الشكّ في رطوبة أحد المتلاقيين أو في السِّراية - هل يتنجّس الحيوان وعلى تقديره فهل يطهر بزوال العين ؟ 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 10309


   [ 229 ] مسألة 1 : إذا شك في رطوبة أحد المتلاقيين ، أو علم وجودها وشك في سرايتها لم يحكم بالنجاسة (1) ، وأما إذا علم سبق وجود المسرية وشك في بقائها فالأحوط الاجتناب وإن كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو عن وجه ((1)) (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إذا شككنا في ملاقاة شيء للنجس أو علمنا بملاقاتهما وشككنا في وجود الرطوبة فيهما أو في أحدهما أو علمنا بها أيضاً وشككنا في كونها مسرية ففي جميع ذلك يحكم بطهارته ، لعدم العلم بتحقّق الموضوع للحكم بالنجاسة ومع الشك قاعـدة الطهارة محكّمة .

   (2) يبتني جريان الاستصحاب في بقاء الرطوبة المسرية لاثبات نجاسة الملاقي على تحقيق أنّ الموضوع في الحكم بنجاسـته ما هو ؟ فان قلنا أنّ موضـوعه السراية ـ  كما قدّمناه آنفاً وقلنا إنّ اعتبارها هو الأظهر لأنه الذي يقتضيه الارتكاز العرفي وما أسبقنا ذكر0 من الأخبار  ـ فلا يمكننا استصحاب بقاء الرطوبة لإثبات سرايتها إلى الملاقي إلاّ على القول بالاُصول المثبتة ، وحيث إن السراية غير ثابتة فلا يمكننا الحكم بنجاسة الملاقي بالاستصحاب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا الوجه هو الأظهر .

ــ[189]ــ

   [ 230 ] مسألة 2 : الذباب الواقع على النجس الرطب إذا وقع على ثوب أو بدن شخص ، وإن كان فيهما رطوبة مسرية لا يحكم بنجاسته إذا لم يعلم مصاحبته لعين النجس ، ومجرد وقوعه لا يستلزم نجاسة رجله لاحتمال كونها مما لا تقبلها ((1))، وعلى فرضه فزوال العين يكفي ((2)) في طهارة الحيوانات (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأمّا إذا قلنا إن موضوع الحكم بنجاسته عبارة عن ملاقاته مع النجس أو المتنجس حال رطوبتهما أو رطوبة أحدهما فلا مانع من استصحاب بقاء الرطوبة حينئذ ، فانّ ملاقاتهما محرزة بالوجدان فإذا أثبتنا رطوبتهما أو رطوبة أحدهما بالاستصحاب فلا محالة يتحقّق الموضوع للحكم بنجاسة الملاقي . وأما إذا شككنا في ذلك ولم ندر أن الموضوع في الحكم بنجاسته هو السراية أو الملاقاة مع رطوبة أحدهما ، فأيضاً لا مجال لإجراء الاستصحاب في المقام للشك في أن بقاء الرطوبة يتترتّب عليه أثر أو لا أثر له ، ولا مناص معه من الرجوع إلى قاعدة الطهارة وهي تقتضي الحكم بطهارة الملاقي في مفروض المسألة . وقد ظهر من ذلك أن الاحتياط في كلام الماتن استحبابي ، وأن الوجه في قوله : «إن الحكم بعدم النجاسة لا يخلو عن وجه» هو الأظهر الوجيه كما أشرنا إليه في تعليقاتنا على المتن .

   (1) قد حكم (قدس سره) بطهارة ما لاقاه الذباب ونحوه من الحيوانات الملاقية مع النجس الرطب بقاعدة الطهارة ، لاحتمال أن لا يتأثر بدن الحيوان بالنجاسة ولا يقبل الرطوبة من النجس كما قيل بذلك في الزئبق ونحوه ، أو من جهة أن زوال عين النجس مطهّر لبدنه كما يأتي في محلِّه(3) . وتفصيل الكلام في المقام : أنه لا ينبغي التأمل في أن زوال العين عن بدن الحيوان كاف في الحكم بطهارته من غير حاجة في ذلك إلى عروض أي مطهّر عليه ، وذلك لأن أكثر الحيوانات بل جميعها مما نعلم بنجاسته ـ  ولو حين ولادته  ـ بدم النفـاس ، ومع القطع بعدم طرو أي مطهّر عليه ـ  ولا سيما في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا الاحتمال خلاف الوجدان .

(2) لا تبعد كفاية احتمال الزوال أيضاً لاطلاق النص .

(3) المسألة  [ 385 ] (العاشر من المطهرات) .

ــ[190]ــ

الصحاري والقفار لقلة الماء وعزّته  ـ يعامل معه معاملة الأعيان الطاهرة بعد زوال العين عنه ، فطهارة بدن الحيوان بعد زوال العين مما لا ريب فيه .

   ثم إن الشك في تنجس ما وقع عليه مثل الذباب في مفروض المسألة من ثوب أو بدن ونحوهما ، قد يكون مستنداً إلى الشك في السراية من جهة الشك في رطوبة الجسم الملاقي أو الشك في بقاء الرطوبة النجسة في رجل الذباب مثلاً ، حيث علمنا بوقوعه على النجس الرطب وقد كانت رجله مشتملة على عين النجس ورطوبتها يقيناً ، إلاّ أ نّا نشك في بقائها فيما إذا طار عن العين النجسة ووقع على الثوب أو البدن الجاف أو الرطب بغير رطوبة مسرية ، ففي مثل ذلك لا يحكم بنجاسة ما وقع عليه الذباب مثلاً باستصحاب بقاء الرطوبة ، لما عرفت من أنه لا يثبت سراية النجاسة إلى الملاقي إلاّ على القول بالأصل المثبت . ولا يفرق في ذلك بين القول بتنجس بدن الحيوان وطهارته بزوال العين عنه وبين القول بعدم تنجسه من الابتداء .

   وقد يستند إلى الشك في بقاء العين النجسة أو المتنجسة في رجل الذباب مثلاً مع العلم برطوبة الشيء الذي وقع عليه الذباب كالماء أو الثوب أو البدن الرطبين ونحوها مما نعلم أن فيه رطوبة مسرية ، ويفصّل في هذه الصورة بين ما إذا قلنا بتنجس بدن الحيوان وطهارته بزوال العين عنه ، وبين ما إذا قلنا بعدم تنجسه من الابتداء ، فانه على الأوّل قد علمنا بنجاسة رجل الذباب في المثال وقد فرضنا أنه لاقاه ماء أو ثوب فيه رطوبة مسرية بالوجدان فلا مناص معه من الحكم بنجاستهما ، ومجرّد الشك في زوال النجاسة عنه لا يوجب الحكم بطهارة الملاقي بل يحكم ببقائها وعدم زوال النجاسة عن الحيوان بالاستصحاب . وأما على الثاني فلا يمكننا الحكم بنجاسة ملاقي بدن الحيوان ، لعدم نجاسة بدنه على الفرض . وأما اشتماله على عين النجس فهو وإن كان قطعياً في زمان إلاّ أن استصحاب بقائها على بدنه إلى حين ملاقاته الماء أو الثوب لا يثبت أنه لاقى النجس للشك في أنه لاقى رجل الذباب أو لاقى العين النجسة الموجودة على رجله ، فالتعبد ببقاء العين على رجله لا يثبت ملاقاة الماء أو الثوب مع النجس إلاّ على القول بالأصل المثبت .

   وبعبارة واضحة الموضوع المعلوم في الخارج وهو ملاقاة الماء لرجل الذباب مثلاً

ــ[191]ــ

لا أثر له ، إذ المفروض أن بدن الحيوان لا ينجس ، وما هو موضوع الأثر وهو ملاقاة الماء مع العين الملاقية لرجل الذباب لم يحرز إلاّ على القول بالأصل المثبت ، فإذن لا يحكم بنجاسة الماء .

   والتفصيل بذلك هو الذي ذهب إليه المشهور وهو الوجه المؤيد المنصور ، إلاّ أنه قد  يقال بعدم نجاسة ملاقي الحيوان مطلقاً ولو على القول بتنجس بدنه وذلك لعدم جريان الاستصحاب في الحيوان نفسه ، لأن زوال العين مطهّر للحيوان على الفرض فنجاسة بدنه إنما هي ما دام لم تزل عنه عين النجس ، فلو حكمنا بنجاسة ملاقي الحيوان حينئذ ـ مع الشك في بقاء العين وزوالها ـ فهو من جهة استصحاب بقاء العين النجسة وعدم زوالها عن بدنه ، ولكن الاستصحاب غير جار لأنّ الاُصول العملية التي منها الاستصحاب يعتبر في جريانها أن يترتب عليها أثر عملي ـ  كما هو مقتضى كونها أصلاً عملياً  ـ ولا أثر لنجاسة بدن الحيوان في المقام ، لأن الملاقي إنما يلاقي العين النجسة قبل أن يلاقي الحيوان بزمان فالأثر الذي هو نجاسة الملاقي مستند إلى ملاقاة نفس العين النجسة لا إلى ملاقاة عضو الحيوان ليستصحب نجاسته .

   ولا يخفى فساده وذلك لأن هذا القائل إن أراد أن الحكم بالنجاسة في ظرف اليقين ببقاء العين لا أثر له فان نجاسة الملاقي يستند إلى ملاقاة العين لا إلى ملاقاة المحل فيردّه : أن للنجاسة أحكاماً  اُخر غير نجاسة الملاقي فلا مانع من الحكم بها من جهة تلك الآثار ، ومع ذلك لا مانع من الاستصحاب والحكم بنجاسة الملاقي بقاءً ، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون الأثر أثراً للمتيقن حدوثاً بل يكفي أن يكون أثراً له بقاءً . وإن أراد أن الاستصحاب لا يترتب عليه الحكم بنجاسة الملاقي ، فان العين إذا كانت باقية فنجاسة الملاقي مستندة إلى ملاقاتها ، وإن لم تكن باقية فالمحل طاهر ولا أثر لملاقاته فبالنتيجة نعلم وجداناً بعدم تنجس الملاقي بملاقاة المحل فكيف يمكن الحكم به بالتعبد ببقاء نجاسة المحل ، فيرد عليه : أن الحكم بنجاسة الملاقي ليس مسبباً ومعلولاً للملاقاة ونجاسة الملاقى بأن يكون حكماً شرعيّاً مترشحاً من موضوع خارجي أو من حكم شرعي آخر ، فان الأحكام الشرعية كلّها  اعتبارات خاصّة لا تنشأ إلاّ من إرادة من بيده الاعتبار ويستحيل أن تنشأ من أمر تكويني أو من اعتبار

ــ[192]ــ

تشريعي ، وعليه فالحكم بنجاسة الملاقي إنما يترتب على الملاقاة الخارجية وعلى نجاسة ما لاقاه ترتّب الحكم على موضوعه لا ترتّب المعلول على علّته ، ومعه لا  يضر بالاستصحاب العلم بنجاسة الملاقي قبل أن يلاقي ما حكم بنجاسته بالتعبد على تقدير نجاسته واقعاً ، وذلك كما إذا علمنا بطهارة جسم بعينه وبنجاسة جسم آخر كذلك ثم علمنا إجمالاً بعدم بقائهما على ما كانا عليه فاما أن الجسم الطاهر قد تنجس أو أن النجس قد طهر فانه حينئذ لا إشكال في جريان الاستصحاب في كل منهما فيحكم بطهارة ما كان طاهراً وبنجاسة ما كان نجساً ، ثم إذا لاقى الجسم المحكوم بطهارته ما حكم بنجاسته فلا ينبغي الشك في الحكم بنجاسته ، مع أ نّا نعلم أنه لم يتنجس من قِبَل هذه الملاقاة إذ المفروض أ نّا نعلم أنه إما كان نجساً قبل الملاقاة أو أن ما لاقاه طاهر ، وليس ذلك إلاّ من جهة ما ذكرناه من أنه لا تأثير ولا تأثر في الأحكام الشرعية وإنما هي اعتبارات شرعية تترتب على الاُمور الخارجية ترتب الأحكام على موضوعاتها لا ترتّب المعاليل على عللها .

   فالمتحصل : أنّ ما ذهب إليه المشهور من التفصيل بين المسلكين والحكم بجريان استصحاب النجاسة على الأول هو الصحيح . هذا كله حسبما تقتضيه القاعدة في نفسها إلاّ أ نّا لا نقول باستصحاب النجاسة على كلا  المسلكين نظراً إلى النصوص الواردة في المسألة وهي كثيرة : منها ما ورد من نفي البأس عن التوضؤ أو الشرب مما شرب منه باز أو صقر أو نحوهما من جوارح الطيور فيما إذا لم ير في منقارها دم(1) . ومنها : ما ورد من نفي البأس عن الصلاة في ثوب وقع عليه الدود من الكنيف إلاّ أن يرى فيه أثر(2) . ومنها غير ذلك من الأخبار ، حيث إن موردها بعينه ما نحـن بصدده للقطع بنجاسة الدود قبل خروجه من الكنيف إلاّ أنه (عليه السلام) حكم بطهارته ما دام لم ير فيها عين النجس فالحكم بنجاسته منوط برؤية العين فيه ، وأما مع الشك في بقائها على الحيوان وعدمه فلا بدّ من الحكم بطهارته ، لأنّ الاستصحاب إنما يقوم مقام العلم بما أنه علم كاشف ولا يقوم مقام الرؤية التي هي بمعنى العلم الوجداني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كموثقة عمّار المرويّة في الوسائل 1 : 230 / أبواب الأسآر  ب 4 ح 2 ، 4 .

(2) وهو صحيحة علي بن جعفر المرويّة في الوسائل 3 : 526 / أبواب النجاسات ب 80 ح 1 .

ــ[193]ــ

حيث إنه الظاهر منها بعد القطع بعدم مدخلية خصوص الرؤية في الحكم بنجاسته ، إذ لو علم بها علماً وجدانياً ـ ولو من غير طريق الرؤية ـ كما إذا علم بها باللّمس في اللّيل المظلم أيضاً يحكم بنجاسته ، وحيث إنه قد اُخذ في موضوع الحكم بما أنه صفة وجدانية فلا يقوم الاستصحاب مقامه ، ومعه لا بد من الحكم بطهارة الحيوان عند الشك في بقاء العين على بدنه وزوالها عنه بلا فرق في ذلك بين القول بعدم تنجس الحيوان من الابتداء وبين القول بتنجسه وطهارته بزوال العين عنه .

   هذا ، ثم لو تنزلنا عن ذلك وقلنا إن الرؤية كناية عن العلم الكاشف سواء كان وجدانياً أم تعبدياً ، أو عملنا بما ورد في بعضها من قوله (عليه السلام) : «وإن لم تعلم أن في منقارها قذراً توضأ منه واشرب» (1) وقلنا إنّ المراد بالعلم فيها أعم من الوجداني والتعبّدي كما في قوله (عليه السلام) : «كل شيء نظيف حتى تعلم ...»(2) وقوله (عليه السلام) : «كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف ...»(3) فلا مناص من الحكم بنجاسة ملاقي الحيوان بالاستصحاب لأنه يقوم مقام العلم الطريقي وبه يثبت بقاء النجاسة على بدنه بلا فرق في ذلك بين المسلكين ، فان استصحابها لا يكون مثبتاً حينئذ على القول بعدم تنجس بدن الحيوان ، وذلك لأنه إنما يكون مثبتاً فيما إذا اعتبرنا في موضوع الحكم بنجاسة الملاقي ملاقاته للعين النجسة كما هو الحال مع قطع النظر عن الأخبار ، وأما إذا قلنا إن الموضوع في الحكم بنجاسة الملاقي إنما هو ملاقاته لعضو من أعضاء الحيوان ـ  كالمنقار  ـ لأنه مقتضى الروايات المتقدِّمة ، حيث دلّت على نجاسة ما لاقاه منقار الجوارح أو غيرها مشروطاً بما إذا علمت أن في منقارها قذراً ، فلا يكون الاستصحاب مثبتاً بوجه لاحراز ما هو الموضوع بنجاسة الملاقي ـ  وهو ملاقاة المنقار مثلاً  ـ بالوجدان كما أن شرطه ـ  وهو وجود النجاسة فيه ـ محرز بالاستصحاب. هذا ولكن الأظهر أنّ الرؤية بمعنى خصوص العلم الوجداني ومعه لا يترتّب على استصحاب بقاء النجاسة أثر على كلا المسلكين .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 231 / أبواب الأسآر ب 4 ح 3 .

(2) كما في موثقة عمّار المروية في الوسائل 3 : 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 4 .

(3) الوسائل 25 : 118 / أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net