القول بوضع الحروف والأدوات للأعراض النسبية - المختار في المعنى الحرفي 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4901


القول الخامس : ما عن بعض الأعاظم (قدس سره) من أنّ الحروف والأدوات وضعت للأعراض النسبية الإضافية كمقولة الأين والاضافة ونحوهما ، وملخّص ما أفاده (قدس سره) هو أنّ الموجود في الخارج على أنحاء ثلاثة :

النحو الأوّل : ما يكون وجوده وجوداً لنفسه كالجوهر بأصنافه .

النحو الثاني : ما يكون وجوده في نفسه وجوداً لغيره كالأعراض التسعة التي قد يعبّر عن وجودها بالوجود الرابطي ، وهي على طائفتين :
إحداهما : ما يحتاج في تحققه إلى موضوع واحد في الخارج ويستغنى به كالكم والكيف ونحوهما .

والثانية : ما يحتاج في تحققه إلى موضوعين ليتقوّم بهما كالعرض الأيني والاضافي وغير ذلك .

النحو الثالث : ما يكون وجوده لا في نفسه كأنحاء النسب والروابط .

وعلى ذلك فنقول : إنّ الحاجة دعت العقلاء إلى وضع الألفاظ التي تدور عليها الإفادة والاستفادة ، وبعد أن فحصنا وجدنا أ نّهم وضعوا الأسماء للجواهر
 

ــ[81]ــ

وعدّة من الأعراض، ووضعوا الهيئات من المركبات والمشتقات للنسب والروابط ، ووضعوا الحروف للأعراض النسبية الإضافية . فكلمة (في) مثلاً في قولنا : زيد في الدار، تدل على العرض الأيني العارض على موضوعه كزيد، والهيئة تدل على ربط هذا العرض بموضوعه وهكذا .

وإن شئت قلت : إنّ المعاني منحصرة بالجواهر والأعراض وربطها بمحلّها ولا رابع لها، ومن المعلوم أنّ الحروف لم توضع للاُولى ولا لبعض الأقسام الثانية ، لأنّ الموضوع لها الأسماء، ولا للثالثة لأنّ الموضوع لها الهيئات ، فلا محالة تكون موضوعة للأعراض النسبية الاضافية . فكلمة (في) وضعت للأين الظرفي، وكلمة (من) للأين الابتدائي وهكذا . ولا فرق في ذلك بين أقسام الحروف مطلقاً من الداخل على المركبات الناقصة والداخل على المركبات التامّة كحروف التمني والترجي والتشبيه ونحوها (1) .

والجواب عنه : يظهر بما ذكرناه من الجواب عن القول الرابع ، وتوضيح الظهور :

أوّلاً : أ نّا نقطع بعدم كون الحروف موضوعة للأعراض النسبية الاضافية ، لصحّة استعمالها فيما يستحيل فيه تحقّق عرض نسبي كما في صفات الواجب تعالى والاعتبارات والانتزاعيات ، فانّ العرض إنّما هو صفة للموجود في الخارج فلا يعقل تحققه بلا موضوع محقق خارجاً، وعليه فيستحيل وجوده في تلك الموارد .

وكيف كان ، فلا شبهة في فساد هذا القول ، فانّ صحّة استعمال الحروف في الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد بلا لحاظ عناية في شيء منها ، تكشف كشفاً قطعياً عن أنّ الموضوع لها المعنى الجامع الموجود في جميع هذه

ـــــــــــــــــــــ
(1) بدائع الأفكار 1 : 49 .

ــ[82]ــ

الموارد على نحو واحد ، لا خصوص الأعراض النسبية الإضافية .

وثانياً : أنّ ذلك أفسد من القول السابق ، بل لا يترقب صدوره من مثله (قدس سره) والوجه فيه : هو ما بيّناه من أنّ للأعراض التسعة جميعاً مفاهيم مستقلة بحد ذاتها وأنفسها في عالم مفهوميتها من دون فرق بين الأعراض النسبية وغيرها ، غاية الأمر أنّ الأعراض النسبية تتقوّم في وجودها بأمرين ، وغير النسبية لا تتقوّم إلاّ بموضوعها ، وكيف فانّ الأعراض جميعاً موجودات في أنفسها وإن كان وجودها لموضوعاتها .

وقد تلخّص من ذلك : أنّ الحروف والأدوات لم توضع للأعراض النسبية الاضافية ، بل الموضوع لها هي الأسماء ككلمة الظرفية والابتداء والاستعلاء ونحوها ، هذا كلّه بالاضافة إلى معاني الحروف .

وأمّا ما ذكره (قدس سره) بالاضافة إلى معاني الهيئات وأ نّها موضـوعة لأنحاء النسب والروابط ، فيرد عليه عين ما أوردناه على القول المتقدم من عدم الدليل على وجود النسبة في الخارج في مقابل وجود الجوهر أو العرض أوّلاً ، وعدم وضع اللفظ لها ثانياً ، وعدم ثبوتها في جميع موارد استعمالاتها ثالثاً ، على تفصيل تقدم (1) .

والنتيجة لحدّ الآن : ظهور بطلان جميع الأقوال والآراء التي سبقت ، وعدم امكان المساعدة على واحد منها .

ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 77 .

ــ[83]ــ


[ المختار في المعنى الحرفي ]

وعلى ذلك فيجب علينا أن نختار رأياً آخر في مقابل هذه الآراء .

التحقيق : أنّ المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية وإن كانت مرتكزة في أذهان كل أحد ومعلومة لديه إجمالاً ، ولذا يستعملها فيها عند الحاجة إلى تفهيمها ، إلاّ أنّ الداعي إلى البحث عنها في المقام حصول العلم التفصيلي بها .

وبيان ذلك : أنّ الحروف والأدوات تباين الأسماء ذاتاً وحقيقة ، ولا اشتراك لهما في طبيعي معنى واحد . وقد تبيّن حكم هذه الناحية من مطاوي كلماتنا فيها، وأ نّه لا شبهة في تباين المعنى الاسمي والحرفي بالذات فلا حاجة إلى الاعادة والبيان .

ونتكلم فيها فعلاً من ناحية اُخرى بعد الفراغ عن تلك الناحية ، وهي أنّ المعاني الحرفية التي تباين الاسمية بتمام الذات ما هي ؟

فنقول : إنّ الحروف على قسمين :

أحدهما : ما يدخل على المركبات الناقصة والمعاني الافرادية كمن وإلى وعلى ونحوها .

والثاني : ما يدخل على المركبات التامّة ومفاد الجملة كحروف النداء والتشبيه والتمني والترجي وغير ذلك .

أمّا القسم الأوّل : فهو موضوع لتضييق المفاهيم الاسمية في عالم المفهوم والمعنى وتقييدها بقيود خارجة عن حقائقها ، ومع هذا لا نظر لها إلى النسب والروابط الخارجية ولا إلى الأعراض النسبية الاضافية، فانّ التخصيص والتضييق إنّما هو في نفس المعنى سواء كان موجوداً في الخارج أم لم يكن .

ــ[84]ــ

توضيح ذلك : أنّ المفاهيم الاسمية بكليتها وجزئيتها وعمومها وخصوصها قابلة للتقسيمات إلى غير النهاية باعتبار الحصص أو الحالات التي تحتها ، ولها إطلاق وسـعة بالقياس إلى هذه الحصص أو الحالات ، سـواء كان الاطلاق بالقياس إلى الحصص المنوّعة كاطلاق الحيوان مثلاً بالاضافة إلى أنواعه التي تحته ، أو بالقياس إلى الحصص المصنّفة أو المشخّصة كاطلاق الانسان بالنسبة إلى أصنافه أو أفراده ، أو بالقياس إلى حالات شخص واحد من كمّه وكيفه وسائر أعراضه الطارئة وصفاته المتبادلة على مرّ الزمن .

ومن البديهي أنّ غرض المتكلم في مقام التفهيم والافادة كما يتعلق بتفهيم المعنى على إطلاقه وسـعته كذلك قد يتعلق بتفهيم حصّة خاصّة منه فيحتاج حينئذ إلى مبرز لها في الخارج ، وبما أ نّه لا يكاد يمكن أن يكون لكل واحد من الحصص أو الحالات مبرز مخصوص، لعدم تناهي الحصص والحالات، بل عدم تناهي حصص أو حالات معنى واحد فضلاً عن المعاني الكثيرة ، فلا محالة يحتاج الواضع الحكيم إلى وضع ما يدلّ عليها ويوجب إفادتها عند قصد المتكلم تفهيمها ، وليس ذلك إلاّ الحروف والأدوات وما يشبهها من الهيئات الدالة على النسب الناقصة ، كهيئات المشتقات وهيئة الاضافة والتوصيف .

فكل متكلم متعهد في نفسه بأ نّه متى ما قصد تفهيم حصّة خاصّة من معنى ، أن يجعل مبرزه حرفاً مخصوصاً أو ما يشبهه على نحو القضية الحقيقية ، لا بمعنى أ نّه جعل بازاء كل حصّة أو حالة حرفاً مخصوصاً أو ما يحذو حذوه بنحـو الوضع الخاص والموضوع له الخاص ، لما عرفت من أ نّه غير ممكن من جهة عدم تناهي الحصص . فكلمة (في) في جملة : الصلاة في المسجد حكمها كذا ، تدل على أنّ المتكلم أراد تفهيم حصّة خاصّة من الصلاة ، وفي مقام بيان حكم هذه الحصّة لا الطبيعة السارية إلى كل فرد. وأمّا كلمتا الصلاة والمسجد فهما مستعملتان

ــ[85]ــ

في معناهما المطلق واللاّ بشرط بدون أن تدلا على التضييق والتخصيص أصلاً .

ومن هنا كان تعريف الحرف بما دلّ على معنى قائم بالغير من أجود التعريفات وأحسنها ، وموافقاً لما هو الواقع ونفس الأمر ومطابقاً لما ارتكز في الأذهان من أنّ المعنى الحرفي خصوصية قائمة بالغير وحالة له .

وإن شئت فعبّر : أنّ الأسماء بجواهرها وأعراضها وغيرهما تدل على المعاني المطلقة اللاّ بشرطية، ولا يدل شيء منها على تضييقات هذه المعاني وتخصيصاتها بخصوصيات ، فلا محالة انحصر أن يكون الدال عليها هو الحروف أو ما يقوم مقامها . مثلاً كلمة (الدور) موضوعة لمعنى جامع وسيع ودالّة عليه ، ولكن قد يتعلق الغرض بتفهيم حصّة خاصّة منه وهي خصوص الحصّة المستحيلة مثلاً ، فإذن ما الذي يوجب إفادتها ، وليس ذلك إلاّ الحرف أو ما يشبهه ، لعدم دال آخر على الفرض ونفس الكلمة لا تدل إلاّ على الطبيعي الجامع ، وهكذا .

وبكلمة واضحة : أنّ وضع الحروف لذلك المعنى من نتائج وثمرات مسلكنا في مسألة الوضع ، فانّ القول بالتعهد لا محالة يستلزم وضعها لذلك، حيث عرفت أنّ الغرض قد يتعلق بتفهيم الطبيعي وقد يتعلق بتفهيم الحصّة ، والمفروض أ نّه لايكون عليها دال ما عدا الحروف وتوابعها ، فلا محالة يتعهد الواضع ذكرها أو ذكر توابعها عند قصد تفهيم حصّة خاصّة ، فلو قصد تفهيم حصّة من طبيعي الماء مثلاً ، كماء له مادة أو ماء البـئر ، يبرزه بقوله : ما كان له مادة لا ينفعل بالملاقاة ، أو : ماء البئر معتصم ، فكلمة اللاّم في الأوّل وهيئة الاضافة في الثاني تدلاّن على أنّ المراد من الماء ليس هو الطبيعة السارية إلى كل فرد، بل خصوص حصّة منه .

ولا فرق في ذلك بين أن تكون الحصص موجـودة في الخارج أو معدومة ، ممكنة كانت أو ممتنعة . ومن هنا يصح استعمالها في صفات الواجب تعالى

ــ[86]ــ

والانتزاعيات كالامكان والامتناع ونحوهما، والاعتباريات كالأحكام الشرعية والعرفية بلا لحاظ عناية في البين ، مع أنّ تحقق النسبة في تلك الموارد حتى بمفاد هل البسيطة مستحيل ، وجه الصحّة : هو أنّ الحروف وضعت لافادة تضييق المعنى في عالم المفهومية مع قطع النظر عن كونه موجوداً في الخارج أو معدوماً ، ممـكناً كان أو ممتنعاً ، فانّها على جميع التقادير تدل على تضييقه وتخصيصه بخصوصية ما على نسق واحد ، فلا فرق بين قولنا : ثبوت القيام لزيد ممكن ، وثبوت القدرة لله تعالى ضروري ، وثبوت الوجود لشريك الباري ممتنع ، فكلمة اللام في جميع ذلك استعملت في معنى واحد ، وهو تخصص مدخولها بخصوصية ما في عالم المعنى ، بلا نظر لها إلى كونه محكوماً بالامكان في الخارج أو بالضرورة أو بالامتناع ، فان كل ذلك أجنبي عن مدلولها ، ومن هنا يكون استعمالها في الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد بلا لحاظ عناية في شيء منها .

نعم ، إنّها تحدث الضيق في مقام الاثبات والدلالة ، وإلاّ لبقيت المفاهيم الاسمية على إطلاقها وسعتها ، وهذا غير كون معانيها إيجادية ، وكم فرق بين الايجادية بهذا المعنى والايجادية بذلك المعنى .

وأمّا بحسب مقام الثبوت فهي تكشف عن تعلق قصد المتكلم بافادة ضيق المعنى الاسمي ، فما يستعمل فيه الحرف ليس إلاّ الضيق في عالم المفهومية من دون لحاظ نسبة خارجية ، حتى في الموارد الممكنة كما في الجواهر والأعراض فضلاً عما يستحيل فيه تحقق نسبة ما كما في صفات الواجب تعالى وما شاكلها .

وعلى الجملة : حيث إنّ الأغراض تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والحالات فالمستعملون بمقتضى تعهداتهم النفسانية يتعهدون أن يتكلموا بالحروف أو ما يشبهها عند تعلق أغراضهم بتفهيم حصص المعاني وتضييقاتها ،

ــ[87]ــ

فلو أنّ أحداً تعلق غرضه بتفهيم الصلاة الواقعة بين زوال الشمس وغروبها يبرزه بقوله : الصلاة فيما بين الحدّين حكمها كذا ، وهكذا .

وملخص ما ذكرناه في المقام : هو أنّ المفاهيم الاسمية وإن كان بعضها أوسع من بعضها الآخر ، مثلاً مفهوم الممكن أوسع من مفهوم الوجود وهو أوسع من مفهوم الجوهر ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى مفهوم لا يكون تحته مفهوم آخر ، ولكل واحد منها لفظ مخصوص يدل عليه عند الحاجة إلى تفهيمه ، إلاّ أنّ حصصها أو حالاتها غير المتناهية لم يوضع بازاء كل واحدة منها لفظ خاص كي يدل عليها عند الحـاجة وذلك لعدم تناهيها ، فإذن ما هو الذي يوجب إفادتها في الخارج ، وليس ذلك إلاّ الحروف أو ما يشبهها بالتقريب الذي قدّمناه من أنّ الواضع تعهّد بذكر حرف خاص عند قصد تفهيم حصّة خاصّة من المعنى ، ففي كل مورد قصد ذلك جعل مبرزه حرفاً من الحروف على اختلاف الموارد والمقامات .

يتلخص نتيجة ما ذكرناه في اُمور :

الأمر الأوّل : أنّ المـعاني الحرفية تباين الاسمية ذاتاً ولا اشتراك لهما في طبيعي معنى واحد ، فانّها متدليات بها بحد ذاتها وهي مستقلاّت في أنفسها ولا جامع بين الأمرين أصلاً .

الأمر الثاني : أنّ معانيها ليست بإيجادية ، ولا بنسبة خارجية ، ولا بأعراض نسبية إضافية ، بل هي عبارة عن تضييقات نفس المعاني الاسمية في عالم المفهومية وتقييداتها بقيود خارجة عن حقائقها ، بلا نظر إلى أ نّها موجودة في الخارج أو معدومة ، ممكنة أو ممتنعة ، ومن هنا قلنا : إنّ استعمالها في الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد .

والذي دعاني إلى اختيار ذلك القول أسباب أربعة :

ــ[88]ــ

السبب الأوّل : بطلان سائر الأقوال والآراء .

السبب الثاني : أنّ المعنى الذي ذكرناه مشترك فيه بين جميع موارد استعمال الحروف ، من الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد ، وليس في المعاني الاُخر ما يكون كذلك كما عرفت .

السبب الثالث : أنّ ما سلكناه في باب الوضع من أنّ حقيقة الوضع هي : التعهّد والتباني ، ينتج الالتزام بذلك القول لا محالة ، ضرورة أنّ المتكلم إذا قصد تفهيم حصّة خاصّة فبأيّ شيء يبرزه ، إذ ليس المبرز له إلاّ الحرف أو ما يقوم مقامه .

السبب الرابع : موافقة ذلك للوجدان ومطابقته لما ارتكز في الأذهان ، فانّ الناس يستعملونها لإفادة حصص المعاني وتضييقاتها في عالم المعنى ، غافلين عن وجود تلك المعاني في الخارج أو عدم وجودها ، وعن إمكان تحقق النسبة بينها أو عدم إمكانها ، ودعوى إعمال العناية في جميع ذلك يكذّبها صريح الوجدان والبداهة كما لا يخفى ، فهذا يكشف قطعياً عن أنّ الموضوع له الحرف ذلك المعنى لا غيره .

الأمر الثالث : أنّ معانيها جميعاً حكائية ومع ذلك لا تكون إخطارية ، لأنّ ملاك إخطارية المعنى الاستقلالية الذاتية في عالم المفهوم والمعنى ، وهي غير واجدة لذلك الملاك ، وملاك حكائية المعنى نحو من الثبوت في عالم المعنى ، هي واجدة له ، فلا ملازمة بين عدم كونها إخطارية وكونها إيجادية كما عن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) .

الأمر الرابع : في نقاط الامتياز بين رأينا وسائر الآراء :

يمتاز رأينا عن القول بأنّ معاني الحروف إيجادية في نقطة واحدة ، وهي أنّ المعنى الحـرفي على ذلك الرأي ليس له واقع في أيّ وعـاء ما عدا التراكيب

ــ[89]ــ

الكلامية ، وأمّا على رأينا فله واقع في عالم المفهوم وثابت فيه كالمعنى الاسمي ، غاية الأمر بثبوت تعلقي لا استقلالي .

ويمتاز عن القول بأنّ الحروف وضعت بازاء النسب والروابط في نقطة واحدة أيضاً، وهي أنّ المعنى الحرفي على ذلك الرأي سنخ وجود خارجي ، وهو وجود لا في نفسه ، ولذا يختصّ بالجواهر والأعراض ولا يعمّ الواجب والممتنع ، وأمّا على رأينا فالمعنى الحرفي سنخ مفهوم ثابت في عالم المفهومية ويعمّ الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد .

ويمتاز عن القول بأنّ الموضوع لها الحروف هي الأعراض النسبية في نقطتين :

النقطة الاُولى : أنّ المعنى الحرفي على ذلك الرأي مستقل بالذات ، وأمّا على رأينا فهو غير مستقل بالذات .

النقطة الثانية : أنّ المعنى الحرفي على ذلك الرأي سنخ معنى يخصّ الجواهر والأعراض ولا يعمّ غيرهما ، وأمّا على رأينا فهو سنخ معنى يعمّ الجميع ، هذا تمام الكلام في القسم الأوّل من الحروف .

وأمّا القسم الثاني من الحروف : وهو ما يدخل على المركبات التامة أو ما في حكمها ـ كمدخول حرف النداء، فانّه وإن كان مفرداً إلاّ أ نّه يفيد فائدة تامة ـ فحاله حال الجمل الانشائية ، بيان ذلك : أنّ الجمل على قسمين : أحدهما : إنشائية . والثاني : خبرية ، والمشهور بينهم أنّ الاُولى موضوعة لايجاد المعنى في الخارج ، ومن هنا فسّروا الانشاء بايجاد ما لم يوجد . والثانية موضوعة للدلالة على ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها عنه .

والصحيح ـ على ما سيأتي بيانه (1) ـ أنّ الجملة الانشائية وضعت للدلالة

ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 97 .

ــ[90]ــ

على قصد المتكلم إبراز أمر نفسـاني غير قصد الحـكاية عند إرادة تفهيمه . والجملة الخبرية موضوعة للدلالة على قصد المتكلم الحكاية عن الواقع ثبوتاً أو نفياً .

توضيح ذلك : أنّ هذا القسم من الحروف كالجملة الانشائية ، بمعنى أ نّه وضع للدلالة على قصد المتكلم إبراز أمر نفساني غير قصد الحكاية عند قصد تفهيمه، فحروف النداء كـ (يا) مثلاً، وضعت لابراز قصد النداء وتوجيه المخاطب إليه ، وحروف الاستفهام موضوعة لابراز طلب الفهم ، وحروف التمني موضوعة لابراز التمني ، وحروف الترجي موضوعة لابراز الترجي وكذا حروف التشبيه ونحوها .

وبتعبير آخر : أنّ وضع هذا القسم من الحروف لذلك المعنى أيضاً من نتائج وثمرات مسلكنا في مسألة الوضع ، فان لازم القول بالتعهد والالتزام هو تعهد كل متكلم بأ نّه متى ما قصد تفهيم معنى خاص تكلم بلفظ مخصوص ، فاللفظ مفهم له ودال على أ نّه أراد تفهيمه به ، فلو قصد تفهيم التمني يتكلم بلفظ خاص وهو كلمة (ليت) ، ولو قصد تفهيم الترجي يتكلّم بكلمة (لعل) وهكذا . فالواضع تعهد ذكر هذا القسم من الحروف عند إرادة إبراز أمر من الاُمور النفسانية من التمني والترجي ونحوهما .

ومن هنا يظهر بطلان ما عن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) من أنّ معاني هذه الحروف أيضاً إيجادية ، ووجهه ما تبين لك من أنّ معانيها ثابتة في عالم المفهومية كمعاني الجمل الانشـائية ، ولا فرق بينهما من هذه الجهة . فالنتيجة هي : أنّ حال هذا القسم من الحروف حال الجمل الانشائية ، كما أنّ القسم الأوّل منها حاله حال الهيئات الناقصة . هذا تمام الكلام في المقام الأوّل .

ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 25 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net