حكم تصرّفات ذي الخيار فيما انتقل عنه 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4588


وأمّا تصرفاته فيما انتقل عنه فهي أيضاً فيما إذا كانت مصداقاً للفسخ كما إذا قصد بها الفسخ ممّا لا ينبغي التأمّل في كونها كافية في الفسخ ، إذ لا فرق بين الفسخ القولي والفعلي وهذا ظاهر .

وأمّا إذا لم يكن مصداقاً للفسخ فلا وجه لكونه فسخاً وإن ذكر بعضهم كالعلاّمة(1) وابن إدريس(2) أنّ كل فعل يكون إجازة فيما إذا وقع على ما انتقل إليه يكون فسخاً فيما إذا وقع على ما انتقل عنه وكأنه بينهما ملازمة ، إلاّ أنّك عرفت أنه لا ملازمة بينهما فإنّ الحكم بكون مثل التقبيل واللمس في الأمة المشتراة إجازة فيما إذا صدر عن المشتري إنما هو من جهة النص والتعبّد الشرعي ، وليس نص في ما إذا وقع على ما انتقل عنه حتى نلتزم بكونه فسخاً تعبّدياً ، فمثل هذه التصرفات لا تكون فسخاً بحسب الواقع فيما إذا وقعت على ما انتقل عنه .

فهل يمكن أن يقال بأنها فسخ في مقام الظاهر وإن لم تكن فسخاً في مقام الثبوت من جهة حمل فعل المسلم على الصحيح ، لأنّ أمرها يدور بين أن تكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التذكرة 11 : 188 .

(2) السرائر 2 : 282 .

ــ[158]ــ

محرّمة لأنها تصرّف في ملك الغير بدون إذنه ، وأن يكون فسخاً لتكون تصرّفاته واقعة في ملكه ولا تقدح في عدالته .

ذكر جماعة أنّ الإسلام يصون صاحبه عن القبيح ويمنع عن ارتكاب الحرام فيتعيّن أن تكون تصرّفاته فسخاً ، واختاره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) أيضاً وذكر في المقام أنّ أصالة حمل فعل المسلم على الجائز من الأمارات الشرعية المعتبرة ولوازمها حجّة ، فإذا دلّت على أنه فعل مباحاً فيلزمه أن يكون المتصرف قاصداً للفسخ بتصرفه حتى يدخل بذلك في ملكه ولا يكون مرتكباً للحرام ، وليست هي من الاُصول التعبّدية حتى يقال إنّها لا تثبت إرادة المتصرف للفسخ لما تقرّر من أنّ الاُصول التعبّدية لا تثبت إلاّ اللوازم الشرعية لمجاريها ، وهنا كلام مذكور في الاُصول انتهى .

وقد ذكرنا نحن في الاُصول(2) أمرين :

أحدهما : أنّ المثبت سواء كان أصلا أو أمارة ممّا لا دليل على اعتباره وأنّ ما اشتهر من كون مثبتات الأمارات حجّة دون الاُصول كلام لا أساس له إلاّ فيما إذا كانت الأمارة من قبيل الحكايات والاخبارات والاقرار ونحوها (أعني باب الألفاظ) فإنّ الدليل الدالّ على حجّية الألفاظ في مداليلها المطابقية وهو بناء العقلاء بعينه دلّ على اعتبارها في مداليلها الالتزامية ، بخلاف غير الموارد المذكورة فإنّ غيرها أمارة كانت أم أصلا لا دليل على حجّية مثبتاتها ، وقد مثّلنا لذلك بالظن فإنه حجّة في باب القبلة بخصوصها ومن قبيل الأمارات ، لما دلّ من أنه إذا لم يتمكّن من إحراز القبلة يأخذ بما هو أحرى فإذا أخذ بظنّه وبه أحرز القبلة فلا يثبت به لازمه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 132 .

(2) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 185 ـ 186 .

ــ[159]ــ

وهو دخول الوقت فيما إذا زالت الشمس عن جهة القبلة المحرزة بالظن كما في العراق مع أنّ الظن من الأمارات ، وعليه فإذا سلّمنا أنّ أصالة حمل المسلم على الصحيح من الأمارات أيضاً نمنع عن حجّيتها في لازمها ولا يثبت بها أنّ المتصرّف قصد الفسخ .

وثانيهما : ما ذكرناه(1) تبعاً لشيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ أصالة حمل فعل المسلم على الصحيح لا تثبت بها لوازمها ، وقد مثّل هو (قدّس سرّه) بما إذا سمعنا كلاماً وتردّد بين أن يكون سبّاً أو سلاماً فإنّا نحمله على صحيحه وهو السلام إلاّ أنه لا يثبت وجوب الجواب عنه أيضاً . وما أفاده (قدّس سرّه) هو الصحيح ، لأنّ أصالة حمل فعل المسلم على الصحيح لم يدلّ الدليل على حجّيتها بالنسبة إلى لوازمها أيضاً وإنما ثبت بأمثال قوله « ضع أمر أخيك على أحسنه »(2) ونحوه ممّا لا يدلّ إلاّ على عدم اتّهام المسلم بأنه فعل حراماً وصار فاسقاً دون ترتيب آثار الصحة الواقعية ، فإذا سمعنا كلاماً ودار أمره بين السب والهبة وحملناه على أنه وهب ماله لنا فمعناه أنه لم يرتكب المحرّم ليكون فاسقاً ، وأمّا أنه وهبه في الحقيقة حتّى نتملّكه فلا وعليه فلا وجه لعدّ الأصالة المذكورة من الأمارات التي تثبت لوازمها .

فالصحيح أنّا نحمل فعل المتصرّف على صحيحه ولا نتّهمه بارتكاب الحرام وأمّا ترتيب آثار ذلك بحسب الواقع حتى نحكم بأنه قصد التصرّف أيضاً فلا .

والمتحصّل إلى هنا : أنّ حمل تصرّف المسلم على الصحيح والحسن لا يستلزم الحكم بأنه قصد الفسخ بفعله ولا يمكن استكشافه به ، هذا كلّه .

على أنّ تصرّف ذي الخيار فيما انتقل عنه مثلا لا يكون في جميع الموارد قبيحاً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 402 .

(2) الوسائل 12 : 302 / أبواب أحكام العشرة ب161 ح3 .

ــ[160]ــ

لنحمله على الحسن ، وهذا كما إذا باع ما انتقل عنه أو وهبه أو وقفه فإنّ أمثال هذه التصرفات الاعتبارية ممّا لا يشمله أدلّة حرمة التصرف في مال الغير ، لأنها محض اعتبارات فلا يجري فيها حمل فعل المسلم على الصحيح فكيف يستكشف بها أنّ المتصرف قد قصد بتصرّفه الفسخ .

وأجاب عن ذلك شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) بأنها وإن لم تكن قبيحة على كل حال إلاّ أنّ ظاهر حال المتصرف أنه لا يتصرف في مال الغير وبه يثبت أنه يتصرف في مال نفسه ، وهذا إنما يتحقّق مع إرادة الفسخ إذ لولاه لما يكون التصرف في المال تصرّفاً في مال نفسه ، هذا .

ولا يخفى أنّ الظاهر وإن كان كما أفاده ، لأنّ الغالب في تصرفات المتصرفين هو التصرف في أموال نفسهم والتصرف الفضولي قليل ، إلاّ أنّ الغلبة لا تقتضي أزيد من إلحاق المشكوك بالغالب ظنّاً فيقال إنّ تصرف المشتري فيما انتقل عنه مردّد بين كونه تصرفاً في مال نفسه وكونه تصرفاً في مال غيره فنلحقه بالأعم الأغلب ولكن الغلبة لا تفيد إلاّ الظنّ بالالتحاق ، ولا حجّية في الظن وإن ظننا أنّ تصرفاته تصرف في مال نفسه لأجل الغلبة ، فإذا تصرف أحد في مال بهبته أو ببيعه وشككنا في أنه يتصرف في مال نفسه أو مال غيره فلا يمكننا الحكم بصحة الهبة وانتقال المال إلى الموهوب له بمجرد الغلبة والظن بأنه يتصرف في مال نفسه .

وأمّا الظن الحاصل من ظواهر الألفاظ فاعتباره إنما ثبت بدليل خاص ، وفي المقام أيضاً لو دلّ دليل على اعتبار الظن الحاصل من الغلبة لقلنا باعتباره وحكمنا بمقتضاه بأنّ المتصرف قصد الفسخ .

وأمّا أصالة عدم قصد العقد عن الغير ، ففيها : أنّها لا تثبت قصد المتصرف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 132 ـ 133 .

 
 

ــ[161]ــ

العقد عن نفسه . على أنّا ذكرنا في بيع الفضولي أنّ قصد البيع عن الغير ممّا لا أثر له في المبيع الشخصي ، لأنّ البيع مبادلة بين المالين وكونها واقعة عن شخص خاص لا مدخلية له في المعاملة ، فسواء قصد البيع عن الغير أو عن نفسه تقع المعاملة فضولية لأنّ المال ليس له .

وبالجملة : أنّ قصد العقد عن الغير لا أثر له في إثبات فضولية العقد لأنه فضولي ولو مع قصده البيع لنفسه ، نعم لابدّ من قصد من يقع له البيع فيما إذا كان المبيع كلّياً لأنّ الكلّي ما دام لم تضف إلى ذمّة لا يكون مالا ، فلابدّ من تعيين من يضاف إليه الكلّي فإذا لم تجرِ أصالة عدم قصد العقد عن الغير وشككنا في أنه هل فسخ العقد بتصرفه أم لم يفسخه فأصالة عدم الفسخ محكّمة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net