دليل نجاسة العرق من الحرام 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 12537


ــ[130]ــ

   الحادي عشر : عرق الجنب من الحرام ((1)) (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بنجاسته وحرمته ، وإنما المحرّم والنجس منه هو الذي يطبخونه على كيفية مخصوصة يعرفها أهله .

   (1) وقع الخلاف في نجاسة عرق الجنب من الحرام وطهارته ، فعن الصدوقين (2) والشيخين (3) وغيرهم القول بنجاسته ، بل عن الأمالي : أن من دين الامامية الاقرار بنجاسته (4) ، وظاهره أن النجاسة إجماعية عندنا ، وعن الحلِّي (قدس سره) دعوى الاجماع على طهارته وأن من قال بنجاسته في كتاب رجع عنه في كتاب آخر(5) .

   واستدلّ للقول بنجاسته باُمور :

   الأوّل : ما نقله المجلسي في البحار من كتاب المناقب لابن شهرآشوب نقلاً عن كتاب المعتمد في الاُصول ، قال ، قال علي بن مهزيار: وردتُ العسكر وأنا شاك في الامامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلاّ أنه صائف والناس عليهم ثياب الصيف وعلى أبي الحسن (عليه السلام) لبادة وعلى فرسه تجفاف لبود وقد عقد ذنب فرسه والناس يتعجّبون عنه ويقولون : ألا ترون إلى هذا المدني وما قد فعل بنفسه ؟ فقلتُ في نفسي لو كان هذا إماماً ما فعل هذا ، فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا إلاّ أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلاّ ابتل حتى غرق بالمطر وعاد (عليه السلام) وهو سالم من جميعه ، فقلتُ في نفسي يوشك أن يكون هو الامام ، ثم قلت اُريد أن أسأل عن الجنب إذا عرق في الثوب فقلتُ في نفسي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في نجاسته إشكال بل منع ، ومنه يظهر الحال في الفروع الآتية ، نعم الأولى ترك الصلاة فيه فيما إذا كانت الحرمة ذاتية .

(2) نقل الصدوق في المقنع : 43 ـ 44 عن والده حرمة الصلاة فيه وبه قال الصدوق في الفقيه 1 : 40 ذيل الحديث 153 .

(3) المقنعة : 71 ، النهاية : 53 .

(4) أمالي الصدوق : 746 مجلس 93 .

(5) السرائر 1 : 181 .

ــ[131]ــ

إن كشف وجهه فهو الامام فلمّا قرب منِّي كشف وجهه ثم قال : إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه ، وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس ، فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة (1) .

   الثاني : ما رواه إدريس بن داود أو يزداد الكفرثوثي أنه كان يقول بالوقف فدخل سر من رأى في عهد أبي الحسن (عليه السلام) فأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيصلّى فيه ؟ فبينما هو قائم في طاق باب الانتظار إذ حرّكه أبو الحسن (عليه السلام) بمقرعة وقال مبتدئاً : إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلّ فيه (2) .

   الثالث : رواية الفقه الرضوي «إن عرقت في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة فيه وإن كانت حراماً فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل»(3) وهذه الرواية وإن كانت بحسب الدلالة ظاهرة ، حيث إنّه (عليه السلام) جعل الحكم بعدم جواز الصلاة فيما أصابه عرق الجنب من الحرام مغياً بغسله ولم يجعل غايته الزوال وتوضيحه : أن الثوب الذي أصابه عرق الجنب لم يسقط عن قابلية الصلاة فيه إلى الأبد بضرورة الفقه بل بالضرورة الارتكازية ، فيرتفع المنع عن الصلاة في مثله بأحد أمرين لا محالة ، فان المنع إذا كان مستنداً إلى نجاسة عرق الجنب من الحرام فيرتفع بغسله ، وإن كان مستنداً إلى مانعية العرق عن الصلاة في نفسه ـ ولو مع القول بطهارته نظير أجزاء ما لايؤكل لحمه حيث إنها مانعة عن الصلاة وإن كانت طاهرة كما في بصاق الهرّة مثلاً ـ فترتفع مانعيته بزواله كإزالته بالنفط أو البانزين أو بغيرهما إلاّ أنه (عليه السلام) لمّا جعل منعه عن الصلاة فيه مغياً بغسله ولم يجعل غايته الزوال كشف ذلك عن نجاسة عرق الجنب من الحرام ، إلاّ أنها لا تتم بحسب السند ، فان الفقه الرضوي لم يثبت كونه رواية فضلاً عن أن تكون معتبرة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار 50 : 173 ـ 174 ، المناقب 4 : 413 ـ 414 .

(2) الوسائل 3 : 447 / أبواب النجاسات ب 27 ح 12 .

(3) فقه الرضا : 84 .

ــ[132]ــ

   وأما الرواية الاُولى والثانية فهما أيضاً ضعيفتان ، أما بحسب السند فلأنّ حال إسنادهما غير واضح حيث لم يذكر السند فيهما بتمامه . ودعوى انجبارهما بشهرة الفتوى بمضمونهما بين القدماء ، مدفوعة صغرى وكبرى ، أما بحسب الكبرى فلما مرّ غير مرّة من أن الشهرة لا يمكن أن تكون جابرة لضعف الرواية كما أن إعراضهم عن رواية لا يكون كاسراً لاعتبارها ، وأما بحسب الصغرى فلما قدّمنا نقله عن الحلي (قدس سره) ـ وهو من الأعلام المحقِّقين ـ من أن من ذهب إلى نجاسة عرق الجنب من الحرام في كتاب ذهب إلى طهارته في كتاب آخر(1) .

   فالمشهور حينئذ هو طهارة العرق دون نجاسـته فكيف يتوهّم أنهم اعتمدوا في الحكم بنجاسته إلى هاتين الروايتين .  على أنّ اشتهار الفتوى بنجاسـته ـ لو سلم ـ أيضاً لا يكاد يجدي في المقام ، لأنّ الشهرة التي يدعى أنها جابرة أو كاسرة إنما هي الشهرة في مقابل النادر لا الشهرة في مقابل شهرة اُخرى مثلها ـ كما في المقام ـ  .

   وأما بحسب الدلالة فلأنّ الروايتين إنما تدلاّن على المنع من الصلاة في ثوب أصابه عرق الجنب من الحرام ولا دلالة له على نجاسته لأنه لازم أعم للنجاسة كما مر ، ومما يبعّد نجاسة عرق الجنب من الحرام أو مانعيّته عن الصلاة أنّ السؤال في الأخبار المتقدِّمة إنما هو عن عرق الجنب ولم يقع السؤال عن عرق الجنب من الحرام ، وهذا كاشف عن عدم معهوديّة نجاسته إلى زمان العسكري (عليه السلام) ، والتفصيل في نجاسته أو مانعيّتـه بين كون الجنابة من الحلال وبين كونها من الحرام إنما صدر منه (عليه السلام) مع أن من البعيد أن تخفى نجاسته أو مانعيّته عند المسلمين إلى عصر العسكري (عليه السلام) لكثرة ابتلائهم به في تلك الأزمنة ، لكثرة الفجرة من السلاطين والاُمراء وبالأخص إذا عممنا الحرام إلى الحرام بالعرض كوطء الزوجة أيام حيضها أو في نهار شهر رمضان .

 كيف وقد ورد في جملة من الأخبار عدم البأس بعرق الجنب وأن الثوب والعرق لا يجنبان (2) ، فلو كان عرق الجنب من الحرام نجساً أو مانعاً عن الصلاة لورد ما يدلّنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم في ص 130 .

(2) الوسائل 3 : 445 / أبواب النجاسات ب 27 ح 1 ، 3 ، 5 ، 6 ، 9 .

ــ[133]ــ

على نجاسته أو مانعيته إلى زمان العسكري (عليه السلام) فمن هذا كله يظهر أنه لا  مناص من حمل الأخبار المانعة على التنزه والكراهة لاستقذار عرق الجنب من الحرام ، وبهذا المقدار أيضاً تثبت كرامته (عليه السلام) وإعجازه حيث أجاب عما في ضمير السائل من غير أن يسبقه بالسؤال .

   بقي الكلام في مرسلة الشيخ (قدس سره) في مبسوطه حيث قال في محكي كلامه : وإن كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه على ما رواه بعض أصحابنا (1) . فالكلام في أن ما رواه ذلك البعض أي رواية ، والظاهر أنه أراد بذلك رواية علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام ، فانه يغتسل فيه من الزنا ، ويغتسل فيه ولد الزنا ، والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم» (2) وذلك لأنه إن كانت هناك رواية اُخرى دالة على نجاسة عرق الجنب من الحرام لنقلها نفس الشيخ في كتابي الأخبار أو نقلها لا محالة في شيء من كتبه المعدّة للاستدلال كالمبسوط وغيره ، ولم ينقل شيئاً يدل على ذلك في كتبه فتعيّن أن يكون مراده تلك الرواية المتقدِّمة ، إلاّ أنها غير قابلة للاعتماد لضعف سندها ، فانّ علي بن الحكم إنما رواها عن رجل وهو مجهول ، ومعه تدخل الرواية في المراسيل ولا يمكن أن نعتمد عليها في مقام الاستدلال .

   وأضف إلى ذلك ، المناقشة في دلالتها حيث إنها إنما تقتضي نجاسة بدن الزاني وولد الزنا وقد قدّمنا طهارة ولد الزنا كما لا إشكال في طهارة بدن الزاني ، وإنما الكلام في نجاسة عرقه ولا دلالة لها على نجاسة عرقه بوجه ، على أنها معارضة بما دلّ على طهارة الزاني وولد الزنا . نعم ، لا إشكال في نجاسة الناصب كما أسلفنا في محلِّه(3) فتحصّل أنه لم ترد رواية معـتبرة في عرق الجنب من الحرام حتى يستدلّ بها على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 1 : 91 ما نصّه : «ان كانت الجنابة عن حرام روى أصحابنا انه لا تجوز الصلاة فيه» .

(2) الوسائل 1 : 219 / أبواب الماء المضاف ب 11 ح 3 ، وكذا في 3 : 448 / أبواب النجاسات ب  27 ح 13 .

(3) في ص 69  .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net