الاشكال في دخول اسم الزمان في محل النزاع 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4826


فما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) فيه خلط بين جريان النزاع في الهيئات الخاصّة والهيئات العامّة التي لا يختص وضعها بمادة .

ومن جميع ما ذكرناه يستبين أنّ الخارج عن البحث أمران :

أحدهما : العناوين الذاتية .

وثانيهما : الأفعال والمصادر .

ثمّ إنّه قد يشكل في دخول هيئة اسم الزمان في محل النزاع باعتبار أ نّها فاقدة للركن الثاني الذي قد مرّ اعتباره في دخول شيء في محل البحث وهو

ــ[263]ــ

بقاء الذات مع انقضاء المبدأ عنها ، لأنّ الذات فيه وهي الزمان من الاُمور المتقضية والمتصرمة في الوجود آناً فآناً ، فلا يعقل بقاؤها فيه مع زوال المبدأ عنها ليكون داخلاً في موضع النزاع ، وأمّا إطلاق اسم الزمان في بعض الموارد كاطلاق مقتل الحسين (عليه السلام) على اليوم العاشر من المحرّم في كل عام ، فهو من باب التجوز والعناية بلا إشكال .

وقد أجاب عنه المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) وإليك نصّه : ويمكن حلّ الإشكال بأنّ انحصار مفهوم عام بفرد كما في المقام لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بازاء الفرد دون العام ، وإلاّ لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة ، مع أنّ الواجب موضوع للمفهوم العام مع انحصاره فيه تبارك وتعالى (1) .

وتوضيحه : أنّ انحصار مفهوم كلّي في فردين : أحدهما ممكن والآخر ممتنع لا يوجب عدم إمكان وضع اللفظ للكلي ليضطر إلى وضعه للفرد الممكن ، فانّه يمكن ملاحظة المعنى الجامع بين الفردين ووضع اللفظ له ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فان انحصار مفهوم اسم الزمان في فرد لا يوجب وضعه له ، بل يمكن ملاحظة المفهوم العام ووضع اللفظ بازائه ، غاية الأمر انحصاره في الخارج في فرد واحد وهو الزمان المتلبس بالمبدأ بالفعل ، وامتناع تحقق فرده الآخر وهو الزمان المنقضي عنه المبدأ ، ولا مانع من وضع لفظ للجامع بين الفرد الممكن والمستحيل أصلاً ، وكم له من نظير .

ومن هنا وقع النزاع في وضع لفظ الجلالة «الله» وأ نّه اسم للجامع أو علم لذاته المقدّسة ، فلو لم يمكن الوضع للكلي بين الممكن والممتنع ، لم يصحّ النزاع

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 40 .

ــ[264]ــ

فيه ، بل كان المتعيّن أ نّه علم لا اسم جنس ، إذ لو كان من قبيل الثاني لكان الوضع لا محالة للمعنى الجامع ، مع أنّ بقية أفراده غير ذاته المقدسة ممتنعة ، بل قال (قدس سره) إنّ ذلك واقع في كلمة الواجب ، فانّها موضوعة للمعنى الجامع مع استحالة سائر أفراده غير ذاته تعالى .
ولا يخفى أنّ ما أفاده (قدس سره) من أ نّه لا مانع من وضع لفظ للمعنى الجـامع بين الفرد الممكن والممتنع صحيح ، بل إنّه لا مانع من وضع لفـظ لخصوص الفرد الممتنع ، كوضع لفظ بسيط للحصّة المستحيلة من الدور أو التسلسل أو لمفهوم اجتماع النقيضين ، فضلاً عن الوضع للجامع بين ما يمكن وما يستحيل ، كما هو الحال في لفظ الدور والتسلسل والاجتماع وما شاكل ذلك ، فانّ الجميع وضع للمفهوم العام مع امتناع بعض أفراده في الخارج كاجتماع النقيضين والضدّين ، وتوقف العلّة على المعلول المتوقف على علّته فانّه دور مستحيل ، والتسلسل فيما لا يتناهى ، وكثير من أفرادها ممكنة في الخارج كدور الشيء حول نفسه والتسلسل فيما يتناهى وغيرهما .

وعلى الجملة : فلا شبهة في إمكان هذا الوضع على جميع المسالك في تفسيره وهذا واضح ، ولكن وقوع مثل هذا الوضع متوقف على تعلّق الحاجة بتفهيم الجامع المزبور ، وذلك لأنّ الغرض من الوضع التفهيم والتفهم في المعاني التي تتعلّق الحاجة بابرازها كما في الأمـثلة المذكورة ، فانّ الحاجة كثيراً ما تتعلق باستعمال تلك الألفاظ في الجامع ، بل تطلق كثيراً ويراد منها خصوص الفرد المستحيل والحصّة الممتنعة . وأمّا إذا لم تتعلق الحاجة بذلك كان الوضع له لغواً ، فلا يصدر عن الواضع الحكيم ، ولمّا لم تكن حاجة متعلقة باستعمال اسم الزمان في الجامع بين الزمان المنقضي عنه المبدأ والزمان المتلبس به فعلاً ، كان الوضع له لغواً ، إذن يخرج عن مورد النزاع .

ــ[265]ــ

ومن هنا يظهر فساد قياس المقام باسم الجلالة الذي وقع الخلاف في أ نّه علم لذاته المقدّسة أو اسم جنس ، وذلك لأنّ الحاجة تتعلق باسـتعمال لفظ الجلالة في الجامع في مسألة البحث عن التوحيد وغيره . وهذا بخلاف اسم الزمان ، فانّ الحاجة لا تتعلق باستعمال اللفظ في الجامع بين المنقضي والمتلبس ، إذن كان وضع اللفظ بازائه لغواً .

وأمّا تمثيله لما وضع للجامع مع استحالة بعض أفراده بلفظ الواجب فهو غريب ، وذلك لأنّ الواجب بمعنى الثابت ، وهو مفهوم جامع بين الواجب تعالى وغيره ، فانّه يصدق على كل موجود ، فان كل موجود واجب لا محـالة . نعم إنّه تعالى واجب لذاته وغيره واجب بارادته ، والواجب لذاته وإن كان منحصراً بالله تعالى إلاّ أنّ هذه الجملة لم توضع بوضع واحد ليكون من الوضع للعام مع انحصار فرده في واحد .

وعلى الجملة : فلفظ الواجب مرادف لكلمة الثابت ، فهو يصدق على الاُمور التكوينية والتشريعية ، وبزيادة كلمة الوجود إليه يعم جميع الموجودات من الواجب لذاته وبغيره ، وبزيادة كلمة لذاته ينحصر بالله سبحانه فلا يشمل غيره، إلاّ أنّ ذلك أجنبي عن وضع لفظ بازاء جامع ينحصر بفرد ، فانّ الانحصار فيه من ضم مفهوم إلى مفاهيم اُخر ومن باب تعدد المدلول بتعدد الدال .

والتحقيق في المقام : أنّ أسماء الأزمنة لم توضع بوضع على حدة في قبال أسماء الأمكنة ، بل الهيئة المشتركة بينهما وهي هيئة «مفعل» وضعت بوضع واحد لمعنى واحد كلّي ، وهو ظرف وقوع الفعل في الخارج ، أعم من أن يكون زماناً أو مكاناً ، وقد سبق أنّ النزاع إنّما هو في وضع الهيئة بلا نظر إلى مادة دون مادة ، فإذا لم يعقل بقاء الذات في مادة مع زوالها لم يوجب ذلك عدم جريان النزاع في الهيئة نفسها التي هي مشتركة بين ما يعقل فيه بقاء الذات مع

ــ[266]ــ

انقضاء المبدأ عنها وما لايعقل فيه ذلك، وحيث إنّ الهيئة في محل البحث وضعت لوعاء المبدأ الجامع بين الزمان والمكان، كان النزاع في وضعها لخصوص المتلبس أو الأعم نزاعاً معقولاً ، غاية الأمر أنّ الذات إذا كانت زماناً لم يعقل بقاؤها مع زوال التلبّس عن المبدأ ، وإذا كانت مكاناً يعقل فيه ذلك ، وقد عرفت أ نّه لا مانع من وضع اللفظ للجامع بين الفرد الممكن والممتنع إذا تعلقت الحاجة بتفهيمه .

نعم ، لو كانت هيئة اسم الزمان موضوعة بوضع على حدة لخصوص الزمان الذي وقع فيه الفعل ، لم يكن مناص من الالتزام إلاّ بخروج اسم الزمان عن النزاع .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net