ومضافاً إلى هذا يدل على التركيب وجهان آخران :
الأوّل : أ نّه هو المطابق للوجدان وما هو المتفاهم من المشتق عرفاً ، مثلاً المتمثل من كلمة «قائم» في الذهن ليس إلاّ ذات تلبست بالقيام ، دون المبدأ وحده ، وهذا لعلّه من الواضحات الأوّلية عند العرف .
الثاني : أ نّا لو سلّمنا أ نّه يمكن تصحيح الحمل في حمل المشتق على الذات باعتبار اللاّ بشرط، إلاّ أ نّه لايمكن ذلك في حمل المشتق على مشتق آخر كقولنا : الكاتب متحرك الأصابع ، أو كل متعجب ضاحك ، فانّ المشتق لو كان عين المبدأ فما هو الموضوع وما هو المحمول في أمثال هذه القضايا ؟
ولا يمكن أن يقال : إنّ الموضوع هو نفس الكتابة التي هي معنى المشتق على الفرض ، أو نفس التعجب ، والمحمول هو نفس تحرك الأصابع أو نفس الضحك ، لأ نّهما متباينان ذاتاً ووجوداً ، فلا يمكن حمل أحدهما على الآخر ، لمكان اعتبار الاتحاد من جهة في صحّة الحمل كما عرفت ، وبدونه فلا حمل .
وكذا لا يمكن أن يقال : إنّ الكتابة أو التعجب مع النسبة موضوع ، ونفس تحرك الأصابع أو الضحك محمول بعين الملاك المزبور ، وهو المباينة بينهما وجوداً وذاتاً . على أنّ النسـبة أيضاً خارجة عن مفهوم المشتق على القول بالبساطة .
ــ[323]ــ
إذن لا مناص لنا من الالتزام بأخذ الذات في المشتق ، ليصحّ الحمل في هذه الموارد ، وهذا بنفسه برهان على التركيب .
فالنتيجة من مجموع ما ذكرناه لحدّ الآن : أنّ أخذ مفهوم الذات في المشتق يمكن الوصول إليه من طرق أربعة :
1 ـ بطلان القول بالبساطة .
2 ـ مطابقته للوجدان .
3 ـ عدم إمكان تصحيح حمله على الذات بدون الأخذ .
4 ـ عدم صحّة حمل وصف عنواني على وصف عنواني آخر بغيره .
ثمّ إنّ لشيخنا المحقق (قدس سره) في المقام كلاماً وحاصله : هو أ نّه بعد ما اعترف بمغايرة المشتق ومبدئه وأنّ مفهوم المشتق قد اُخذ فيه ما به يصح حمله على الذات ، ذكر أنّ المأخوذ فيه هو الأمر المبهم من جميع الجهات لمجرد تقوّم العنوان ، وليس من مفهوم الذات ، ولا من المفاهيم الخاصّة المندرجة تحتها في شيء ، بل هو مبهم من جهة انطباقه على المبدأ نفسـه كما في قولنا : الوجود موجود أو البياض أبيض ، ومن جهة عدم انطباقه عليه كما في قولنا : زيد قائم (1) .
وأنت خبير بأنّ الأمر المبهم القابل للانطباق على الواجب والممكن والممتنع لا محالة يكون عنواناً عاماً يدخل تحته جميع ذلك ، هذا من ناحية . ومن ناحية اُخرى : أ نّا لا نجد في المفاهيم أوسع من مفهوم الشيء والذات . إذن لا محالة يكون المأخوذ في مفهوم المشتق هو مفهوم الذات والشيء وهو المراد من الأمر المبهم ، ضرورة أ نّا لا نعقل له معنىً ما عدا هذا المفهوم .
ـــــــــــــــــــــ (1) نهاية الدراية 1 : 220 .
ــ[324]ــ
وإن شـئت فقل : إنّ مفهوم الشيء والذات مبهم من جميع الجهات والخصوصيات ، ومنطبق على الواجب والممتنع والممكن بجواهره وأعراضه وانتزاعاته واعتباراته .
فما أفاده (قدس سره) من أنّ المأخوذ في مفهوم المشتق ليس من مفهوم الذات ولا مصداقه في شيء غريب ، والإنصاف أنّ كلماته في المقام لا تخلو عن تشويش واضطراب كما لا يخفى .
|