ــ[26]ــ
فالنتيجة : أ نّه لا دليل على الفور لا من الداخل ولا من الخارج بحيث يحتاج عدم إرادته إلى دليل خاص ، وكذلك لا دليل على التراخي ، وعندئذ ففي كل مورد ثبت بدليل خاص الفور أو التراخي فهو ، وإلاّ فمقتضى الأصل عدمه . نتائج البحوث إلى هنا عدّة نقاط : الاُولى : أنّ صيغة الأمر موضوعة للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج ، ولا تدل وضعاً إلاّ على ذلك . وأمّا دلالتها على ابراز التهديد أو التخيير أو نحو ذلك فتحتاج إلى قرينة ، هذا من ناحية . ومن ناحية اُخرى أنّ ما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من أنّ الصيغة تستعمل دائماً في معنى واحد والاختلاف إنّما هو في الداعي قد تقدّم نقده بشكل موسّع . الثانية : أنّ الوجوب مستفاد من الصيغة أو ما شاكلها بحكم العقل بمقتضى قانون العبودية والمولوية لا بالدلالة الوضعية ولا بالاطلاق ومقدمات الحكمة هذا من جانب ، ومن جانب آخر أنّ تفسير صيغة الأمر مرّة بالطلب ومرّة اُخرى بالبعث والتحريك ومرّة ثالثة بالارادة لا يرجع بالتحليل العلمي إلى معنى محصل . الثالثة : ذكر صاحب الكفاية (قدس سره) أنّ دلالة الجمل الفعلية في مقام الانشاء على الوجوب أقوى وآكد من دلالة الصيغة عليه . ولكن قد تقدّم نقده بصورة موسّعة في ضمن البحوث السابقة، وقلنا هناك إنّه لا فرق بمقتضى قانون العبودية والمولوية بين الجمل الفعلية وصيغة الأمر في الدلالة على الوجوب ، وما ذكره (قدس سره) من النكتة لأقوائية دلالتها قد سبق منّا عدم صلاحيتها لذلك . الرابعة : أنّ الواجب التوصلي يطلق على معنيين : أحدهما : ما لا يعتبر قصد
ــ[27]ــ
القربة فيه . وثانيهما : ما لا تعتبر المباشرة فيه من المكلف نفسه ، بل يسقط عن ذمته بفعل غيره ، بل ربّما لا يعتبر في سقوطه الالتفات والاختيار ، بل ولا إتيانه في ضمن فرد سائغ . الخامسة : إذا شككنا في كون الواجب توصلياً بالمعنى الثاني وعدمه ، فان كان الشك في اعتبار قيد المباشرة في سقوطه وعدم اعتباره فمقتضى الاطلاق اعتباره وعدم سـقوطه بفعل غيره . وأمّا إذا لم يكن إطلاق فمقتضى الأصل العمـلي هو الاشـتغال دون البراءة . وأمّا إذا كان الشـك في اعتبار الاختـيار والالتفات في سقوطه وعدم اعتباره أو في اعتبار إتيانه في ضمن فرد سائغ فمقتضى الاطلاق عدم الاعتبار ، فالاعتبار يحتاج إلى دليل . هذا إذا كان في البين إطلاق ، وأمّا إذا لم يكن فمقتضى الأصل العملي هو البراءة . السادسة : ما إذا شككنا في اعتبار قصد القربة في واجب وعدم اعتباره ، فهل هنا إطلاق يمكن التمسك به لاثبات عدم اعتباره أم لا ؟ المعروف والمشهور بين الأصحاب هو أ نّه لا إطلاق في المقام ، وقد تقدّم منّا أنّ هذه الدعوى ترتكز على ركيزتين : الاُولى : استحالة تقييد الواجب بقصد القربة وعدم امكانه . الثانية : أنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق . وذكروا في وجه الأوّل وجوهاً ، وقد ناقشنا في تمام تلك الوجوه واحداً بعد واحد ، وأثبتنا عدم دلالة شيء منها على الاستحالة ، كما ناقشنا فيما ذكر في وجه الثاني وبيّنا خطأه وأ نّه لا واقع موضوعي له . السابعة : أ نّنا لو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ أخذ قصد الأمر في متعلقه لا يمكن بالأمر الأوّل ، إلاّ أ نّه لا مانع من أخذه فيه بالأمر الثاني ، كما اختاره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) ، كما أ نّه لا مانع من أخذ ما يلازمه ولا ينفك
ـــــــــــــــــــــ (1) أجود التقريرات 1 : 173 .
ــ[28]ــ
عنه ، وعلى تقدير تسليم استحالة ذلك أيضاً فلا مانع من بيان اعتباره ودخله في الغرض بجملة خبرية ، ومن هنا قلنا إنّه لا مانع عند الشك في ذلك من التمسك بالاطلاق إن كان ، وإلاّ فبأصالة البراءة . الثامنة : أنّ التقابل بين الاطلاق والتقييد في مرحلة الثبوت من تقابل الضدّين وفي مرحلة الاثبات من تقابل العدم والملكة . التاسعة : أ نّه لا مانع من أخذ بقية الدواعي القربية في متعلق الأمر ، ولا يلزم منه شيء من المحاذير التي توهم لزومها على تقدير أخذ قصد الأمر فيه ، ولكن منع شيخنا الاُستاذ (قدس سره) عن أخذها بملاك آخر قد تقدّم خطؤه بشكل موسع ، هذا من ناحية . ومن ناحية اُخرى : أنّ المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) قد اعترف بأن أخذها في المتعلق وإن كان ممكناً إلاّ أ نّه ادّعى القطع بعدم وقوعه في الخارج . ولكن قد ذكرنا هناك خطأه وأ نّه لا يلزم من عدم أخذها خاصة عدم أخذ الجامع بينها وبين قصد الأمر فلاحظ . العاشرة : قيل : إنّ مقتضى الأصل اللفظي عند الشك في تعبّـدية واجب وتوصليته هو كونه واجباً تعبدياً ، واستدلّ على ذلك بعدّة وجوه ، ولكن قد تقدّم منّا المناقشة في تمام تلك الوجوه وأ نّها لا تدل على ذلك ، فالصحيح هو ما ذكرنا من أنّ مقتضى الأصل اللفظي عند الشك هو التوصلية . الحادية عشرة : أنّ مقتضى الأصل العملي عند الشك يختلف باختلاف الآراء ، فعلى رأي صاحب الكفاية (قدس سره) الاشتغال وعلى رأينا البراءة شرعاً وعقلاً على تفصيل تقدّم . الثانية عشرة : أنّ مقتضى إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسياً تعيينياً عينياً، فان إرادة كل من الوجوب الغيري والتخييري والكفائي تحتاج إلى قرينة زائدة فالاطلاق لا يكفي لبيانها .
ــ[29]ــ
الثالثة عشرة : أنّ الأمر الواقع عقيب الحظر أو توهّمه لا يدل في نفسه لا على الوجوب ولا على الاباحة ولا على حكم ما قبل النهي ، فإرادة كل ذلك منه تحتاج إلى قرينة . الرابعة عشرة : أنّ صيغة الأمر لا تدل على المرّة ولا على التكرار في الأفراد الطولية ، كما لا تدل على الوجود الواحد أو المتعدد في الأفراد العرضية لا مادة ولا هيئة ، واستفادة كل ذلك تحتاج إلى قرينة خارجية . الخامسة عشرة : أنّ الصيغة لم توضع للدلالة على الفور ولا على التراخي ، بل هي موضوعة للدلالة على اعتبار المادة في ذمة المكلف ، فاستفادة كل من الفور والتراخي تحتاج إلى دليل خارجي ، ولا دليل في المقام . وأمّا آيتا المسابقة والمسارعة فلا تدلاّن على الفور أصلاً كما تقدّم .
|