اشتراط الرّطوبة في الحكم بالنّجاسة - عدم نجاسة العالي بملاقاة السّافل للنّجاسة إذا كان جارياً من العالي 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8567


ــ[183]ــ

 فصل

في كيفية تنجّس المتنجسات

    يشترط (1) في تنجس الملاقي للنجس أو المتنجس أن يكون فيهما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل

في كيفية تنجّس المتنجسات

    (1) وذلك للارتكاز حيث لا يرى العرف نجاسة ملاقي النجس أو المتنجس وتأثره من شيء منهما مع الجفاف . وأما الأخبار الواردة في نجاسة ملاقي النجس أو المتنجس من غير تقييدها بما إذا كان فيهما أو في أحدهما رطوبة مسرية ، فقد ورد بعضها في مثل ملاقي البول أو الماء المتنجس ونحوهما مما فيه الميعان ، والرطوبة في مثله مفروغ عنها لا محالة ، وهذا كما في الأخبار الآمرة بغسل ما أصابه البول(1) وموثقة عمّار الآمرة بغسل كل ما لاقاه الماء المتنجس(2) وورد بعضها الآخر فيما لا رطوبة مسرية فيه من غير أن تقيد نجاسة الملاقي بما إذا كانت في أحد المتلاقيين أو في كليهما رطوبة مسرية وهذا كما في صحيحة محمّد بن مسلم(3) وحسنته(4) الآمرتين بغسل المكان الذي أصابه الكلب أو بغسل اليد إذا مسسته ، إلاّ أنه لا مناص من رفع اليد عن إطلاقها بالارتكاز ، لأنّ ملاقاة اليابس مع مثله مما لا أثر له عند العرف ، ومن هنا حملنا ما ورد في خصوص الميتة من الأمر بغسل ما أصابته مطلقاً من غير تقييده بما إذا كان في أحد المتلاقيين أو في كليهما رطوبة مسرية(5) ـ على الاستحباب ، وقلنا إنّ ملاقاتها مع الجفاف غير مؤثرة في نجاسة الملاقي .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 395 / أبواب النجاسات ب 1 ح 1 ـ 7 .

(2) الوسائل 1 : 142 / أبواب الماء المطلق ب 4 ح 1 .

(3) ، (4) الوسائل 3 : 416 / أبواب النجاسات ب 12 ح 8 ، 9 .

(5) الوسائل 3 : 461 / أبواب النجاسات ب 34 ح 1 ، 2 ، 3 وغيرها .

ــ[184]ــ

أو في أحدهما رطوبة مسرية فاذا كانا جافين لم ينجس ، وإن كان ملاقياً للميتة . لكن الأحوط غسل ملاقي ميت الانسان قبل الغسل وإن كانا جافين ، وكذا لا ينجس إذا كان فيهما أو في أحدهما رطوبة غير مسرية (1) . ثم إن كان الملاقي للنجس أو المتنجس مائعاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأما وجوب الغسل بملاقاة ميت الآدمي بعد برده وقبل تغسيله ولو مع الجفاف فهو أمر آخر ، لأن الكلام إنما هو في تأثير ملاقاة النجس مع الجفاف من حيث الخبث لا من ناحية الحدث . والوجه في هذا كله هو الارتكاز ، وما ورد من تعليل عدم نجاسة ملاقي النجس بأنه يابس كما في حسنة محمد بن مسلم في حديث «أنّ أبا جعفر (عليه السلام) وطئ على عذرة يابسة فأصاب ثوبه ، فلما أخبره قال: أليس هي يابسة ؟ قال: بلى ، فقال : لا بأس» (1) . وموثقة عبدالله بن بكير قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط، قال: كل شيء يابس زكي»(2) .

   هذا  كلّه مضافاً إلى أن الأوامر المطلقة الواردة بغسل ما أصابه النجس(3) ظاهرة في أنفسها في اعتبار الرطوبة في أحد الملاقيين ، فان الغسل عبارة عن إزالة الأثر ، والأثر إنما يتحقق بملاقاة النجس مع الرطوبة المسرية حيث لا تأثير في الملاقاة مع الجفاف فهذه الأخبار أيضاً شاهدة على أن الرطوبة المسرية معتبرة في نجاسة ملاقي النجس أو المتنجس . فالمتحصل أن اعتبار الرطوبة في تأثير النجاسات مما لا إشكال فيه .

   (1) إن الرطوبة باطلاقها غير كافية في الحكم بنجاسة الملاقي وتأثره من النجس بل يعتبر أن تكون مسرية بالارتكاز بأن ينتقل بعض الأجزاء المائية في النجس إلى

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 444 / أبواب النجاسات ب 26 ح 14 .

(2) الوسائل 1 : 351 / أبواب أحكام الخلوة ب 31 ح 5 . ثم إن الرواية وإن عبّر عنها بالموثقة في كلماتهم إلاّ أن في سندها محمد بن خالد والظاهر أنه محمد بن خالد الأشعري الذي لم تذكر وثاقته في الرجال .

(3) كما في الروايتين المتقدمتين عن محمد بن مسلم [ في ص 183 ] وغيرهما من الأخبار .

ــ[185]ــ

تنجس كله كالماء القليل المطلق ، والمضاف مطلقاً ، والدهن المائع ونحوه من المائعات (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملاقيه ، فالرطوبة التي لا تعد ماء بالنظر العرفي ـ  كما في رطوبة الطحين والملح الموضوعين على مكان رطب من سرداب ونحوه إذا كانت مكتسبة من الماء النجس  ـ غير كافية في الحكم بنجاسة الملاقي ، وذلك لأن الرطوبة وإن كانت بالنظر العقلي هي الأجزاء الدقيقة المائية غير القابلة للابصار ـ  كما الحال في البخار لأنه أيضاً أجزاء صغار من الماء يتصاعد بالحرارة إلى الهواء من غير أن تشاهد فيه الأجزاء المائية فالرطوبة جوهر وماء وليست عرضاً بوجه ، وإلاّ استحال انتقالها من شيء إلى شيء لاستحالة انتقال العرض كما هو ظاهر  ـ إلاّ أنها تعد بالنظر العرفي عرضاً ولا تعد ماء عندهم ، ومن هنا لا يحكم بنجاسة الرطوبة لأنها عرض ، فهي لا تقبل النجاسة كما لا تؤثر في نجاسة الملاقي لأنها أمر آخر وراء الماء المتنجس ، ولأجل هذا حكمنا بطهارة الثوب الذي صبغ بالدم النجس بعد غسله وإن كان لونه باقياً في الثوب وكذا في الحناء المتنجس ، لأن الألوان بحسب الدقة وإن كانت من الجواهر كالدم والحناء ونحوهما ـ  وغاية الأمر أنها أجزاء صغار غير قابلة للمشاهدة بالأبصار ، إذ لو كانت من الأعراض حقيقة استحال فيها الانتقال مع أن انتقالها من مثل الدم والحناء إلى ملاقيهما مما لا خفاء فيه ـ إلاّ أنها بالنظر العرفي من الأعراض ، فهي ليست دماً ولا حناء ولا غيرهما من الأعيان النجسة أو المتنجسة فلا تتنجس في أنفسها كما لا تؤثر في ملاقيها .

   (1) قد يكون ملاقي النجس أو المتنجس مائعاً وقد يكون جامداً ، والمائع إما ماء وإما غيره من زيت ودهن وأمثالهما ، كما أنّ الماء مطلق أو مضاف . أما الماء المطلق فلا  كلام في انفعاله بملاقاة النجس أو المتنجس إذا لم يكن بالغاً قدر كر وإن لم تكن النجاسة ملاقية لجميع أجزائه ، حيث إن إصابة النجس لجزء من أجزائه كافيـة في تنجس الجميع ، فإذا لاقى طرفه الشرقي نجساً فيحكم بنجاسة طرفه الغربي أيضاً لأنه ماء واحد أصابته النجاسة . ومن هذا يظهر الحال في غير الماء من المائعات كالأدهان

ــ[186]ــ

والزيوت ، لأن حكمها حكم الماء القليل كما مرّ في محله . أما الماء المضاف فهو أيضاً يتنجس بأجمعه عند ملاقاة جزء منه نجساً سواء كان قليلاً أم كثيراً ، لأن الكرية إنما هي عاصمة في الماء دون المضاف وقد تقدم كل ذلك في محله .

   أما الملاقي الجامد كالثوب والأرض ونحوهما مع الرطوبة المسرية في كل من المتلاقيين أو في أحدهما فالنجاسة فيه مختصة بموضع الملاقاة منه دون جميع أجزائه ، لأنّ الجامد إما أن يكون غير الموضع الملاقي منه جافاً ، وإما أن يكون مرطوباً بالرطوبة المسرية . أما مع جفاف غير موضع الملاقاة منه فلا كلام في عدم تنجس الجميع بنجاسة جزئه ، وهذا مضافاً إلى أنه المطابق للقاعدة لأن النجس لم يلاق تمامه ، مورد للنصوص منها : صحيحة زرارة «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها» (1) .

   وأمّا إذا  كان بقيّة أجزائه رطباً برطوبة غير مسرية ، فلظهور أن الملاقاة مع النجس مختصة بموضع منه فلا موجب لتنجس الجميع وإن كانت فيه رطوبة ، إلاّ أنّ الرطوبة غير المسرية في حكم الجفاف حيث إنها غير معدودة من الجواهر ، والعرض لا يتنجّس كما أنه لا ينجّس لعـدم كون العـرض ماءً ولا غـيره من النجاسـات والمتنجسات ، وهذا كله ظاهر .

   وإنما  الكلام فيما إذا كان الملاقي الجامد رطباً برطوبة مسرية كالأرض الممطورة بعد انقطاع المطر فهل يحكم بنجاسة الجميع إذا لاقى جزء منه النجس نظراً إلى اتصال أجزائه ورطوبتها ، فاذا تنجس جزء منه يتنجس جزؤه المتصل به بملاقاته وهو يلاقي الجزء الثالث المتصل به فينجسه وهكذا إلى أن تنتهي أجزاؤه ، أو أن المتنجس إنما هو خصوص الموضع الملاقي منه للنجس دون بقية أجزائه وإن كانت مشتملة على رطوبة مسرية ؟ الثاني هو الصحيح لأن الظاهر أن الاتصال بما أنه كذلك لا يكفي في الحكم بالنجاسة لعدم كونه موضوعاً لها ، إذ الموضوع المترتب عليه التنجس هو الاصابة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 3 : 402 / أبواب النجاسات ب 7 ح 2 .

ــ[187]ــ

نعم ، لا ينجس العالي بملاقاة السافل إذا كان جارياً من العالي (1) ، بل لا ينجس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والملاقاة ، وإصابة النجس وملاقاته مختصتان بجزء من الجامد وغير متحققتين في الجميع ، ولم يقم دليل على أن الاتصال يوجب النجاسة . نعم ، لو انفصل جزء من ذلك الجامد ثم اتصل بالموضع المتنجس منه يحكم بنجاسة ذلك الجزء لصدق إصابة النجس وملاقاته بالاتصال ، كما إذا أخذنا مقداراً من الطين ثم ألقيناه على الموضع المتنجس منه ، لصدق أنه لاقى نجساً وأصابه . ففرق واضح بين الاتصال قبل تنجس موضع من الجسم وبين الاتصال بعد تنجسه ، والفارق هو الصدق العرفي فان الملاقاة والاصابة تصدقان في الثاني دون الأوّل ، هذا .

   بل يمكن دعوى القطع بعدم تنجس تمام الجسم الجـامد بتنجس بعضـه ، وذلك لاستلزامه الحكم بنجاسة جميع البلد بسطوحه ودوره وأرضه إذا كانت مبتلّة بالمطر مثلاً وقد بال أحد في جانب من البلد وهو مقطوع العدم ، فالاتصال غير كاف في الحكم بنجاسة الجسم ، وقد خرجنا عن ذلك في الماء والدهن ونحوهما من المائعات للدليل ، حيث قلنا بانفعال جميع أجزائها إذا أصابت النجاسة طرفاً منها لأن الاتصال مساوق للوحدة وهو ماء أو مائع واحد لاقاه نجس فيتنجس لا محالة .

   (1) بمعنى أن ما ذكرناه من الحكم بنجاسة جميع الماء القليل بملاقاة جزء منه نجساً يختص بما إذا كان واقفاً ، وأما إذا كان جارياً من الأعلى إلى الأسفل وكان النجس أسفلهما فلا يحكم بنجاسة السطح العالي بملاقاته ، فلو صبّ ماء من الابريق على يد الكافر مثلاً لا يحكم بنجاسة الماء الموجود في الابريق بتنجس السافل منه حيث لاقى يد الكافر هذا .

   بل ذكـرنا في مبحث المياه أن المناط والاعتبار إنما هما بخروج الماء بقوّة ودفع ولا  يعتبر في عدم انفعال الماء أن يكون عالياً ، بل لو كان أسفل من الماء المتنجِّس أيضاً لا يحكم بنجاسته إذا خرج بقوّة ودفع وهذا كما في الفوّارات ، لأنّ تنجّس العالي في مثلها غير مستلزم لتنجس أسفله حيث إنّ القوة والدفع توجبان التعدّد عرفاً . ولا يفرق في ذلك بين الماء وغيره من المائعات ، وقد تقدّم هذا  كلّه سابقاً وإنما أشرنا إليه في المقام تبعاً للماتن (قدس سره) .

ــ[188]ــ

السافل بملاقاة العالي إذا كان جارياً من السافل كالفوّارة ، من غير فرق في ذلك بين الماء وغيره من المائعات. وإن كان الملاقي جامداً اختصت النجاسة بموضع الملاقاة سواء كان يابساً  كالثوب اليابس إذا لاقت النجاسـة جزءاً منه ، أو رطباً كما في الثوب المرطوب أو الأرض المرطوبة ، فانه إذا وصلت النجاسة إلى جزء من الأرض أو الثوب لا يتنجّس ما يتّصل به وإن كان فيه رطوبة مسرية ، بل النجاسة مختصة بموضع الملاقاة ، ومن هذا القبيل الدهن والدبس الجامـدان ، نعم لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثم اتصل تنجس موضع الملاقاة منه ، فالاتصال قبل الملاقاة لا يؤثر في النجاسة والسراية بخلاف الاتصال بعد الملاقاة . وعلى ما ذكر فالبطِّيخ والخيار ونحوهما مما فيه رطوبة مسرية إذا لاقت النجاسة جزءاً منها لا تتنجس البقيّة، بل يكفي غسل موضع الملاقاة إلاّ إذا انفصل بعد الملاقاة ثم اتصل .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net