كفّارة القتل 

الكتاب : مباني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الثاني : القصاص   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4346


ــ[534]ــ


كفّارة  القتل

   (مسألة 400) : تقدّم في أوائل كتاب الديات ثبوت الكفّارة في قتل المؤمن زائدة على الدية ، لكنّها تختصّ بموارد صدق عنوان القاتل كما في فرض المباشرة(1) وبعض موارد التسبيب(2)، ولا تثبت فيما لا يصدق عليه ذلك وإن ثبتت الدية فيه، كما لو وضع حجراً أو حفر بئراً أو نصب سكّيناً في غير ملكه ، فعثر به عاثر اتّفاقاً فهلك ، فلا كفّارة عليه في هذه الموارد (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بلا خلاف بين الأصحاب، وهو المتيقّن من النصوص المتقدّمة الدالّة على ثبوت الكفّارة على القتل .

   (2) وذلك كما إذا افترضنا أنّ شخصاً حفر بئراً بقصد قتل حيوان رآه من بعيد فوقع فيها فمات ثمّ بان أ نّه إنسان فهو قتل خطأً ، وأمّا إذا حفر بئراً بقصد قتل إنسان رآه من بعيد فوقع فيها فمات فهو قتل عمدي ، فعلى كلا التقديرين يصدق عليه عنوان القاتل فتشمله النصوص المتقدّمة .

   (3) بلا خلاف بين الفقهاء . والوجه في ذلك : هو أنّ أدلّة الكفّارة إنّما تثبتها على القاتل ، ففيما لا يصدق فيه هذا العنوان ـ كما في الموارد المزبورة ـ لا تشمله الأدلّة وإن ثبتت الدية فيها من جهة النصوص الخاصّة . وأمّا ما في الرياض من المناقشة في ذلك(1) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الرياض 2 : 564 (حجري) .

ــ[535]ــ

   (مسألة 401) : لافرق في وجوب الكفّارة بقتل المسلم بين البالغ وغيره(1)، والعاقل والمجنون، والذكر والاُنثى ، والحرّ والعبد(2) وإن كان العبد عبد القاتل(3) ، والمشهور وجوب الكفّارة في قتل الجنين بعد ولوج الروح فيه ، وفيه إشكال،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فلا وجه له ، حيث إنّ في موارد التسبيب فيما لا يصدق فيه عنوان القاتل لا وجه لثبوتها أصلاً ، لعدم شمول أدلّتها . والظاهر أنّ إطلاق كلمات الأصحاب في نفي الكفّارة في موارد التسبيب ناظر إلى الموارد التي لا يصدق فيها عنوان القاتل على السبب .

   (1) بلا خلاف ولا إشكال بين الأصحاب ، وتدلّ على ذلك الروايات المتقدّمة، فإنّ شمولها للصبي المميّز واضح ، وذلك لصدق المؤمن عليه حقيقةً ، وأمّا الصبي غير المميّز فلعدم القول بالفصل قطعاً بينه وبين المميّز .

   (2) للإطلاق وعدم دليل على التقييد .

   (3) تدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى الإطلاقات ـ عدّة روايات :

   منها : صحيحة حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) : في الرجل يقتل مملوكاً له «قال : يعتق رقبة ، ويصوم شهرين متتابعين ، ويتوب إلى الله عزّ وجلّ»(1) .

   ومنها : صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: من قتل عبده متعمّداً فعليه أن يعتق رقبة ، وأن يطعم ستّين مسكيناً ، وأن يصوم شهرين»(2) .

   ومنها : صحيحة أبي أيّوب الخزّاز ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ضرب مملوكاً له فمات من ضربه «قال : يعتق رقبة»(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 91 /  أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 2 .

(2) الوسائل 29 : 91 /  أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 3 .

(3) الوسائل 29 : 93 /  أبواب القصاص في النفس ب 37 ح 8 .

ــ[536]ــ

والأقرب عدم الوجوب(1) ، وأمّا الكافر فلا كفّارة في قتله من دون فرق بين الذمّي وغيره(2) .

   (مسألة 402) : لو اشترك جماعة في قتل واحد فعلى كلّ منهم كفّارة (3) .

   (مسألة 403) : لا إشكال في ثبوت الكفّارة على القاتل العمدي إذا رضي وليّ المقتول بالدية أو عفا عنه(4) ، وأمّا لو قتله قصاصاً أو مات بسبب آخر

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وجه الإشكال : هو أنّ المعروف والمشهور بين الأصحاب وإن كان ذلك إلاّ أ نّه لا دليل عليه ، فإنّ أدلّة وجوب الكفّارة من الكتاب والسنّة لا تشمل ذلك، فحينئذ إن تمّ إجماع في المسألة فهو، ولكنّه غير تامّ، ولذا ناقش في وجوبها الأردبيلي (قدس سره) (1) . فإذن الأقرب ما ذكرناه .

   ومن الغريب ما عن العلاّمة (قدس سره) في التحرير من وجوب الكفّارة في الجنين الذي لم تلجه الروح أيضاً (2)، فإنّه لا وجه له أصلاً بعد عدم صدق القتل عليه حقيقةً .

   (2) بلا خلاف بين فقهائنا ، وذلك لقصور الدليل ، فإنّ الظاهر من الآية والروايات هو أنّ الإيمان تمام الموضوع لوجوب الكفّارة .

   (3) من دون خلاف بين الأصحاب ، ويدلّ على ذلك إطلاق الأدلّة وعدم الدليل على التقييد .

   (4) بلا خلاف ولا إشكال بين الأصحاب ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وتدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى أنّ الكفّارة قد ثبتت بالقتل ، وسقوطها بعد ثبوتها يحتاج

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع الفائدة والبرهان 14 : 215 ـ 220 .

(2) التحرير 2 : 279 (حجري) .

ــ[537]ــ

فهل عليه كفّارة في ماله ؟ فيه إشكال ، والأظهر عدم الوجوب(1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى دليل، ولا دليل في المقام ـ الصحاح المتقدّمة عند البحث عن وجوب الكفّارة .

   (1) بيان ذلك : أنّ المسألة ذات قولين :

   أحدهما : عدم وجوب الكفّارة وسقوطها بالموت ، واختار هذا القول جماعة ، منهم: الشيخ في المبسوط وابن إدريس في محكيّ السرائر والمفيد في المقنعة وابن فهد في المهذّب وابن حمزة في الوسيلة(1).

   وثانيهما : وجوبها ، واختار هذا القول جماعة ، منهم : العلاّمة في المختلف والتحرير(2) ، بل عن الشيخ في الخلاف دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم عليه(3)، وقوّاه صاحب الجواهر (قدس سره)(4) .

   واستدلّ عليه باُمور :

   الأوّل :  استصحاب بقاء وجوبها .

   الثاني :  أصالة عدم المسقط .

   الثالث :  أ نّها من حقوق الله المتعلّقة بالمال فلا تسقط بالموت .

   ولكن جميع هذه الاُمور مدفوعة :

   أمّا الأوّل : فيردّه ـ مضافاً إلى أ نّه لا يجري في نفسه لاختلاف الموضوع ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 7 : 246 ، السرائر 3 : 331 ، انظر المقنعة : 573 و 746 ، حكاه عنهم في الجواهر 43 : 411 .

(2) المختلف 9 : 289 ، التحرير 2 : 279 (حجري) .

(3) حكاه عن الخلاف صاحب الجواهر 43 : 412 .

(4) الجواهر 43 : 412 .

ــ[538]ــ

   (مسألة 404) : لو قتل صبي أو مجنون مسلماً ، فهل عليهما كفّارة ؟ فيه وجهان ، الأظهر عدم وجوبها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما تقدّم من النصوص الدالّة على سقوط الكفّارة في مفروض الكلام كالصحاح الثلاثة لعبدالله بن سنان المتقدّمة ، حيث إنّها تدلّ بوضوح على أنّ الكفّارة مشروطة بعدم القتل على نحو الشرط المتأخّر ، فإذا قتل أو مات بسبب آخر فلا كفّارة .

   وبذلك يظهر الجواب عن الثاني ، على أنّ مرجعه إلى الاستصحاب وليس في قباله أصل آخر .

   وأمّا الثالث : فيردّه ـ مضافاً إلى أنّ الكفّارة تكليف محض وليست من الحقوق المتعلّقة بالمال ـ أنّ السقوط من جهة هذه النصوص .

   فالأظهر هو القول الأوّل .

   وأمّا الكفّارة في القتل الخطائي فهل تسقط عن القاتل إذا مات ؟

   الأظهر سقوطها، وذلك لأنّ المستفاد من الآية الكريمة هو أ نّها تكليف محض ، يعني : أنّ الواجب عليه هو التحرير ، الذي هو فعل له ، ومن الطبيعي أ نّه يسقط بموته فبقاؤه يحتاج إلى دليل .

   (1) الوجه في ذلك : ما تقدّم من أنّ كفّارة القتل تكليف محض وليست من الحقوق المتعلّقة بالمال . وعليه ، فيقيّد إطلاق النصوص بما دلّ على رفع القلم عن الصبي والمجنون .

   ولو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا أ نّها من الحقوق الماليّة فقد ذكرنا في محلّه أنّ حديث رفع القلم لا يختصّ بالتكليف ، بل يعمّ الوضع أيضاً . وعليه ، فلا مانع من شموله للمقام ، ولا يكون فيه خلاف الامتنان ، كما في موارد الضمانات .

ــ[539]ــ

   فما عن الشيخ في المبسوط والشهيد الثاني في المسالك من أنّ مقتضى إطلاق النصّ عدم الفرق في ثبوت الكفّارة بين البالغ والصبي والعاقل والمجنون ، فيخرج العتق والإطعام من مالهما ، وأنّ الصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق خوطبا بالصوم(1) .

   لا وجه له أصلاً ، لما عرفت ، ثمّ إنّه على تقدير القول بثبوت الكفّارة عليهما فظاهر كلام الشيخ والشهيد الثاني هو أنّ عليهما كفّارة الجمع في القتل العمدي ، ولكن قد تقدّم أنّ عمدهما خطأ ، فالكفّارة حينئذ كفّارة خطأ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 7 : 246 ، المسالك 2 : 403 (حجري) .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net