ــ[351]ــ
الجهة الثالثة : لا إشكال في تبادر الوجوب عرفاً من لفظ الأمر عند الاطلاق ، وإنّما الاشكال والكلام في منشأ هذا التبادر ، هل هو وضعه للدلالة عليه ، أو الاطلاق ومقدمات الحكمة ، أو حكم العقل به ؟ وجوه بل أقوال .
المعروف والمشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً هو القول الأوّل . واختار جماعة القول الثاني ، ولكن الصحيح هو الثالث ، فلنا دعويان : الاُولى : بطلان القول الأوّل والثاني .
الثانية : صحّة القول الثالث .
أمّا الدعوى الاُولى : فلأ نّها تبتني على ركيزتين :
إحداهما : ما حققناه في بحث الوضع من أ نّه عبارة عن التعهد والالتزام النفساني .
وثانيتهما : ما حققناه في بحث الانشاء من أ نّه عبارة عن اعتبار الأمر النفساني ، وإبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكله .
وعلى ضوء هاتين الركيزتين يظهر أنّ مادة الأمر وضعت للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج ، فلا تدل على الوجوب لا وضعاً ولا إطلاقاً . أمّا الأوّل فظاهر. وأمّا الثاني فلأ نّه يرتكز على كونها موضوعةً للجامع بين الوجوب والندب ، ليكون إطلاقها معيّناً للوجوب دون الندب ، باعتبار أنّ بيان الندب يحتاج إلى مؤونة زائدة والاطلاق غير واف به . ولكن قد عرفت أ نّها كما لم توضع لخصوص الوجوب أو الندب ، كذلك لم توضع للجامع بينهما ، بل وضعت لما ذكرناه .
هذا مضافاً إلى عدم الفرق بين الوجوب والندب من هذه الناحية . وإذن فلا يكون الاطلاق معيّناً للأوّل دون الثاني ، فحاله حال الوجوب من هذه الناحية
ــ[352]ــ
من دون فرق بينهما أصلاً .
وأمّا الدعوى الثانية : فلأنّ العقل يدرك ـ بمقتضى قضيّة العبودية والرقية ـ لزوم الخروج عن عهدة ما أمر به المولى ، ما لم ينصب قرينة على الترخيص في تركه ، فلو أمر بشيء ولم ينصب قرينةً على جواز تركه فهو يحكم بوجوب إتيانه في الخارج ، قضاء لحق العبودية وأداءً لوظيفة المولوية ، وتحصيلاً للأمن من العقوبة ، ولا نعني بالوجوب إلاّ إدراك العقل لابدّية الخروج عن عهدته فيما إذا لم يحرز من الداخل أو من الخارج ما يدل على جواز تركه .
|