8 ـ أن يلتزم به في متن العقد 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4707


الشرط الثامن

أن يكون مذكوراً في ضمن العقد وأنّ الشرط إذا لم يذكر في متنه يقع باطلا .

والظاهر أنّ محل الكلام في المقام غير الشرائط التي جرت عليها سيرة العقلاء واشترطوها في العقود سواء كان المتعاملان ملتفتين إلى اشتراطها أم غافلين عنها وهذا نظير اشتراط كون التسليم في مكان المعاقدة وانصراف الثمن إلى نقد البلد ونحوهما لأنّهم تسالموا على عدم اشتراط ذكرها في متن العقود وذكروا أنّها ثابتة ولو مع غفلة المتبايعين عنها .

كما أنّ الظاهر أنّ مرادهم بالذكر في متن العقد أعمّ من ذكرها على نحو الاشارة أو على نحو التصريح ، فإذا تبانيا على شرط قبل المعاقدة ثم عند المعاقدة لم يصرّحوا به وإنما أشاروا إليه كما إذا قال على الشرط المعهود أو المذكور ، كفى ذلك في صحته لعدم اعتبار خصوص التصريح به ، ولا يلزمه أن يقول مشروطاً بالكتابة مثلا أو إن كان كاتباً ، وهذا ظاهر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في الصفحة 281 .

ــ[69]ــ

والظاهر أيضاً أنّ محل الكلام ما إذا تبانيا على شرط قبل المعاملة وكانا ملتفتين إليه حينها وقد أوقعاها مبنيّةً عليه ، وأمّا إذا تبانيا على شرط قبل المعاقدة ولكنّهما في مقام المعاملة لم يوقعا المعاملة مبنيّة عليه بل المعاملة كانت مطلقة غير مبنيّة على شيء ولو كان ذلك مستنداً إلى نسيانهما الشرط أو غفلتهما عنه فضلا عمّا إذا كان مستنداً إلى إعراضهما عن الشرط كما ربما يصرّح به أيضاً فيقول إنّي أبيعك بكذا وأتعهّده إلاّ أنّي لا أجعله شرطاً في العقد فإن كنت واثقاً بقولي فلا مانع من المعاملة ، فهو خارج عن محل الكلام لعدم كونه شرطاً في المعاملة على الفرض ، بل هو من قبيل مجرد الوعد والالتزام بشيء وقد تسالموا على أنّ الشروط الابتدائية غير لازمة الوفاء ، وهذا من الشرط الابتدائي ولا يجب عليه الوفاء بناءً على عدم شمول أدلّة الشروط للشرط الابتدائي كما مرّ الكلام فيه تفصيلا .

وعليه فمحل الكلام ما إذا تبانيا على شرط قبل المعاملة واستمرّا عليه إلى حين المعاقدة وقد قصدا إيقاع المعاملة مشروطة به في قصدهما ولم يذكراه في متن العقد ، فهل يقع ذلك الشرط صحيحاً أو أنه فاسد وباطل ؟

وربما يحتمل أن يكون مثل هذا الشرط موجباً لبطلان المعاملة ، لا من جهة أنّ الشرط الفاسد يفسد العقد بل من جهة أنّ المعاملة غير شاملة لشرائط صحتها حينئذ كما احتمله شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) في آخر كلامه ، والوجه في هذا الاحتمال هو دعوى أنّ الشرط كالجزء في العوضين فكما أنّ ذكر العوضين وأجزائهما معتبر في صحة العقد ، لأنّ الأجزاء تقابل بالمال وينبسط عليها الثمن فلابدّ من ذكرها وذكر ما يقابلها في العقد ، فكذلك الشرط لأنه كالجزء يقابل بالمال فلا محيص من ذكره وذكر مقابله بحيث لو لم يذكر في العقد بطل العقد لعدم ذكر العوضين حينئذ فإنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 57 .

ــ[70]ــ

الشرط كالجزء لهما كما مرّ ، فهو نظير ما إذا قال بعتك بكذا من غير ذكر المبيع وأنه ماذا فهل هو الكتاب أو الفرش أو غيرهما ، فلا محالة يكون فقده موجباً لبطلان المعاملة وفسادها .

والجواب عن ذلك أوّلا : أنّ الشرط عبارة عن ربط العقد بشيء ، ومعناه إمّا تعليق أصل المعاملة على الالتزام بذلك الشرط أو تعليق الالتزام بالمعاملة عليه والثاني كما في اشتراط الأوصاف وما هو خارج عن الاختيار كاشتراط الكتابة في البيع لأنّ معناه أنّ الالتزام بالمعاملة معلّق على وجود الكتابة في العبد المبيع ، إذ لا معنى في مثل ذلك لالتزام الطرف بالشرط فإنه أمر خارج عن تحت قدرته ، فقهراً يرجع الاشتراط المذكور إلى أنّ التزام المشتري بالمعاملة واستمراره عليها مشروط بوجود الوصف المذكور ، ومعناه جعل الخيار للمشتري على تقدير عدمه وقد بيّنا معنى اشتراط الخيار في محله وقلنا إنه يرجع إلى تضيّق الملكية المنشأة وأنّها الملكية المعلّقة أو المقيّدة بالفسخ ، والأول كما في اشتراط الأفعال كالخياطة مثلا لأنّ معناه أنّ أصل المعاملة معلّق على التزام الطرف بالشرط وحيث إنه حاصل فالمعاملة متحقّقة ، كما أنّ الثاني أيضاً موجود في اشتراط الأفعال ويترتّب عليه الخيار للمشتري على تقدير عدم إيجاد الخياطة في الخارج ، وهذا بخلاف الصورة المتقدّمة فإنّ المعاملة لم تكن معلّقة فيها على شيء بل لو كانت كذلك بطلت ، إمّا من جهة أنّ التعليق في العقود مبطل ، أو لو قلنا بعدم إبطاله فمن جهة عدم حصول المعلّق عليه في الخارج وهو الكتابة فتبطل المعاملة ، وكيف كان فالشرط غير راجع إلى الأجزاء ولا تقابل بالمال بوجه ، فترك ذكره في المعاملة لا يوجب ترك ذكر العوضين بل هو ترك لذكر المعلّق عليه للبيع أو للالتزام .

وثانياً : هب أنّ الشرط كالجزء إلاّ أنه لا يثبت المدّعى ، إذ لا دليل على اعتبار ذكر الأجزاء في العقد وإنما اللازم والمعتبر معلومية العوضين وأجزاء المعاملة

ــ[71]ــ

للمتبايعين لا ذكرهما في متن العقد ، فإذا علما بهما في الخارج فلا دليل على لزوم ذكرهما في العقد بعد ذلك ، فالحكم في الأصل أي الأجزاء غير ثابت فضلا عمّا اُلحق به أعني الشروط ، فالحكم بفساد العقد من جهة فقده لذكر الشرط لا أساس له ، نعم الحكم بالفساد أي بفساد العقد من جهة أنّ الشرط الفاسد مفسد مطلب آخر سنتكلّم فيه إن شاء الله تعالى ، ولكنّه لا يختصّ بذكره في متن العقد ويأتي في جميع الشروط الفاسدة ولو من جهة مخالفته للكتاب .

وأمّا الوجه في بطلان الشرط فيما إذا لم يذكر في متن العقد وفساده في نفسه فهو عبارة عمّا ادعي في المقام من الاجماع القائم على فساد الشرط فيما إذا لم يذكر في متن العقد ، فهو إن تم وسلّمناه فلابدّ من اتّباعه تعبّداً .

إلاّ أنّ الظاهر عدم إمكان المساعدة على دعوى الاجماع في المقام ، لأنّا نحتمل أن يكون الوجه في اتّفاقهم على فساده عند عدم ذكره في متن العقد هو ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) مضافاً إلى أنه في نفسه غير متحقّق لأجل الاختلاف في بعض فروعات المسألة وملخّص ما ذكره (قدّس الله نفسه)(1) هو أنّ الاعتبارات النفسانية ممّا علمنا من الشارع أنّها لا تترتّب عليها الآثار ما لم تبرز في الخارج بمبرز ، فمثل البيع والنكاح والطلاق والعتاق وغيرها من الاعتبارات وجامعها المنشآت لا تترتّب عليها آثارها بمجرد اعتبارها في النفس إلاّ أن يبرز في الخارج بشيء من المبرزات من القول أو الفعل ، بل ذكرنا في محله أنه لا تصدق عليها تلك العناوين أعني البيع والنكاح ونحوهما بمجرد الاعتبار ، وعليه فالشروط التي لم تبرز في المعاملة وإنما وقعت مورداً للاعتبار المجرد لا تترتّب عليها آثارها في الشريعة المقدّسة ، وبهذا أجاب (قدّس سرّه) عن نقض فساد الشرط غير المذكور في متن العقد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 233 ـ 234 .

ــ[72]ــ

بالشروط الضمنية وفرّق بينهما بأنّ الشروط الضمنية من جهة تعارفها بين العقلاء قد صارت مدلولة للكلام وهو يكفي في إبرازها بخلاف هذه الشروط إذ المفروض أنّها وقعت مورداً للاعتبار المجرد ولم يبرز في العقد بوجه .

وكيف كان ، فلو كان مستند الاجماع هو دعوى انطباق الكبرى المسلّمة أعني عدم ترتّب الأثر على مجرد الاعتبار النفساني على الشروط التي لم تذكر في متن العقد فلا يبقى وقع للاجماع حينئذ ولا يكون تعبّدياً لا محالة .

وأمّا الجواب عن هذه الدعوى أي دعوى انطباق الكبرى المسلّمة على الشروط غير المذكورة في العقد ، وكون فسادها مستنداً إلى دعوى الانطباق ، فهو ما أشرنا إليه من أنّ الشرط ليس إلاّ ربط شيء بشيء وتعليق أحدهما بالآخر ، وقد عرفت أيضاً أنّ المعلّق في المقام إمّا هو أصل المعاملة على الالتزام بالشرط وإمّا هو الالتزام بالمعاملة ـ لا أصلها ـ على وجود الشرط في الخارج ، وعلى أي حال ليس الشرط واقعاً في مورد الاعتبار ولم يتعلّق به اعتبار نفساني ليقال إنه ما دام لم يبرز في الخارج لا يترتّب عليه الأثر ، وإنما الشرط عبارة عن الربط والتعليق والاعتبار وقع على تبديل أحد العوضين بالآخر وقد اُبرز في الخارج أيضاً ، وإنّما لم يبرز ما علّق عليه الاعتبار ولا دليل على اعتبار ذكره في المعاملة .

وبالجملة : ليس في الشرط اعتبار مستقل حتى يقال بوجوب إبرازه ، وإنما الاعتبار وقع على تبديل العوضين والشرط راجع إلى تعليق هذا الاعتبار بشيء أو تعليق الالتزام به على شيء وهذا كما في الشروط الضمنية بعينها لأنه أيضاً ترجع إلى تعليق الاعتبار المعاملي على الالتزام بها ، أو تعليق الالتزام به على وجودها فليست الشروط ضمنية كانت أو غيرها واقعة في مورد الاعتبار ، ولا مجال لدعوى انطباق الكبرى المتقدّمة على الشروط فأين هناك اعتبار حتى يعتبر ابرازه .

وعليه فالصحيح أنّ ذكر الشرط غير معتبر في متن العقد فيما إذا كانا قاصدين

ــ[73]ــ

لإيقاع المعاملة مبنية عليه ، وذلك لعمومات صحة البيع من قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(1) و (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض)(2) وغيرهما ، وهي تقتضي صحة المعاملة عند الاشتراط المذكور ، ولعمومات وجوب الوفاء بالشرط وهي تقتضي وجوب الوفاء به في المقام أيضاً .

نعم فيما إذا غفلا أو نسيا ولم يوقعا المعاملة مشروطة به ومبنية عليه فلا محالة تنعقد مطلقة ولا يبقى للاشتراط أثر كما تقدّم ، ولعلّه من هذا القبيل ما ورد من أنّ عدم ذكر الأجل في عقد الانقطاع يقلبه إلى النكاح الدائمي بأن يقال إنّ هذا ليس أمراً تعبّدياً وعلى خلاف القاعدة ، وإنما هو من جهة أنه لا فارق بين الدائم والمنقطع إلاّ في ذكر الأجل في أحدهما دون الآخر أي كونه مقيّداً بوقت والآخر مطلقاً عنه  ، فإذا لم يقيّده في مقام الابراز وأتى به على نحو الاطلاق فلا محالة يقع دائمياً لاطلاقه ولو من جهة نسيانه لذكره أو غفلته عنه لا أنه أمر تعبّدي .

وفي المقام أيضاً ندّعي هذا المعنى وأنّ الفرق بين المشروط وغيره عدم تقييد العقد بشيء ، فإذا لم تقيّد المعاملة ولو نسياناً كفى ذلك في انعقادها مطلقة وغير مشروطة بشيء ، وعليه فليس في الأخبار الدالّة على وقوع النكاح الدائمي عند نسيان ذكر الأجل في عقد الانقطاع دلالة على اعتبار ذكر الشروط في متن العقد لأنّ موردها ما إذا لم يقيّد العقد ولو نسياناً ، وأمّا في المقام فالمفروض أنه مقيّد غاية الأمر أنه لم يذكره في ضمن العقد ، نعم فيما لم يقيّده ولو لأجل الغفلة أو النسيان فالأمر كما ذكروه أنه باطل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 275 .

(2) النساء 4 : 29 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net