هل المشتق بسيط أم مركّب ؟
إنّ المفاهيم الاشتقاقية هل هي بسيطة أو أ نّها مركبة ؟ قولان في المسألة :
المشهور بين المتأخرين هو بساطتها، منهم السيِّد الشريف(1) والمحقق الدواني(2) (قدس سره) وخالف فيه جماعة ، منهم صاحب شرح المطالع(3) فذهب إلى التركيب ، حيث قال في مقام تعريف الفكر : بأ نّه ترتيب اُمور معلومة لتحصيل أمر مجهول .
وأورد عليه : بأ نّه يصح تعريف الشيء بالخاصّة وبالفصل وحده ، ولا يجب أن يكون التعريف دوماً بالحد أو بالرسم التام ، بل كما يمكن أن يكون به يمكن أن يكون بالحد أو الرسم الناقص ، فيقال : الإنسان ضاحك أو ناطق ، وعليه فلايكون تعريف الفكر بهذا تعريفاً جامعاً لخروج تعريف الشيء بالحد أو الرسم الناقص عنه ، لعدم ترتيب اُمور معلومة فيه ، بل التعريف حينئذ بأمر واحد .
وأجاب عنه : بأنّ الخاصة أو الفصـل وإن كانت في بداية الأمر وبالنظـر السطحي أمراً واحداً ، إلاّ أ نّها في الواقع وبالنظر الدقي تنحل إلى أمرين : ذات ومبدأ ، فالناطق ينحل إلى ذات ونطق ، وكذا الضاحك ، فلا يكون هنا ترتيب أمر واحد ، بل ترتيب اُمور معلومة عند النفس لتحصيل شيء مجهول .
وأشكل عليه المحقق الشريف في الهامش : بأ نّه لايمكن أخذ الشيء في مفهوم المشتق، وذلك لأنّ المأخوذ فيه إن كان مفهوم الشيء فيلزم دخول العرض العام في الفصل وهو محال ، وإن كان مصـداقه فيلزم انقلاب القضيّة الممكنة إلى
ـــــــــــــــــــــ (1) ، (2) ، (3) شرح المطالع : 11 .
ــ[303]ــ
الضرورية ، مثلاً جملة الانسـان ضاحك قضيّة ممكنة ، فإذا انحلت إلى قولنا : الإنسان انسان له الضحك ، صارت قضيّة ضرورية ، لأنّ ثبوت الشيء لنفسه ضروري وهو خلف .
ومن مجموع ذلك يستبين أنّ مركز النزاع هو البساطة والتركيب بحسب التحليل والواقع ، لا بحسب الإدراك والتصور ، وذلك لأنّ البساطة الإدراكية تجتمع مع تركب المفهوم حقيقةً ، ضرورة أنّ المتفاهم في مرحلة التصور من كل لفظ مفرد عند الاطلاق معنىً بسيط ، سواء أكان في الواقع أيضاً بسيطاً ، أم كان مركباً ، وهذا بلا فرق بين المشتقات وغيرها من الألفاظ . إذن لا معنى لأن يجعل مركز البحث البساطة والتركيب بحسب التصور والادراك ، ومن هنا سلّم شارح المطالع البساطة اللحاظية، إلاّ أ نّه قال: بحسب التحليل ينحل إلى شيئين : ذات متصفة بالمبدأ .
وممّا يؤكّد ذلك : تصدّي المحقق الشريف لاقامة البرهان على البساطة : بأنّ الالتزام بالتركيب يستلزم أحد المحذورين المتقدمين ، وظاهر أنّ إثبات البساطة اللحاظية لايحتاج إلى مؤونة استدلال واقامة برهان، فانّ المرجع الوحيد لاثباتها فهم أهل العرف أو اللغة ، ولا إشكال في أ نّهم يفهمون من المشتق معنىً واحداً كما يفهمون من غيره من الألفاظ المفردة ذلك .
ومن الغريب ما صدر عن المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) حيث قال ما لفظه هذا : ارشاد ، لا يخفى أنّ معنى البساطة ـ بحسب المفهوم ـ وحدته إدراكاً وتصوراً بحيث لايتصور عند تصوره إلاّ شيء واحد لا شيئان، وإن انحلّ بتعمّل من العقل إلى شيئين ، كانحلال مفهوم الحجر والشجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية مع وضوح بساطة مفهومهما . وبالجملة لا ينثلم بالانحلال إلى الاثنينية بالتعمل العقلي وحدة المعنى وبساطة المفهـوم كما لا يخفى ، وإلى ذلك يرجع
ــ[304]ــ
الاجمال والتفصيل الفارقان بين المحدود والحد ، مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتاً ، فالعقل بالتعمل يحلّل النوع ويفصّله إلى جنس وفصل بعد ما كان أمراً واحداً إدراكاً ، وشيئاً فارداً تصوراً ، فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع والرتق (1) .
وجه الغرابة : هو ما عرفت من أنّ ما يصلح لأن يكون مورد البحث والنزاع هو البساطة والتركيب بحسب التحليل العقلي ، لا بحسب الإدراك والتصور ، ضرورة أنّ البساطة اللحاظية لاتصلح لأن تكون محوراً للبحث ومركزاً لتصادم الأدلة والبراهين العقلية ، بل لا تقع تحت أيّ بحث علمي كما لا يخفى . وقد أشرنا آنفاً أنّ المرجع في إثباتها فهم العرف ، لأنّ واقعها انطباع صورة علمية واحدة في مرآة الذهن، سواء أكانت قابلة للانحلال في الواقع ـ كمفهوم الإنسان ونحوه ـ أم لم تكن . فمناط البساطة اللحاظية وحدة المفهوم إدراكاً ، بل وحدة المفهوم في مرحلة التصور في كل مفهوم ومدلول للفظ واحد ممّا لم يقع لأحد فيه شك وريب .
وقد تحصّل من ذلك : أنّ المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) بالنتيجة من القائلين بالتركيب لا البساطة .
وكيف كان، فالمشهور بين الفلاسفة والمتأخرين من الاُصوليين منهم شيخنا الاُستاذ (قدس
سره)(2) بساطة المفاهيم الاشتقاقية ، وقد أصرّوا على أ نّه لا فرق بينها وبين المبادئ حقيقةً وذاتاً ، وإنّما الفرق بينهما بالاعتبار ولحاظ الشيء مرّةً لا بشرط ، وبشرط لا مرّة اُخرى ، خلافاً لجمـاعة منهم شيخنا المحقق
ـــــــــــــــــــــ (1) كفاية الاُصول : 54 ـ 55 . (2) أجود التقريرات 1 : 97 .
|