4 ـ الاختلاف في وقوع المعاملة على السلعة المعيبة 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الرابع : الخيارات-2   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4682


المسألة الرابعة : وهي ما إذا اختلف البائع والمشتري في أنّ السلعة المعيبة المردودة هي التي وقعت عليها المعاملة ، أو أنّ المعاملة لم تقع عليها ، وهذا يتصوّر على صور ثلاث : الاُولى أن يتنازعا في مقتضى الردّ بالخيار وعدمه . الثانية : صورة النزاع في فعلية الخيار بعد الفراغ عن وجود المقتضي له . والثالثة : صورة النزاع في أنّ المبيع الذي وقع عليه العقد هل هو هذه السلعة أو غيرها مع الاعتراف بكل من المقتضي والفعلية .

أمّا الصورة الاُولى : فكما إذا وقع الخلاف في أنّ السلعة التي وقعت عليها المعاملة هي هذه السلعة المعيبة أو أنّها غيرها ولا عيب فيها ، والبائع ينكر كونها هي السلعة المعيبة والمشتري يدّعي أنّها هي السلعة الموجودة التي هي معيبة فله الخيار . وبعبارة اُخرى : يتخالفان في أنّ المبيع معيب أو غير معيب ، فترجع هذه الصورة في المسألة الرابعة إلى المسألة الاُولى المتقدّمة ، ولا إشكال في هذه الصورة أنّ القول قول البائع وعلى المشتري إثبات أنّ المعاملة وقعت على عين معيبة ، لأنّ الخيار مترتّب على شراء شيء وبه عيب أو عوار ، فلابدّ من إثباته ، وهذه المسألة ممّا حكي عليها الاتّفاق ولم يقع فيها خلاف .

وهذه الكيفية من النزاع وهذا الحكم فيه لا يختصّان بخيار العيب بل يجريان

ــ[271]ــ

في جميع الخيارات كخيار الغبن ، فإذا ادّعى المشتري الغبن بدعوى أنّ المعاملة وقعت على هذه السلعة بكذا والحال أنّها لا تسوى بهذه القيمة ، وأنكره البائع وقال إنّها وقعت على غير هذه السلعة وقيمتها مساوية للقيمة السوقية ، فيقدّم قول البائع وعلى مدّعي الخيار إثباته ، وهكذا في غير خيار الغبن .

وأمّا الصورة الثانية : فهي ما إذا اعترفا بوجود المقتضي للخيار وأنّ متعلّق المعاملة كان معيباً إلاّ أنّ المشتري يدّعي أنّ متعلّقها المعيب هي هذه السلعة المعيبة وينكره البائع ويقول بل هو غيرها ، فلك حقّ الفسخ إلاّ أنه غير فعليّ لاشتراطه بردّ المبيع المعيب وأخذ ثمنه ، لدلالة الأخبار على أنّ أخذ الثمن مشروط بردّ العين المعيبة فما لم تردّها إلى مالكها لا يتمكّن من الفسخ ، وهذه السلعة ليست هي المبيع فلم يرد المشتري العين فلا يكون خياره فعلياً .

وقد ذهب صاحب الايضاح(1) في هذه المسألة إلى أنّ القول قول المشتري وعلى البائع إثبات أنّ السلعة ليست له على عكس الصورة الاُولى ، واستدلّ على ذلك بأنّهما بعد الاعتراف بثبوت الخيار للمشتري ووجود المقتضي له ينحصر اختلافهما في أمرين لا ثالث لهما : أحدهما النزاع في أنّ المشتري قد خان البائع بأنه ستر المبيع في داره مثلا وكتمه وبدّلها إلى غيرها وادّعى أنّ المعاملة وقعت على هذه السلعة الموجودة بالفعل . وثانيهما : أن يتنازعا في أنّ المبيع تلف عند المشتري لا أنه موجود وكتمه بل تلف ولكن المشتري يريد الفسخ ويدّعي بقاءه وأنه هي السلعة الموجودة وإن لم يخنه بكتمان المبيع ، وذكر أنّ اختلافهما منحصر حينئذ في هذين الأمرين ـ مع إمكان تصوير غيرهما كما إذا ادّعى البائع نسيان المشتري أو غفلته أو اشتباهه المبيع ـ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الايضاح 1 : 499 .

ــ[272]ــ

أمّا دعوى الخيانة فمرتفعة بأصالة الصحة وعدم خيانة المشتري للبائع وللبائع وإن كانت اُصول اُخر مؤيّدة كأصالة عدم الخيار ونحوها إلاّ أنّ أصالة الصحة حاكمة عليها ، لأنها ترفع الشك في بقاء الخيار تعبّداً كما هو ظاهر . وأمّا دعوى تلف المبيع فهي أيضاً تندفع بأصالة بقاء العين وأصالة بقاء الخيار وعدم سقوطه ، فيقدّم قول المشتري ، فعلى البائع إثبات مدّعاه من التلف ، هذا .

ولا يخفى أنّ ما أفاده صاحب الايضاح ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، فأمّا ما ادّعاه من دعوى الخيانة ودفعها بأصالة الصحة وعدم الخيانة .

فيدفعه أوّلا : ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) من النقض بأنّ أصالة الصحة وعدم الخيانة لو كانت مقتضية في المقام لتقديم قول المشتري لدلالتها على صحة مدّعاه فلماذا لا تلتزمون بذلك في المسألة الاُولى مع جريان أصالة الصحة وعدم الخيانة فيها أيضاً  ، لأنّ الأصل صحة فعل المشتري وعدم خيانته بتبديل المبيع ، فإذا كفى ذلك في إثبات صحة مدّعاه لابدّ من تقديم قوله على قول البائع مع أنّكم قد أجمعتم على تقديم قول البائع في المسألة الاُولى بلا خلاف بينكم ، وهذا النقض تام كما أفاده (قدّس سرّه) .

وأمّا ثانياً : فلاندفاعه بالحل وهو أنّ المراد من أصالة الصحة أي أصالة عدم الخيانة إن كان هو أصالة الصحة الجارية في العقود والايقاعات وما يتبعهما من الطهارة ونحوها فهذه الأصالة وإن كانت تامّة وقد ذكرنا في محلّه أنّ أصالة الصحة لا مورد لها إلاّ العقود والايقاعات وما يلحقهما ، فإذا شككنا في صحة عقد أو إيقاع أو تطهير فالأصل صحته لأنّها ليست بمدلول دليل لفظي كي يتمسّك بعمومه وإطلاقه ، وإنما ثبتت بالسيرة العقلائية ونكتفي فيها بالموارد المتيقّنة وهي العقود

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 5 : 346 .

ــ[273]ــ

والايقاعات ولواحقهما ، فلو جرت هذه الأصالة في المقام لما كان فيها إشكال ، بل نلتزم حينئذ بجريانها في الصورة الاُولى أيضاً وبها نقدّم قول المشتري على البائع إلاّ أنّ أصالة الصحة الجارية في المقامات المتقدّمة لا مجال لها في المقام ، إذ لا شك لنا في فساد عقد أو صحة إيقاع ونعترف بصحة العقد في المقام كما هو أوضح من أن يخفى .

وإن اُريد بها أصالة حمل فعل المسلم على الصحيح لقوله (عليه السلام) « ضع أمر أخيك على أحسنه »(1) فهي أيضاً تامّة وجارية في المقام ، ولا محيص من حمل فعل المشتري على الصحة وعدم الخيانة كما إذا شك في أنّ الكلام الصادر من زيد سبّ أو سلام كما إذا تردّد بين كونه سلام عليك وكونه سام عليك بمعنى الموت فإنه يحمل على السلام بلا خلاف ، إلاّ أنّ هذه الأصالة لا تثبت الصحة الواقعية ولا يترتّب بها آثار الصحيح الواقعي ، فلا يجب ردّ جواب السلام في الصورة المذكورة كما لا يمكن ترتيب آثار عدم الخيانة الواقعية في المقام ، هذا على أنها لو كانت جارية وموجبة لصحة دعوى المشتري فهي معارضة بأصالة الصحة الجارية في دعوى البائع عدم كون المبيع هي السلعة الموجودة ، لأنّ الأصل أنه لا يكذب في ادّعائه لأنّ الكلام ليس مفروضاً فيما إذا كان البائع يهودياً والمشتري ورعاً تقيّاً حتى لا يجري الأصل في حق البائع ، هذا كلّه في أصالة عدم الخيانة .

وأمّا إذا وقع النزاع في أنّ المعيب تلف أو أنه موجود فقد عرفت أنّ فخر المحقّقين (قدّس سرّه) استدلّ باستصحاب بقاء المبيع وأصالة بقاء الخيار وعدم سقوطه  ، ويدفعه : أنّ هذه الاُصول وإن كانت جارية في حد نفسها ولكنّها لا تقتضي إلاّ ترتيب آثار بقاء المبيع أو آثار بقاء الخيار ، ولكنّها لا تنفع في المقام لأنّ خيار العيب مشروط ومنوط بردّ المبيع المعيب واسترداد الثمن على ما نطقت به

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 302 / أبواب أحكام العشرة ب161 ح3 .

ــ[274]ــ

الأخبار ، فما لم يردّ المبيع لا يسترد الثمن ولا يدخل في ملكه ، وتلك الاُصول لا تثبت أنّ المردود هو المبيع ، لأنّ الأصل عدم وقوع العقد على هذا الموجود وأثره نفي الخيار شرعاً ، ولا يعارضه أصالة عدم وقوع العقد على غير هذا الموجود لأنه ممّا لا أثر له ، والأثر مترتّب على خصوص وقوع العقد على المعيب وهو منفي بالأصل . فالمتحصّل أنّ الصورة الثانية كالصورة الاُولى في أنّ القول قول البائع وعلى المشتري إثبات أنّ العقد واقع على هذا الموجود .

وأمّا الصورة الثالثة : وهي ما إذا اعترفا بوجود المقتضي وفعلية الخيار ولكنّهما اختلفا في أنّ المبيع هل هو هذا أو غيره ، وهذا النزاع لا يتحقّق في خيار العيب ، لأنّ الخيار فيه موقوف على ردّ المبيع واسترداد الثمن وبدون ردّ المبيع لا يتحقّق خيار العيب كما تقدّم ، فالاعتراف بالفعلية لا يمكن إلاّ مع الاعتراف بأنّ المردود هو المبيع وأمّا مع إنكاره لا يبقى للفعلية مجال ، وإنّما يجري هذا النزاع في غير العيب من الخيارات كخيار الغبن والشرط ونحوهما لأنّ الخيار والفسخ فيهما لا يتوقّف على ردّ المبيع إلى بائعه بل إذا فسخ العقد بالغبن ينتقل الثمن إلى ملكه ويرجع المثمن إلى بائعه وإن لم يردّه بعد إلى البائع ، وحينئذ إذا اعترف البائع بغبن المشتري واعترف بأنه فسخه وصار خياره فعلياً وانتقل الثمن إلى المشتري إلاّ أنه يدّعي أنّ هذا المردود ليس بملكه وإنّما المبيع شيء آخر فما لم يدفعه إليه لا يدفع الثمن له والمشتري ينكر ذلك ويقول بل المبيع هو هذا الموجود ، ففي هذه الصورة القول قول المشتري كما ذكره صاحب الايضاح ، وذلك لأنّ البائع يدّعي ملكه على أمر آخر وملكه الجديد على غير الموجود مشكوك والأصل عدم ثبوت ملك جديد له على غير الموجود ، فيقدّم قول المشتري حتّى يثبت البائع مدّعاه ، هذا تمام الكلام في المسألة الرابعة والنزاع في موجب الخيار وسببه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net