وجوب تسليم العوضين - وجوب البدأة بالتسليم على كلّ من المتعاملين 

الكتاب : التنقيح في شرح المكاسب - الجزء الخامس : الخيارات-3   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3893


الكلام في وجوب التسليم على المتبايعين

لا ينبغي الإشكال في وجوب التسليم على كل واحد من المتعاملين عند


ــ[290]ــ

تسليم الآخر كما لم يستشكل فيه أحد وهو ممّا لا كلام فيه ، وإنّما الإشكال والكلام فيما إذا امتنعا عن التسليم فهناك وجوه وأقوال :

فعن الأردبيلي (قدّس سرّه)(1): أنّ التسليم واجب عيني على كل منهما بلا اشتراط ، فإذا فرضنا أنّ أحدهما عصى لهذا الواجب الشرعي فعصيانه لا يرخّص في عصيان الآخر لتكليفه كما هو ظاهر ، فيجب على كل منهما البذل والتسليم وإن امتنع الآخر عن ذلك .

وذكر شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) أنّهما يجبران على التسليم حينئذ فإنه واجب على كل منهما وحيث امتنعا عمّا وجب في حقّهما فيجبرهما الحاكم عليه .

وعن ثالث : أنّ التسليم واجب على البائع ابتداءً وبعده يجب على المشتري لأنّ الثمن عوض والعوض متأخّر عن المعوّض لا محالة .

ولكن الانصاف عدم إمكان المساعدة على شيء من هذه الأقوال .

أمّا ما ذهب إليه الأردبيلي (قدّس سرّه) فلأجل أنّ التسليم غير واجب على كل واحد من المتعاملين على وجه الاطلاق ، ولم يجر عمل العقلاء على تكليف كل من المتعاملين بالتسليم ودفع ماله إلى الآخر وإن لم يسلّمه الآخر عوضه ولا يسلّمه أيضاً إلى الأبد لعصيان ونحوه ، بل معاملاتهم مبنية على وجوب التسليم على كل منهما عند تسليم الآخر وإعطائه ، فقد اشترط التسليم عند تسليم الآخر في ضمن معاملاتهم فلا يجب إلاّ عند تسليم الآخر . نعم الملكية تحصل بمجرد المعاملة ولكن لا يجب على كل منهما تسليم ما عنده إلى الآخر ما دام لم يسلّم الآخر بدله حسب الاشتراط الضمني الثابت ببناء العقلاء وعملهم .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع الفائدة والبرهان 8 : 504 .

(2) المكاسب 6 : 261 .

ــ[291]ــ

وأمّا ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) فلوضوح أنّا إذا بنينا على عدم وجوب التسليم على كل منهما مطلقاً وقلنا إنه مشروط بتسليم الآخر في جواب الأردبيلي (قدّس سرّه) فعند امتناعهما لا يحصل شرط وجوب التسليم على كل منهما فلا هذا يجب عليه التسليم لعدم حصول شرطه وهو تسليم الآخر ولا ذاك يجب عليه التسليم لعدم حصول شرطه أعني تسليم الأول ، ومن الظاهر أنّ الشرط في الواجبات المشروطة ممّا لا يجب تحصيله ، فإذن التسليم غير واجب على كل منهما ومعه لم يحصل ترك واجب من أحدهما حتى يجبره الحاكم على العمل بواجبه .

فلو قلنا إنّ التسليم واجب على كل منهما مطلقاً فقد صحّحنا مقالة الأردبيلي (قدّس سرّه) وهو باطل عنده ، والتوسّط بين المطلق والمشروط ممّا لا نعقله . وإذا كان التسليم مشروطاً بتسليم الآخر فلا يجب على كل منهما التسليم ، وتركه لا يكون من ترك الواجب حتى يصحّ إجباره على العمل به .

وأمّا الوجه الثالث أعني وجوب التسليم على البائع ابتداءً بدعوى أنّ الثمن عوض وهو متأخّر عن المعوّض ،ففيه : أنّ مجرد كون الثمن عوضاً لا يوجب اختصاص وجوب التسليم بالبائع أوّلا بعد كون المعاملة عبارة عن المبادلة بين المالين ، غاية الأمر أنّ المثمن يتحفّظ فيه على خصوصية المال وفي طرف الثمن يتحفّظ على ماليته لا على خصوصياته غالباً وكل منهما عوض عن الآخر وهما في ذلك سيّان ، وقد اشترط وجوب تسليم كل منهما عند تسليم الآخر .

فالصحيح في المقام عدم وجوب التسليم ابتداءً على كل منهما فلا هذا يجب عليه التسليم ولا ذاك لاشتراط كل منهما بتسليم الآخر وهو غير حاصل ، هذا فرع .

الفرع الثاني : إذا بذل كل منهما ما عنده إلى الآخر ووطّن نفسه لتسليم ماله من الآخر من أجل وثوقه بصاحبه واطمئنانه بتسليمه ولكنّهما اختلفا في مجرد البدأة فقال كل منهما للآخر أعطني مالك ابتداء حتى أعطيك مالي بعد ذلك ، فهل يجب

ــ[292]ــ

البدأة على كل منهما نظير وجوب أصل التسليم على مسلك الأردبيلي (قدّس سرّه) أو يجب البدأة على البائع دون المشتري وهو الذي قوّاه شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) بأنّ العقلاء يقبّحون مطالبة الثمن قبل دفع المثمن ، أو يجبران على البدأة كما أفاده (قدّس سرّه) في الفرع السابع ، أو أنّ كلا منهما مشروط ببدء الآخر ؟

الظاهر أنّ هذا الفرع غير الفرع السابق كما يظهر من كلمات الأصحاب على ما نقله شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) وليست البدأة بعد كون كل منهما عازماً على التسليم والبذل من الشروط الضمنية في المعاملات ، وإنما الشرط الضمني يختص بتسليم كل منهما عند بذل الآخر ، وأمّا كون بدأته مشروطة ببدء الآخر فلا ، بل هذا خارج عن الأغراض العقلائية أيضاً ولا يتعلّق به غرضهم بوجه بعد كون المتعاملين عازمين على البذل .

فالظاهر أنّ البدأة واجبة على كل منهما على نحو الاطلاق بدأ الآخر أم لم يبدأ  ، فما أفاده الأردبيلي (قدّس سرّه) من وجوب الدفع على كل منهما مطلقاً وإن لم يدفع الآخر متين في هذا المقام ، فهي واجبة على كل منهما بلا اشتراط ، فلو امتنعا عمّا وجب في حقّهما فلا مانع من إجبارهما عليه وهو ظاهر .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net