7 ـ ردّ البائع بعض الثمن 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4854


الأمر السابع

تارةً يشترط في بيع الخيار ردّ الثمن بأجمعه وعليه فلو ردّ بعضه فلا يتمكن من الفسخ لعدم حصول شرطه ، ولا يجوز للمشتري أن يتصرف في ذلك البعض المدفوع لأنه باق على ملك البائع ولم ينتقل بعد إليه ، فتصرفاته فيها تصرف في ملك الغير بلا إذنه وهو حرام ، والظاهر أنّ ذلك ممّا لا ينبغي الاشكال فيه .

وإن ناقش فيه بعضهم بأنّ الحق بينهما فإذا رضي البائع برجوع البعض المدفوع إلى ملك المشتري ورضي به المشتري أيضاً بتصرفاته فيه فيكون ذلك إقالة واستقالة فلا تكون تصرفات المشتري فيه محرّمة .

ويدفعه : أنّ دفع البعض ليس على وجه التمليك للمشتري بل إنما يدفعه إليه حتى يفسخ المعاملة بعد ذلك بردّ جميع الثمن ، ولربما لا يفسخ بعد ذلك أيضاً لبعض المصالح بنظره ، وكيف كان فليس دفع البعض من باب الاستقالة والفسخ الفعلي
وعليه فلا يكون ذلك منتقلا إلى المشتري لبقائه على ملك البائع ، والظاهر أنّ ما ذكرناه مما لا إشكال فيه .

ثم إنه إذا فرضنا أنّ البعض المدفوع تلف عند المشتري بغير تفريط فهل يضمنه المشتري أو لا ؟ ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أنّ المشتري يضمنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 145 .

ــ[247]ــ

لأنّ البائع دفعه إليه على وجه الثمنية فلا محالة يكون تلفه على المشتري ، هذا .

والظاهر أنّ المشتري لا يضمن البعض المدفوع بوجه ، لأنه عنده أمانة مالكية ، وأما ما أفاده (قدّس سرّه) من أن دفع البعض على وجه الثمنية فلم يظهر أنه ماذا أراد بهذا الكلام ، فإن أراد أنّ دفع بعض الثمن على وجه الفسخ ولو بالاضافة إلى مقدار المدفوع ، ففيه : أنه خلف الفرض ، إذ المفروض أنّ الخيار مشروط بردّ جميع الثمن . وإن أراد أنّ دفعه على وجه أنه من الثمن حتى يتمكن من الفسخ بعد إكماله ، فمعناه أنه أمانة مالكية عند المشتري والأمين لا يضمن ، وبالجملة فلا نتصوّر غير الأمانة المالكية في المقام ولا ضمان في مثلها .

ولا يقاس المقام بالمقبوض للسوم فإنّا وإن قلنا فيه بالضمان وفاقاً للمشهور إلاّ أنه من جهة أنّ الأخذ لأجل صلاح المشتري ، وأمّا في المقام فليس قبض البعض المدفوع مصلحة للمشتري بل هو على صلاح البائع ، لأنّ الغالب في بيع الخيار عدم رضا المشتري بالفسخ لأنّ ثمنه أقل من ثمن مثله غالباً والفسخ إنما هو على مصلحة البائع ، فمع كون دفعه لأجل صلاح نفسه فلا وجه لضمان المشتري له على تقدير تلفه بلا تفريط .

واُخرى يشترط البائع الفسخ عند دفع بعض الثمن بحسب نسبة المدفوع إلى الثمن ، فإن كان بالنصف فيفسخ المعاملة في نصفها ، وإن كان بالربع فيفسخ ربعها وهكذا ، وهذا أيضاً شرط صحيح لا محذور فيه ، وذلك لما أشرنا إليه سابقاً من أنّ هذا الخيار أمر جعلي للمتعاقدين وليس أمراً ثابتاً بأصل الشرع ، وقد ذكرنا أنّ صحة جعل الخيار واشتراطه في المعاملات على طبق القاعدة ولم نستند في صحته إلى الروايات الواردة في بيع الخيار حتى يقال كما قيل إنّ الروايات إنما اشتملت على جواز فسخ المعاملة عند دفع جميع الثمن دون بعضه ، فلا يصح اشتراط جواز الفسخ عند ردّ بعض الثمن ، كما منعنا عن ذلك في خياري المجلس والحيوان وقلنا إنّ فسخ

ــ[248]ــ

نصف البيع فيهما باطل وإنما نثبت بالأخبار فسخ تمام البيع أو إمضاء جميعه ، وأمّا فسخ بعضه دون بعض فلم تشتمل عليه الأخبار ، ولكن في بيع الخيار بما أنّا لم نستند إلى الأخبار بل قلنا إنّ صحته من جهة القاعدة الأوّلية بحيث كنّا حكمنا بصحته ولو لم تكن في البين رواية أصلا ، فلا محالة نقول بصحة اشتراط الخيار في فسخ نصف المبيع أو ربعه أو غيرهما ، لأنه على وفق القاعدة الأوّلية وقوله (عليه السلام) «  المؤمنون عند شروطهم »(1) وهذا ظاهر .

ثم ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) أنّ للمشتري خيار تبعّض الصفقة إذا لم يفسخ البائع بقية المبيع وخرجت المدة هذا ، ولكنّا كلّما تأمّلنا في هذا المقام لم نتعقّل خيار تبعّض الصفقة فيما إذا لم يفسخ البائع بقية المبيع إلى أن انقضت المدة ، وذلك لأنّ اشتراط الفسخ عند دفع بعض الثمن بنسبة المدفوع إلى الجميع يتصوّر على وجوه :

أحدها : أن يشترط الخيار في فسخ جميع المبيع إلاّ أنّ فسخه يكون تدريجياً بأن يفسخ من المبيع بمقدار ما يدفعه من الثمن حتى ينتهي الثمن بانقضاء المدة إرفاقاً للبائع ، لعدم تمكّنه من دفع الثمن بأجمعه مرّة واحدة ، وفي هذه الصورة إذا فسخ مقداراً من المبيع بدفع مقدار من الثمن ولكن انقضت المدة قبل أن ينتهي الثمن ففي مثل ذلك يحكم بعدم خيار البائع لعدم وقوع فسخ الجميع في خلال المدة المشروط فيها فسخ تمام المبيع ، وهذا نظير إبطال الصلاة في التشهّد الأخير ونظير إبطال الصوم بآن قبل الغروب ، فإنّ عدم تحقق الفسخ في جزء من أجزاء المبيع في أثناء المدة يكشف عن عدم تحقق الفسخ من الابتداء ، لأنّ المقام نظير الواجب الارتباطي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 276 / أبواب المهور ب20 ح4 .

(2) المكاسب 5 : 145 .

ــ[249]ــ

فلو أخلّ بجزء يسير منه فلا محالة يكشف ذلك عن عدم تحقق شيء من أجزاء الواجب أصلا ، وأنّ ما وقع في الخارج ليس من أجزاء الواجب لانتفاء بعض أجزائه ، وفي هذه الصورة لا خيار له أصلا ويكشف عدم تحقق الفسخ في بعض أجزاء المبيع عن عدم تحققه في شيء من أجزائه من الابتداء .

وثانيها : أن يشترط الخيار في فسخ كل جزء دفع ثمنه إليه من دون أن يكون الخيار في فسخ هذا الجزء مربوطاً بالخيار في فسخ سائر الأجزاء أبداً ، فكأنها معاملات متعددة حسب تعدد الأجزاء بشرط الخيار في كل واحد منها ، حيث إنّ خياره في كل واحد من المعاملات غير مربوط بخياره في المعاملة الاُخرى وهذا ظاهر ، وعليه فإذا فسخ البائع في جزء من أجزاء المبيع ولم يفسخ في غيره فهذا لا يوجب خيار تبعّض الصفقة ، لأنّ هذا الخيار إنما يثبت بالاشتراط الارتكازي حيث إنّ ظاهر اشتراء شيء اشتراؤه بجميع أجزائه وبشرط اتّصال أحد أجزائه بالآخر ، فعند انتفاء ذلك يثبت للمشتري خيار تبعّض الصفقة ، وأمّا إذا أقدم المشتري على تبعّض الصفقة من الابتداء حيث اشترط عليه البائع الفسخ في جزء معيّن أو جزء غير معيّن من المبيع وقد رضي به المشتري ، فمعناه أنه أقدم على تبعّض صفقته ، فإذا أعمل البائع خياره في الجزء المعيّن أو غير المعيّن فهذا لا يوجب تبعّض الصفقة بوجه .

مثلا ربما يبيع البائع للمشتري شاة منضمة إلى شاة ثانية بلا اشتراط الفسخ في البين ، وفي مثله إذا فسخ البيع في إحدى الشاتين أو تبيّن بطلان المعاملة بالاضافة إليها لكونها ملك الغير ، فلا محالة يثبت للمشتري الخيار لتبعّض الصفقة عليه ، لأنّ ظاهر شراء مجموع الشاتين أنه يشتريهما بوصف الاجتماع ، والمفروض عدم وصوله إليه بوصف الاجتماع فيثبت له الخيار .

ــ[250]ــ

واُخرى يبيع البائع للمشتري شاتين ويشترط لنفسه الخيار في فسخ بيع إحداهما ، فإذا أراد فسخ بيعها بعد ذلك أو تبيّن بطلان المعاملة بالاضافة إليها فهذا لا يوجب خيار تبعّض الصفقة على المشتري لأنه بنفسه أقدم عليه وألغى اشتراطه الارتكازي .

وثالثة : يشترط الخيار في فسخ كل واحد من الأجزاء بحيث يكون فسخ بعضها غير مربوط بفسخ الآخر أبداً فكأنّها معاملات قد اشترط فيها الخيار ، فإنّ الخيار في بعض تلك المعاملات لا ربط له بالخيار في المعاملة الاُخرى ، إلاّ أنه يشترط عليه فسخ سائر الأجزاء أيضاً على تقدير فسخ بعضها ، فيرجع اشتراطه إلى شرط فسخ تمام المبيع إذا فسخ البيع في بعض أجزائه ، وفي مثله إذا فسخ البائع في بعض أجزاء المبيع ولم يفسخه في تمامه فيثبت للمشتري خيار تخلّف الشرط ، فيأمر البائع بفسخ الجميع فإن فسخه فهو وإلاّ جاز للمشتري فسخ الجميع .

وبالجملة : أنّ مرجع هذا الاشتراط إلى اشتراط إخراج سائر الأجزاء أيضاً عن ملكه على تقدير إخراج بعض الأجزاء ، وفي هذه الصورة يثبت للمشتري خيار تخلّف الشرط كما ذكرناه فأين خيار تبعّض الصفقة في المقام ، ولا ندري أنه ما إذا أراد به شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) .

والعجب أنه ذهب إلى ثبوت خيار تبعّض الصفقة فيما إذا لم يفسخ البائع بقية المبيع قبل خروج المدة أيضاً ، وذلك لأنّا لو صحّحنا ما أفاده (قدّس سرّه) بعد خروج المدة بارجاعه إلى ما ذكرناه من خيار تخلّف الشرط فلا نتمكن من تصحيح ذلك قبل خروجها ، إذ لا موجب فيه للخيار لعدم انقضاء المدّة على الفرض ، ولم نر من تعرّض لهذه الجملة من كلامه (قدّس سرّه) تصحيحاً ولا ردّاً ، ولعلّه أراد من ذلك ما لا تصل إليه أفهامنا .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net