معنى «الصحيح» في محل النزاع 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4867


الجهة الثانية : الظاهر أنّ الصحّة بمعنى التمامية من حيث الأجزاء والشرائط التي يعبّر عنها في لغة الفرس بكلمة (درستي) وهي معناها لغة وعرفاً .

وأمّا تفسير الفقهاء الصحّة بمعنى إسقاط القضاء والإعادة ، والمتكلمين بمعنى موافقة الشريعة ، فكلاهما من باب التفسير باللازم، فالصلاة مثلاً إذا كانت تامّة من حيث أجزائها وشرائطها كانت موافقة للشريعة، ومسقطة للاعادة والقضاء، وليس شيء من ذلك معنى الصحة ، ولا من الحيثيات التي يتمّ بها حقيقتها . وهذا هو الحال في سائر المركبات الشرعية والعرفية .

ومن ذلك ظهر فساد ما أفاده شيخنا المحقق (قدس سره) حيث قال ما لفظه:

إنّ حيثية إسقاط القضاء وموافقة الشريعة وغيرهما ، ليست من لوازم التمامية بالدقة، بل من الحيثيات التي يتمّ بها حقيقة التمامية ، حيث لا واقع للتمامية إلاّ التمامية من حيث إسقاط القضاء ، أو من حيث موافقة الأمر ، أو من حيث ترتب الأثر إلى غير ذلك ، واللازم ليس من متممات معنى ملزومه فتدبر .

ثمّ قال في هامش كتابه : إنّه إشارة إلى أنّ اللازم إن كان من لوازم الوجود صحّ ما ذكر ، وإن كان من لوازم الماهية فلا ، إذ لا منافاة في لازم الماهية وعارضها بين اللّزوم وكونه محـققاً لها كالفصـل بالإضافة إلى الجنـس ، فانّه عرض خاص له ، مع أنّ تحصّل الجنس بتحصله ، انتهى (1) .

وجه الظهور : هو أنّ إسقاط القضاء والاعادة وموافقة الشريعة وغيرهما

ـــــــــــــــــــــ
(1) نهاية الدراية 1 : 95 .

ــ[154]ــ

جميعاً من آثار التمامية ولوازمها وهي التمامية من حيث الأجزاء والشرائط ، وليست من متممات حقيقتها ، ضرورة أنّ لها واقعية مع قطع النظر عن هذه الآثار واللوازم، والظاهر أ نّه وقع الخلط في كلامه (قدس سره) بين تمامية الشيء في نفسه، أعني بها تماميته من حيث الأجزاء والشرائط ، وتماميته بلحاظ مرحلة الامتثال والإجزاء ، فانّه لا واقع لهذه التماميـة مع قطع النظر عن هذه الآثار واللوازم . أو وقع الخلط بين واقع التمامية وعنوانها ، فان عنوان التمامية عنوان انتزاعي منتزع عن الشيء باعتبار أثره، فحيثية ترتب الآثار من متممات حقيقة ذلك العنوان . ولا واقع له إلاّ الواقعية من حيث ترتب الآثار ، ولكنّه خارج عن محل الكلام ، فان كلمة الصلاة مثلاً ، لم توضع بازاء ذلك العنوان ضرورة ، بل وضعت بازاء واقعه ومعنونه وهو الأجزاء والشرائط ، ومن الظاهر أنّ حيثية ترتب الآثار ليست من متممات حقيقة تماميـة هذه الأجزاء والشرائط ، وعلى أيّ حال فلا وقع لما ذكره (قدس سره) أصلاً .

وأمّا ما أفاده (قدس سره) من أ نّه لا منافاة بين كون شيء لازماً لماهيـة وكونه محققاً لها ، فانّ الفصل لازم لماهية الجنس ، مع كونه محققاً لها في الخارج، فهو وإن كان صحيحاً، إلاّ أنّ اللازم لايعقل أن يكون من متممات معنى ملزومه، من دون فرق فيه بين لازم الوجود ولازم الماهية ، فماهية الفصل بما هي من لوازم ماهية الجنس لايعقل أن تكون من متمماتها بالضرورة، نعم الفصل بحسب وجوده محصّل لوجود الجنس ومحقق له ، ولكنّه بهذا الاعتبار ليس لازماً له ، فاطلاق قوله (قدس سره) إنّ ذلك ـ أي اللازم ليس من متممات معنى ملزومه ـ إنّما يتم في لازم الوجود دون لازم الماهية غير تام ، وكيف كان فالأمر ظاهر لا سترة فيه .

وقد تحصّل من ذلك : أنّ الصحّة بمعنى تمامية المركب في نفسه وذاته ، أعني بها

ــ[155]ــ

تماميته من حيث أجزائه وقيوده . ومن هنا يتبين أنّ البسيط لايتصف بالصحّة والفساد بل يتصف بالوجود أو العدم .

كما ظهر أنّ الصحّة والفساد أمران إضافـيان يختلفـان باختلاف حالات المكلّفين ، مثلاً الصلاة قصراً صحيحة للمسافر ، وفاسدة للحاضر، كما أ نّها إذا وقعت إلى ما بين المشرق والمغرب صحيحة لمن لم يتمكن من تشخيص القبلة ، وفاسدة للمتمكن من ذلك ، وهكذا .

فتحصّل : أنّ الصحّة التي هي داخلة في المسمّى على أحد القولين في المسألة من حيث أجزائه وقيوده ، مع قطع النظر عن أيّ أثر يترتب عليها، فانّها في مرتبة سابقة على ترتب الآثار .

ومن هنا يظهر أنّ الصحّة الفعلية التي هي منتزعة من انطباق المأمور به على المأتي به خارجاً ، خارجة عن محل الكلام ، ضرورة أ نّها في مرتبة متأخرة عن الأمر فكيف يعقل أخذها في المسمّى وفي متعلق الأمر ، ومن الواضح أنّ المراد من الوضع للصحيح أو للأعم الوضع لما هو واقع في حيّز الأمر .

وعلى ذلك فلا وجه للترديد والقول بأنّ الصحة والفساد المبحوث عنهما في هذه المسألة هل هي بمعنى التمامية وعدمها من حيث موافقة الأمر، أو من حيث إسقاط القضاء والاعادة ، أو من حيث استجماع الأجزاء والشرائط ، أو من حيث ترتب الأثر وعدمه، أو غير ذلك ، فانّك قد عرفت (1) أنّ المبحوث عنه لا يمكن أن يكون إلاّ التمامية وعدمها بالاضافة إلى الأجزاء والشرائط ، وأمّا بقية الحيثيات فهي أجنبية عن معنى التمامية بالكلية ، بل هي من الآثار واللوازم المترتبة عليها في مرتبة متأخرة . وهذا واضح ، فلا وجه لاطالة الكلام

ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 153 .

ــ[156]ــ

في ذلك كما عن شيخنا المحقق (قدس سره) .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net