هل الشرط الفاسد يوجب الخيار للمشروط له ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4467


بقي الكلام في أنه هل يثبت للمشروط له الخيار حينئذ أو لا خيار له ؟ ذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) احتمالين في المقام :


 

ــ[121]ــ

أحدهما أنّ المشروط له يثبت له الخيار من جهة تعذّر الشرط ، لأنّ الممتنع شرعاً كالممتنع عقلا ، وحيث إنّ الشرط ممتنع شرعي لحرمته فهو متعذّر فيثبت له الخيار .

وثانيهما : عدم ثبوت الخيار له لفساد الشرط . ثمّ قوّى الوجه الأول من جهة أنّ الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي ، ثمّ رجع عنه أخيراً وبنى على عدم ثبوت الخيار للمشروط له من جهة أنّ مدرك خيار تخلّف الشرط إمّا هو الاجماع وإمّا هو قاعدة لا ضرر فيما إذا لم يكن عالماً ببطلان الشرط وحرمته وإلاّ فمع العلم يستند الضرر إلى إقدام نفسه لا إلى لزوم المعاملة وهذا ظاهر.

أمّا الاجماع فهو غير ثابت في المقام لأنّهم ذهبوا إلى فساد العقد بفساد شرطه بل حكي عدم القول بالخيار من أحد من المتقدّمين وأوائل المتأخرين ، فالاجماع غير متحقّق .

وأمّا قاعدة لا ضرر فهي أيضاً لا تجري في المقام ، لأنّ الاعتماد عليها إنما يصح فيما إذا اعتضدت بعمل الأصحاب على طبقها وإلاّ فلو اعتمدنا عليها مطلقاً لاستلزم ذلك تأسيس فقه جديد ، لأنّ الضرر المترتّب على جهل المتبايعين بالحكم أو الموضوع كثير فلا يعتمد على القاعدة سيّما إذا لم نفرّق بين الجهل التقصيري والقصوري ، هذا ما أفاده (قدّس سرّه) في المقام .

ولكن الظاهر أنّ الخيار لا مانع عنه في المقام ، وهذا لا لأجل قاعدة لا ضرر بل قدمنا في خيار الغبن أنّ قاعدة لا ضرر لا تكون مستنداً للخيار أصلا ، بل من جهة نفس اشتراط الخيار في المعاملة ، وذلك لأنّ المتعاملين إذا اشترطا شرطاً في المعاملة فمعناه أنّهما جعلا الملكية المقيّدة بزمان الفسخ دون الملكية المطلقة ، وأدلّة

ــ[122]ــ

الامضاء كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(1) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) وغيرهما إنّما تمضي العقد على طبق ما أنشأه المتعاقدان ، ولا يكون الممضى أوسع من المنشأ ولا أضيق منه دائرة إلاّ في بعض الموارد التي قام فيها الدليل على أنّ الممضى أوسع ممّا أنشأه المتعاقدان أو أضيق منه وهذا كما في خياري المجلس والحيوان حيث حكم باللزوم بعد ثلاثة أيام أو بعد الافتراق مع أنّ بناءهما اللزوم من ابتداء الأمر ، وكما في بيع الصرف فإنّ المنشأ للمتعاقدين فيه هو الملكية من الابتداء ولكن الشارع أمضى الملكية بعد التقابض .

وأمّا في غير الموارد التي قام فيها الدليل على التوسعة أو التضيّق في دائرة الممضى فلا محالة يكون الممضى هو ما أنشأه المتعاقدان لا أوسع منه ولا أضيق وحيث إنّ المتعاملين قد أنشآ الملكية المقيّدة دون المطلقة فلا محالة تكون أدلّة الامضاء موجبة لامضاء تلك الملكية الموقّتة لا أوسع منها ولا أضيق ، ومن الظاهر أنّ المنشأ هو الملكية الموقّتة لأنه معنى اشتراط شيء في المعاملة حيث إنه بمعنى تعليق الالتزام ، وإذا كان المنشأ هو الممضى شرعاً فلا محالة ترتفع الملكية عند فسخها لأنها كانت موقّتة بالفسخ وهذا مّما لا محذور فيه شرعاً ، نعم إمضاء الشارع للشرط بمعنى إيجابه الوفاء به في الخارج مرتفع لأنه فاسد ولا يلزمه الشارع بإيجاد المحرّم في الخارج ، وأمّا كون المشروط له متمكّناً من الفسخ على تقدير عدم ارتكاب المشروط عليه للحرام أو ترك الواجب فممّا لا مانع عنه أبداً ، وهذا نظير ما لو جعلا الخيار لأحدهما من الابتداء عند عدم عمل المشروط عليه بالحرام أو إتيانه الواجب (لا أنه يشترط شيئاً ويكون نتيجته الخيار) فإنه ممّا لم يذهب أحد إلى بطلانه وعدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة 2 : 275 .

(2) المائدة 5 : 1 .

ــ[123]ــ

ثبوت الخيار له عند إتيان الواجب أو ترك الحرام ، فالخيار ثابت للمشروط له لا محالة ، وهذا من غير فرق بين علمهما ببطلان الشرط وحرمته وبين جهلهما وبين جهل أحدهما وعلم الآخر وهذا ظاهر .

ومنه يظهر أنّ هذا الخيار ليس ثابتاً من ابتداء العقد بدعوى أنه متعذّر من الأول لأنّ الممنوع الشرعي كالممتنع العقلي ، بل إنما يثبت له فيما إذا لم يفِ المشروط عليه بالشرط ولو كان فاسداً ، فإذا فرضنا أنه ارتكب المحرّم عصياناً فلا يثبت للمشروط له الخيار لأنه إنما جعله على تقدير عدم إتيانه به ولو معصية ، وكون ذلك الفعل محرّماً مطلب آخر لا يمنع عن عدم ثبوت الخيار ، هذا تمام الكلام في الأمر الأول من الاُمور المذكورة في أحكام الشرط الفاسد وقد اشتمل على بحث عدم وجوب الوفاء بالشرط الفاسد ، وأنه لا يمنع عن صحة العقد ، وأنه يوجب الخيار للمشروط له ، ثم بعد ذلك شرع (قدّس سرّه) في الأمر الثاني من الاُمور المذكورة في أحكام الشرط الفاسد وإنما تعرّضنا لذلك من جهة أنّ شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1)على ما في تقريراته ذكر أنّ الأمر الأول في المقام سقط من قلم شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وأنّ هذا الأمر الثاني لا أوّل له ، وقد عرفت الأمر الأول فلا اشتباه في القلم .
ــــــــــــــــ

(1) منية الطالب 3 : 283 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net