المقام الأوّل : في العبادات \ نقد كلام المحقق النائيني في المقام 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 6096


ــ[159]ــ


أمّا الكلام في المقام الأوّل :

[ في العبادات ]

فيقع في تصوير الجامع بين أفراد العبادات ، وقد عرفت أنّ تصويره بينها لا بدّ منه ، سواء قلنا بكونها موضوعة للصحيحة أم للأعم .
ولكن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) قد خالف في المقام ، وذهب إلى أ نّه لا ضرورة تدعو إلى تصوير جامع وحداني يشترك فيه جميع الأفراد ، وأفاد في وجه ذلك أ نّه يمكن الالتزام بأنّ الموضوع له في مثل لفظ الصلاة مثلاً أوّلاً هو المرتبة العليا الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط، فانّ للصلاة باعتبار مراتبها عرضاً عريضاً ، ولها مرتبة عليا وهي صلاة المختار ، ولها مرتبة دنيا وهي صلاة الغرقى ، وبين الحدّين متوسطات ، فلفظة الصلاة ابتداءً موضوعة للمرتبة العليا على كلا القولين ، واستعمالها في غيرها من المراتب النازلة من باب الادعاء والتنزيل ، أو من باب الاشتراك في الأثر .

فالصحيحي يدعي أنّ استعمال لفظ الصلاة في بقية المراتب الصحيحة إمّا من باب الادعاء وتنزيل الفاقد منزلة الواجد مسامحة فيما يصح فيه التنزيل ، أو من باب الاشتراك في الأثر واكتفاء الشارع به في مقام الامتثال كما في صلاة الغرقى ، فانّه لا يمكن فيها الالتزام بالتنزيل المزبور .
والأعمي يدعي أنّ استعمالها في بقية مراتبها الأعم من الصحيحة والفاسدة من باب العناية والتنزيل، أو من باب الاشتراك في الأثر، فكل واحد من الأمرين موجب لجواز الاستعمال حتّى في فاسد صلاة الغرقى من باب تنزيله منزلة الواجد منها ، المنزّل منزلة التام الأجزاء والشرائط من جهة الاشتراك في الأثر .

ــ[160]ــ

نعم، استثنى (قدس سره) من ذلك القصر والاتمام، فقال إنّهما في عرض واحد، فلا بدّ من تصوير جامع بينهما ، ثمّ رتّب على ذلك بطلان ثمرة النزاع بين قول الأعمي وقول الصحيحي ، وهي جواز التمسك بالإطلاق على الأعمي ، وعدم جوازه على الصحيحي ، فانّه بناء على كون الصلاة مثلاً موضوعة لخصوص المرتبة العليا لم يجز التمسك بالاطلاق ولو فرض وجود مطلق في العبادات ، لعدم العلم بالتنزيل والمسامحة في مقام الاستعمال ، ومعه يصبح اللفظ مجملاً لا محالة . ثمّ قال : إنّ الحال في سائر المركبات الاختراعية أيضاً كذلك ، يعني أنّ اللفظ فيها موضوع ابتداءً للمرتبة العليا ، واستعماله في بقية مراتبها من باب الادعاء وتنزيل الفاقد منزلة الواجد أو من جهة الاشتراك في الأثر (1) .
ونتيجة ما أفاده (قدس سره) ترجع إلى اُمور :

الأوّل : أنّ الموضوع له هو المرتبة العليا على كلا القولين ، غاية الأمر الصحيحي يدعي صحّة الاستعمال في خصوص المراتب الصحيحة بين بقية المراتب ، والأعمي يدعي صحّته على الاطلاق .

الثاني : أ نّه لا فرق في ذلك بين العبادات وغيرها من المركبات الاختراعية .

الثالث: أنّ الصحيحي والأعمي محتاج كل منهما إلى تصوير جامع بين صلاتي القصر والإتمام، ليكون اللفظ موضوعاً بازاء ذلك الجامع .

الرابع : بطلان ثمرة النزاع بين القولين .

أمّا الأوّل : فيردّه أنّ إطلاق ألفاظ العبادات على جميع مراتبها الدانية والعالية بعرضهما العريض على نسق واحد من دون لحاظ عناية في شيء منها، مثلاً إطلاق لفظ الصلاة على المرتبة العليا وهي صلاة المختار الواجدة لجميع الأجزاء

ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1 : 52 وما بعدها .

 
 

ــ[161]ــ

والشرائط ، وعلى بقية المراتب كصلاة المضطر ونحوه ، على نسق واحد بلا لحاظ عناية تنزيلها منزلة الواجد ، أو اشتراكها مع المرتبة العليا في الأثر ، فلو كانت لفظة الصلاة موضوعة لخصوص المرتبة العليا لكان استعمالها في غيرها من المراتب النازلة كصلاة بدون قيام، أو إلى غير القبلة مثلاً محتاجاً إلى لحاظ التنزيل، أو الاشتراك في الأثر، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، ضرورة أنّ المتشرعة يطلقون لفظ الصلاة على كل مرتبة من مراتبها ، غافلين عن لحاظ التنزيل ، أو اشتراك هذه المرتبة مع المرتبة العليا في الأثر ، ولا يرون التفاوت في مرحلة الاستعمال والإطلاق بينها وبين بقية المراتب أصلاً ، فهذا يكشف كشفاً قطعياً عن أنّ الموضوع له هو الجهة الجامعة بين جميع المراتب ، لا خصوص المرتبة العليا ، من دون فرق في ذلك بين العبادات وغيرها من المركبات فما أفاده (قدس سره) كما لا يتم في العبادات كذلك لا يتم في سائر المركبات .

وأمّا الثاني : فمع الاغماض عمّا أجبنا به عن الأمر الأوّل ، يرد عليه : أ نّه فرق بين المركبات الشرعية وغيرها ، وهو أنّ للمراتب العليا من المركبات غير الشرعية حدوداً خاصّة وأجزاء معيّنة التي لا يطرأ عليها الاختلاف بالزيادة والنقيصة ، وتنعدم بفقدان واحد منها ، كما إذا فرض أ نّها ذات أجزاء ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو عشرة أو أقل أو أزيد ، على اختلافها باختلاف المركبات ، فحينئذ يمكن دعوى أنّ اللفظ موضوع لخصوص المراتب العليا منها ، وإطلاقه على بقية المراتب من باب الادعاء والتنزيل ، أو من جهة الاشتراك في الأثر .

وهذا بخلاف العبادات ، فانّ المراتب العـليا منها ليست لها أجزاء خاصّة بحيث لاتختلف زيادة ونقيصة، فانّها بأنفسها مختلفة ومتشتتة من ناحية الكمّية أو الكيفية ، مثلاً المرتبة العليا من صلاة الصبح غير المرتبة العليا من صلاة الظهرين ، وكلتاهما غير المرتبة العليا من صلاة المغرب ، وكل ذلك غير المرتبة

ــ[162]ــ

العليا من صلاة العشاء بحسب الكمّية أو الكيفية، وهي بأجمعها غير المرتبة العليا من صلاة الآيات وصلاة العيدين وغيرهما .

وعلى الجملة: فلاشبهة في أنّ للصلاة عرضاً عريضاً باعتبار أصنافها العديدة ، ولكل واحد من أصنافها أيضاً عرض عريض باعتبار مراتبها الطولية ، ومن المعلوم أنّ المرتبة العليا من كل صنف من أصنافها مباينة للمرتبة العليا من صنف آخر ، وهكذا .

فالنتيجة : أنّ المراتب العالية أيضاً متعددة فلا بدّ من تصوير جامع بينها ، ليكون اللفظ موضوعاً بازاء ذلك الجامع ، للقطع بانتفاء الاشتراك اللفظي .

فقد ظهر أنّ الالتزام بالوضع لخصوص المرتبة العـليا لا يغني عن تصوير الجامع، فهو ممّا لا بدّ منه سواء قلنا بأنّ الموضوع له المرتبة العليا ، أم قلنا بأ نّه الجهة الجامعة بين جميع المراتب .

ومن هنا يظهر الجواب عن الأمر الثالث أيضاً ، وهو أنّ الحاجة إلى تصوير الجامع لاتختص بالقصر والإتمام، بل لا بدّ من تصويره بين جميع المراتب العالية، وقد عرفت أ نّها كثيرة ولا تنحصر بالقصر والاتمام .

وأمّا الأمر الرابع : فقد تبيّن من ضوء بياننا المـتقدم أنّ ثمرة النزاع بين الأعمى والصحيحي تظهر على هذا أيضاً ، والوجه في ذلك: هو أنّ الأعمي لا محالة يدعي وضع اللفظ للجامع بين جميع المراتب العليا صحيحة كانت أو فاسدة، والصحيحي يدعي وضعه لخصوص الصحيحة منها ، فعلى ذلك إذا فرض وجود مطلق في البين وشكّ في اعتبار شيء ما جزءاً أو شرطاً في المأمور به ، فبناءً على الصحيحي لا يجوز التمسّك باطلاقه ، لأنّ الشك في اعتباره مساوق للشك في صدق المسمّى ، ومعه لا يمكن التمسّك بالإطلاق ، وبناءً على الأعمي لا مانع منه ، لأنّ صدق المسمّى محرز بالوجدان والشك إنّما هو في اعتبار أمر زائد

ــ[163]ــ

فيدفع بالإطلاق .

نعم ، لا يمكن التمسّك بالإطلاق بالإضافة إلى بقية المراتب ، لعدم إحراز الإطلاق من جهة عدم العلم بالتنزيل والادعاء ، كما ذكره (قدس سره) فلا يمكن التمسك باطلاق ما دلّ على وجوب الصلاة لاثبات وجوبها على المضطر أو نحوه ، وذلك من جهة عدم إحراز التنزيل والإدعاء بعد فرض أنّ الموضوع له لا يعم المشكوك فيه ، لأ نّه خصوص المرتبة العليا .

وقد أصبحت النتيجة بوضوح أنّ تصوير الجامع على كلا القولين قد أصبح ضرورياً ، وعليه فإن أمكن تصويره في مقام الثبوت على كلا القولين فللنزاع في مقام الاثبات مجال ، وإن لم يمكن تصويره إلاّ على أحد القولين دون الآخر فلا مناص من الالتزام بذلك القول . فعلى ذلك يقع الكلام في مقامين :

الأوّل : في تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة فقط .

الثاني : في تصويره بين الأعم من الصحيحة والفاسدة .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net