحاب على جوازه ، ثم ردّه بأنه بعيد عن مساق الأخبار .

وكيف كان ، فلم ترد في هذه المسألة رواية حتى يستفاد منها جواز الردّ إلى من يقوم مقام المشتري أو عدمه ، فلابدّ في استفادة أحد الأمرين من المراجعة إلى أنّ مثله عند العرف ظاهر في أي شيء حتى يكون ذلك قرينة عرفية على أحدهما فنقول : الظاهر أنه لا موضوعية لخصوص البائع أو المشتري في بيع الخيار ، بل الغرض والمناط عند العرف في مثله هو وصول الثمن إلى المشتري وتمكنه منه ووصول المبيع إلى بائعه ، سواء كان الراد هو نفس البائع أو ورثته ، كما إذا مات البائع وأراد ورثته ردّ ثمن المبيع إلى المشتري فليس عند العرف حق المخالفة بدعوى أنّ المعاملة إنما تحقّقت مع البائع لا مع ورثته ، بل يرون الورثه متمكّنين من فسخ البيع بعد ردّ ثمنه إلى المشتري ، وليس هذا من جهة إرث الخيار لأنّ ذلك لو كان من ناحية انتقال الخيار إلى الورثة لما كان هذا منافياً لعدم تمكّنهم من الفسخ من جهة عدم القدرة على شرطه الذي هو ردّ الثمن ، والمفروض أنّ المنتقل هو الخيار دون شرطه كما هو ظاهر ، بل من جهة عدم خصوصية البائع في ردّ الثمن إلى المشتري ، كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 142 .

ــ[244]ــ

أنّ المشتري لا موضوعية له في هذا الخيار فلو دفع الثمن إلى ورثته كفى ذلك عند العرف في ثبوت حق استرجاع المبيع ، ولا يمنعونه عن استرجاعه بدعوى أنّ طرف المعاملة هو المشتري والمفروض عدمه ، وكذلك من يقوم مقامه من الحاكم ونحوه ، إذ لا موضوعية لخصوص البائع والمشتري في ذلك حسب المتفاهم العرفي من مثل بيع الخيار ، وعليه فلا ينبغي الشك في جواز ردّ الثمن إلى من يقوم مقامه عند غيبته وبذلك يصير البائع متمكّناً من الفسخ ما لم يصرّحوا باشتراط ردّه إلى خصوص المشتري ، هذا .

بقي الكلام في شيء وهو أنّه إذا اشترى الأب للطفل شيئاً ببيع الخيار من باب ولايته عليه وكون البيع بخيار مصلحة له حتى يصح بيعه ، فهل البائع يتمكن من ردّ الثمن إلى جدّه وبه يفسخ المعاملة لأنه أيضاً وليّه ، أو اشتراه جدّه والبائع أراد ردّ الثمن إلى أبيه لأنه أيضاً ولي للطفل ، أو أنّ اللازم ردّه إلى خصوص المتصدّي للبيع بخيار دون غيره ؟ ونظيره ما لو اشترى الحاكم لصغير شيئاً ببيع الخيار والبائع دفع الثمن إلى حاكم شرعي آخر فهل يتمكن بذلك من الفسخ ؟

احتمل شيخنا الأنصاري(1) جواز دفعه إلى حاكم آخر لأنه أيضاً ولي ، ولا مزاحمة في ذلك للحاكم الأوّل في شيء ، نعم يجب على الثاني ردّ الثمن إلى الأول لئلاّ تتحقّق المزاحمة ، ثم احتمل عدم وجوب الدفع إلى الحاكم الأول بدعوى أنّ هذا ملك جديد لم يتصرف فيه الحاكم الأوّل حتى لا يجوز مزاحمته فيه ، بل هو ملك جديد حصل بالردّ من غير سبق التصرف فيه من حاكم آخر ، ثم احتمل أخيراً أنّها مزاحمة عرفية للحاكم الأوّل فيجب عليه أن يدفعه إلى الحاكم الأوّل ، هذا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 144 .

ــ[245]ــ

ولا يخفى عليك أنّا ذكرنا في بحث الولاية(1) أنّ ولاية الحاكم لم تثبت بدليل لفظي حتى نتمسك باطلاقها كما نثبت ولاية الأب والجدّ بالروايات وللتمسك باطلاقها مجال ، وبه نقول بجواز ردّ الثمن إلى الأب عند اشتراء الجدّ أو إلى الجدّ عند اشتراء الأب لأنّهما وليّان للطفل مطلقاً ، وأمّا الحاكم فلم يدل على ولايته دليل حتى يصح التمسك باطلاقه ، بل إنّما قلنا بولايته من باب الحسبة أي القطع بعدم رضا الشارع بذهاب مال الصغير أو نفسه هدراً أو بتلفه بلا موجب ، وأنّ الشارع راض بالتصرف في أمواله حفظاً له أو لماله عن الضياع والتلف ، والمقدار المتيقّن ممن يجوز له التصرف في أموال الأطفال من باب الحسبة هو الحاكم ، وذلك لعدم احتمال كون العدالة مانعة عن القيام بتلك الوظيفة وعن جواز التصرف في مال الطفل بأن يكون الفسق شرطاً في جواز التصرف في مال الطفل ، كما لا نحتمل مانعية العلم عن ذلك بأن يقال باعتبار الجهل في المتصرف ، وعليه فالأمر يدور بين تعيّن الحاكم الشرعي أي العالم العادل في التصرف في أموال الأطفال وبين غيره من المؤمنين ، ولا إشكال أنّ الحاكم متعيّن .

وكيف كان ، فالأخذ بالحاكم وإثبات ولايته من باب الحسبة والأخذ بالمقدار المتيقّن كما ذكرناه في بحث الولاية ، وعليه فنقول : إذا قام بهذه الوظيفة أحد الحاكمين وباع أو اشترى للطفل مع مراعاة الغبطة والصلاح ، فبأيّ دليل تبقى الولاية للحاكم الثاني حينئذ حتى يجوز له أخذ الثمن أو نحوه ، لما عرفت من أنّ ولايته من جهة الأخذ بالمقدار المتيقن والحاكم الثاني ليس من القدر المتيقن بعد تصرفات الحاكم الأوّل ، وعليه فليس جواز ردّ الثمن إلى الحاكم الثاني أو عدمه مبنيّاً على مسألة المزاحمة وعدمها ، بل من جهة عدم المقتضي وعدم ولاية الحاكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع المجلد الثاني من هذا الكتاب مبحث الولاية الصفحة 175 .

ــ[246]ــ

الثاني .

وبالجملة : فنفصّل في المقام بين الأب والجد وبين الحاكمين ، ونلتزم بجواز ردّ الثمن إلى الأب عند مباشرة الجد وبالعكس في العكس ، بخلاف الحاكمين فإنّ الردّ إلى الحاكم الثاني غير مجوّز للفسخ لعدم ولايته حسب الفرض .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net