السادس : أنّ المحقق النائيني (قدس سره)(2) قد ادّعى الاجماع على الإجزاء في العبادات التي جاء المكلف بها على طبق الحجة الشرعية فلا تجب إعادتها في الوقت ، ولا قضاؤها في خارج الوقت . وأمّا في الأحكام الوضعية فقد ذكر (قدس سره) أ نّها على قسمين ، أحدهما : ما كان الموضوع فيه باقياً إلى حين انكشاف الخلاف . والثاني : غير باق إلى هذا الحين . والأوّل : كما إذا عقد على
ــــــــ (2) أجود التقريرات 1 : 299 .
ــ[107]ــ
امرأة بالعقد الفارسي، أو اشترى داراً مثلاً بالمعاطاة، أو ذبح ذبيحة بغير الحديد، أو ما شاكل ذلك ثمّ انكشف له الخلاف اجتهاداً أو تقليداً مع بقاء هذه الاُمور . والثاني : كما إذا اشترى طعاماً بالمعاطاة التي يرى صحتها ثمّ انكشف له الخلاف وبنى على بطلانها اجتهاداً أو تقليداً مع تلف الطعام المنقول إليه ، أو عقد على امرأة بالعقد الفارسي ثمّ انكشف له الخلاف وبنى على بطلانه كذلك مع عدم بقاء المرأة عنده ، وبعد ذلك قال (قدس سره) أمّا القسم الأوّل من الأحكام الوضعية فلا إجماع على الإجزاء فيه بل هو المتيقن خروجه عن معقده ، ومن هنا لا نظن فقيهاً أن يفتي بالإجزاء في هذا القسم . وأمّا القسم الثاني فيشكل دخوله في معقده ولا نحرز شموله له ، وبدونه لا يمكن الافتاء بالإجزاء . ولنأخذ بالنقد على ما أفاده (قدس سره) بيانه : أمّا ما ذكره من دعوى الاجماع على الإجزاء في العبادات ففي غاية الاشكال ، والسبب في ذلك : هو أنّ هذه المسألة يعني مسألة الإجزاء ليست من المسائل الاُصولية المعنونة في كتب القدماء ، بل هي من المسائل المستحدثة بين المتأخرين ، ومع هذا كيف يمكن لنا دعوى الاجماع فيها . وأضف إلى ذلك : أنّ جماعة كثيرة من الاُصوليين ذهبوا إلى عدم الإجزاء فيها . فالنتيجة : أنّ دعوى الاجماع على الإجزاء فيها خاطئة جداً . على أ نّه اجماع منقول وهو غير حجة كما قرر في محلّه(1) . وأمّا ما ذكره (قدس سره) بالاضافة إلى القسم الأوّل من الأحكام الوضعية فمتين جداً ، وإن سلّمنا الاجماع على الإجزاء في العبادات . وأمّا ما ذكره (قدس سره) من التردد في القسم الثاني فلا وجه له ، لوضوح أ نّه لا فرق بين القسم الأوّل والثاني من هذه الناحية أصلاً ، غاية الأمر إذا لم يبق الموضوع دفع إلى
ـــــــــــــــــــــ (1) مصباح الاُصول 2 : 156 .
ــ[108]ــ
صاحبه بدله إذا كان له بدل ، كما إذا اشترى مالاً بالمعاطاة فتلف المال ثمّ بنى على فسادها اجتهاداً أو تقليداً ضمن بدله . وعلى الجملة : فلا فرق بين القسمين في عدم الإجزاء أصلاً . إلى هنا قد استطعنا أن نصل إلى هذه النتيجة : وهي أنّ مقتضى القاعدة عدم الإجزاء مطلقاً ، فالإجزاء يحتاج إلى دليل ، وما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من الاجماع فهو غير تام كما عرفت . نعم ، قد ثبت الإجزاء في خصوص باب الصلاة بدليل خاص وهو حديث لاتعاد فيما إذا كان الفاقد جزءاً أو شرطاً غير ركن ، بناءً على ضوء ما حققناه في موطنه (1) من عدم اختصاصه بالناسي وشموله للجاهل القاصر أيضاً ، وعليه فلو صلّى بدون السورة مثلاً معتقداً عدم وجوبها اجتهاداً أو تقليداً ثمّ اعتقد وجوبها كذلك ، لم تجب الاعادة عليه لا في الوقت ولا في خارجه . وكذا لو صلّى بدون جلسة الاستراحة بانياً على عدم وجوبها في الصلاة ثمّ انكشـف له الخلاف وبنى على وجوبها فيها لم تجب الاعادة عليه ، وهكذا . والحاصل: أنّ الصلاة إذا كانت فاقدة لجزء أو شرط ركني بطلت وتجب إعادتها . وأمّا إذا كانت فاقدة لجزء أو شرط غير ركني لم تبطل ولم تجب إعادتها لا في الوقت ولا في خارجه بمقتضى حديث لاتعاد . وأمّا تكبيرة الإحرام فهي خارجة عن إطلاق هذا الحديث بمقتضى الروايات الدالة على بطلان الصلاة بفقدانها ولو كان من جهة النسـيان ، وأمّا عدم ذكرها فيه فلعلّه من ناحية عدم صدق الدخول في الصلاة بدونها . فالنتيجة : هي أنّ مقتضى القاعدة الثانوية في خصوص باب الصلاة هو
ـــــــــــــــــــــ (1) منها ما ذكره في شرح العروة 18 : 16 .
ــ[109]ــ
الإجزاء دون غيره من أبواب العبادات والمعاملات ، ومن هنا لو بنى أحد في باب الصوم على عدم بطلانه بالارتماس فارتمس مدة من الزمن ثمّ انكشف له الخلاف وبنى على كونه مبطلاً وجب عليه قضاء تلك المدة . نعم ، لا تجب الكفارة عليه لأ نّها مترتبة على الافطار عالماً عامداً ، ومن هنا قد قلنا بعدم وجوبها حتّى على الجاهل المقصّر (1) . ـــــــــــــــــــــ (1) شرح العروة 21 : 307 (فصل في كفارة الصوم) .
|