2 ـ تصوير المشهور للجامع \ 3 ـ تصوير آخر للجامع 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4812


ــ[189]ــ

الرابع : أنّ دخول شيء واحد في مركب مرّة ، وخروجه عنه مرّة اُخرى ممّا لابأس به في المركبات الاعتبارية ، بل هو على طبق الفهم العرفي كما لا يخفى .

الوجه الثاني من وجوه تصوير الجامع : ما قيل من أنّ لفظ الصلاة موضوع بإزاء معظم الأجزاء ، ويدور صدقه مداره وجوداً وعدماً ، وقد نسب شيخنا العلاّمة الأنصاري (1) (قدس سره) هذا الوجه إلى المشهور ، وكيف ما كان ، فقد أورد عليه المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) بوجهين :

الأوّل : ما أورده (قدس سره) ثانياً على الوجه الأوّل من أنّ لازم ذلك هو أن يكون استعمال لفظ الصلاة فيما هو المأمور به بأجزائه وشرائطه مجازاً ، وكان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ، لا من باب إطلاق الكلي على فرده والطبيعي على مصداقه ، وهذا ممّا لا يلتزم به القائل بالأعم .

الثاني : أ نّه عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمى ، فكان شيء واحد داخلاً فيه تارة ، وخارجاً عنه اُخرى ، بل مردداً بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الأجزاء ، وهو كما ترى سيّما إذا لوحظ هذا مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات (2) .

توضيحه : هو أ نّه لا ريب في اختلاف الصلاة باختلاف حالات المكلفين من السفر والحضر والاختيار والاضطرار ونحو ذلك، كما أ نّه لاريب في اختلافها في نفسها باختلاف أصنافها من حيث الكم والكيف ، وعليه فمعظم الأجزاء يختلف من هاتين الناحيتين ، فيلزم دخول شيء واحد فيه مرّة وخروجه عنه مرّة اُخرى ، بل عند اجتماع تمام الأجزاء لا تعين لما هو الداخل عمّا ليس هو

ـــــــــــــــــــــ
(1) مطارح الأنظار : 8 .
(2) كفاية الاُصول : 25 ـ 26 .

ــ[190]ــ

بداخل ، فانّ نسبة كل جزء إلى المركب على حد سواء ، بل لا واقع له حينئذ ، إذ جعل عدّة خاصة من معظم الأجزاء دون غيرها ترجيح بلا مرجح ، فيكون المركب حينئذ من قبيل الفرد المردد الذي لا واقع له .

ولكن بما حققناه (1) في الوجه الأوّل من أنّ المسمّى قد اعتبر لا بشرط بالإضافة إلى الزائد ، قد تبين الجواب عن الإيراد الأوّل ، فانّ معظم الأجزاء الذي اُخذ مقوّماً للمركب مأخوذ لا بشرط بالقياس إلى بقية الأجزاء ، فهي داخلة في المسمّى عند وجودها وخارجة عنه عند عدمها .
وبهذا يظهر الجواب عن الإيراد الثاني أيضاً ، فانّ عند اجتماع تمام الأجزاء كان المسمّى هو تمام الأجزاء ، لا خصوص بعضها ليقال إنّه أمر مردد بين هذا وذاك .

وإن شئت فقل : إنّ اللفظ لم يوضع بازاء مفهوم معظم الأجزاء وإلاّ لترادف اللفظان وهو باطل قطعاً ، بل هو موضوع بازاء واقع ذلك المفهوم ومعنونه ، وهو يختلف باختلاف المركب نفسه، مثلاً معظم أجزاء صلاة الصبح بحسب الكم غير معظم أجزاء صلاة العشاء ، فلو كان المعظم لصلاة الصبح أربعة أجزاء مثلاً ، فلا محالة كان المعظم لصلاة المغرب ستّة أجزاء وهكذا ، وعلى هذا فاللفظ موضوع بازاء المعظم على سبيل وضعه للأركان ، بمعنى أنّ المقوّم للمركب أحد اُمور على نحو البدل ، فقد يكون المقوّم أربعة أجزاء ، وقد يكون ثلاثة أجزاء ، وقد يكون خمسة أجزاء وهكذا ، وقد تقدّم أ نّه لا مانع من الالـتزام بذلك في المركبات الاعتبارية ، وكم له من نظير فيها ، بل هو على وفق الارتكاز كما عرفت .

وأمّا الزائد على المعظم فعند وجوده يدخل في المسمى وعند عدمه يخرج

ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 182 .

ــ[191]ــ

عنه ، فالموضوع له حينئذ هو مفهوم وسيع جامع لجميع شتاته ومتفرقاته ، لا خصوص المعظم بشرط لا ، ولا مرتبة خاصة منه ، ومن هنا يصدق على القليل والكثير والزائد والناقص على نسق واحد . نظير لفظ الكلمة ، فانّه موضوع في لغة العرب لما تركب من حرفين فصاعداً ، فالحرفان مقوّمان لصدق عنوان الكلمة في لغة العرب ، وأمّا الزائد عليهما من حرف أو حرفين أو أزيد ، فعند وجوده داخل في المسمى ، وعند عدمه خارج عنه .

ومن جميع ما ذكرناه يستبين : أ نّه لا بأس بهذا الوجه أيضاً مع الإغماض عن الوجه الأوّل ، بأن يكون اللفظ موضوعاً للمعظم لا بشرط ، هذا مع اعتبار الموالاة والترتيب أيضاً في المسمّى، إذ بدونهما لايصدق على المعظم عنوان الصلاة .

الوجه الثالث : ما قيل من أنّ لفظ الصلاة موضوع للمعنى الذي يدور مداره التسمية عرفاً .

وفيه : أنّ هذا الوجه بظاهره لا يرجع إلى معنى محصّل ، وذلك لأنّ الصدق العرفي تابع لوجود المسمّى في الواقع ومقام الثبوت ، فلا يعقل أن يكون وجود المسمّى في الواقع ونفس الأمر تابعاً للصدق العرفي .

ولكن قد ظهر ممّا ذكرناه أنّ مرجع هذا الوجه إلى الوجه الثاني ، فانّ المراد منه هو أنّ الكاشف عن وجود المسمّى ليس إلاّ الفهم العرفي ، فانّه طريق وحيد في مقام الإثبات إلى سعة المعنى أو ضيقه في مقام الثبوت ، وحيث إنّ لفظ الصلاة يصدق عند العرف على معظم أجزائها ولا يصدق على غير المعظم ، يكشف عن أ نّه موضوع بازاء المعظم على الكيفية التي تقدّمت ، مثلاً لفظ الماء في لغة العرب موضوع لمعنىً في الواقع ، ولكنّ الكاشف في مقام الاثبات عن مقدار سعته أو ضيقه لا يكون إلاّ الصدق العـرفي ، فلو رأينا إطلاق العرف لفظ الماء على ماء الكبريت ، نستكشف عن أ نّه موضوع لمعنى وسيع في الواقع .

ــ[192]ــ

وعلى الجملة : فالمتبع في إثبات سعة المعنى أو ضيقه إنّما هو فهم العرف ، والصدق عندهم دليل على سعة المعنى بالقياس إلى ذلك المورد ، كما أنّ عدم الصدق دليل على عدم السعة .

تتلخص نتيجة جميع ما ذكرناه لحدّ الآن في خطوط :

الخط الأوّل : فساد توهم الاشتراك في وضع ألفاظ العبادات كما سبق .

الخط الثاني : فساد توهم كون الوضع فيها عاماً والموضوع له خاصاً .

الخط الثالث : عدم إمكان تصوير جامع ذاتي مقولي على القول بالصحيح .

الخط الرابع : إمكان تصوير جامع عنواني على هذا القول ، إلاّ أ نّه ليس بموضوع له كما عرفت .

الخط الخامس : جواز تصوير جامع ذاتي بين الأعم من الصحيحة والفاسدة.

فالنتيجة على ضوء هذه الخطوط الخمسة قد اصبحت أنّ ألفاظ العبادات كالصلاة ونحوها ، موضوعة للجامع بين الأفراد الصحيحة والفاسدة، لا لخصوص الجامع بين الأفراد الصحيحة .

ومن هنا لا مجال للنزاع في مقام الإثبات عن أنّ الألفاظ موضوعة للصحيح أو للأعم ، فانّ النزاع في هذا المقام متفرع على إمكان تصوير الجامع على كلا القولين معاً ، فإذا لم يمكن تصويره إلاّ على أحدهما فلا مجال له أصلاً . إذن لا بدّ من الالتزام بالقول بالأعم ولا مناص عنه ، هذا من ناحية .

ومن ناحية اُخرى : أنّ المرتكز في أذهان المتشرعة هو أنّ إطلاق لفظ الصلاة على جميع أفرادها الصحيحة والفاسدة على نسق واحد من دون لحاظ عناية في شيء منها ، ضرورة أ نّهم يستعملون هذا اللفظ في الجميع غافلين عن لحاظ قرينة المجاز والعناية في موارد إطلاقه على الفرد الفاسد، فلو كان اللفظ موضوعاً

ــ[193]ــ

لخصوص الصحيح فلا محالة كان إطلاقه على الفاسد محتاجاً إلى لحاظ عناية وقرينة ، مع أنّ الأمر على خلاف ذلك ، وأنّ الاستعمال في الجميع على نسق واحد ، فلا فرق بين قولنا : فلان صلّى صلاة صحيحة، أو تلك الصلاة صحيحة ، وبين قولنا : فلان صلّى صلاة فاسدة ، أو هذه الصلاة فاسدة وهكذا ، وحيث إنّ استعمالات المتشرعة تابعة للاستعمالات الشرعية ، فتكشف تلك عن عموم المعنى الموضوع له عند الشارع المقدس أيضاً .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net