الخامس : قد يتوهم أ نّه لا فرق بين هذه المسألة ومسألة المرّة والتكرار ، بدعوى أنّ القول بالإجزاء موافق للقول بالمرة ، والقول بعدم الإجزاء موافق للقول بالتكرار ، فإذن لا وجه لعقدهما مسألتين مستقلتين بل ينبغي عقدهما مسألة واحدة . كما أ نّه قد يتوهم عدم الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للأداء ، باعتبار أنّ القائل بالتبعية يلتزم ببقاء الأمر في خارج الوقت عند عدم امتثاله في الوقت وهو متحد في النتيجة مع القائل بعدم الإجزاء ، وعليه فلا فرق بين مسألتنا هذه وتلك المسألة . ولكن كلا التوهمين خاطئ جدّاً . أمّا الأوّل : فلأنّ القول بالإجزاء وإن كان موافقاً في النتيجة مع القول بالمرة ، كما أنّ القول بعدم الإجزاء موافق في النتيجة مع القول بالتكرار ، إلاّ أنّ مجرد
ــ[34]ــ
ذلك لا يوجب اتحاد المسألتين ، وذلك لما تقدّم في ضمن البحوث السابقة (1) من أنّ الضابط لامتياز مسألة عن مسألة اُخرى إنّما هو بالجهة المبحوث عنها في المسألة ، وحيث إنّ الجهة المبحوث عنها في مسألتنا هذه غير الجهة المبحوث عنها في تلك المسألة ، فلا مناص من تعددهما ، وذلك لأنّ الجهة المبحوث عنها في مسألة المرّة والتكرار إنّما هي تعيين حدود المأمور به شرعاً من حيث السعة والضيق وأ نّه الطبيعة المقيدة بالمرة أو التكرار ، وفي هذه المسألة إنّما هي إجزاء الاتيان بالمأمور به عن الواقع عقلاً وعدم إجزائه بعد الفراغ عن تعيين حدوده شرعاً . وإن شئت قلت : إنّ البحث في المسألة الاُولى بحث عن دلالة الصيغة أو ما شاكلها على المرّة أو التكرار ولذا تكون من المباحث اللفظية ، والبحث في هذه المسألة بحث عن وجود ملازمة عقلية بين الاتيان بالمأمور به خارجاً وبين إجزائه ، ومن هنا قلنا إنّها من المسائل العقلية . وصفوة القول : أنّ الاشتراك في النتيجة لو كان موجباً لوحدة المسألتين أو المسائل لكان اللاّزم أن يجعل المسائل الاُصولية بشتّى أشكالها وألوانها مسألة واحدة ، لاشتراك الجميع في نتيجة واحدة وهي القدرة على الاستنباط وهذا كما ترى . وأمّا التوهم الثاني : فلأنّ مسألتنا هذه تختلف عن مسألة تبعية القضاء للأداء موضوعاً وجهة ، أمّا الأوّل : فلأنّ الموضوع في هذه المسألة هو الاتيان بالمأمور به وأ نّه يجزي عن الواقع أم لا ؟ والموضوع في تلك المسألة هو عدم الاتيان بالمأمور به في الوقت ، ومن الطبيعي أ نّه لا جامع بين الوجود والعدم ،
ـــــــــــــــــــــ (1) [ بل سيأتي في المجلد الثالث من هذا الكتاب ص 375 ] .
ــ[35]ــ
وعليه فلا ربط بين المسـألتين في الموضوع أصلاً . وأمّا الثاني : فلأنّ الجهة المبحوث عنها في هذه المسألة إنّما هي وجود الملازمة بين الاتيان بالمأمور به وإجزائه عن الواقع عقلاً وعدم وجودها ، والجهة المبحوث عنها في تلك المسألة إنّما هي دلالة الأمر من جهة الاطلاق على تعدد المطلوب وعدم دلالته عليه ، فإذن لا ارتباط بينهما لا في الموضوع ولا في الجهة المبحوث عنها . وبعد ذلك نقول : إنّ الكلام يقع في مسائل ثلاث : الاُولى : أنّ إتيان المأمور به بكل أمر يقتضي الإجزاء عن أمره عقلاً ، سواء أكان ذلك الأمر أمراً واقعياً أو اضطرارياً أو ظاهرياً ؟ الثانية : أنّ الاتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري هل يوجب الإجزاء عن الأمر الواقعي أم لا ؟ الثالثة : أنّ الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري هل يوجب الإجزاء عنه إعادةً وقضاءً ، أو قضاءً فحسب أم لا ؟
|