الأمر الثامن
علامات الحقيقة والمجاز
إنّهم ذكروا للحقيقة علائم :
منها : التبادر وهو خطور المعنى في الذهن بمجرد سماع اللفظ وإطلاقه من دون لحاظ أيّة قرينة وعناية في البين من حالية أو مقالية ، ومن الواضح أنّ مثل هذا التبادر معلول للوضع لا محالة وكاشف عنه كشفاً إنياً ، والوجه في ذلك : هو أنّ دلالة اللفظ لا تخلو إمّا أن تكون ذاتية، أو تكون جعلية ، وعلى الثاني إمّا أن تكون الدلالة مع القرينة أو بدونها .
أمّا الاُولى فقد عرفت بطلانها على ما حققناه في مسألة الوضع .
وأمّا الثانية فهي خارجة عن مفروض كلامنا في المقام ، فيتعين الثالثة فيدل التبادر على الوضع .
وبتعبير آخر : أنّ مطلق تبادر المعنى من إطلاق اللفظ وفهمه منه ليس علامة لاثبات الحقيقة ، بل العلامة حصّة خاصة منه وهي فهم المعنى من اللفظ نفسه بلا معونة خارجية ، وهي كاشفة عن الوضع لا محالة ، كما يكشف المعلول عن علّته .
ــ[129]ــ
وقد يورد على ذلك : باستلزامه الدور ، بيانه : أنّ من المعلوم بالضرورة أنّ الوضع وحده لا يكفي للتبادر ولا يكون علّة تامّة له ، فانّ الموجب للتبادر هو العلم بالوضع لا نفسه ، فلو انتفى العلم به انتفى التبادر ، فينتج أنّ التبادر في الحقيقة معلول للعلم بالوضع ، فلو كان العلم بالوضع متوقفاً عليه لدار .
وأجاب عنه المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) بوجهين :
الأوّل : أنّ التبادر عند العالم بالوضع علامة الحقيقة للجاهل به ، فالمستعلم يرجع في ذلك إلى العالم بالوضع ، كما هو طريقة دارجة بين أهل المحاورة في مقام استعلام اللغات الأجنبية وتعاليمها ، وبذلك يندفع الدور من أصله . ـــــــــــــــــــــ (1) كفاية الاُصول : 18 .
|