2 ـ التبرّي من العيوب - الاحتمالات فيما يضاف إلى التبرّي 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الرابع : الخيارات-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4680


الثاني من المسقطات : تبرّي البائع أو المشتري من العيوب ، والأصل في ذلك أوّلا : الاجماع كما استظهره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) وصرّح به غيره إلاّ أنّ مثل هذا الاجماع لا يمكن الاعتماد عليه لما مرّ غير مرّة من أنّ الاجماع مع

ـــــــــــــ
(2) المكاسب 5 : 320 .

ــ[219]ــ

وجود دليل آخر في المسألة لا يكشف عن رأي الإمام (عليه السلام) ولا يكون إجماعاً تعبّدياً فالاجماع ساقط .

وثانياً : ما تقدّم سابقاً من أنّ مدرك خيار العيب هو الشرط الضمني الذي يقتضيه الاطلاق فإذا صرّح بالبراءة من العيوب فيرتفع الاطلاق المقتضي للشرط الضمني لا محالة فلا يثبت له الخيار عند ظهور العيب في المبيع ، وقد سقط في نسخ المكاسب(1) الألف حيث فيه « فقد ارتفع لاطلاق الخ » مع أنه الاطلاق أي يرتفع الاطلاق بالتصريح بالبراءة ، وهكذا كتبه السيد في حاشيته(2) مع أنه لا معنى صحيح لقوله والأصل في الحكم بعد الاجماع إلى قوله لاطلاق صحيحة الخ بل الصحيح ما ذكرناه من سقوط الألف فتصير العبارة هكذا : والأصل في الحكم ـ إلى قوله ـ صحيحة زرارة ، وما قبله هو أنّ التصريح بالبراءة يرفع الاطلاق . وكيف كان فهذا الوجه إنما يتم فيما لو كان المعتمد في خيار العيب هو الشرط الضمني فقط ولكنّك عرفت أنّ المدرك فيه هو الاخبار .

وثالثاً : الأخبار كمعتبرة زرارة المتقدّمة فإنّها قد علّقت مضيّ العقد على إحداث الحدث ولكن في صورة عدم تبرّي البائع وعدم البيان ، ففي هاتين الصورتين لا يمضى عليه العقد إلاّ أن يحدث فيه حدثاً ، وإن لم يحدث حينئذ فلا يمضى عليه العقد ويكون خيارياً كما هو مفهوم قوله « فأحدث فيه حدثاً » إلى قوله «  يمضى عليه البيع » وأمّا في صورة تبرّي البائع أو البيان فالبيع ماض عليه سواء أحدث فيه أم لم يحدث ، لأنّ تعليق المضي على إحداث الحدث في صورة عدم التبرّي وعدم البيان لا معهما ، وعليه فلا مانع من التمسّك بهذه الرواية في إثبات أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ] لكنّه في المكاسب الطبعة الجديدة يوجد فيه الألف [ .

(2) لاحظ حاشية المكاسب (اليزدي) : 87 من مبحث الخيارات .

ــ[220]ــ

التبرّي مسقط للخيار وموجب لمضي العقد والبيع وإن لم يحدث فيه شيئاً .

ثم إنّه لا فرق في التبرّي المسقط للخيار بين التبرّي على نحو التفصيل والتبرّي عن العيوب على نحو الاجمال لاطلاق الرواية ، فلا فرق بين أن يقول : بعتك هذا العبد وتبرّأت عن عيب كذا حتى يثبت له الخيار فيما إذا ظهر فيه عيب آخر غير العيب الذي تبرّأ إليه ، وبين أن يقول : بعتك هذا العبد مع ما فيه من العيوب المعلومة وغير المعلومة حتى يسقط خيار العيب من طرف جميع العيوب .

كما لا يفرق في ذلك بين التبرّي من العيوب الظاهرية كالعمى ونحوه والتبرّي من العيوب الباطنية كسوء الخلق وكونه سارقاً ونحوهما لاطلاق الأخبار .

وكذا لا فرق في ذلك بين التبرّي من العيوب الموجودة حال العقد والتبرّي من العيوب المتجدّدة بعد العقد قبل القبض أو في زمان خيار المشتري بخيار حيوان أو شرط .

وربما يستشكل في التبرّي من العيوب الموجوده حال العقد بوجه ، وفي التبرّي من العيوب المتجدّدة بعد العقد في زمان ضمان البائع بوجه آخر .

فأمّا الإشكال في التبرّي من العيوب المتجدّدة بعد العقد فهو ليس من ناحية الغرر ، لأنّ المدار في عدم الغرر في البيع على عدمه حال العقد والمفروض عدمه حينئذ ، وأمّا الغرر بعده فعلى تقدير تحقّقه لا يضرّ بالبيع ، إلاّ أنّ الاشكال أنه حينئذ من إسقاط ما لم يجب ، فإنّ الخيار إنّما يثبت بعد حدوث العيب في المبيع وهو بعد لم يحدث فيه فكيف يسقطه مع عدم ثبوته ، وإسقاط ما لم يجب غير صحيح أو غير معقول .

والجواب عن ذلك : ما تقدّم في خيار الرؤية وغيرها من أنّ إسقاط ما لم يجب لا استحالة فيه عقلا ، وإنّما لا يجوز شرعاً للاجماع أو لمخالفته لما بنى عليه العقلاء في بعض الموارد ، والاجماع إنما تحقّق على بطلان إسقاط ما لم يجب فيما إذا أسقطه قبل

 
 

ــ[221]ــ

تحقّق العقد ، وما هو موضوع الخيار بل هو على خلاف ما عليه العقلاء ، وأمّا بعد تحقّق العقد الذي هو موضوع الخيار لأنه فسخ العقد فلا بأس باسقاط الخيار على تقدير تحقّق العيب بعد ذلك بعد ما كان الانشاء مبرزاً للاعتبار النفساني ، والاعتبار كما يتعلّق بالأمر الحالي يتعلّق بالأمر الاستقبالي فمن الآن يعتبر سقوط خياره الثابت في ظرفه ، نعم لا يمكن إسقاطه فعلا لعدم ثبوته بالفعل .

وأمّا الاشكال في التبرّي من العيوب الموجودة حال العقد فهو من جهة أنه يستلزم الغرر وإن لم يكن من إسقاط ما لم يجب ، لأنه مع تبرّي البائع عن العيب يقدّم على ما فيه الخطر وهو ممنوع باطل في الشريعة المقدّسة .

والجواب عن ذلك : أنّ الأخبار إذا قلنا بدلالتها على صحة البيع مع التبرّي وسقوط الخيار به وقلنا إنّها مطلقة من حيث استلزامه الغرر في المعاملة وعدمه بمعنى أنها دلّت على صحّة البيع مع التبرّي حتى فيما كانت المعاملة غررية فلا محيص من الالتزام بأنّها تخصص الدليل الدالّ على بطلان البيع الغرري ، لأنّ بطلانه ليس من جهة الاستحالة العقلية حتى لا يقبل التخصيص ، بل يكون إنكاره من الاجتهاد في مقابلة النص الصريح .

وأمّا إذا قلنا بأنّ الأخبار تدلّ على صحة البيع مع التبرّي عن العيوب في المعاملة المحكومة بالصحة في حدّ نفسها من تمام الجهات والشرائط ولا نظر لها إلى إثبات الصحة حتى في المعاملة الفاقدة لبعض الشروط ، ومن هنا لم يصح التمسك بها لاثبات صحة العقد الصادر من الصبي بدعوى أنّها مطلقة وتقتضي صحة البيع مع التبري مطلقاً فالمعاملة الغررية الفاقدة لشرطها خارجة عن الأخبار .

فحينئذ فلابدّ من التفصيل في المقام وأن يقال إن كان ارتفاع الغرر مستنداً إلى التزام البائع بصحة المبيع والخيار عند ظهور عيب فيه ومن أجله أقدم على البيع إذ لا خطر فيه حينئذ حيث إنه إذا ظهر معيباً يردّه إلى مالكه ، فلا محيص من الالتزام

ــ[222]ــ

بفساد المعاملة بالتبرّي من العيوب حينئذ لأنه غرري وإقدام على ما فيه الخطر لعدم التزام البائع بصحة المبيع ، وأمّا إذا اعتمدنا في رفع الغرر إلى أخبار خارجي واطمئنان بعدم العيب في المبيع فلا مانع من صحة البيع وعدم غرريته ولو مع تبرّي البائع عن عيوبه ، لأنّا بعد على اطمئنان من صحة المبيع ولا إقدام على الخطر ، وكيف كان فالصحيح هو التفصيل كما عرفت .

وأمّا ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) من الفرق بين التبرّي من فقد وصف الصحة وعدم الالتزام به وبين عدم الالتزام بسائر الأوصاف الكمالية وأنّ التبرّي من فقد الأوصاف الكمالية يوجب الغرر وبطلان المعاملة ، وأمّا التبرّي من العيب وانتفاء وصف الصحة فلا يوجب الغرر لمكان الاعتماد على أصالة السلامة وهو يرفع الغرر ، ففيه ما تقدّم من أنّ أصالة السلامة لم يعلم لها أصل وأنّها من أي الاُصول أوّلا . وثانياً : على تقدير أصالتها لا يمكن الاعتماد عليها في رفع الغرر الذي هو بمعنى احتمال الخطر وجداناً ، لأنّا بعدُ نحتمل الخطر بالوجدان ولم يرتفع بالأصل كما تقدّم في أوائل بحث هذا الخيار ، فالصحيح ما ذكرناه من التفصيل  .

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ذكر أنّ البراءة في المقام يحتمل إضافتها إلى اُمور ثلاثة :

الأول : أن تضاف إلى عهدة البائع سلامة المبيع ، وذكر أنّ مرجع ذلك إلى عدم التزامه السلامة ، فلا يترتّب على ظهور العيب ردّ ولا أرش وكأنّه باعه على كل تقدير كان صحيحاً أم عيباً .

الثاني : أن تضاف إلى ضمان العيب ومعناه التبرّي عن المال الذي هو قيمة العيب لأنه معنى ضمان العيب ، فيسقط بذلك الأرش فقط على تقدير كون المبيع معيباً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 322 .

ــ[223]ــ

دون الردّ لأنه لم يتبرّأ عن الخيار .

الثالث : إضافة البراءة إلى حكم العيب أي الخيار المترتّب على العيب . والفرق بين هذا وبين الأمر الأول أنّ البراءة في الأول اُضيفت إلى نفس العيب وفي المقام اُضيفت إلى حكمه فيسقط به الرد والأرش ، وقد نسبه إلى التذكرة وذكر أنّ الأظهر عند العرف هو الأول ، والأنسب إلى معنى البراءة هو الثاني ، هذا .

ولا يخفى أنّه لا فرق بين الثالث والأول إلاّ في مجرد اللفظ ومعناهما واحد وهو التبرّي عن الخيار ، وأمّا ما رتّبه على الوجه الأول من أنه كأنّه باعه على كل تقدير فهو لا يختص به ويجري في جميع الاحتمالات الثلاثة ، فإنه لو باعه على تقدير دون تقدير فيكون من المعلّق الباطل ، فالبيع على كل تقدير يجري في جميعها ، وقد ذكرنا أنه لا معنى معقول لاشتراط وصف الصحة أو الالتزام بها إلاّ جعل الخيار للمشتري فيما إذا لم يتبرّأ البائع ، فمعنى التبرّي عدم جعل الخيار للمشتري على تقدير ظهور العيب في المبيع بلا فرق في ذلك بين الوجه الأول والثالث ، لما مرّ من أنّ الالتزام المعاملي في جميع الاحتمالات الثلاثة منجّز وثابت على كل تقدير ، والفرق بين الوجهين إنما هو في اللفظ وفي إضافة البراءة إلى نفس العيب أو إلى حكمه .

وعليه فالأمر في الحقيقة يدور بين الاحتمالين وهما الاحتمال الأول والثاني الذي مرجعه إلى إسقاط الأرش فقط كما إذا صرّح بخصوص إسقاطه ، وهذا وإن لم يرد فيه نصّ خاص فإنّ ما ورد من جواز التبرّي للبائع ظاهره التبرّي المطلق دون التبرّي من خصوص مال العيب وأرشه ، إلاّ أنه يكفي في جوازه ما علمناه من الخارج من أنّ الأرش غرامة وإنما ثبت بمطالبة المشتري لا أنه يشتغل ذمّته أي البائع بها من الابتداء ، فإنّ معنى ذلك أنّ الأرش حق للمشتري له أن يطالب به البائع لا أنه واجب عليه ، فإذا ثبت أنّ الأرش حق فيثبت جواز إسقاطه حين العقد لأنّا ذكرنا أنه لا فرق بين الحق والحكم إلاّ في مجرد جواز الاسقاط وعدمه وإلاّ

ــ[224]ــ

فكلاهما من الأحكام ، فلا يرد على الوجه الثاني إلاّ كونه من اسقاط ما لم يجب وقد عرفت جوابه . والمتحصّل أنّ الأمر يدور بين الاحتمالين وهما الأول والثاني ولا ثالث في البين .

ثم إنّ شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) ذكر أنّ تبرّي البائع عن العيوب إنّما يوجب سقوط خصوص الخيار دون سائر أحكامه ، وقد ذكر السيد (قدّس سرّه) في حاشيته(2) في تفسير هذا الكلام أمراً آخر يغاير المعنى المستفاد من ظاهر كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وهو أيضاً معترف بأنّ ما ذكره على خلاف ظهور كلام شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) كما أنه على خلاف ظواهر سائر الكلمات ، ولكنّه ذكر أنّ مرادهم هو ما ذكره وإن كانت عباراتهم غير وافية ببيانه وإنما استفاده من تعليل الشهيد (قدّس سرّه)(3) في قوله : ويحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار ، كما سيتّضح وجهه إن شاء الله تعالى .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 324 .

(2) حاشية المكاسب (اليزدي) : 87 من مبحث الخيارات .

(3) الدروس 3 : 283 ] لكنّ فيه : لبقاء علّة الخيار [ .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net