لو اشترى عبداً بجارية مع الخيار ثم أعتقهما 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4772


فـرع

لو اشترى عبداً بجارية مع جعل الخيار للمشتري وبعد المعاملة أعتقهما المشتري وقال أنتما حرّان لوجه الله .

لا ينبغي الإشكال في عدم تحقّق كلا العتقين معاً ، لأنّ عتق العبد معناه إجازة المعاملة كما أنّ عتق الجارية يستلزم فسخ المعاملة ، والفسخ والامضاء لا يعقل تحقّقهما معاً ، فهل يقع عتق الجارية صحيحاً دون عتق العبد أو عتق العبد صحيح دون عتق الجارية أو لا هذا ولا ذاك وكلاهما ساقطان ولا يكون شيء منهما منعتقاً ؟

ــ[172]ــ

وجوه(1).

أمّا وجه وقوع العتق في الجارية صحيحاً دون العبد فهو أنّ عتق الجارية المنتقلة عنه فسخ للمعاملة كما أنّ عتق العبد إجازة لها ، وكلّما دار الأمر بين الفسخ والاجازة الفسخ مقدّم على الاجازة .

وفيه : أنّ تقدّم الفسخ على الاجازة ليس مدلول دليل من نصّ أو إجماع وإنما هو من جهة كونه على وفق القاعدة في مورده وهو ما إذا ثبت الخيار لمتعدّد كالمتبايعين وأجاز أحدهما المعاملة وفسخ الآخر فيقال إنّ الفاسخ يتقدّم على المجيز من جهة أنّ إجازة المجيز معناها إمضاء العقد من قبله ، إذ لا معنى لامضائه من قبل الآخر أيضاً ، وعليه فللآخر أن يفسخ العقد لخياره وبفسخه ترتفع المعاملة ، وهذا أمر على طبق القاعدة .

وأمّا إذا صدر كل من الاجازة والفسخ من شخص واحد كما في المقام أو صدرا ممّن هو بحكم الواحد كالوكيلين من قبل موكّل واحد فأجازها أحدهما وفسخها الآخر في آن واحد ، فلا وجه لتقديم أحدهما على الآخر ولا دليل على أنّ الفسخ يتقدّم على الاجازة فيتساقطان لا محالة ، وهكذا نقول فيما إذا زوّج المرأة أحد وكيليها من أحد وزوّجها وكيلها الآخر من شخص آخر في زمان واحد ، إذ وقوعهما معاً غير ممكن وترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجّح فيبطل كلاهما .

وأمّا وجه صحة العتق في العبد دون الجارية فهو أنّ الأصل استمرار ملكية العبد وعدم خروجه عن ملك المشتري ، ولازمه عدم دخول الجارية في ملكه وإلاّ لخرج العبد عن ملكه ، فيقع عتق الجارية باطلا لوقوعه في غير ملكه بخلاف عتق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ثم إنّ هذا النزاع لا يختص بعتق ما انتقل عنه وما انتقل إليه بل يجري في كل فعلين لا يقبلان الفضولية أو مع نصب القرينة على عدم إرادة الفضولية .

ــ[173]ــ

العبد .

وأجاب عن ذلك شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(1) بأنّ الأصل وإن كان هو استمرار ملكية العبد إلاّ أنّ التقابل إنما هو بين إجازة العقد وفسخه ولا موجب لتقديم أحدهما على الآخر فيتساقطان ويبقى كل من العبد والجارية على حالهما قبل العتق من كون العبد ملكاً للمشتري والجارية ملكاً للبائع مع بقاء الخيار للمشتري وهذا هو الذي اختاره شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وغيره من المحقّقين ومنهم شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2).

ولنا فيه كلام وملخّصه : أنّ الاجازة والفسخ وإن كانا متزاحمين لأنّ تحقّقهما معاً غير ممكن ولا يعقل إجازة العقد وفسخه معاً ، فلا يقع شيء منهما وكأنّهما لم يتحقّقا من الابتداء ، ويبقى العقد بحاله والمالان في ملك مالكهما أي العبد في ملك المشتري والجارية في ملك البائع مع الخيار للمشتري كما مرّ ، إلاّ أنّ عتق العبد وعتق الجارية ممّا لا تزاحم بينهما وهو ظاهر ، وحينئذ لا وجه للحكم بعدم عتق شيء منهما  ، بل الصحيح أنّ عتق العبد يقع صحيحاً دون عتق الجارية من دون أن يكون عتق العبد موجباً لسقوط خياره بدعوى أنه إجازة .

والوجه فيما ذكرناه أنّ عتق الجارية يتوقّف على الفسخ حتى تدخل بذلك في ملك المشتري ، إذ بدون الفسخ يكون عتقها عتق مملوكة الغير وهو باطل ، إذ لا عتق إلاّ في ملك ، والمفروض أنّ الفسخ لم يتحقّق في المقام لأنه مزاحم للاجازة وقد قلنا بسقوطهما معاً ، وهذا بخلاف عتق العبد فإنه عتق مملوك نفسه بلا حاجة إلى شيء آخر وهو تصرف صدر من أهله ووقع في محلّه ، ولكنه لا يكون إجازة ولا يسقط به

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المكاسب 6 : 142 .

(2) منية الطالب 3 : 312 .

ــ[174]ــ

الخيار فإنّ الاجازة مزاحمة بالفسخ وهما ساقطان وللمشتري بعد عتقه الخيار ، فإذا فسخ العقد بعد ذلك فيأخذ الجارية ويدفع بدل العبد وهو القيمة إلى البائع ، وكيف كان فيكون تصرفه في ملك نفسه نافذاً ، هذا في الحكم الوضعي .

ونظيره الحكم التكليفي وهذا كما إذا تصرف فيما انتقل إليه وفيما انتقل عنه تصرفاً خارجياً (لا اعتبارياً كما في العتق) بأن أكلهما دفعة واحدة ، فإنه ارتكب الحرام بالاضافة إلى أكل ما انتقل عنه لأنه ملك الغير وحلّيته يتوقّف على الفسخ وهذا بخلاف أكله لما انتقل إليه لأنه حلال وتصرف في ملك نفسه وهذا ظاهر ، هذا كلّه فيما إذا قلنا بأنّ الاجازة والفسخ أمران توليديان من الفعل الخارجي أو اعتباران نفسيان مبرزان في الخارج بمبرز وهو الفعل متوقّفان على قصدهما وحينئذ يكون كل من الاجازة والفسخ محتاجاً إلى القصد ويستحيل تحقّقهما معاً فإنّ قصدهما معاً محال وهما يتزاحمان فنحكم بسقوطهما كما مرّ ، ولا يكون عتق العبد إجازة للعقد بل يبقى خيار المشتري على حاله .

وأمّا إذا كان الفعل بنفسه إجازة للعقد بحكم الشارع تعبّداً ولو مع عدم قصد المشتري إجازة العقد بل مع قصد عدمها كما إذا نظر إلى ما انتقل عنه وما انتقل إليه معاً وفرضناهما جاريتين فإنّ النظر إلى ما يحرم لغير المالك مسقط تعبّدي للخيار ففي مثله كما يكون الفعل الصادر منه صحيحاً ونافذاً فيما انتقل إليه كذلك يكون هذا إجازة للمعاملة لقوله (عليه السلام) فذلك رضى منه بالبيع(1)، فلا يبقى له خيار بعد عتق العبد في المقام ، هذا كلّه فيما إذا كان الخيار للمشتري فقط .

وأمّا إذا كان الخيار للبائع فقط وقد أعتق المشتري كل واحد من العبد والجارية فلا ينبغي الإشكال في بطلان عتق الجارية لأنه عتق مملوكة الغير وهو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 18 : 13 / أبواب الخيار ب4 ح1 (مع اختلاف) .

ــ[175]ــ

باطل والفضولي لا يجري في الايقاعات ، وأمّا عتق العبد فصحته وفساده يبتنيان على المسألة الآتية من أنّ تصرف من عليه الخيار مع خيار من له الخيار صحيح أو باطل ، فإن قلنا ببطلانه لأنه تصرف في متعلّق حقّ الغير فالعتق يبطل كما إذا قلنا بصحته ونفوذه فالعتق يصح ، فإذا لم يفسخ المعاملة من له الخيار وهو البائع في المقام فهو ، وأمّا إذا فسخها فهل يكون ذلك فسخاً للتصرف الصادر ممّن لا خيار له من حينه أو من أصله أو يفصّل بين التصرف بالعتق فلا يكون فسخ ذي الخيار موجباً لانفساخه لأنّ الحر لا يرجع عبداً والتصرف بغيره ؟ فيه وجوه سيأتي في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى .

وأمّا إذا كان الخيار لكل من المشتري والبائع في مفروض الكلام ففي هذه الصورة أيضاً تبتني صحة عتق العبد على المسألة الآتية من أنّ التصرف في المال في زمان خيار من له الخيار صحيح أو باطل ؟ فإنّ البائع له الخيار على الفرض والعبد متعلّق لحقّه ، فإن قلنا بعدم صحة التصرف حينئذ فلا محالة يقع باطلا كما إذا قلنا بصحته يقع عتق العبد صحيحاً ، وأمّا عتق الجارية فهو صحيح في نفسه لأنه فسخ فعلي للمعاملة والجارية منتقلة إلى ملكه فيصح عتقها ، وحينئذ فإن قلنا ببطلان عتق العبد لأنه تصرف في متعلّق حق الغير فلا إشكال في صحة عتق الجارية لأنه فسخ وعتق لمملوكة نفسه ، وأمّا إذا قلنا بصحة عتق العبد أيضاً فيكون حال المقام حال الصورة الاُولى وهي ما إذا كان الخيار لخصوص المشتري ، فإنّ الالتزام بصحة كل من التصرفين بدعوى كون أحدهما إجازة والآخر فسخاً غير ممكن فيسقطان معاً ونحكم بصحة عتق العبد لأنه مملوكه بالفعل وعتقه نافذ صحيح ، بخلاف عتق الجارية فإنه يتوقّف على صحة الفسخ وإرجاعها إلى ملكه وقد عرفت بطلان فسخ المعاملة لأنه والاجازة متزاحمان كما مرّ .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net