الرابع : أ نّه لا فرق فيما ذكرناه من عدم الإجزاء على ضوء نظرية الطريقية والكاشفية في باب الأمارات بين المجتهد والمقلد ، فكما أنّ المجتهد إذا تبدل رأيه واجتهاده برأي آخر واجتهاد ثان وجبت الاعادة عليه في الوقت والقضاء في خارجه ، فكذلك المقلد إذا عدل عن مجتهد لأحد موجبات العدول إلى مجتهد آخر وكان مخالفاً له في الفتوى وجبت عليه إعادة الأعمال الماضية . ودعوى أنّ حجية فتاوى المجتهدين على المقلدين كانت من باب السببية والموضوعية وهي تستلزم الإجزاء على الفرض ، خاطئة جداً لوضوح أ نّه لا فرق بينها وبين الأمارات القائمة عند المجتهدين ، كيف ، فان عمدة الدليل على حجيتها إنّما هي السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم ، وقد تقدّم أنّ القول بالسببية يقوم على أساس جعل المؤدى ، ومن الطبيعي أ نّه ليس في السيرة العقلائية لجعل المؤدى عين ولا أثر .
ــ[103]ــ
الخامس : أنّ ثبوت الحكم الظاهري عند شخص بواسطة قيام الأمارة عليه هل هو نافذ في حق غيره ، وذلك كما إذا قامت البينة عند إمام جماعة مثلاً على أنّ المائع الفلاني ماء فتوضأ به أو اغتسل ، وقد علم غيره الخلاف وأ نّه ليس بماء ، فهل يجوز لذلك الغير الاقتداء به ؟ الظاهر عدم جوازه، بلا فرق فيه بين الشبهات الحكمية والموضوعية، والسبب في ذلك : هو أنّ نفوذ الحكم الظاهري الثابت لشخص في حق غيره الذي يرى خلافه يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه إلاّ في بعض الموارد الخاصة كما سنشير إليه . وعلى هذا الضوء فلو رأى شخص مثلاً وجوب الوضوء مع الجبيرة في موارد كسر أحد أعضاء الوضوء أو جرحه وإن كان مكشوفاً ، ولكن يرى الآخر وجوب التيمم فيها ، أو إذا رأى مشروعية الوضوء أو الغسل في موارد الضرر أو الحرج أو العسر ، ولكن يرى الآخر عدم مشروعيته ، أو إذا رأى كفاية غسل المتنجس بالبول مرّة واحدة ، ويرى غيره اعتبار التعدد فيه وهكذا، ففي جميع هذه الموارد وما شاكلها لا يجوز للثاني الاقتداء بالأوّل ، وليس له ترتيب آثار الوضوء الصحيح على وضوئه ، وترتيب آثار الطهارة على ثوبه المتنجس بالبول المغسول بالماء مرّة واحدة . نعم ، إذا كان العمل في الواقع صحيحاً بمقتضى حديث لا تعاد ، صحّ الاقتداء به، كما إذا افترضنا أنّ شخصاً يرى عدم وجوب السورة مثلاً في الصلاة اجتهاداً أو تقليداً فيصلي بدونها ، جاز لمن يرى وجوبها فيها الاقتداء به ، لفرض أنّ صلاته في الواقع صحيحة بمقتضى هذا الحديث ، ولذا لا تجب الاعادة عليه عند انكشاف الخلاف .
|