القول بمباينة المعنى الاسمي للحرفي - مسلك إخطارية المعنى الاسمي وإيجادية المعنى الحرفي 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5754


القول الثالث : ما اختاره جماعة من المحققين (قدس سرهم) وهو أنّ المعاني الحرفية والمفاهيم الاسمية متباينتان بالذات والحقيقة ، ولكنّهم اختلفوا في كيفية هذا التباين وما به الامتياز .

فقد ذهب شيخنا الاُستاذ (قدس سره) إلى التباين بينهما بالايجادية والاخطارية بمعنى أنّ المفاهيم الاسمية بأجمعها مفاهيم إخطارية ومتقررة في عالم المفهومية ومستقلة بحد ذاتها وهويتها في ذلك العالم ، والمعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية بأجمعها معان إيجادية في الكلام ولا تقرر لها في عالم المفهومية ولا استقلال بذاتها وحقيقتها .

وبيان ذلك : أنّ الموجودات في عالم الذهن كالموجودات في عالم العين ، فكما أنّ الموجودات في عالم العين على نوعين :

أحدهما : ما يكون له وجود مستقل بحد ذاته في ذلك العالم ، كالجواهر


ــ[66]ــ

بأنواعها من النفس والعقل والصورة والمادة والجسم ، ولذا قالوا : إنّ وجودها في نفسه لنفسه يعني لا يحتاج إلى موضوع محقق في الخارج .
وثانيهما : ما يكون له وجود غير مستقل كذلك في هذا العالم ، بل هو متقوّم بالموضوع ، كالمقولات التسع العرضية ، فان وجوداتها متقوّمة بموضوعاتها ، فلا يعقل تحقق عرض ما بدون موضوع يتقوّم به ، ولذا قالوا : إنّ وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه ، فكذلك الموجودات في عالم الذهن على نوعين :

أحدهما : ما يكون له استقلال بالوجود في عالم المفهومية والذهن ، كمفاهيم الأسماء بجواهرها وأعراضها واعتبارياتها وانتزاعياتها ، فان مثل مفهوم الانسان والسواد والبياض وغيرها من المفاهيم المستقلة ذاتاً ، فانّها تحضر في الذهن بلا حاجة إلى أيّة معونة خارجية ، سواء كانت في ضمن تركيب كلامي أم لم تكن ، بل لو فرضنا فرضاً أ نّه لم يكن في العالم مفهوم ما عدا مفهوم واحد مثلاً ، لما كان هناك ما يمنع من خطوره في الذهن ، فظهر أنّ حال المفاهيم الاسمية في عالم المفهوم والذهن حال الجواهر في عالم العين والخارج .

وثانيهما : ما لا استقلال له في ذلك العالم ، بل هو متقوّم بالغير كمعاني الحروف والأدوات ، فانّها بحد ذاتها وأنفسها متقوّمة بالغير ومتدلية بها ، بحيث لا استقلال لها في أيّ وعاء من الأوعية التي فرض وجودها فيه لنقصان في ذاتها ، فعدم الاستقلالية من ناحية ذلك النقصان لا من ناحية اللحاظ فقط ، فلذا لا تخطر في الذهن عند التكلم بها وحدها ـ أي من دون التكلم بمتعلقاتها ـ فلو اُطلق كلمة (في) وحدها ـ أي من دون ذكر متعلقها ـ فلا يخطر منها شيء في الذهن .

فتبيّن : أنّ حال المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية في عالم المفهوم ، حال المقولات التسع العرضية في عالم العين .

ــ[67]ــ

إذا عرفت ذلك فنقول : قد اتّضح من ضوء هذا البيان أنّ المفاهيم الاسمية حيث إنّها كانت إخطارية ومتقررة ومستقلة في عالم المفهوم والمعنى ، فيستحيل أن تكون الأسماء موجدة إيّاها في الكلام ، ضرورة عدم إمكان كونها إيجادية بهذا المعنى ، لما عرفت من أنّ معانيها تخطر في الذهن عند التكلم بها ، سواء كانت مفردة أم كانت في ضمن تركيب كلامي ، ولكن لمّا لم تكن بينها رابطة ذاتية توجب ربط بعضها ببعض ، دعت الحاجة في مقام الإفادة والاستفادة إلى روابط تربط بعضها ببعضها الآخر ، وليست تلك الروابط إلاّ الحروف وتوابعها ، فانّ شأنها إيجاد الربط بين مفهومين مستقلين ، ولذا قلنا إنّ معانيها إيجادية محضة ، نسبية كانت كحرف من وعلى وإلى ونحوها ، أو غير نسـبية كحرف النداء والتشبيه والتمني والترجي ، فانّها في كلا القسمين موضوعة لإيجاد المعنى الربطي بين المفاهيم الاسمية في التراكيب الكلامية . مثلاً كلمة (في) موضوعة لإيجاد معنى ربطي بين الظرف والمظروف . وكلمة (على) موضوعة لإيجاد معنى ربطي بين المستعلي والمستعلى عليه . وكلمة (من) لإيجاده بين المبتدأ به والمبتدأ منه .

وبعبارة جامعة : أنّ كل واحد منها موضوع لايجاد معنى ربطي خاص في تركيب مخصوص ، ولا واقع له سواه ، فلولا وضع الحروف لم توجد رابطة بين أجزاء الكلام أبداً ، بداهة أ نّه لا رابطة بين مفهوم زيد ومفهوم الدار في أنفسهما ، لأ نّهما مفهومان متباينان بالذات ، فلا بدّ من رابط يربط أحدهما بالآخر ، وليس ذلك إلاّ كلمة (في) مثلاً التي هي الرابطة بينهما ، كما أنّ كلمة (من) رابطة بين المبتدأ به والمبتدأ منه ، وكلمة (على) رابطة بين المستعلي والمستعلى عليه ، وهكذا .

وعلى الجملة : أنّ المعاني الحرفية بأجمعها معان إيجادية ، وليس لها واقع في أيّ وعاء من الذهن والخارج وعالم الاعتبار ما عدا التراكيب الكلامية ، ونظيرها

ــ[68]ــ

صيغ العقود والايقاعات بناءً على ما ذهب إليه المشهور فيها من أ نّها آلات وأسباب لايجاد مسبباتها ، كالملكية والزوجية والرقية ونحوها ، ولكن الفرق بينها وبين المقام من ناحية اُخرى وهي أ نّها بتوسط الاستعمال توجد مسبباتها في عالم الاعتبار فوعاؤها هو عالم الاعتبار ، وأمّا الحروف فهي موجدة لمعانيها غير الاستقلالية في وعاء الاستعمال . على أنّ معاني صيغ العقود والايقاعات مستقلة في موطنها دون معاني الحروف ، فالفرق إذن من جهتين :

الاُولى : أنّ المعاني الانشائية مستقلة في أنفسها دون المعاني الحرفية .

الثانية : أنّ معانيها موجودة في عالم الاعتبار ، فوعاؤها ذلك العالم دون المعاني الحرفية ، فان وعاءها عالم الاستعمال . وإلى ما ذكرناه من أنّ المعنى الحرفي إيجادي ، أشارت الرواية المنسوبة إلى أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وهي : «أنّ الحرف ما أوجد معنى في غيره»(1) وقال (قدس سره) : إنّ هذا التعريف أجود تعريفات الباب من حيث اشتماله على أركان المعاني الحرفية كلّها .

وقد اتّضح ممّا قدّمناه : أنّ المعاني إمّا إخطارية مستقلة بحد ذاتها في عالم مفهوميتها ، وإمّا إيجادية غير مستقلّة كذلك في ذلك العالم فلا ثالث لهما ، فالاخطارية تلازم الاستقلالية بالذات ، والايجادية تلازم عدمها كذلك ، وعليه فحكمة الوضع دعت إلى وضع الأسماء للطائفة الاُولى من المعاني ، ووضع الحروف والأدوات للطائفة الثانية منها ، لتكون رابطة بين الطائفة الاُولى بعضها ببعض ، وبذلك يحصل الغرض من الوضع.

ومن هنا أجاد أهل العربية عندما عبّروا في مقام التفسير عن المفاهيم الحرفية بأن كلمة (في) للظرفية ، ولم يقولوا بأنّ (في) هي الظرفية ، كما هو ديدنهم في مقام التعبير عن المفاهيم الاسمية ، وإن تسامحوا من جهة عدم التصريح بالنسبة ،

ـــــــــــــــــــــ
(1) تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام : 60 .

ــ[69]ــ

بأن يقولوا كلمة (في) للنسبة .

ثمّ قال (قدس سره) : يشبه المعاني الحرفية جميع ما يكون النظر فيه آلياً ، كتعظيم شخص لأجل تعظيم آخر، أو إهانة شخص لأجل إهانة آخر، وهكذا (1) .

ويتلخّص ما أفاده (قدس سره) في اُمور :

الأوّل : أنّ المعنى الحرفي والاسمي متباينان بالذات والحقيقة ، ولا اشتراك لهما في طبيعي معنى واحد .

الثاني : أنّ المفاهيم الاسمية مفاهيم استقلالية بحد ذاتها وأنفسها ، والمفاهيم الحرفية مفاهيم غير استقلالية كذلك ، بل هي متقوّمة بغيرها ذاتاً وهوية .

الثالث : أنّ معاني الأسماء جميعاً معان إخطارية ومعاني الحروف معان إيجادية ، ولا يعقل أن تكون إخطارية كمعاني الأسماء وإلاّ لكانت مثلها في الافتقار إلى وجود رابط يربطها بغيرها ، فيلزم أن يكون في مثل قولنا : زيد في الدار ، مفاهيم ثلاثة إخطارية : كمفهوم زيد ومفهوم الدار ومفهوم الظرفية ، دون أن تكون هناك رابطـة بين هذه المفاهيم التي لا يرتبط بعـضها ببعض ، فإذن لا يتحقق التركيب ولا يصحّ الاستعمال ، لتوقفهما على وجود الرابط بين المفاهيم الاستقلالية ، ومن الواضح أ نّه ليس إلاّ الحروف أو ما يشبهها .

الرابع : أنّ حال المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية حال الألفاظ في مرحلة الاستعمال ، فكما أنّ الألفاظ في حال الاستعمال ملحوظة آلةً والمعاني ملحوظة استقلالاً ، فكذلك المعاني الحرفية فانّها في مقام الاستعمال ملحوظة آلة والمعاني الاسمية ملحوظة استقلالاً .

الخامس : أنّ جميع ما يكون النظر إليه آلياً يشبه المعاني الحرفية كالعناوين

ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 25 وما بعدها .

ــ[70]ــ

الكلية المأخوذة معرّفات وآليات لموضوعات الأحكام أو متعلقاتها .

أقول : أمّا ما أفاده (قدس سره) أوّلاً وثانياً ، من أنّ المعنى الحرفي والاسمي متباينان بالذات والحقيقة ، ومن أنّ المعاني الاسمية مستقلة بحد ذاتها في عالم المفهومية والمعاني الحرفية ليست كذلك ، ففي غاية الصحّة والمتانة ، بل ولا مناص من الالتزام بذلك كما سيأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى .

وأمّا ما ذكره (قدس سره) ثالثاً ، من أنّ معاني الأسماء إخطارية ومعاني الحروف إيجادية ، ففيه : أنّ المعاني الاسمية وإن كانت إخطارية تخطر في الأذهان عند التكلم بألفاظها ـ سواء كانت في ضمن تركيب كلامي أم لم تكن ـ إلاّ أنّ المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية ليست بإيجادية ، وذلك لأنّ المعاني الحرفية وإن كانت غير مستقلّة في أنفسها ومتعلقة بالمفاهيم الاسمية بحد ذاتها وعالم مفهوميتها بحيث لم تكن لها أيّ استقلال في أيّ وعاء فرض وجودها من ذهن أو خارج، إلاّ أنّ هذا كلّه لايلازم كونها إيجادية بالمعنى الذي ذكره (قدس سره) لأنّ ربط الحروف بين المفاهيم الاسمية في التراكيب الكلامية غير المربوطة بعضها ببعض ، إنّما هو من جهة دلالتها على معانيها التي وضعت بازائها ، لا من جهة إيجادها المعاني الربطية في مرحلة الاستعمال والتركيب الكلامي .

مثلاً كلمة (في) في قولهم : زيد في الدار، باعتبار دلالتها على معناها الموضوع له، رابطة بين جزئي هذا الكلام غير المربوط أحدهما بالآخر ذاتاً، لا أ نّها توجد الربط في نفس ذلك التركيب ، ولا واقع له في غير التركيب الكلامي ، فكما أنّ الأسماء تحكي عن مفاهـيمها الاستقلالية في حد أنفسها في عالم مفهوميتها ، كذلك الحروف تحكي عن المفاهيم غير المستقلة كذلك .

فالكاشف في مقام الاثبات عن تعلّق قصد المتكلم في مقام الثبوت بافادة المعاني الاستقلالية هو الأسماء ، والكاشف عن تعلّق قصده كذلك بافادة المعاني

ــ[71]ــ

غير الاستقلالية هو الحروف وما يحذو حذوها .

ونتيجة ذلك : عدم الفرق بين الاسم والحرف إلاّ في نقطة واحدة ، وهي أنّ المعنى الاسمي مستقل بحد ذاته في عالم المعنى وبذلك يكون إخطارياً ، والمعنى الحرفي غير مستقل كذلك فلا يخطر في الذهن إلاّ بتبع معنى استقلالي ، وهذا لا يستلزم كونه إيجادياً .

ومن هنا يظهر فساد ما أفاده (قدس سره) من أنّ المعنى إمّا إخطاري مستقل وإمّا إيجادي غير مستقل ولا ثالث لهما ، فالأوّل معنى اسمي والثاني معنى حرفي .

وتوضيح الفساد : هو أنّ المعنى الحرفي وإن لم يكن إخطارياً في نفسه ، لعدم استقلاله في نفسه إلاّ أ نّه ليس بإيجادي أيضاً ، لما قدّمناه من أنّ له نحو ثبوت في وعاء المفاهيم كالمعنى الاسمي .

وقد ظهر ممّا ذكرناه أمران :

الأوّل : بطلان القول بأنّ المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية إيجادية محضة وليس لها ثبوت في أيّ وعاء ، إلاّ الثبوت في ظرف الاستعمال ، وأنّ المعاني الحرفية تساوي المعاني الاسمية في أ نّها متقررة في عالم المفهومية والتعقل .

الثاني : أنّ عدم استقلالية المعاني الحرفية في حد أنفسها وتقوّمها بالمفاهيم الاسمية المستقلة لا يستلزم كونها إيجادية ، لامكان أن يكون المعنى غير مستقل في نفسه ، ومع ذلك لا يكون إيجادياً .

وأمّا ما ذكره (قدس سره) رابعاً ، من أنّ المعاني الحرفية مغفول عنها في حال الاستعمال ، دون المعاني الاسمية ، فلا أصل له أيضاً ، وذلك لأ نّهما من واد واحد من تلك الجهة ، فكما أنّ اللحاظ الاستقلالي يتعلق بافادة المعاني الاسمية عند الحاجة إلى إبرازها والتعبير عنها ، فكذلك يتعلّق بالمفاهيم الحرفية من

ــ[72]ــ

دون فرق بينهما في ذلك ، بل كثيراً ما يتعلّق اللحاظ الاستقلالي بالمعاني الحرفية ، وإنّما يؤتى بغيرها في الكلام مقدّمة لافادة تلك الخصوصية والتضييق ، فيقال في جواب السائل عن كيفية مجيء زيد مع العلم بأصله : إنّه جاء في يوم كذا ، ومعه كيف يمكن القول بأنّ المعاني الحرفية ملحوظة آلة في حال الاستعمال ، ومغفول عنها في تلك الحال .

فقد تحصّل ممّا بيّناه : أنّ الفرق بين المعنى الحرفي والاسمي في نقطة واحدة ، وهي استقلال المعنى بالذات في الاسم وعدم استقلاله في الحرف ، وأمّا من بقية الجهات فلا فرق بينهما أصلاً .

وبذلك يتّضح فساد ما أفاده (قدس سره) من أنّ الفرق بينهما في أركان أربعة ، وتوضيح الفساد : أنّ الأركان التي جعلها ملاك الفرق في المقام كلّها فاسدة .

أمّا الركن الأوّل : فلأ نّه يبتني على المقابلة بين إيجادية المعاني وإخطاريتها ، فنفي الأولى يستلزم إثبات الثانية . ولكنّك عرفت أ نّه لا مقابلة بينهما أصلاً ، ومعه لا يكون نفي الايجادية عن المعاني الحرفية مستلزماً لاخطاريتها ، فان ملاك إخطارية المعنى الاستقلال الذاتي ، فإذا كان كذلك يخطر في الذهن عند التعبير عنه، سواء كان في ضمن تركيب كلامي أم لم يكن، وملاك عدم الاخطارية عدم الاستقلال كذلك ، ولذا لا يخطر في الذهن عند التكلم به منفرداً ، وهذا غير كونه إيجادياً وعليه فلا مقابلة بينهما .

وأمّا الركن الثاني : وهو أ نّه لا واقع للمعاني الحرفية بما هي معان حرفية فيما عدا التراكيب الكلامية ، فلما بيّناه من أ نّها كالمعاني الاسمية ثابتة ومتقررة في عالم المفهومية ، سواء استعملت الحروف والأدوات فيها أم لم تستعمل ، غاية الأمر لا استقلال لها بحسب الذات .

ــ[73]ــ

وأمّا الركن الثالث : وهو الفرق بين الايجاد في الانشاء والايجاد في الحروف ، فيظهر فساده بما ذكرناه من أنّ معانيها ليست إيجادية ليكون الفرق بينهما مبتنياً على ما ذكره (قدس سره) من أ نّه لا وعاء لها غير الاستعمال والتركيب الكلامي ، وهذا بخلاف الايجاد في الانشاء فانّ له وعاءً مناسباً وهو عالم الاعتبار .

وأمّا الركن الرابع : وهو أنّ حال المعاني الحرفية حال الألفاظ حين استعمالاتها فيتّضح بطلانه أيضاً بما تقدّم .

ثمّ إنّ من الغريب جدّاً أ نّه (قدس سره) جعل هذا الركن هو الركن الوطيد في المقام، وذكر أنّ بانهدامه تنهدم الأركان كلّها، فانّ المعنى الحرفي لو كان ملتفتاً إليه لكان إخطارياً وكان له واقع غير التركيب الكلامي ، وذلك لأ نّه مضافاً إلى ما بيّناه من أنّ المعنى الحرفي كالمعنى الاسمي مقصود في مقام التفهيم ، أنّ الملاك في إخطارية المعنى استقلاليته بالذات كما عرفت لا الالتفات إليه واللحاظ الاستقلالي، ضرورة أنّ الالتفات إلى المعنى لا يجعله إخطارياً إذا لم يكن مستقلاً بحد ذاته ، بحيث كلّما يطلق يخطر في الذهن ولو كان وحده ولم يكن في ضمن تركيب كلامي ، ومن هنا قلنا : إنّ المعنى الحرفي مع كونه ملتفتاً إليه غير إخطاري ، لعدم استقلاله في عالم مفهوميته .

وأمّا ما ذكره (قدس سره) خامساً ، من أنّ جميع ما يكون النظر إليه آلياً يشبه المعاني الحرفية ، فيرد عليه :

أوّلاً : ما ذكرناه الآن من أنّ النظر إلى المعنى الحرفي كالنظر إلى المعنى الاسمي استقلالي .

وثانياً : لو تنزلنا عن ذلك ، وسلّمنا أنّ النظر إليه آلي ، إلاّ أ نّه لا يكون ملاكاً لحرفية المعنى ، كما أنّ اللحاظ الاستقلالي لا يكون ملاك الاسمية بل ملاك المعنى

ــ[74]ــ

الحرفي التبعية الذاتية ، وأ نّها تعلّقية محضة ، وملاك الثانية الاستقلالية الذاتية وأ نّها بحد ذاتها غير متقوّمة بالغير .

وبتعبير آخر : أ نّه على المبنى الصحيح كما بنى (قدس سره) عليه من أنّ المعنى الحرفي والاسمي متباينان بالذات والحقيقة لا يدور المعنى الحرفي والاسمي بما هما كذلك مدار اللحاظ الآلي والاستقلالي ، بداهة أنّ المعنى حرفي وإن لوحظ استقلالاً ، واسمي وإن لوحظ آلة ، لعدم كونهما متقومين بهما ليختلف باختلافهما .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net