إذا تغيّرت العين بالامتزاج أو بنقيصة أو بزيادة - لو اتّفق زوال المانع عن الردّ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الثالث : الخيارات-1   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4139


أمّا التغيّر بالامتزاج فالبحث فيه يقع في مقامين : أحدهما في أنّ المزج والامتزاج هل يمنعان عن الفسخ ويسقطان الخيار أو لا ؟ وقد ظهر حكم ذلك مما قدّمناه فإنّ التصرف المخرج عن الملك لا يسقط الخيار فكذلك الامتزاج سواء كان بالمساوي أو بالأعلى أو بالأدنى ، وسواء امتزج بمال المشتري أو بمال غيره . ثانيهما  : أنّ المغبون إذا فسخ بعد الامتزاج هل يجب عليه ردّ نفس ملك الغابن إليه أو ردّ بدله ؟

فنقول : إنّ الامتزاج يوجب الشركة وفي الشركة قولان :

أحدهما : أنّ الشريكين كل منهما يملك كل نصف متصور في المال حسب انقساماته غير المتناهية على القول بعدم الجزء الذي لا يتجزّى ، فكل من الشريكين مستقل في المالكية ولا قصور فيه ، وإنما النقص والقصور في المال ، لأنّ المملوك لكل منهما هو نصفه لا جميعه استقلالا ، وكل واحد من المملوكين معلوم معيّن في علم الله تعالى وإن انضم أحدهما إلى الآخر ولا يتميّزان ، فالمالكان مستقلان والمملوك ناقص وغير مستقل لأنه نصف المال .

وثانيهما : أنّ الشريكين مالكان للمال ، فهو كما أنه ملك هذا الشريك ملك للشريك الآخر ، فالمملوك مستقل ولا نقص فيه وإنما المالك ناقص وغير مستقل لأنهما بما هما مالك واحد ومنزّلان منزلة شخص فارد طرف للعلقة الملكية ، فكل منهما نصف المالك للمال ، والقول الأول هو المعروف .

وعلى كلا القولين الامتزاج يلحق بالنقل اللازم فيجب ردّ البدل ، وذلك لأنه إذا اشترى المغبون زيتاً فمزجه بزيت شخص آخر أو اشترى حنطة أو ماء فمزجهما بحنطة أو ماء شخص آخر ، فعلى الوجه الأول في باب الشركة ينتقل نصف زيت

ــ[358]ــ

المغبون إلى ملك مالك الزيت الآخر بازاء نصف زيت ذلك المالك ، لأنه ينتقل إلى ملك المغبون حينئذ ، فيكون كل واحد منهما مالكاً مستقلا لنصف مجموع المالين إذ لولا انتقال نصف ملك المغبون إلى ملك صاحب الزيت وبالعكس لما حصلت الشركة ، ولا معنى للشركة الظاهرية كما ذكره في العروة(1) بأن يقال ببقاء كل من الزيتين في ملك مالكهما بلا نقل وانتقال من أحدهما إلى الآخر ، فإنّ معنى ذلك عدم حصول الشركة فلا تغفل .

وعليه فإذا فسخ المغبون فلا يتمكن من إرجاع ملك الغابن إليه ، إذ المفروض أنّ نصفه قد انتقل إلى ملك شخص آخر بنقل لازم لأجل الشركة ، فمع عدم بقائه على ملكه لا يجوز للغابن أن يطالبه بعين ماله ، فلابدّ للمغبون من أن يردّ قيمة العين أو مثلها .

وأمّا على الوجه الثاني في باب الشركة فربما يتوهم بقاء المملوك على حاله إذ المفروض أنّ النقص إنما حصل في المالكين لا في المملوك فلا مانع من ردّه .

ولكن النظر الدقيق يقتضي خلافه ، وذلك لأنه بالأخرة يرجع إلى الوجه السابق فيكون ملك الغابن الذي هو منّ من الحنطة مثلا منّين بانضمامه إلى منّ من الحنطة لشخص آخر ، وذلك لأنّ الفرض أنّ مجموع المالين ملك لهذا الشريك وملك للشريك الثاني والنقص في طرف المالك دون المملوك . وبالجملة أنّ منّ الحنطة للمغبون قد زاد بالامتزاج وصار منّين ، وهذا المجموع أي المنّان ملك للمغبون كما أنه ملك لمالك المنّ الآخر ، فالنقص في طرف المالك فإنه بمنزلة نصف المالك لمجموع المنّين ، ونصفه الآخر هو الشريك الآخر ، ولا نقص في المملوك ، فإذا صار المنّ منّين فقد تغيّر ملك الغابن على نحو لا يمكن تميّزه عن غيره فلا يمكن ردّه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العروة الوثقى 2 : 475 .

ــ[359]ــ

فينتقل الأمر إلى بدله ، وهذا ظاهر .

وأمّا إذا تغيّر بالنقيصة كما إذا اشترى فرشاً فتعيب عنده بحرق أو خرق ، فإن رضي الغابن حينئذ بردّ ذلك الناقص إليه يجب على المغبون أن يدفع إليه نفس ملكه لأنّ وصف الصحة حقّه وله إسقاطه ولا يجوز له الاباء إلاّ عن دفع ماله خالياً عن العيب ، وأمّا إذا لم يرض به المالك فلا إشكال حينئذ في وجوب ردّ بدله إليه لتعذّر إرجاع ملك الغابن إليه كما أخذه .

وأمّا التغيّر بالزيادة العينية كما إذا اشترى عبداً صغيراً فكبر عنده وصار رجلا ، أو اشترى أشجاراً صغاراً فغرسها ثم كبرت في ملكه حتى صارت أشجاراً عظيمة ، فهو أيضاً لا يوجب سقوط الخيار ، إلاّ أنّ الغابن لا يتمكن من مطالبة عين ملكه لتغيّرها وعدم بقائها على حالتها الاُولى بل يجب على المغبون دفع بدلها إليه .

وأمّا التغيّر بالزيادة الحكمية كما إذا اشترى شيئاً ثم ترقّت قيمته السوقية أو ترقّت قيمته لحصول بعض الكمالات له كما إذا كان المبيع عبداً عاميّاً ثم صار عالماً عند المغبون بالخياطة أو بالبناية أو بالفقه ونحوها بلا حصول تغيّر وزيادة له في بدنه ، فهو كما عرفته لا يسقط الخيار ، إلاّ أنّ الغابن يتمكن حينئذ من مطالبة نفس ملكه لبقائه على حاله وعدم تغيّره عمّا كان عليه .

ثم يقع الكلام في مسألتين :

الاُولى : أنه إذا قلنا بسقوط الخيار بالتصرفات المخرجة عن الملك وتصرف فيه المغبون باخراجه عن ملكه ، فهل يسقط خياره بذلك مطلقاً حتى أنّ المال لو عاد إلى ملكه ثانياً بفسخ أو إرث أو هبة أو شراء لا يتمكن من الفسخ لسقوط خياره
أو أنّ سقوط خياره موقّت ومحدود إلى زمان عدم التمكن من ردّ العين والملك فإذا عاد إليه الملك بالفسخ أو الارث أو غيرهما فلا محالة يتمكن من الفسخ لبقاء خياره  .

ــ[360]ــ

الثانية : أنه هل يجب على المغبون أن يدفع العين بعد عودها إليه ثانياً إلى الغابن لأنها ملكه وإنما جاز ردّ بدلها من جهة عدم التمكن من ردّها ، فإذا تمكّن منه فلا محالة يجب عليه ردّها إلى مالكها وهو الغابن ، أو لا يجب عليه ردّها إليه لأنها خرجت عن ملكه بردّ بدلها فرجوعها إلى المغبون كانتقالها إلى شخص آخر ، إذ لا يفرق للغابن بين انتقالها إلى شخص آخر وانتقالها إلى المغبون ثانياً .

أمّا المسألة الاُولى : فقد عرفت عدم سقوط خياره بالتصرف المخرج عن الملك من الابتداء ، وعلى تقدير تسليم سقوطه باجماع أو شهرة ونحوهما فلا محالة نقتصر على المورد المتيقن وهو ما إذا لم يعد إلى المغبون ثانياً ، وأمّا إذا رجع الملك إليه بفسخ أو هبة ونحوهما فلا إجماع على سقوط خياره ، وهذا ظاهر .

والعمدة هي المسألة الثانية : فهل يجب على المغبون ردّ العين إلى الغابن بعد ما رجعت إليه ثانياً لأنها ملكه ، أو لا يجب عليه ردّها لأنه ملك جديد وهو كانتقاله إلى شخص ثالث سيّما مع ترتّب الأيادي وانتقالها إلى المغبون بعد اليد الثالثة ، أو يفصّل بين ما إذا كان ملك المغبون ثانياً من شؤون ملكه السابق فيجب عليه ردّها إلى الغابن لأنه كملكه السابق ، وهذا كما إذا باعه المغبون أوّلا ثم أزاله بالاقالة أو الفسخ الذي معناه إرجاع الملكية السابقة ، وما إذا كان ملكه ملكاً جديداً بسبب آخر غير السبب الأول ، وحينئذ فلا يجب عليه ردّها وهذا كما إذا انتقل إليه بهبة أو بيع أو إرث ونحوها ، لأنه حينئذ ملك جديد وهو كانتقاله إلى شخص آخر ؟

ربما تبنى المسألة على ما عن الشافعية(1) من أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد . وذكر شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) أنّ كلام الشافعية مطلب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) روضة الطالبين 3 : 136 ، 4 : 174 ، المجموع 12 : 301 ، 304 ، 307 .

(2) منية الطالب 3 : 137 .

 
 

ــ[361]ــ

علمي لم ينقله شيخنا الأنصاري لحسنه فلابدّ من تحقيقه وملخّص ما ذكره هو (قدّس سرّه) وأشار إليه شيخنا الأنصاري : هو التفصيل بين رجوعه إليه بفسخ أو إقالة ورجوعه إليه بأسباب جديدة كالارث والشراء ونحوهما ، فإنّ الملك عند الفسخ أو الاقالة كالذي لم يزل فإنه من شؤون ملكه السابق وليس بسبب جديد فكأنه لم يبع ولم يخرج عن ملكه من الابتداء ، وأما الملك الحاصل له بسبب جديد كالارث والهبة ونحوهما فهو كالذي لم يعد لأنه ملك آخر جديد غير مربوط بالملكية السابقة وسنشير إلى تفصيل ذلك عند التكلّم في تصرف الغابن ، هذا كلّه في تصرف المغبون  .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net