تبصرة
إذا لم يعقل جامع بين الأفراد الصحيحة فما هو المؤثر في النهي عن الفحشاء والمنكر ؟
والجواب عنه : هو أنّ حديث كيفية تأثير الصلاة في الانتهاء عن الفحشاء
ــ[177]ــ
والمنكر يمكن أن يكون بأحد وجهين :
الأوّل : أنّ الصلاة باعتبار أجزائها المختلفة كمّاً وكيفاً ، مشتملة على أرقى معاني العبودية والرقية ، ولأجل ذلك تصرف النفس عن جملة من المنكرات وتؤثر في استعدادها ، للانتهاء عنها من جهة مضادة كل جزء من أجزائها لمنكر خاص ، فانّ المصلي الملتفت إلى وجود مبدأ ومعاد إذا قرأ قوله تعالى (الْحَمْدُ للهِِ رَبِّ ا لْعَالَمِينَ ) التفت إلى أنّ لهذه العوالم خالقاً هو ربّهم ، وهو رحمن ورحيم ، وإذا قرأ قوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) التفت إلى أنّ الله يسأل عمّا ارتكبه من القبائح ويجازي عليه في ذلك اليـوم ، وإذا قرأ قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) التفت إلى أنّ العبادة والاستعانة منحصرتان به تعالى وتقدس ، ولا يصلح غيره للعبادة والاستعانة .
وإذا قرأ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ ا لْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ ا لَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ا لْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) التفت إلى أنّ طائفة قد خالفوا الله وعصوه عناداً ، ولأجله وقع عليهم غضبه تعالى وسخطه، أو أ نّهم خالفوه بغير عناد فصاروا من الضالِّين .
وهناك طائفة اُخرى قد أطاعو الله ورسوله فوقعوا في مورد نعمائه تعالى ورضاه ، ففاتحة الكتاب بمجموع آياتها تكون عبرة وعظة للمصلين الملتفتين إلى معاني هذه الآيات ، ثمّ إذا وصل المصلي إلى حدّ الركوع والسجود فركع ثمّ سجد ، التفت إلى عظمة مقام ربّه الجليل ، وأنّ العبد لا بدّ أن يكون في غاية تذلل وخضوع وخشوع إلى مقامه الأقدس ، فانّهما حقيقة العبودية وأرقى معناها ، ومن هنا كانت عباديتهما ذاتية . ومن هنا كان في الركوع والسجود مشقة على العرب في صدر الاسلام ، فالتمسوا النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يرفع عنهم هذا التكليف ويأمرهم بما شاء ، وذلك لتضادهما الكبر والنخوة ، وبما أنّ الصلاة تتكرر في كل يوم وليلة
ــ[178]ــ
عدّة مرّات ، فالالتفات إلى معانيها في كل وقت اُتي بها لا محالة تؤثر في النفس وتصرفها عن الفحشاء والمنكر .
الثاني : أنّ الصلاة باعتبار أ نّها مشروطة بعدّة شرائط فهي لا محالة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فانّ الالتزام باباحة المكان واللباس وبالطهارة من الحدث والخبث مثلاً ، يصرف المكلف عن كثير من المحرمات الإلهية .
وقد نقل عن بعض السلاطين أ نّه كان يمتنع عن شرب الخمر لأجل الصلاة ، وكيف ما كان فالصلاة باعتبار هاتين الجهتين ناهية عن عدّة من المنكرات لا محالة .
فتلخّص : أنّ تأثير الصلاة في النهي عن الفحشاء باعتبار هاتين الجهتين واضح ، هذا تمام الكلام في المقام الأوّل .
|