الثالث : ما هو المراد من الاقتضاء ؟ ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) ما هذا لفظه : الظاهر أنّ المراد من الاقتضاء هاهنا الاقتضاء بنحو العلية والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة ، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الصيغة . إن قلت : هذا إنّما يكون كذلك بالنسبة إلى
ــ[32]ــ
أمره ، وأمّا بالنسبة إلى أمر آخر كالاتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الإجزاء أو بنحو آخر لا يفيده . قلت : نعم ، لكنّه لا ينافي كون النزاع فيهما كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم ، غايته أنّ العمدة في سبب الاختلاف فيهما إنّما هو الخلاف في دلالة دليلهما ، هل أ نّه على نحو يستقل العقل بأنّ الاتيان به موجب للإجزاء ويؤثر فيه ، وعدم دلالته ، ويكون النزاع فيه صغروياً أيضاً ، بخلافه في الإجزاء بالاضافة إلى أمره فانّه لا يكون إلاّ كبروياً لو كان هناك نزاع كما نقل عن بعض فافهم (1) . ما أفاده (قدس سره) متين جدّاً ، والسبب في ذلك واضح ، وهو أنّ غرض المولى متعلق باتيان المأمور به بكافّة أجزائه وشرائطه ، فاذا أتى المكلف بالمأمور به كذلك ، حصل الغرض منه لا محالة وسقط الأمر ، ضرورة أ نّه لا يعقل بقاؤه مع حصوله ، كيف حيث إنّ أمده بحصوله ، فاذا حصل انتهى الأمر بانتهاء أمده وإلاّ لزم الخلف أو عدم إمكان الامتثال أبداً ، وهذا هو المراد من الاقتضاء في عنوان المسألة لا العلة في الاُمور التكوينية الخارجية كما هو واضح ، هذا من ناحية . ومن ناحية اُخرى : أنّ عمدة النزاع في المسألة إنّما هي في الصغرى ، يعني في دلالة أدلّة الأمر الاضطراري أو الظاهري على ذلك وعدم دلالتها . ولكن بعد إثبات الصغرى فالمراد من الاقتضاء فيهما هذا المعنى ، فإذن لا فرق بين اقتضاء الاتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الإجزاء عن أمره وبين اقتضاء الاتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري الإجزاء عنه ، فهما بمعنى واحد وهو ما عرفت .
ـــــــــــــــــــــ (1) كفاية الاُصول : 81 .
ــ[33]ــ
الرابع : في بيان المراد من الإجزاء . الظاهر أ نّه لم يثبت له معنى اصطلاحي خاص في مقابل معناه اللغوي ، ليكون هذا المعنى الاصطلاحي هو المراد منه في المقام ، بل المراد منه هو معناه اللغوي وهو الكفاية ، غاية الأمر أنّ متعلقها يختلف باختلاف الموارد ، فقد يكون متعلقها القضاء ، وقد يكون الاعادة ، فاجزاء المأتي به عن المأمور به هو كفايته عما اُمر به إعادة وقضاءً ، أو قضاءً فقط ، فيما إذا دلّ الدليل على وجوب الاعادة دونه ، وذلك كمن صلّى في الثوب المتنجس نسياناً حيث إنّه على المشهور إذا تذكر في الوقت وجبت الاعادة عليه ، وإذا تذكر في خارج الوقت لم يجب القضاء ، وإن كان الأقوى عندنا وجوبه . أو المسافر الذي يتم في السفر نسياناً أو جاهلاً بالموضوع ، حيث إنّه إذا تذكر أو ارتفع جهله في الوقت وجبت الاعادة عليه ، وإن تذكر أو ارتفع في خارج الوقت لم يجب القضاء ، وهكذا . فاجزاء المأتي به عن المأمور به في أمثال الموارد هو كفايته عما اُمر به قضاءً لا إعادة .
|