الطلب والارادة \ كلام صاحب الكفاية في المقام 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 6897


الجهة الرابعة : في الطلب والارادة . قد سبق منّا في الجهة الثالثة : أنّ الأمر موضوع للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج ، فلا يدل على شيء ما عداه ، هذا من ناحية .

ومن ناحية اُخرى : تعرّض المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) في المقام للبحث عن جهة اُخرى ، وهي أنّ الطلب هل يتحد مع الارادة أو لا ؟ فيه وجوه وأقوال . قد اختار (قدس سره) القول بالاتحاد ، وإليك نص مقولته :

فاعلم أنّ الحق كما عليه أهله وفاقاً للمعتزلة وخلافاً للاشاعرة ، هو اتحاد الطلب والارادة، بمعنى أنّ لفظيهما موضوعان بازاء مفهوم واحد، وما بازاء أحدهما في الخارج يكون بازاء الآخر، والطلـب المنشـأ بلفظه أو بغيره عين الارادة الانشائية . وبالجملة هما متحدان مفهوماً وانشاءً وخارجاً، لا أنّ الطلب الانشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه ـ كما عرفت ـ متحد مع الارادة الحقيقية التي ينصرف إليها إطلاقها أيضاً ، ضرورة أنّ المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الأمس .

فإذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد ، ففي مراجعة الوجدان عند طلب شيء والأمر به حقيقةً كفاية ، فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان ،

ــ[353]ــ

فانّ الانسان لا يجد غير الارادة القائمة بالنفس صفةً اُخرى قائمة بها يكون هو الطلب غيرها ، سوى ما هو مقدّمة تحققها عند خطور الشيء والميل وهيجان الرغبة إليه ، والتصديق لفائدته ، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لأجلها .

وبالجملة لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة والارادة هناك صفة اُخرى قائمة بها يكون هو الطلب ، فلا محيص إلاّ عن اتحاد الارادة والطلب ، وأن يكون ذاك الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات في إرادة فعله بالمباشرة ، أو المستتبع لأمر عبيده به فيما لو أراده لا كذلك ، مسمى بالطلب والارادة ، كما يعبّر به تارةً ، وبها اُخرى كما لا يخفى (1) .

ما أفاده (قدس سره) يحتوي على عدّة نقاط :

1 ـ اتحاد الارادة الحقيقية مع الطلب الحقيقي .

2 ـ اتحاد الارادة الانشائية مع الطلب الانشائي .

3 ـ مغايرة الطلب الانشائي للطلب الحقيقي ، والارادة الانشائية للارادة الحقيقية ، ولم يبرهن (قدس سره) على هذه النقاط ، بل أحالها إلى الوجدان .

ولنأخذ بالنظر في هذه النقاط :

أمّا الاُولى : فهي خاطئة جداً، والسبب في ذلك: أنّ الارادة بواقعها الموضوعي من الصفات النفسانية ومن مقولة الكيف القائم بالأنفس . وأمّا الطلب فقد سبق أ نّه من الأفعال الاختيارية الصادرة عن الانسان بالارادة والاختيار ، حيث إنّه عبارة عن التصدي نحو تحصيل شيء في الخارج ، ومن هنا لا يقال طالب الضالّة ، أو طالب العلم إلاّ لمن تصدّى خارجاً لتحصيلهما ، وأمّا من اشتاق

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 65 .

ــ[354]ــ

إليهما فحسب وأراد فلا يصدق عليه ذلك ، ولذا لا يقال طالب المال أو طالب الدُّنيا لمن اشتاق وأرادهما في اُفق النفس ، ما لم يظهر في الخارج بقول أو فعل .

وبكلمة اُخرى : أنّ الطلب عنوان للفعل سواء أكان الفعل نفسانياً أم خارجياً ، فلا يصدق على مجرد الشوق والارادة النفسانية ، ويظهر ذلك بوضوح من مثل قولنا : طلبت زيداً فما وجدته ، أو طلبت من فلان كتاباً ـ مثلاً ـ فلم يعطني ، وهكذا، ضرورة أنّ الطلب في أمثال ذلك عنوان للفعل الخارجي ، وليس إخباراً عن الارادة والشوق النفساني فحسب ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطلب متعلقاً بفعل نفس الانسان وعنواناً له كطالب الضالّة وطالب العلم وما شاكلها ، وأن يكون متعلقاً بفعل غيره . وعلى كلا التقديرين فلا يصدق على مجرّد الارادة .

وقد تحصّل من ذلك : أنّ الطلب مباين للارادة مفهوماً ومصداقاً ، فما أفاده (قدس سره) من أنّ الوجدان يشهد باتحادهما خطأ جداً .

وأمّا النقطة الثانية : فقد ظهر نقدها ممّا أوردناه على النقطة الاُولى ، وذلك لما عرفت من أنّ الطلب عنوان للفعل الخارجي أو الذهني ، وليس منشأ بمادة الأمر ، أو بصيغتها ، أو ما شاكلها . فإذن لا موضوع لما أفاده (قدس سره) من أنّ الطلب الانشائي عين الارادة الانشائية .

ومن هنا يظهر حال النقطة الثالثة : فانّها إنّما تتم إذا كانت متوفرة لأمرين :

الأوّل : القول بأنّ الطلب منشأ بالصيغة أو نحوها .

الثاني : القول بالارادة الانشائية في مقابل الارادة الحقيقية ، ولكن كلا القولين خاطئ جداً .

وأمّا النقطة الرابعة : فالأمر وإن كان كما أفاده (قدس سره) ، إلاّ أنّ عدم تحقق الطلب حقيقةً ليس بملاك عدم تحقق الارادة كذلك في أمثال الموارد ، بل

ــ[355]ــ

بملاك ما عرفت من أنّ الطلب عنوان لمبرز الارادة ومظهرها من قول أو فعل ، وحيث لا إرادة ها هنا فلا مظهر لها حتّى يتصف بعنوان الطلب.

وعلى ضوء هذا البيان يظهر فساد ما قيل : من أنّ الطلب والارادة متباينان مفهوماً ومتحدان مصداقاً وخارجاً (1) ووجه الظهور ما عرفت من تباينهما مفهوماً ومصداقاً ، فلا يمكن صدقهما في الخارج على شيء واحد كما مرّ بشكل واضح .

ثمّ لا يخفى أنّ غرض صاحب الكفاية (قدس سره) من هذه المحاولة نفي الكلام النفسي الذي يقول به الأشاعرة ، بتخيل أنّ القول بتغاير الطلب والارادة يستلزم القول بثبوت صفة اُخرى غير الصفات المعروفة المشهورة ، وبطبيعة الحال أنّ مردّ ذلك هو التصديق بما يقوله الأشاعرة من الكلام النفسي .

ولكن قد عرفت أنّ هذه المحاولة غير ناجحة ، هذا من ناحية . ومن ناحية اُخرى : أ نّا سنذكر بعد قليل أنّ نفي الكلام النفسي لا يرتكز على القول باتحاد الطلب والارادة ، حيث إنّا نقول بتغايرهما ، فمع ذلك نبرهن بصورة قاطعة بطلان محاولة الأشاعرة لاثبات أنّ كلامه تعالى نفسي لا لفظي .


بحث ونقد حول عدّة نقاط

الاُولى : نظريّة الأشاعرة : الكلام النفسي ، ونقدها .

الثانية : نظريّة الفلاسفة : إرادته تعالى من الصفات الذاتية ، ونقدها .

الثالثة : نظريّة الأشاعرة : مسألة الجبر ، ونقدها .

ـــــــــــــــــــــ
(1) درر الفوائد 1 : 41 .

ــ[356]ــ

الرابعة : نظريّة المعتزلة : مسألة التفويض ، ونقدها .

الخامسة : نظريّة الإمامية : مسألة الأمر بين الأمرين .

السادسة : نظريّة العلماء : مسألة العقاب .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net