إذا شك في سقوط الواجب بفعله في ضمن فرد محرّم - الشك في التعبدية والتوصلية 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5092


الثالثة : ما إذا شكّ في سقوط واجب في ضمن فرد محرّم ، وهذا يتصور على نحوين :

الأوّل : أن يكون المأتي به في الخارج مصداقاً للحرام حقيقةً ، كغسل الثوب المتنجس بالماء المغصوب أو نحوه .

الثاني : أن لا يكون المأتي به مصداقاً له كذلك، بل يكون ملازماً له وجوداً، وذلك كالصلاة في الأرض المغصوبة أو نحوها بناءً على جواز اجتماع الأمر والنهي وعدم اتحاد المأمور به مع المنهي عنه في مورد الاجتماع والتصادق .

أمّا الكلام في القسم الأوّل : فتارةً نعلم بأنّ الاتيان بالواجب في ضمن فرد محرّم مسقط له ، وسقوطه من ناحية سقوط موضوعه وعدم تعقل بقائه حتّى يؤتى به ثانياً في ضمن فرد غير محرّم ، وذلك كازالة النجاسة عن المسجد مثلاً ، فانّها تسقط عن المكلف ولو كانت بالماء المغصوب فلايبقى موضوع لها، وكغسل الثوب المتنجس بالماء المغصوب حيث يسقط عن ذمّته بانتفاء موضوعه وحصول غرضه وما شاكل ذلك ، هذا من ناحية .

ومن ناحية اُخرى : أنّ مردّ سقوط الواجب في ضمن الفرد المحرّم ليس إلى أنّ الواجب هو الجامع بينهما ، بل مردّه إلى حصول الغرض به الداعي إلى إيجابه ، حيث إنّه مترتب على مطلق وجوده ولو كان في ضمن فرد محرّم ، وعدم موضوع لاتيانه ثانياً في ضمن فرد آخر ، لا أنّ الواجب هو الجامع .

وتارةً اُخرى نشك في أ نّه يسـقط لو جيء به في ضمن فرد محرّم أو لا ، وذلك كغسل الميت وتحنيطه وتكفينه ودفنه وما شاكل ذلك ، فلو غسّل الميت

ــ[507]ــ

بالماء المغصوب ، أو دفن في أرض مغصوبة أو حنّط بالحنوط المغصوب ، أو غير ذلك ، وشككنا في سقوط التكليف بذلك وعدم سقوطه فنقول :

لا إشكال ولا شبهة في أنّ مقتضى إطلاق الواجب عدم السقوط ، بداهة أنّ الفرد المحرّم لا يعقل أن يكون مصداقاً للواجـب ، لاستحالة انطباق ما هو محبوب للمولى على ما هو مبغوض له . فعدم السقوط من هذه الناحية لا من ناحية استحالة اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد ، وذلك لأنّ هذه الناحية تقوم على أساس أنّ الأمر يسري من الجامع إلى أفراده ، ولكنّه خاطئ لا واقع موضوعي له، وذلك لما ذكرناه غير مرّة من أنّ متعلق الأمر هو الطبيعي الجامع، ولا يسري الأمر منه إلى شيء من أفراده العرضية والطولية ، هذا من ناحية .

ومن ناحية اُخرى : بعد ما عرفت استحالة انطباق الواجب على الفرد المحرّم فبطبيعة الحال يتقيد الواجب بغيره .

وعلى ضوء هذا البيان فإذا شككنا في سقوط الواجب في ضمن فرد محرّم فلا محالة يرجع إلى الشك في الاطلاق والاشتراط ، بمعنى أنّ وجوبه مطلق فلا يسقط عن ذمّته باتيانه في ضمن فرد محرّم أو مشروط بعدم إتيانه في ضمنه ، وقد تقدّم أنّ مقتضى الاطلاق عدم الاشتراط إن كان ، وإلاّ فالمرجع هو الأصل العملي وهو في المقام أصالة البراءة ، وذلك لأنّ المسألة على هذا الضوء تكون من صغريات كبرى مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين ، وقد اخترنا في تلك المسألة القول بجريان البراءة فيها عقلاً وشرعاً . هذا بناءً على نظريتنا من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، وإلاّ فلا مانع من الرجوع إليه ويأتي بيانه في مورده إن شاء الله تعالى .

وأمّا الكلام في القسم الثاني : فلا ينبغي الشك في سقوط الواجب به إذا كان توصلياً ، لأنّ المفروض أ نّه فرد حقيقي للواجب غاية الأمر أنّ وجوده في

ــ[508]ــ

الخارج ملازم لوجود الحرام ، ومن الطبيعي أنّ هذا لا يمنع من انطباق الواجب عليه .

وأمّا إذا كان تعبدياً فالظاهر أنّ الأمر أيضاً كذلك ، والسبب في هذا : هو أنّ المعتبر في صحّة العبادة الاتيان بها بكافّة أجزائها وشرائطها مع قصد القربة ، ولا دليل على اعتبار شيء زائد على ذلك ، ومن المعلوم أنّ مجرد مقارنتها خارجاً وملازمتها كذلك لوجود الحرام لا يمنع عن صحّتها وقصد القربة بها ، فانّ المانع منه ما إذا كانت العبادة محرّمة ، لا في مثل المقام .

ومن هنا قلنا بصحّة العبادة في مورد الاجتماع بناءً على القول بالجواز ، حيث إنّ ما ينطبق عليه الواجب غير ما هو الحرام فلا يتحدان خارجاً كي يكون مانعاً عن الانطباق وقصد التقرب ، بل يمكن الحكم بالصحّة فيه حتّى على القول باعتبار الحسن الفاعلي ، وذلك لأنّ صدور العبادة بما هي عبادة حسن منه ، وإنّما القبيح صدور الحرام ، ومن الواضح أنّ قبح هذا لا يرتبط بحسن ذاك ، فهما فعلان صادران من الفاعل ، غاية الأمر كان صدور أحدهما منه حسناً وصدور الآخر قبيحاً .

إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة : وهي أنّ الواجب التوصلي على أنواع ، منها : ما يسقط عن ذمّة المكلف بصرف وجوده في الخارج ، سواء أكان بفعل نفسه أم كان بفعل غيره ، وسواء أكان في ضمن فرد مباح أم كان في ضمن فرد محرّم . ومنها : ما لا يسقط إلاّ بفعل المكلف نفسه . ومنها : ما لا يسقط إلاّ في ضمن فرد مباح فلا يسقط في ضمن فرد حرام . نعم ، يشترك الجميع في نقطة واحدة وهي عدم اعتبار قصد القربة في صحّتها ، ومن هنا يظهر أ نّه لا أصل لما اشتهر في الألسنة من أنّ الواجب التوصلي ما يسقط عن المكلف ويحصل الغرض منه بمجرّد وجوده وتحققه في الخارج . هذا آخر ما أوردناه في المقام الأوّل .

ــ[509]ــ

وأمّا الكلام في المقام الثاني : فلا شبهة في أنّ الواجب في الشريعة المقدّسة بل في كافّة الشرائع على نوعين : تعبدي وتوصلي . والأوّل ما يتوقف حصول الغرض منه على قصد التقرب ، وذلك كالصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس وما شاكل ذلك . والثاني ما لايتوقف حصوله على ذلك كما عرفت ، ومنه وجوب الوفاء بالدين ، وردّ السلام ، ونفقة الزوجة ، وهذا القسم هو الكثير في الشريعة المقدّسة ، وجعله من الشارع رغم أ نّه لا يعتبر فيه قصد التقرب إنّما هو لأجل حفظ النظام وإبقاء النوع ، ولولاه لاختلّت نظم الحياة المادية والمعنوية ، وبعد ذلك نقول : مرّةً يعلم المكلف بأنّ هذا الواجب توصلي وذاك تعبدي ، ولا كلام فيه . ومرّةً اُخرى لا يعلم به ويشك ، الكلام في المقام إنّما هو في ذلك ، وهو يقع في مقامين :

الأوّل : في مقتضى الأصل اللفظي من عموم أو إطلاق .

الثاني : في مقتضى الأصل العملي .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net