مقدار المسروق 

الكتاب : مبـاني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الأول : القضاء   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4665


ــ[355]ــ

   مقدار المسروق

   المشهور بين الأصحاب أ نّه يعتبر في القطع أن تكون قيمة المسروق ربع دينار ـ والدينار عبارة عن ثماني عشرة حمّصة من الذهب المسكوك ـ وقيل : يقطع في خمس دينار ، وهو الأظهر (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومنها : معتبرته الثانية عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا قطع على من سرق الحجارة ، يعني : الرخام وأشباه ذلك»(1) .

   ولكنّ المصرّح به في الجواهر أ نّه لم يوجد عامل بها (2) . وهو على تقدير تحقّقه لا أثر له ، ولا سيّما أنّ بعض من لم يعمل بها ناقش فيها بضعف السند ، ولا وجه للمناقشة عندنا ، ولا سيّما في معتبرة غياث ، فقد وثّقه النجاشي صريحاً (3) ، وليس في السند من يناقش فيه غيره ، فإن تمّ الإجماع فهو ، وإلاّ فالأظهر عدم القطع .

   (1) بيان ذلك : أنّ الروايات الواردة في اعتبار قيمة المسروق في القطع على أربع طوائف :

   الطائفة الاُولى :  ما دلّت على اعتبار كون القيمة ربع دينار :

   منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : في كم يقطع السارق ؟ «قال : في ربع دينار» قال : قلت له : في درهمين ؟ «قال : في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ» قال : قلت له : أرأيت من سرق أقلّ من ربع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 286 /  أبواب حد السرقة ب 23 ح 1 .

(2) الجواهر 41 : 498 .

(3) رجال النجاشي : 305 / 833 .

ــ[356]ــ

دينار، هل يقع عليه حين سرق اسم السارق ، وهل هو عند الله سارق ؟ «فقال : كلّ من سرق من مسلم شيئاً قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه اسم السارق ، وهو عند الله سارق ، ولكن لا يقطع إلاّ في ربع دينار أو أكثر ، ولو قطعت أيدي السرّاق فيما أقلّ هو من ربع دينار لألقيت عامّة الناس مقطّعين» (1) .

   ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يقطع يد السارق إلاّ في شيء تبلغ قيمته مجناً وهو ربع دينار» (2) .

   ومنها : معتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : قطع أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيضة» قلت : وما بيضة ؟ «قال : بيضة قيمتها ربع دينار» قلت : هو أدنى حدّ السارق ؟ فسكت(3) .

   الطائفة الثانية :  ما دلّت على اعتبار أن تكون القيمة خمس دينار :

   منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : أدنى ما يقطع فيه يد السارق خمس دينار» (4) .

   ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : يقطع السارق في كلّ شيء بلغ قيمته خمس دينار إن سرق من سوق أو زرع أو ضرع أو غير ذلك» (5) .

   ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم الثانية ، قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) «أدنى ما تقطع فيه يد السارق خمس دينار ، والخمس آخر الحدّ الذي لا يكون

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 243 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 1 .

(2) الوسائل 28 : 243 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 2 .

(3) الوسائل 28 : 244 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 4 .

(4) الوسائل 28 : 243 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 3 .

(5) الوسائل 28 : 246 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 12 .

ــ[357]ــ

القطع في دونه ، ويقطع فيه وفيما فوقه» (1) .

   ومنها : معتبرة إسحاق بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل سرق من بستان عذقاً قيمته درهمان «قال : يقطع به» (2) ، فإنّه المراد من الدرهمين هو خمس دينار عل ما كان متعارفاً في ذلك الزمان .

   ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) ، قال : سألته عن حدّ ما يقطع فيه السارق «فقال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : بيضة حديد بدرهمين أو ثلاثة» (3) .

   الطائفة الثالثة :  ما دلّت على اعتبار أن تكون القيمة ثلث دينار :

   كمعتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : قطع أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلاً في بيضة» قلت : وأيّ بيضة ؟ «قال : بيضة حديد قيمتها ثلث دينار» فقلت : هذا أدنى حدّ السارق ؟ فسكت(4) .

   ومعتبرة سماعة ، قال : سألته على كم يقطع السارق ؟ «قال : أدناه على ثلث دينار» (5) .

   الطائفة الرابعة :  ما دلّت على اعتبار أن تكون القيمة ديناراً :

   كصحيحة أبي حمزة، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) في كم يقطع السارق؟ فجمع كفّيه ثمّ قال : «في عددها من الدراهم» (6) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 247 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 13 .

(2) الوسائل 28 : 247 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 14 .

(3) الوسائل 28 : 248 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 22 .

(4) الوسائل 28 : 246 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 10 .

(5) الوسائل 28 : 246 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 11 .

(6) الوسائل 28 : 245 /  أبواب حد السرقة ب 2 ح 9 .

ــ[358]ــ

   أقول : أمّا ما دلّ على اعتبار كون قيمة المسروق عشرة دراهم فهو خلاف المقطوع به بين فقهائنا إلاّ العماني ، فإنّه نسب إليه اعتبار كون القيمة ديناراً واحداً (1)، فلا مناص من حملها على التقيّة، لمعارضتها لسائر الروايات ، ومخالفتها لظاهر الكتاب ، وموافقتها لمذهب أبي حنيفة وأصحابه على ما في المغني(2) .

   وأمّا ما دلّ على اعتبار الثلث فهو أيضاً خلاف المقطوع به بين الأصحاب ، ومعارض للروايات المتقدّمة، ومخالف لظاهر الكتاب المجيد، ولايبعد حملها على التقيّة باعتبار أنّ ثلث الدينار يساوي ثلاثة دراهم تقريباً ، وقد ذهب جماعة من العامّة إلى اعتبار ذلك، فيبقى الأمر دائراً بين اعتبار الربع والخمس، والمشهور هو اعتبار الربع، ونسب إلى الصدوق (قدس سره) اعتبار الخمس(3) ، وقد حمل الشيخ (رحمه الله) الروايات الدالّة على اعتبار الخمس على التقيّة (4) ، ولا نعرف لهذا الحمل وجهاً ، فإنّه لم ينقل من العامّة قول باعتبار الخمس ، إذ المعروف بينهم ـ كما مرّ ـ هو اعتبار الربع ، وقد ذكروا أنّ قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «لا تقطع إلاّ في ربع دينار» (5) متّفق عليه ، وقد نسب هذا القول إلى المشاهير منهم ، فحينئذ كان حمل ما دلّ على اعتبار ربع دينار على التقيّة هو الأقرب ، ومع الإغماض عن ذلك فالروايات متعارضة ، والترجيح مع روايات الخمس، لموافقتها لظاهر الكتاب، وموافقة الكتاب أوّلُ مرجّح في مقام التعارض .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه عنه العلاّمة في المختلف 9 : 214 .

(2) المغني لابن قدامه 10 : 239 .

(3) حكاه في الجواهر 41 : 496 ، ولاحظ المقنع : 444 والهداية : 296 والفقيه 4 : 45 / 16 و 17 .

(4) التهذيب 10 : 102 / 395 ،  الاستبصار 4 : 240 / 908 .

(5) مسند أحمد 6 : 104 و 249 ، صحيح مسلم 3 : 1312 / 2 و 3 ، سنن ابن ماجة 2 : 862 / 2585 .

ــ[359]ــ

   (مسألة 234) : من نبش قبراً وسرق الكفن قطع (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   بيان ذلك :  أنّ مقتضى الإطلاق في الآية المباركة وجوب القطع في السرقة مطلقاً ، قليلاً كان المسروق أم كثيراً ، ولكنّا علمنا من الخارج أ نّه لا قطع في أقلّ من خمس ، فترفع اليد عن إطلاق الآية بهذا المقدار ، وأمّا التخصيص الزائد فلم يثبت ، لمعارضة ما دلّ على ذلك بالروايات الدالّة على اعتبار الخمس ، فتطرح من ناحية مخالفتها لظاهر الكتاب .

   فالنتيجة :  أنّ القول باعتبار الخمس هو الأظهر .

   (1) على المشهور شهرة عظيمة ، بل ادّعي عليه الإجماع ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :

   منها : معتبرة إسحاق بن عمار : «أنّ عليّاً (عليه السلام) قطع نبّاش القبر ، فقيل له : أتقطع في الموتى؟ فقال : إنّا نقطع لأمواتنا ، كما نقطع لأحيائنا» (1) .

   ومنها : صحيحة حفص بن البختري ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «حدّ النبّاش حدّ السارق» (2) .

   وقيل ـ كما عن المقنع والفقيه(3) ـ : أ نّه يعتبر في ذلك نبشه مراراً عديدة ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :

   منها: صحيحة الفضيل عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: النبّاش إذا كان معروفاً بذلك قطع»(4).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 281 /  أبواب حد السرقة ب 19 ح 12 .

(2) الوسائل 28 : 278 /  أبواب حد السرقة ب 19 ح 1 .

(3) المقنع : 447 ، الفقيه 4 : 47 / 162 .

(4) الوسائل 28 : 282 /  أبواب حد السرقة ب 19 ح 15 .

ــ[360]ــ

   ومنها : رواية علي بن سعيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل اُخذ وهو ينبش ؟ «قال : لا أرى عليه قطعاً ، إلاّ أن يؤخذ وقد نبش مراراً فأقطعه» (1) .

   ومنها : روايته الثانية ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن النبّاش ؟ «قال : إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويعزّر» (2) .

   وهاتان الروايتان لا يمكن الأخذ بهما ، فإنّ علي بن سعيد لم يرد فيه توثيق ولا مدح . وأمّا صحيحة الفضيل ـ فمضافاً إلى أنّ المعروفيّة غير التكرّر ، فقد يكون العمل متكرّراً ولا يكون فاعله معروفاً به والمفروض أنّ الصدوق (قدس سره) أخذ موضوع الحكم التكرّر دون المعروفيّة ، فالرواية لم يوجد عامل بها أصلاً ـ معارضة بمعتبرة إسحاق بن عمار المتقدّمة ، فإنّ مقتضاها عدم الفرق بين الميّت والحيّ ، فكما أنّ القطع في السارق من حيّ لا يعتبر فيه تكرّر السرقة كذلك السارق من ميّت ، ومع المعارضة لا بدّ من الرجوع إلى إطلاق ما دلّ على أنّ السارق يقطع .

   وغير بعيد حمل الروايات على التقيّة ولو في الجملة ، فإنّ أبا حنيفة والثوري ذهبا إلى عدم القطع ، لأ نّهما لم يعتبرا القبر حرزاً (3) .

   وعلى ذلك تحمل أيضاً صحيحة عيسى بن الصبيح عن أبي عبدالله (عليه السلام) : عن الطرّار والنبّاش والمختلس «قال : لا يقطع» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 281 /  أبواب حد السرقة ب 19 ح 11 .

(2) الوسائل 28 : 281 /  أبواب حد السرقة ب 19 ح 13 .

(3) المغني لابن قدامه 10 : 276 .

(4) الوسائل 28 : 282 /  أبواب حد السرقة ب 19 ح 14 .

 
 

ــ[361]ــ

هذا إذا بلغت قيمة الكفن نصاباً ، وقيل : يشترط ذلك في المرّة الاُولى دون الثانية والثالثة ، وقيل : لا يشترط مطلقاً ، ووجههما غير ظاهر (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وقد سها قلم صاحب الوسائل (قدس سره) ونسب الرواية هنا إلى الفضيل ، واحتمل الشيخ (قدس سره) وقوع السقط في هذه الرواية(1) ، فإنّ عيسى بن الصبيح روى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الطرّار والنبّاش والمختلس «قال: يقطع الطرّار والنبّاش ولايقطع المختلس»(2).

   وما احتمله (قدس سره) جيّد .

   (1) القائل بالاعتبار في المرّة الاُولى دون غيرها هو ابن إدريس في أوّل كلامه(3) ، والقائل بعدم الاعتبار مطلقاً هو الشيخ (قدس سره) وابن إدريس (قدس سره) في آخر كلامه(4) .

   ولكن ليس لهما وجه ظاهر ، فإنّ مقتضى معتبرة إسحاق بن عمّار المتقدّمة وغيرها التساوي بين الميّت والحيّ في حكم السرقة ، فإذا كان القطع في السرقة من الحيّ مشروطاً ببلوغ قيمة المسروق نصاباً كان الحكم كذلك في السرقة من الميّت ، من دون فرق في ذلك بين المرّة الاُولى وغيرها .

   بقي هنا شيء :  وهو أ نّه قد ورد في بعض الروايات : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اُتي برجل نبّاش فأخذ بشعره فضرب به الأرض ، ثمّ أمر الناس أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإستبصار 4 : 247 / 938 .

(2) الوسائل 28 : 281 /  أبواب حد السرقة ب 19 ح 10 .

(3) السرائر 3 : 512 .

(4) النهاية : 722 ، السرائر 3 : 514 ـ 515 .

ــ[362]ــ

يطؤوه بأرجلهم فوطؤوه حتى مات .

   وحمل الشيخ (قدس سره) ذلك على ما إذا تكرّر منه الفعل وجرى عليه الحدّ في المرّة الاُولى والثانية ، فإنّه يقتل في الثالثة ، والإمام مخيّر في قتله كيف ما شاء(1) .

   وهذا الحمل وإن كان لا بأس به ، إلاّ أنّ ما ورد فيه ضعيف سنداً ، فإنّ ابن أبي عمير روى ذلك عن غير واحد من أصحابنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(2) ورواها أبو يحيى الواسطي مرسلةً عن أبي عبدالله (عليه السلام)(3) .

   نعم ، روى ذلك صاحب الوسائل (قدس سره) عن الصدوق (قدس سره) بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام)(4) ، وطريق الصدوق إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) صحيح ، ولكنّ الظاهر أنّ الأمر اشتبه على صاحب الوسائل ، فإنّ هذه الرواية رواها الصدوق (قدس سره) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مرسلةً ، وما يرويه عنه (عليه السلام) مرسلاً أجنبي عمّا يرويه عن قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) .

   وعلى ذلك ، فالروايات بأجمعها ضعيفة ، ولو أغمضنا عن السند فهي قضيّة في واقعة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 10 : 118 / 470 ـ 471 .

(2) الوسائل 28 : 279 /  أبواب حد السرقة ب 19 ح 3 .

(3) الوسائل 28 : 282 /  أبواب حد السرقة ب 19 ح 17 .

(4) الوسائل 28 : 280 /  أبواب حد السرقة ب 19 ح 8 ، الفقيه 4 : 47 / 163 و 164 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net