3 ـ كون الشرط ممّا فيه غرض عقلائي 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4923


الشرط الثالث

ذكروا من جملة الشروط كون الشرط ممّا فيه غرض عقلائي بحيث يعتدّ به عندهم بحسب النوع ، أو يكون غرضاً عقلائياً بالنسبة إلى شخص الشارط ، فلو اشترط في البيع كيلا خاصاً من أفراد المتعارف أو ميزاناً كذلك ، أو اشترط وزنه مثقالا فمثقالا بطل ، لأنه ممّا لا غرض فيه يعتدّ به عند العقلاء ، وذلك من جهة أنّ


ــ[24]ــ

الشارع لا يرى مثله حقّاً للشارط ولا يرى مخالفته ظلماً عليه ، وليس ترك مثله ممّا يوجب الضرر على الشارط ، ومن هنا اعتبروا في صحة البيع والاجارة أن يكون المتعلّق مالا عند العقلاء ، فلذا لو باع الخنفساء وغيره ممّا لا مالية نوعية فيه وليس فيه غرض عقلائي يقع البيع باطلا ، وكذا الاجارة لأنهما سواء إلاّ في أنّ البيع نقل الأعيان والاجارة نقل المنافع ، هذا .

ولا يخفى أنّ للمناقشة في هذا الاشتراط مجالا واسعاً ، وذلك لأنّا لو سلّمنا اعتبار المالية في المبيع وكذا في مورد الاجارة ، وسلّمنا أنّ بيع الخنفساء والاجارة على حركة الاصبع مثلا باطلان لعدم ترتّب غرض عقلائي في مثلهما ـ مع أنّا ناقشنا فيه في محلّه(1) وصحّحنا البيع في غير الأموال أيضاً ـ لم نلتزم بذلك في الشروط ، لأنّها ممّا لا يقابل بالمال كان فيها غرض عقلائي أم لم يكن ، ولا مانع من التمسك بعموم ما دلّ على جواز الشرط ونفوذه فيما إذا اشترط أمراً تعلّق عليه غرضه الشخصي كتحريك إصبعه أو كيله مثقالا مثقالا ، ولو كان ذلك لتصعيب الأمر على البائع ، بل وكذلك الحال فيما إذا لم يكن غرض الشارط غرضاً عقلائياً حتى بالنسبة إليه كما إذا اشترط شيئاً بلا أثر وكان سفهائياً فإنّ عمومات نفوذ الشروط كعمومات غيرها من العناوين الثانوية نظير ما دلّ على وجوب إطاعة السيد على عبده أو وجوب الوفاء بالحلف ، فهل ترى من نفسك أنه إذا حلف بتحريك إصبعه لما يجب عليه الوفاء به من جهة عدم ترتّب غرض عقلائي عليه ، والشرط أيضاً كذلك فلا وجه لهذا الاشتراط .

نعم ، ربما يدّعى أنّ أدلّة اعتبار الشروط كقوله (عليه السلام) « المؤمنون عند

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أشار إلى ذلك في المجلّد الأوّل من هذا اكتاب ص18 .

ــ[25]ــ

شروطهم »(1) منصرفة إلى الشروط التي يتعلّق بها غرض عقلائي ولا تشمل غيرها ، إلاّ أنّ هذه الدعوى تحتاج إلى دليل ، إذ لا وجه لاختصاصها بما ذكر بعد كون عمومها انحلالياً بحسب الاشخاص ، لأنّ معناها أنّ كل شخص يجب عليه أن يفي بشرطه نظير قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوُسِكُمْ)(2) الخ ، لأنّ معناه أنّ كل شخص يمسح برأسه ، فلا محالة يشمل جميع الشروط ، هذا كلّه .

مضافاً إلى أنّا لو سلّمنا ورود هذا الاشتراط في دليل وفرضنا أنه ورد أنّ كل شرط يجب العمل به إلاّ ما خالف كتاب الله أو لم يكن فيه غرض عقلائي وشككنا في مورد في أنّ هذا الاشتراط المعيّن ممّا يترتّب عليه غرض عقلائي أو لا ، فلا يمكننا تصحيح ذلك الاشتراط بالتمسّك بعموم أدلّة الشروط ، لأنه من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ، وعليه فما معنى قول شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) ولو شك في تعلّق غرض صحيح به حمل على الصحيح(3).

مضافاً إلى أنه لا وجه للحمل على الصحة بمعنى حمله على عدم اللغوية ، لأنّ صدور اللغو من العقلاء والمسلمين في كل يوم بمثابة من الكثرة لا يمكن عدّه وليس فيه قبح ليحمل على الحسن .

والعجب كلّه أنه (قدّس سرّه) لم يكتف بذلك بل استشهد عليه بكلام العلاّمة الذي نقله في المتن ، مع أنه لاشهادة في كلام العلاّمة على حمل المشكوك على الصحيح فراجع لأنه غير متعرّض لصورة الشك ، وإنما غرض العلاّمة (قدّس سرّه) ما ذكرناه من أنه لا دليل على اعتبار ترتّب غرض عقلائي على الشرط حيث ذكر صحة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 21 : 276 / أبواب المهور ب20 ح4 .

(2) المائدة 5 : 6 .

(3) المكاسب 6 : 20 ـ 21 .

ــ[26]ــ

اشتراط أن لا يأكل العبد إلاّ الهريسة ولا يلبس إلاّ الخزّ ، وعليه فهذا الاشتراط كسابقيه ساقط .

ثم إنه (قدّس سرّه) تعرّض لبعض موارد الاشتراط لما وقع فيه من الكلام وأفاد أنه لو اشترط كون العبد كافراً ففي صحّته أو لغويته قولان ، أمّا وجه صحته فهو ترتّب الغرض العقلائي على كون العبد كافراً وهو صحة بيعه من كل من المسلم والكافر ، بخلاف العبد المسلم لعدم جواز بيعه من الكافر واستغراق أوقاته في الخدمة ، بخلاف المسلم فإنه يصرف مقداراً منها في الصلاة.

وأمّا وجه لغويته فهو أنّ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، واشتراط الكفر موجب لعلوّ الكفر لاستظهار أنّ الشارط أرغب في الكافر من المسلم ، وأمّا ما ذكرتموه من الفوائد والأغراض فهي أغراض دنيوية لا تعارض الغرض الاُخروي .

وفيه : أنّ اشتراط الكفر ليس فيه علواً للكفر وإلاّ لما يصح شراء العبد الكافر ابتداء ، وليس في ترك شراء الكافر غرض اُخروي كي لا يزاحمه الغرض الدنيوي فلا مانع من اشتراط الكفر في العبد ولا دليل على بطلانه ، وربما يكون ذلك لغرض هداية العبد إلى الإسلام ، لأنّ العبد في سماع نصيحة المولى أولى من غيره ، وهذا الغرض أي لأن يهدى بك شخص من المهام وهو أفضل ممّا طلعت عليه الشمس أو ملأ الخافقين ذهباً كما في بعض الأخبار(1) كما لا دليل على بطلان اشتراط ما ليس فيه غرض عقلائي ، مع أنّ معنى الإسلام يعلو ولا يعلى عليه هو أنّ حجج الإسلام قوية وبرهانه عال لا يعلو عليه شيء .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 15 : 42 / أبواب جهاد العدو ب10 ح1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net