أقسام الوضع - المعنى الحرفي 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 7787

 

[ أقسام الوضع ]

وأمّا الجهة الرابعة : فملخص الكلام فيها : أنّ الوضع لما كان فعلاً اختيارياً للواضع بأيّ معنى من المعاني فسّر، توقف تحققه على تصور اللفظ والمعنى، وعليه فالكلام يقع في مقامين : الأوّل : في ناحية المعنى . والثاني : في ناحية اللفظ .

أمّا المقام الأوّل : فالكلام فيه يقع في جهات :

الجهة الاُولى : في الوضع العام والموضوع له العام ، وهو أن يتصور الواضع المعنى الكلّي حين الوضع فيضع اللفظ بازائه ، سواء كان تصوره بالكنه والحقيقة ، كما إذا تصور الانسان مثلاً بحدّه التام ، أم كان ذلك بالوجه والعنوان كما إذا تصوره بحدّه الناقص ، أو بالعنوان المعرّف والمشير من دون دخل لذاك العنوان فيه ، نظير بعض العناوين المأخوذ في موضوع القضيّة لأجل الاشارة إلى ما هو الموضوع فيها حقيقة ، بدون دخل له فيه أصلاً . فالوضع العام والموضوع له العام من قبيل القضية الطبيعية كقولنا : الانسان نوع ، فكما أنّ المحمول فيها

ــ[54]ــ

ثابت للطبيعي بما هو ، فكذلك الوضع هنا أي لطبيعي المعنى الجامع .

الجهة الثانية : في الوضع الخاص والموضوع له الخاص ، وهو أن يتصور الواضع حين إرادته الوضع معنى خاصاً وجزئياً حقيقياً فيضع اللفظ بإزاء ذلك الخاص كوضع الأعلام الشخصية ، سواء كان تصوره بالكنه أم كان بالوجه والعنوان ، لكفاية تصور الشيء بوجه ما في وضع لفظ بازائه ، ولا يلزم تصوره بكنهه وحقيقته، فقضيّة الوضع الخاص والموضوع له الخاص كالقضيّة الشخصية التي ثبت الحكم فيها لأشخاص معيّنين .

الجهة الثالثة : في الوضع العام والموضوع له الخاص ، وهو أن يلاحظ الواضع حين الوضع معنى عاماً يكون وجهاً وعنواناً لأفراده ومصاديقه ، بحيث يكون تصوره تصوراً لها بوجه فيضع اللفظ بازاء الأفراد والمصاديق . فهذا هو الوضع العام والموضوع له الخاص ، وحاله كحال القضيّة الحقيقية .

وقد يتوهّم أنّ ذلك غير معقول ، بتقريب أنّ أيّ مفهوم جزئياً كان أو كلياً لا يحكي إلاّ عن نفسه ، فيستحيل أن يحكي مفهوم عن مفهوم آخر ، فكما لا يعقل أن يحكي المفهوم الخاص بما هو خاص عن مفهوم عام أو خاص آخر، فكذلك لا يعقل أن يحكي المفهوم العام بما هو، عن مفهوم خاص أو عام آخر، بداهة أنّ لحاظ كل مفهوم وتصوره عين إراءة شخصه لا إراءة شيء آخر به ، فكيف يكون معرّفة لغيره بوجه ، وعليه فلا يمكن الوضع العام والموضوع له الخاص .

والجواب عنه : أنّ المفهوم في الجملة بما هو ، سواء كان عاماً أو خاصاً ، وإن كان لا يحكي في مقام اللحاظ إلاّ عن نفسه ، إلاّ أنّ تصور بعض المفاهيم الكلية يوجب تصور أفراده ومصاديقه بوجه .

وتفصيل ذلك : هو أنّ المفاهيم الكلية المتأصلة كمفاهيم الجواهر والأعراض

ــ[55]ــ

كالحيوان والإنسان والبياض والسواد ونحو ذلك ، لا تحكي في مقام اللحاظ والتصور إلاّ عن أنفسها ، وهي الجهة الجامعة بين الأفراد والمصاديق ، وكذلك بعض المفاهيم الانتزاعيـة كالوجوب والامكان والامتناع والأبيض والأسود وما شاكلها ، فان عدم حكايتها عن غيرها من الواضحات .

وأمّا العناوين الكلية التي تنتزع من الأفراد والخصوصيات الخارجية كمفهوم الشخص والفرد والمصداق ، فهي تحكي في مقام اللحاظ عن الأفراد والمصاديق بوجه وعلى نحو الإجمال ، فانّها وجه لها وتصوّرها في نفسها تصوّر لها بوجه وعنوان .

وبتعبير آخر : أنّ مرآتيتها للأفراد والأشخاص ذاتية لها ، فتصوّرها لا محالة تصوّر لها إجمالاً بلا إعمال عناية في البين ، فإذا تصوّرنا مفهوم ما ينطبق عليه مفهوم الانسان مثلاً فقد تصوّرنا جميع أفراده بوجه ، ومن ثمّ جاز الحكم عليها في القضية الحقيقة، فلو لم يحك المفهوم عن أفراده لاستحال الحكم عليها مطلقاً ، مع أنّ الاستحالة واضحة البطلان .

الجهة الرابعة : في الوضع الخاص والموضوع له العام، وهو أن يتصور الواضع حين إرادة الوضع معنى خاصاً ـ أي ما يمتنع فرض صدقه على كثيرين ـ فيضع اللفظ بازاء معنى كلّي .

ولكن على ضوء ما ذكرناه في الجهة الثالثة ، قد تبيّن عدم إمكان ذلك ، فان مفهوم الخاص مهما كان ، لا يحكي بما هو خاص عن مفهوم عام أو عن خاص آخر ، ضرورة أنّ تصور مفهوم الخاص بما هو ، تصور نفسه وإراءة شخصه ، فيستحيل أن يكون تصوراً لغيره بوجه ، بل لحاظ كل مفهوم لحاظ نفسه ، وهو هو لا هو وغيره .

وعلى الجملة : أنّ الخاص بما هو لا يكون وجهاً وعنواناً للعام ليكون

ــ[56]ــ

تصوره تصوراً له بوجه ، وهذا بخلاف مفهوم العام كمفهوم الشخص والفرد والمصداق فانّه وجه وعنوان للأفراد والمصاديق ولحاظه لحاظ لها بوجه ، ومن هنا قلنا بامكان الوضع العام والموضوع له الخاص ، وأمّا الخاص فلمّا لم يكن كذلك فلا يمكن الوضع الخاص والموضوع له العام .
وقد يتوهّم إمكان ذلك ، أي الوضع الخاص والموضوع له العام ، فيما إذا رأى شبحاً من بعيد وتيقن أ نّه حيوان ولكن لم يعلم أ نّه من أيّ نوع من أنواعه أو أيّ صنف من أصنافه ، فان له حينئذ أن يتصور ذلك الشبح الذي هو جزئي حقيقي ويضع اللفظ بازاء معنى كلّي منطبق عليه وعلى غيره من الأفراد ، فهذا من الوضع الخاص والموضوع له العام .

إلاّ أ نّه توهم فاسد ، وذلك لأ نّه قد يتصور ذلك الشبح بعنوان أ نّه جزئي ومعنى خاص فيضع اللفظ بازاء واقعه ـ الشبح ـ ، وقد يتصور ذلك بعنوان الكلّي المنطبق عليه وعلى غيره فيضع اللفظ بازاء معنونه ولا ثالث له ، فهو على الأوّل من الوضع الخاص والموضوع له الخاص ، وعلى الثاني من الوضع العام والموضوع له العام أو الخاص كما لا يخفى .

فالنتيجة على ضوء ما ذكرناه لحدّ الآن هي : أنّ الممكن من أقسام الوضع ثلاثة وهي: الوضع العام والموضوع له العام، الوضع الخاص والموضوع له الخاص، الوضع العام والموضوع له الخاص . وأمّا القسم الرابع منها وهو الوضع الخاص والموضوع له العام فقد عرفت أ نّه غير ممكن .

ثمّ إنّ المعنى الموضوع له سواء كان عاماً أو خاصاً إنّما يكون من المفاهيم القابلة في نفسها للحضور في ذهن السامع في مرحلة التخاطب ، فالألفاظ كما لم توضع للموجودات الخارجية لأ نّها غير قابلة للحضور في الأذهان ، كذلك لم توضع للموجودات الذهنية ، فانّ الموجود الذهني غير قابل لوجود ذهني

ــ[57]ــ

آخر ، بل هي موضوعة لذوات المعاني غير الآبية عن قبول نحوين من الوجود في نفسها ، وتلك المعاني تتصف بالسعة وبالضيق لا بنفسها بل باعتبار الانطباق والصدق الخارجي . وبهذا اللحاظ كان تقسيم الموضوع له إلى العام تارة وإلى الخاص تارة اُخرى ، أي بلحاظ الانطباق على ما في الخارج لا في نفسه . هذا تمام الكلام في المقام الأوّل .

وأمّا الكلام في المقام الثاني وهو تصور اللفظ : فالواضع حين إرادة الوضع إمّا أن يلاحظ اللفظ بمادته وهيئته كما في أسماء الأجناس وأعلام الأشخاص ، وإمّا أن يلاحظ المادة فقط كما في مواد المشتقات ، وإمّا أن يلاحظ الهيئة كذلك كما في هيئات المشتقات وهيئات الجمل الناقصة والتامّة ، فالوضع في الأوّل والثاني شخصي ، وفي الثالث نوعي .

ثمّ إنّ ملاك شـخصية الوضع هو لحاظ الواضع شخص اللفظ بوحدته الطبيعية وشخصيته الذاتية التي امتاز بها في ذاته عما عداه ، وملاك نوعية الوضع هو لحاظ الواضع اللفظ بجامع عنواني كهيئة الفاعل مثلاً ، لا بشخصه وبوحدته الذاتية . وبهذا ظهر ملاك الشخصية والنوعية في الطوائف الثلاث :

أمّا الطائفة الاُولى ، فلأنّ الواضع لم يلحظ فيها في مقام الوضع إلاّ شخص اللفظ بوحدته الطبيعية وشخصيته الممتازة ، فالموضوع هو ذلك اللفظ الملحوظ كذلك ، سواء كان الموضوع له معنى عاماً أو خاصاً ، وكذا الحال في الطائفة الثانية .

وأمّا الطائفة الثالثة ، فلمّا كانت الهيئة مندمجة في المادة غاية الاندماج ، فلا يعقل لحاظها بنفسها مع قطع النظر عن المادة ، إذ لا وجود لها بدونها في الوجود الذهني فضلاً عن الوجود العيني ، فتجريدها عن المواد لا يمكن حتى في مقام اللحاظ ، فلا محالة يجب الوضع لأشخاصها بجامع عنواني كقولك : كل ما كان

ــ[58]ــ

على هيئة الفاعل ، لا بشخصيتها الذاتية ، وهذا معنى نوعية الوضع .


[ المعنى الحرفي ]

وأمّا الكلام في الجهة الرابعة من حيث مرحلة الاثبات والوقوع ، فيقع في الأقسام الثلاثة من الوضع ، وهي الأقسام الممكنة : من الوضع العام والموضوع له العام ، والوضع الخاص والموضوع له الخاص ، والوضع العام والموضوع له الخاص. وأمّا القسم الرابع وهو الوضع الخاص والموضوع له العام، فحيث إنّه غير ممكن، فلا تصل النوبة إلى البحث عنه في مرحلة الإثبات، لأنه متفرع على إمكانه.

وعلى ذلك فنقول : لا شبهة في وقوع الوضع العام والموضوع له العام كوضع أسماء الأجناس ، كما أ نّه لا شبهة في وقوع الوضع الخاص والموضوع له الخاص كوضع الأعلام الشخصية، وإنّما الكلام والإشكال في وقوع الوضع العام والموضوع له الخاص ، فذهب جماعة إلى أنّ وضع الحروف وما يشبهها منه ، أي من الوضع العام والموضوع له الخاص (1) ولكن أنكره جماعة آخرون منهم المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (2) .

وتحقيق الكلام في المقام يتوقف أوّلاً على تحقيق المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية ، ثمّ التكلم في أنّ الموضوع له فيها كوضعها عام أو أ نّه خاص، فيقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : في تحقيق المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية وبيان المراد من عدم استقلالها .

ـــــــــــــــــــــ
(1) نسبه صاحب الحاشية : 31 السطر 13 إلى أكثر المتأخرين .
(2) كفاية الاُصول : 10 .

ــ[59]ــ

المقام الثاني : في تحقيق أنّ معناها الموضوع له عام أو خاص .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net